..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

لماذا نجح مشروع أميركا بدعم المجاهدين الأفغان وفشل في سوريا؟

أحمد موفق زيدان

٦ أكتوبر ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4306

 لماذا نجح مشروع أميركا بدعم المجاهدين الأفغان وفشل في سوريا؟
موفق زيدان --++.jpg

شـــــارك المادة

كتب زبيغينو بريجنسكي مستشار الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر أيام الجهاد الأفغاني إنهم من سعوا إلى جرّ الاتحاد السوفيتي لأفغانستان لتلقينه درساً والتخلص من عقدة فيتنام. ليس من السهل التحقق من صحة كلامه، لاسيَّما وأن الدعم الأميركي الحقيقي للمجاهدين أتى بعد سنوات من الغزو، بعد أن تيقنوا من جدية المجاهدين في قتال الدب الروسي وقدرتهم على إلحاق الهزيمة به، ولكن على الأقل تلك هي الرواية الأميركية التي لا نريد مناقشتها الآن.
فالدعم الأميركي آنئذ باختصار جاء متقاطعاً مع مصالح المجاهدين والشعب الأفغاني بطرد الاحتلال السوفيتي وإسقاط نظام الدمية الشيوعي، كما كانوا ينعتونه، فتحقق بذلك هدف الداعم والمدعوم، مما نسج أغنية النصر ولو بعد حين، أما على الأرض فرضخت أميركا لباكستان في توكيلها حصرياً بالتعاطي مع الأرض، وهو التوكيل الذي اتفقت عليه مع الممول الرئيسي لها من أجل توحيد الجهد لتحقيق النصر، مما جعل الطباخ واحداً فلم تحترق الطبخة لوجود طباخين كثر فيها، لاسيَّما باكستان ضياء الحق اكتسبت ثقة غالبية الشعب الأفغاني يومها.
المشروع الأميركي ظل متماشياً طوال سنوات الجهاد مع سياسة المجاهدين ورغبات شعبهم، إلا في سنواته الأخيرة حين أعلنت بعض الأوساط الأميركية عن رغبتها بعودة الملكية وحرمان المجاهدين من الثمرة، مما أربك المشروع وحصل على أساسه افتراق المصالح، وما زالت مقولة زعيم الجماعة الإسلامية القاضي حسين أحمد رحمه الله الذي كان أول مبعوث للإمام أبي الأعلى المودودي مؤسس الجماعة للمجاهدين الأفغان في كابول مطلع السبعينيات ترن في أذني حين رد على سؤال من أن أميركا استخدمت المجاهدين فأجاب المجاهدون هم من استخدموها والدليل غضبها عليهم لاحقاً، ولذا فقد رأينا التخبط الأميركي بعد افتراق المصالح هذا، ولا يزال مشروعها يزداد تخبطاً اليوم مع انفراج زاويته عن هموم الحاضنة الاجتماعية وإصراره على فرض نموذج حياة وأدواته على الشعب الأفغاني وكذلك العراقي والسوري.
أنتقل إلى ما يجري في الشام اليوم فنذكر بردّة فعل الشعب السوري الثائر على الظلم الطائفي حين زار السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد حماة يوم مظاهراتها التي قُدرت بستمئة ألف متظاهر وكيف نثروا عليه الورود ورفعوا سيارته كما قيل، وانتظر السوريون طويلاً أن يُترجم أوباما تصريحاته التي غدت ممجوجة لاحقاً من أن «الأسد فقد شرعيته» وعليه أن يرحل لكن دون جدوى فقد ابتلعها كما ابتلع عشرات التصريحات والتهديدات بحق الأسد، ليتحول إلى زعيم جمهورية موز بكل معنى الكلمة.
إذن ليست العلة في الشعب السوري الذي انتفض على الظلم والاستبداد فهب الأميركي كذباً وزوراً يدعي مساعدته، فسعى إلى حرف المعركة من مطلب الشعب بإسقاط الأسد وهو المرض، ليلتهي الأميركي بالعرض وهو مقاتلة داعش، وفقاً للروزنامة الأسدية بتقديم مقاتلة داعش على إسقاط النظام، وسعت أميركا لاحقاً إلى تكييف مشروع تدريب كتائب الجيش الحر لهذا المفهوم فحصرت المتدربين بقتال داعش، والتعهد خطياً منهم بعدم مقاتلة العصابة.
انفضت كثير من كتائب الجيش الحر عن الممول والمدرب الأميركيين وحين دخل أخيراً حوالي 72 متدرباً بقيادة الرائد أنس أبوزيد الشمال السوري من تركيا لقتال داعش، آثر الأخير مبايعة النصرة وتسليمها أسلحته، وخسرت أميركا مشروعها وأعلنت عن توقفه متزامناً مع الغزو الروسي للشام، الذي ترافق أيضاً مع إعلان أميركي رسمي من أنهم لا يستطيعون حماية من دربوهم من القصف الروسي، وهي فضيحة بامتياز، إذ إنها ستؤثر مستقبلاً على هيبتهم.
الأمر الآخر الذي شلّ القرار الأميركي وتناغمه مع مطلب السوريين بإسقاط العصابة البرميلية هو خلق أكثر من باكستان في التحكم عملياً على الأرض فتشتت القرار، وظهر الأردن ومصالحه المتناقضة مع تركيا تجاه الثورة، وبينما نرى تسخيناً واضحاً في الجبهة الشمالية لحظنا تبريداً بالجنوبية، مما طمأن النظام تماماً إزاءها ليتفرغ للجبهة الشمالية مستدعياً معه الدب الروسي ليدمر ما تبقى من خزف شامي في الشمال والوسط عجزت عنه العصابة البرميلة وأسيادها في قم وطهران.
بالتأكيد فإن ثمة أصواتاً أميركية ارتفعت لكن في البرية بعد أن علا الصوت الصهيوني بالإبقاء على طاغية الشام حاكماً، فقائد القوات الأميركية بالعراق سابقا ومدير مخابراتها سابقا ديفيد باتريوس قال لا بد من منطقة آمنة تحمي المدنيين من براميل الأسد، والأمر نفسه كررته وزيرة خارجية أوباما سابقاً هيلاري كلينتون، وكذلك جون مكين، ووفقاً لخبرة باتريوس صاحب مشروع الصحوات العراقية فإن المشروع في العراق نجح لكسبه ثقة المدنيين.
إذن المشروع الأميركي يتخبط في المنطقة كلها وليس في سوريا فحسب ففي أفغانستان يفتقر إلى الأدوات التي تشاطره المغرم وليس المغنم، ولذا نرى هذه الأدوات يرتفع صوتها فقط عند المغنم ولكنها سريعا ما تفر وقت المغرم، وهو ما يشير إلى تناقض المصالح بين الشعوب وأميركا، وانفصال الأخيرة عن واقع غدا صعب التحكم به وفقاً للروزنامة الدولية بعد عصر الحرية والانعتاق من الاحتلال والظلم والاستبداد.
أخيراً لا أميركا التي حوّلت 39 دولة بحسب بعض الدراسات خلال العقود الماضية إلى دول فاشلة بتدخلاتها قادرة على إحلال عملية تغيير ديمقراطي حقيقي تتناغم مع أشواق الشعوب، ولا روسيا المجرمة التي يذكرها العالم كله بقمعها ربيع براغ ومجازرها الوحشية ضد الشعبين الأفغاني والشيشاني قادرة على سحق مطالب الشعوب، ولكن التحدي الحقيقي أمام الجماعات الجهادية والثورية في أن ترتقي إلى مستوى الحدث أولاً وإلى عظم المواجهة، وطموحات ورغبات شعوبها بالوحدة والتلاحم مع الحاضنة الاجتماعية، وإلا فإن مصير إبادة القياصرة لما أطلق عليهم «قوات الباسمتشي» في آسيا الوسطى ينتظرها، أو عاقبة الشعب الأفغاني بالتحرر من السوفيت بغض النظر عما دار لاحقاً ويدور هناك.

 

 

 

العرب القطرية

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع