عبد الوهاب بدرخان
تصدير المادة
المشاهدات : 2773
شـــــارك المادة
يعاني الموقف الأميركي - الغربي من التدخل الروسي في سوريا خللاً أساسياً أوجده الأميركيون والأوروبيون لأنفسهم منذ بداية مقاربتهم للأزمة، واستكانوا لتفاهمات بين واشنطن وموسكو، بات الآن مؤكداً أنها لم تكن ثابتة ولا صلبة، وأن طرفيها لم يكونا متساويين في التأثير؛ إذ أعطى الأميركيون فيها إلى الروس أكثر مما أخذوا منهم. وعندما تفجّرت أزمة أوكرانيا وتداخلت حساباتها سريعاً مع حسابات الأزمة السورية، أظهر الطرفان أن صراعهما الرئيسي لا يزال في أوروبا، وليس في الشرق الأوسط، بدليل ذهاب الغرب إلى فرض عقوبات على روسيا انعكست بوضوح على عملتها واقتصادها. ولا تعادل الجهود الدبلوماسية طوال أربعة أعوام من الأزمة السورية تلك التي بُذلت طوال شهور من أجل معالجة المسألة الأوكرانية، إلا أنها لم تعطّل خطط روسيا للهيمنة على شرق البلاد، أولا بضم شبه جزيرة القرم، ثم بتغيير الواقع السياسي والإداري والعسكري. ولا يزال اتفاق مينسك (سبتمبر 2014) الذي تم تطويره في فبراير 2015 ينتظر التطبيق. وفي قمة باريس الأخيرة لأطراف هذا الاتفاق (روسيا وفرنسا وألمانيا وأوكرانيا) كان واضحاً أن بنوده الأساسية كافة لم تنفّذ على نحو يدفع الدول الأربع إلى البحث في خطوات تكرّس الانفراج. لا يزال وقف إطلاق النار مخترقاً، كذلك سحب الأسلحة الثقيلة، ولم تتضح بعدُ ملامح «المنطقة الأمنية العازلة» بين قوات كييف وقوات دونباس، وكذلك لم يُشرَع بعد في حوار سياسي جدّي لأن الأطراف الداخلية تنتظر توافق الأطراف الخارجية، وهذه لم تقترب بعد من خيار التفاوض على مستقبل أوكرانيا، فالروس يريدون هيمنة كاملة عليها أو فليكن تقسيم بين شرق وغرب، والأوروبيون يريدون حلاً سياسياً يبقي أوكرانيا موحدة مع حكومة مركزية في كييف تقود إصلاحات داخلية وتعديلات دستورية وإدارية ترضي «الانفصاليين» بـ»حكم ذاتي» ضمن بلد موحّد. لكن فلاديمير بوتن خرج من لقائه مع باراك أوباما في نيويورك كما خرج من القمة الرباعية في باريس، بنتيجة مفادها أن الغرب ليس مستعدّاً بعد لرفع العقوبات ولا للتفاوض معه على تقاسم للنفوذ في أوكرانيا والملفات المتعلّقة بالأمن والدفاع الأوروبيين. هذا يعني بالنسبة إلى بوتن أن المواجهة مستمرة، وإذا كان الأميركيون والأوروبيون يبدون رفضاً علنياً لها إلا أنهم يخوضونها مثله بالوكالة عبر الأوكرانيين. لكن ما دامت المواجهة مستمرّة، ومعها العقوبات، فلا شيء يمنع بوتن من التصعيد بالذهاب إلى مواجهة- بالوكالة أيضا- في سوريا، حيث يملك أوراقاً أكثر ونفوذاً غير متوفر لخصومه، فالحكومة «الشرعية» طلبت رسمياً تدخلاً روسياً لـ «محاربة الإرهاب» بعدما أصبح النظام السوري على شفير الانهيار، وهذه الحرب تعني روسيا مباشرة بحكم مشاركة شيشانيين وقوقازيين في صفوف تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). ولتأكيد الاتجاه التصعيدي جاء التدخّل الروسي في إطار تحالف مع إيران ينطوي تلقائياً على انضواء العراق والنظام السوري فيه، كما أنه دُعم بتنسيق عسكري مع إسرائيل وباحتكاك جوّي مع تركيا، معطوف على اختراق أمني لمفاقمة قلق أنقرة قبل محاولة استمالتها للمشاركة في التحالف «الجديد» ضد الإرهاب. كان «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة ولا يزال موضع انتقادات لاستراتيجية محاربة «داعش»، إذ إن إنجازاتها طوال عام تُعتبر هزيلة وسلبية، بل إن البعض يرى أنها أسهمت في تقوية ذلك التنظيم. وتحاجج روسيا بأن الحلف الذي أسسته سيكون أكثر فاعلية في ضرب الإرهاب، لأنه يعتمد على قوات النظام السوري ودعمها بعمليات جوية أكثر كثافة، فضلاً عن ميليشيات رديفة تستقدمها إيران. ربما كان ذلك صحيحاً في نظر دولة كبرى تهتم أولاً وأخيراً بمصالحها، وتعتمد على التفوّق العسكري الذي تضيفه إلى معادلة الصراع السوري الداخلي، ثم إنها لا تبالي بالخسائر طالما أنها لا تقاتل بجنودها ولا تقصف مناطق على أرضها. لكن موسكو التي تتطلّع إلى إنجازات سريعة في تدخّل قصير المدى (ثلاثة شهور) لم تفحص جيداً معطيات المعارك بين المعارضة والنظام ولا احتمالات تغيير المواقف والخيارات الأميركية والأوروبية والإقليمية، وبالتالي إمكان الغوص في حرب أطول مما تمنته وتصوّرته، فحتى لو ظلّ الأميركيون وحلفاؤهم ممتنعين عن التدخّل، وهذا هو الأرجح، فإنهم سيبذلون كل ما يستطيعون لجعل المغامرة الروسية - الإيرانية أكثر كلفةً. لعل المقارنة بين الأزمتين في سوريا وأوكرانيا تظهر أن «المواجهة بالوكالة» في الثانية لم تبلغ الحسم، لكن التغييرات على الأرض رسمت خطوطاً لا بد أن تنعكس على أي حل نهائي، ثم إن الأطراف المعنية تبدو متوافقة على أسس تفاوضية لهذا الحل. أما في الأولى، أي سوريا، فتستعد روسيا وإيران الآن لحسم عسكري تعتبران أنه سيمهّد لحل سياسي تفرضان فيه ما يلبّي مصالحهما لا ما يحقق الاستقرار ويلبّي طموحات الشعب السوري. ولا شك أن حسم هذا الصراع سيكون صعباً وفقاً للسيناريو الشيشاني، أي بالإبادة والتدمير، غير أن الروس بدؤوا باكراً الإيحاء بأنهم يرجّحون خططاً لتقسيم سوريا تقوم أساساً على تثبيت «دولة الساحل» أو «الدويلة العلوية» استناداً إلى الحدود التي حرص النظام والإيرانيون على رسمها على الأرض، وينخرط الروس حالياً في دعم المعارك الهادفة إلى حمايتها. ولكن هل الإنجازات الميدانية ضد المعارضة ستستدرج الولايات المتحدة أو تجبرها على التفاوض مع بوتن وبناء على شروطه؟ بالطبع لا، وسيواصل أوباما سياسة عدم التدخل وتفادي أي مواجهة مع روسيا، أما ما يحرزه بوتن في سوريا فلا يعنيه كثيراً، بل سيعني الرئيس الأميركي التالي في البيت الأبيض.
العرب القطرية
أحمد موفق زيدان
محمد مصطفى عبد الرزاق
حسان الحموي
أحمد أبازيد
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة