عبد الوهاب بدرخان
تصدير المادة
المشاهدات : 3265
شـــــارك المادة
تُرك السوريون لمصيرهم، يمارس نظام بشار الأسد ضدّهم كل ضروب الإبادة والإجرام والتدمير، فهذا حاكمٌ يقتلع شعبه إقتلاعاً على مرأى من العالم. وقبلهم تُرك العراقيون لمصيرهم، فرّوا أولاً من بطش نظام صدّام حسين، وهُجّروا أيضاً بفعل الاحتلال الأميركي والحرب الأهلية التي اشتعلت في ظلّه ثم بفعل الإرهاب «القاعدي» فـ«الداعشي». كذلك الليبيون متروكون الآن لمصيرهم، فمَن لم يدفعه نظام معمر القذافي إلى الهجرة تولّت الميليشيات طرده باسم «الثورة».
وقبل هؤلاء جميعاً تُرك الفلسطينيون يتشتتون في كل أصقاع الأرض بعدما اصطفت دول «العالم الحرّ المتقدم» لمباركة الاحتلال الاسرائيلي والجرائم التي ارتكبها لاقتلاع السكان من بلداتهم وبيوتهم.
ومع هؤلاء جميعاً كانت «حروب الآخرين» في لبنان اضطرّت كثيرين من أهله لركوب البحر إلى قبرص ومنها إلى كل مكان.
وكاد اليمنيون ينجون من هذه المحنة، رغم سوءات نظام علي عبدالله صالح، إلا أن الحوثي، عدوّهم الداخلي الآخر، شاء للبلاد مصيراً إيرانياً بات صنواً للخراب المتعمّد. تعدّدت الأسباب والمنفى القسري واحد، فإذا الطغاة يتناسلون ويتشابهون، من الإسرائيلي إلى الإيراني، ومن الصدّامي إلى الأسدي والقذافي والحوثي/ «الصالحي».
ووراء هؤلاء وقف الأميركي دائماً أكان يقود من أمام مثل جورج دبليو بوش وأسلافه أو من خلف كباراك أوباما، ووقف أيضاً الروسي أكان الاتحاد السوفياتي أو روسيا فلاديمير بوتين.
ولم تكن قيادة الطغاة لتعني ولا مرّة حلَّ الصراعات والأزمات بل إدارتها لاستغلالها. هذا النهج الاستبدادي مستمر بلا أي تغيير على مستوى الدولتين الكبرتين، متصارعتين أو متوافقتين، سرّاً أو علناً.
فلا أوباما يستطيع الإدعاء بأنه «رجل سلام» لأنه لم يحرّك جيوشه مفضلاً حروباً بالوكالة أقلّ كلفةً، ولا بوتين يستطيع أن يخادع بأنه يريد «إصلاح» النظام العالمي، فإصلاحه هذا بات مُختزلاً بالتمسّك بالأسد ونظامه لتقسيم سورية، وبافتعال حرب أهلية لتقسيم أوكرانيا.
وعلى مرّ العقود تناوبت الدولتان على تعطيل القانون الدولي، فجعلا من الأمم المتحدة مجرّد كيان مشلول وعاجز. لا مبالغة في القول أنه كان هناك دائماً بحث عن «شريعة غابٍ» ما مستدامة في الشرق الأوسط. فما يسمّى المجتمع الدولي لم يبالِ يوماً بـ «حماية المدنيين» الفلسطينيين، لا بموجب المعاهدات الملزمة لسلطات الاحتلال الاسرائيلي، ولا بأي قانون أو قرار لمجلس الأمن أو أي عُرف انساني.
كانت تلك رسالة واضحة إلى إسرائيل بأن أحداً لن يحاسبها، وكذلك إلى الأنظمة المستبدّة التي شعرت بأنها محصّنة فتحوّلت مع الوقت إلى عدو وسلطة احتلال داخليين. بل إن هذه الممارسة الدولية اللامسؤولة والمتهوّرة أقرب إلى وصفة مدروسة لاستنهاض التطرّف والإرهاب. لذلك حين أزف إسقاط تلك الأنظمة، بتدخل القوى الخارجية إياها كما في العراق وليبيا أو من دونها كما في سورية واليمن، ارتسمت إشكالية «الاستبداد-الإرهاب» أمام الداخل والخارج معاً، لكن الخارج بدا أكثر تأهّلاً لتوظيفها والاستفادة منها. فأميركا/ أوباما التي انسحبت من العراق مفتخرةً بأنها أقامت فيه «ديموقراطية» سرعان ما تبيّن أنها واقعياً سلّمت البلد إلى إيران التي أعادت إنتاج الإستبداد الذي اجتذب الإرهاب الذي أعاد أميركا إلى العراق لتجد إيران في انتظارها لتكون «شريكة» في محاربة الإرهاب الذي ساهمت مباشرة في إنتاج نسخته «الداعشية» من خريجي «القاعدة» ومعتقلي السجون السورية والعراقية. أما روسيا/ بوتين فكانت طوال الوقت منسجمة مع الخط الإيراني، لأن «الاستبداد - الإرهاب» بالنسبة إليها ليس «جدلية» فلسفية بل معادلة تعني مضاعفة حاجة الأنظمة إلى السلاح.
ففي سورية، مثلاً، وجدت موسكو أن تلك المعادلة استشكلت أخيراً إلى حدّ بات يتطلّب أن تستثمر فيها مباشرةً ولا تكتفي بتلبية حاجات النظام وتحصيل الفواتير من حليفه الإيراني، لذلك كان شروعها في إقامة بنية تحتية لقاعدة عسكرية ثانية بمثابة تكذيب رسمي وفعلي لما ردّدته مراراً بأنها «غير متمسكة بالأسد»، وتكذيب أيضاً لما روّجته عن خلافها مع طهران التي ترفض الاعتراف بـ «بيان جنيف 1». الواقع أن روسيا وإيران تفعّلان تحالفهما في سورية لتفرضا شراكتهما ونظام الأسد في «الحرب على داعش»، كونها أصبحت مدخلاً إلزامياً إلى «حلّ» الأزمة السورية. ثمة مدخل إلزامي آخر انفتح أخيراً إلى ذلك «الحلّ» عبر المهاجرين المتدفّقين على أوروبا. فبعدما تعهّدت الحكومات الأوروبية جميعاً لناخبيها بسياسات صارمة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، ها هي ترضخ لضرورة استيعاب الهجرة القسرية من سورية والعراق.
هنا أيضاً لعب ثنائي «الاستبداد - الإرهاب» دوراً محورياً أشار إليه وزير الخزانة البريطاني بقوله أن المشكلة تكمن في «نظام الأسد الشرير وإرهابيي داعش» ولا بدّ أن تُواجَه «في المنبع».
لكن هذا التشخيص للمشكلة كان معروفاً قبل نحو عام على ظهور «داعش» كحليف ضمني للنظام، تحديداً منذ هدّد الأسد للمرة الأولى في لقائه مع أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التركي آنذاك «بإشعال المنطقة خلال ست ساعات» (تموز/ يوليو 2011).
كان هذا ردّه على كل العواصم الغربية التي دعته وقتئذ إلى «إعلان اصلاحات جدّية وقيادة تنفيذها» (!) احتواءً للانتفاضة الشعبية التي كانت لا تزال في طورها السلمي. بعد أسابيع قليلة بدأ مسلسل الإخفاق الدولي في مجلس الأمن، ولا يزال مستمرّاً. كان الفشل الدولي الأول في استجابة استغاثة المتظاهرين المطالبة بـ «حماية المدنيين»، فلا «القانون الإنساني الدولي» المعني بأبسط حقوق الانسان ولا قرار «الاتحاد من أجل السلام» كانا كافيين لإقناع روسيا والصين بالامتناع عن استخدام «الفيتو» لوقف جرائم يومية موثّقة. وأدّى اليأس من توفير تلك «الحماية» إلى المرحلة التالية، أي عسكرة الصراع، كما سعى إليها النظام معتقداً بإمكان حسمها سريعاً لمصلحته، وبدأت مجازره المتنقّلة بين المناطق تدفع بالمهجّرين إلى الداخل والنازحين إلى الخارج.
أما الفشل الدولي الأكثر خطورة فارتكبه الأميركيون عندما أغرقوا المعارضة وداعميها في متاهة جدالات عقيمة حول المعتدلين الممكن تسليحهم والمتطرفين غير المرغوب فيهم، وحول الخشية من التنظيمات الإرهابية وإمكان وقوع الأسلحة في أيديها.
ولم تبدّل واشنطن ذرائعيتها العدمية رغم تراجع أحوال المعارضة ميدانياً، بل حتى بعدما أدّت الهزائم إلى وقوع المحظور بانتشار «داعش» وتوسّعه. ليس معروفاً في أي رواية كانت واشنطن تكذب، أفي تحذيرها المسبق من ظهور الإرهاب أم في حربها عليه، أم في كليهما؟ تذهب «نظريات المؤامرة» إلى أن أميركا تعتبر «داعش» من تداعيات حربيها على الإرهاب والعراق ومن النتائج التي توقّعتها من إدارتها للأزمة السورية.
اذاً، فلا عزاء لأوروبا المربكة حالياً في إدارتها لـ «غزو» المهاجرين، وقد لمست أخيراً مردود التقصير في مواجهة نظام الأسد وحلفائه. واذا كانت حكومات أوروبا غلّبت أخلاقياتها الإنسانية على اعتباراتها السياسية الداخلية إلا أن ترحيبها البطيء والمتأخّر باللاجئين يعيد إلى الأذهان ممارسات مشابهة سابقة تجاه شعوب أخرى، إذ يرى كثيرون في فتح أبواب نذيراً بأن نهاية أزمة سورية ليست في الأجل المنظور. في أي حال، ثمة حكومات أخرى لم ترَ ضرورةً للتمتع بفضيلة الصمت طالما أن الأخلاقيات تعوزها: إذ لم تتردد طهران، كأي طرف مراقب ومحايد، في حثّ الأوروبيين على القيام بـ «الواجب الانساني» إزاء المهاجرين.
فيما تنكّر بوتين نفسه بزيّ «الشبّيحة» ليقول أن هؤلاء لم يهربوا من سورية بسبب نظام الأسد. أما الجدل الإسرائيلي فكان نموذجاً انحطاطياً بامتياز، سواء من جانب زعيم المعارضة اسحق هيرتزوغ الذي دعا إلى إستقبال لاجئين سوريين متجاهلاً أن ثمة لاجئين فلسطينيين استولت دولته على أرضهم وحقوقهم بل إن فلسطينيين فرّوا من مخيمات سورية وترفض دولته لجوؤهم إلى مناطق السلطة الفلسطينية، أو من جانب رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزرائه الذين هرعوا إلى رفض دعوة هيرتزوغ كما لو أن اللاجئين يتزاحمون على المعابر الحدودية.
الحياة اللندنية
برهان غليون
بيسان الشيخ
بشير البكر
أحمد منصور
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة