عبد العزيز الحيص
تصدير المادة
المشاهدات : 2958
شـــــارك المادة
الحكايات الروسية من نمط الروايات الطويلة، هي الأفضل في العالم، مثل أعمال ديستوفسكي، وكذلك الحكايات القصيرة مثل أعمال تشيخوف. تتعدد الأصوات في بعض الروايات الروسية، كما قالت بذلك أطروحة الناقد الروسي باختاين. وقد استهلت الرواية الروسية نمطا ديمقراطيا تعدديا، يتخلص من صوت الراوي المطلق. لكن في مجال العلاقات الدولية، لروسيا صوت واحد، يعتمد إثبات الذات بقوة صلبة وناعمة في مجالات حيوية قريبة منها مثل أوكرانيا وجورجيا وسوريا.
وعلى حساب قضايانا وأهم أزماتنا العربية اليوم، لم نستطع حتى اليوم إدراك هذا الصوت المنفرد، وإجادة التعامل معه. روسيا دولة نووية عظمى تحتل مساحتها ثُمن اليابسة. قوية الثقة بنفسها اليوم، ومنذ أتى بوتن إلى سدة الحكم مطلع الألفية الثانية، أخذ رجل المخابرات السابق، يعمل بقوة على «استعادة الدور» الذي كانت تلعبه روسيا (الاتحاد السوفيتي) قبل التسعينات، كقطب من أقطاب العالم. تختلف روسيا عن الاتحاد السوفيتي في أنها اليوم لا تركز على آلة بروباجندا دعائية فجة، بل تمارس على الأرض عملا واقعيا براجماتيا، وطويل النفس كرواية. بعد انطلاق الثورة السورية منذ أربع سنوات، وقفت روسيا بجانب نظام الأسد، ولا تزال تصعّد من مواقفها بجانبه، وصل الأمر مؤخرا إلى نشرها لطائرات وطواقم عسكرية لدعم الأسد على الأرض. وقريباً قد تتم مشاهدة طائراتها وهي تقصف معارضي الأسد. تتحدث التقارير أيضاً عن وصول مقاتلين ومستشارين لإدارة المعارك. بمرور الوقت، أخذ النظام السوري ينهار، بينما يزداد النفوذ الإيراني والروسي في ميدان معاركه. اختارت روسيا، ومنذ ما قبل الثورة السورية، العودة للمنطقة عبر الالتزام بدعم محور إقليمي (سوري-إيراني) يمكن لها مناكفة أميركا وحلفائها. ماذا تفعل روسيا اليوم؟ هذه القوات تعلن دخولها الحرب. هذا التصعيد، أتى بعد دعوة دول المنطقة لروسيا، كطرف سياسي شريك في الحلول! كما حصل الشهر الماضي باجتماع وزراء خارجية دول الخليج وأميركا مع وزير خارجية روسيا. لقد تم إعطاء روسيا مساحات في حل أزمات المنطقة بالمجان، وفي المقابل لم تقدم روسيا شيئاً، ولم تقم بالمتوقع منها، وهو قيادة مبادرة سياسية تتجاوز الأسد. بل أرسلت قواتها، واتجهت مباشرة لتطبخ المبادرات في عاصمتها، واستمالت الأطراف القابلين للاستمالة من بين دول المنطقة، وأعلنت جبهة جديدة لمكافحة الإرهاب، بشار الأسد من بين أعضائها! وهذا التطور، أتى بعد أن عملت روسيا طويلا على تقديم نفسها وحكايتها دوليا كصانعة سلام، تمنع الحروب في المنطقة، بينما دول الخليج وأميركا تروّج لها. مثلما كانت الأنفاس طويلة وقصيرة في الأدب الروسي، كذلك سياسة روسيا الخارجية. كان من الممكن تقصير هذا النفس الروسي في أزمة المنطقة، وحرمانه من المكث طويلا هنا. فروسيا كانت وما زالت جزءاً من المشكلة لا الحل، كما كان يردد وزير الخارجية السعودي الراحل، الأمير سعود الفيصل. ذلك يتم لو أن روسيا لم تجد في المنطقة غير مناطق بشار وفوضاه التي تتسع كل يوم. لكنّا أعطيناها المساحة، ووصل بها الأمر إلى إدارة أزمات المنطقة معنا، ونراها اليوم تستميل إلى أطباق موسكو دولاً مقربة لنا! روسيا بلد قوي، لكن مواقفها مشوّهة، وعلينا تعيين المواقف المشوهة وإبرازها دوما، كي تحمل كُلفة هذه المواقف في المجتمع الدولي. لن تغير روسيا موقفها، ولا السوريون والعرب سيغيرون موقفهم من إسقاط الأسد. وإحدى هاتين الحكايتين ستستمر على حساب الأخرى. لذا مطلوب الصبر، وأضعف الإيمان، محاصرة المواقف التي تأتي من جانبنا، وتعطي لروسيا دورا ومكانة. إن روسيا بوتين، قادرة على بيع بشار متى وجدت الصفقة المناسبة. علينا جعلها لا تتوقع حصولها على هذه الصفقة، وعدم إعطائها أي مساحات مجانية في حل الأزمة. من حق روسيا البحث عن مصالحها، لكن كما يؤكد دوماً المفكر برهان غليون، ليس أبداً، على حساب الشعب السوري ومستقبله.
العرب القطرية
جورج سمعان
مهدي الحموي
عبد الرحمن الراشد
سلوى الوفائي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة