..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

تطور البنية الأيديولوجية عند التيارات الفكرية

عباس شريفة

١٨ أغسطس ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4590

تطور البنية الأيديولوجية عند التيارات الفكرية
11870804_1466232810369373_504043177984012333_n.jpg

شـــــارك المادة

بما أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإن التصور القاصر عن كنه التيارات الفكرية المعقدة في تركيبتها والمتطورة في بنيانها الأيديولوجي بالرغم من ادعائها الأصالة يحمل البعض من المفكرين على المجازفة في توصيفات وإطلاق الحكم عليها بظاهر من النظر لا يغوص في جنباتها ولا يأخذ بعين الاعتبار حالة الانفصال والتلاقح التي تخرج غالباً بمكافئ جديد.
حصل في التاريخ العديد من الاقترانات الأيديولوجية والتلاقح الفكري المصلحي بين التنظيمات والجماعات والدول وبين المدارس والتيارات الفكرية.
ونلحظ هذا الأمر من اقتران الروم مع النصرانية واقتران الفرس مع الشيعة واقتران البعثيين مع الغلاة فينتجون حملاً يحمل مورثات التيار الفكري في ظاهره، ويحمل مورثات التنظيم والدولة في سلوكه وباطنه.
ويفسر هذا الأمر أن بعض الدول والتنظيمات تضطر في مرحلة الانحدار إلى البحث عن منظومة أيديولوجية لتشد من أعصاب سلطانها المسترخي وتعيد له الحيوية والشباب تفادياً للسقوط والشيخوخة كما فعل قسطنطين الرابع بفرض النصرانية على الروم للحفاظ على قوة سلطانه، بحشد وتجنيد المؤمنين بالفكرة لخدمة سلطان السياسة وإيهامهم أن ما يضحون به في سبيل الدولة والسلطان هو من أجل الفكرة الحق.
هذه الاقترانات الأيديولوجية هي دائماً مصلحية لذلك يكون التلاقح بين سلبياتها وتشوهاتها وليس بين بقية الخير الكامنة فيها، لذلك قالوا ترومت النصرانية ولم يتنصر الروم.
كذلك تفرست الشيعة ولم يتشيع الفرس وتصهينت اليهودية ولم يتهود الصهاينة وتبعثنت المارقة ولم يتسلف البعثيون.
تلقحت النصرانية بوثنية الروم وتلقحت الشيعة بأساطير الفرس وتلقحت المارقة بإجرام البعثيين.
فصار عندنا تيارات هجينة مركبة في أيديولوجيتها ليس لها هوية ثابتة.
هذه التيارات الهجينة من زيجات الأيديولوجيات الأباعد تحتاج منا إلى إعادة النظر في ماهيتها باعتبارها نازلة مستجدة ولا يجوز قياسها والحكم عليها من منشئها الأول ولا بد من إجراء عملية تشريحية لنسيجها المركب.
فأغلب هذه التيارات اليوم تمثل ركاماً من التشوهات الفكرية تختلف عن مرحلة تأسيسها وصارت تحمل في داخلها بذور الصراع الساخن، وهي قابلة للتشظي في كل وقت.
وللوقوف على كنهها فهي أشبه بالطبقات الجيولوجية تختلف من عصر إلى آخر، تختلف بحسب الترسبات الفكرية التي تفرضها العوامل الخارجية من الضغوط، فأنت ترى أدبيات بعض الجماعات ما قبل دخول السجون مختلفة تماماً عن ما بعد دخول السجون، كالاختلاف بين شعار الجهاد سبيلنا إلى أدبيات دعاة لا قضاة.

لا تستطيع إطلاق حكم واحد على الجماعات الإسلامية في كل مراحلها وحقب تطورها فحكمها في مرحلة التأسيس والعصبية للفكرة ليس كمرحلة الذروة وليس كمرحلة الانحدار ومختلف عن مرحلة الاختراق والانحراف.
وكذلك مرحلة ممارسة دور المعارضة السياسية المولع بالنقد والمظلومية والمثالية، ليس كمرحلة ممارسة السلطة الموسوم بالتبرير والتغاضي عن الأخطاء، وحتى تحافظ على شرعيتها وتوهم الأتباع أنها لا تزال تنتمي لتلك البذور والجذور التي نبتت منها فإنها تحاول دائماً أن تعطي تفسيراً وتأويلاً سائغاً لنظريات الآباء المؤسسين لتبرر لهم أنها لم تخرج عن الخط الأصيل، ولا تزال متمسكة بجذورها، بعملية تشبه تطعيم الشجرة من غير جنسها لتحصل على ثمرات مختلفة ولكن بنفس السيقان والجذور القديمة.
البون ملاحظ في كل التيارات فليس مرجئة العصر كمرجئة السلف ولا خوارج العصر كخوارج السلف ولا شيعة اليوم كشيعة السلف ولا سلفية اليوم كسلفية السلف ولا صوفية العصر كصوفية السلف ولا إخوان العصر كالإخوان المؤسسين.
وقد تشهد بين أشد التيارات عداوة ومفاصلة في مرحلة سالفة نقطة التقاء تكاد تكون متطابقة.
وهذه الطفرات ليست حكراً على التيارات الإسلامية الفكرية، بل حتى في المذاهب الفكرية الوضعية فقد تطورت العلمانية بأشكالها إلى الليبرالية ومن ثم إلى الحداثة ونحن الآن في عصر ما بعد الحداثة.
هذه المعطيات تتطلب منا دراسة هذه التيارات في خطها البياني الزمني للوقوف على أهم الانعطافات والتحولات الفكرية التي طرأت على بنيتها، فلم يعد القول عن فلان أنه سلفي يعطيك دلالة واضحة عن هويته الفكرية ولا عن فلان أنه إخواني يكفي للحكم على مبادئه أو فلان الجهادي، وأنت تجد أصحاب الدراسات المنحازة بالولاء لتيار ما يسلطون الأضواء في دراساتهم على التيار في مرحلة نقائه وعطائه وصفائه،
والمتحاملون يسلطون الأضواء على مرحلة التميع والانحراف والاختراق بغية التسقيط الكلي والتعامي عن الحسنات والأسباب المبررة للتغيير.
على أننا إلى الآن لم نشهد تياراً انتفع بمراجعات المصلحين من داخله وآب إلى خطه الأصيل بسببها، والتي غالباً ما تنتهي بحالة من الانشقاق عن التيار الأم إلى حركة إصلاحية ويبقى التيار متقلباً في انتكاساته وانحرافه.
النتيجة:
يجب على أبناء التيارات المؤدلجة التي تدين بالولاء لمناهجها وتياراتها أن تتحقق من نسبة هذه التيارات التي ينتمون إليها لهويتها الأصيلة وأن يلحظوا البون الشاسع بين ما هم عليه اليوم وما كانوا عليه والتنقيب الجيد في تراثها.
وسيلحظون أن هناك انحرافاً طويلاً سارت فيه هذه الجماعات ولم تشعر به تحت سلطان التخدير بالشعارات الظاهرة والتناقض مع الجوهر، وأنا على يقين جازم أن الكثير منهم سيعودون للالتقاء مع تيارات أخرى كانوا ينظرون إليها نظرة البراء وسيتركون كثيراً من الأفكار والجماعات التي كانوا يدينون لها بالولاء.

يستطيع الحاذق أن يسقط ما قلنا على أي تيار فكري بدون تعيين ليلحظ مصداق ما نقول، ولم أسمِّ تياراً بعينه تاركاً للقارئ الكريم أن يحلل ويسقط ويقارن.

والله من وراء القصد

 

 

مشاركات نور سورية

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع