محمد الصعيدي
تصدير المادة
المشاهدات : 6424
شـــــارك المادة
تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ هذا هو ما آلت إليه الأمور في العالم العربي بسبب الانقسام الاجتماعي الذي بات يقض مضاجع عشرات الملايين من المدنيين المنتشرين من المحيط للخليج.
وعلى ما يبدو فإن القبلية و الانقسام السياسي و الأقليات الدينية جزء من أسباب هذا الانقسام الذي بات لا يسمح بنشر ثقافة التسامح وتعزيز سبل تقبل الآخر فأضحى العنف والإقصاء ورفض الشراكة السياسية والمجتمعية هو المشهد. فئوية أدت إلى تدمير النسيج الاجتماعي والعلاقات الأسرية كما أن الشقاق رسم المشهد السياسي للأحزاب العربية.
فهذه فلسطين انشقت لضفة غربية وقطاع غزة وهذا لبنان انقسم لطوائف واحد شيعية وأخرى سنة والثالثة درزية والرابعة مسيحية وهذه سوريا تشققت لدويلات مختلفة، بالإضافة إلى بلدان مثل العراق التي هي أيضا في طور التقسيم، وسواء كان ذلك التقسيم برغبة أمريكية أم إيرانية فإن أحد أهم أسبابه فقدان ثقافة الوحدة في المجتمعات العربية.
الأسباب والدوافع:
(الإعلامي محمود الدرفيل) لخص (لمجلة البيان)، الأسباب والدوافع التي أدت لانتشار الانقسام الاجتماعي في العالم العربي. واعتبر الدرفيل أن الأسباب الرئيسية تكمن في الفقر والجهل والإحباط الذي يعيشه العالم العربي وكثرة الفرق و الطوائف والانفتاح على العالم الخارجي حيث بات البعض يشكل التحالفات المختلفة مع القوى الأخرى.
وأوضح الدرفيل أن الحلول المقترحة تكمن في إعطاء الحرية للشعوب وعدم تقيد المجتمع بقوانين وضعية ومحاربة الجهل والفقر والتوعية والتوجيه واحترام آراء الآخرين، فيما أكد أن وحدة الموقف السياسي والعمل السياسي الراقي هو أحد الحلول الناجعة لتوحيد المجتمع.
تونس نموذج:
وتعليقًا على ذلك، أشار أستاذ التاريخ الوسيط بالجامعة التونسية محمد الطاهر المنصوري أن المجتمع التونسي في أغلبه متجانس وليس بالمجتمع الذي يُخاف عليه من الانقسامات.
ولفت إلى أن الخلافات التونسية هي خلافات بين مناطق عرفت التنمية وأخرى لم تعرفها، أما الخطاب السياسي الذي يحاول التقسيم بين الجهات (المناطق) فلا يؤخذ بمنطق الجد.
وشدد في الوقت نفسه على أن «إقحام الجهات (المناطق) في الصراع السياسي يبقى في جميع الأحوال موقفًا لا أخلاقيًّا ولا معنى له». ويعني كلام المنصوري أن الانقسام المجتمعي ولد من رحم المعاناة بالدرجة الأولى حيث لا عدالة تسري، الأمر الذي خلق الفرق المتناحرة والمتصارعة على إدارة الشئون الداخلية.
وبدوره قال عبد الرحمان الهذيلي رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في البلاد إنّ «الحكومات المتعاقبة يبدو أنها لم تستوعب الدرس ممّا حصل أثناء الثورة وخلال العشر سنوات الأخيرة لحكم بن علي».
وأضاف «لا المعارضة ولا الحقوقيون استطاعوا في ما سبق خلق ميزان قوى مع بن علي ووحدهم المهمشون هم من نجحوا في ذلك».
ولاحظ أن ما حصل في تونس من تغيير سياسي كبير كان عنوانه اجتماعي وخلفيته اجتماعية ،مؤكدا أن الوضع الاجتماعي تفاقم من خلال مؤشرات عديدة منها أن أكثر من 40 ألفا من الشباب انخرطوا في الهجرة السرية ما بعد الثورة وان حوالي ثلاثة آلاف غادروا باتجاه سوريا الأمر الذي يعني أن العمق الاجتماعي غاب عن حكومات ما بعد الثورة.
ومن ناحيته قال راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإسلامي إن تونس لديها الكثير من الإمكانيات التي تجعلها في الصف الأول من الدول النامية إذا ما تم التوافق المجتمعي التونسي.واعتبر الغنوشي أن المجتمع التونسي بات اليوم في مطب غير مسبوق بسبب عدم استعادة الوحدة الوطنية بين جموع الأحزاب التونسية.
وأكد الغنوشي أن التعارض التونسي التونسي والانقسام أدى إلى إعاقة التنمية في البلاد وبالتالي عدم وحدة المجتمع الأمر الذي شكل خطراً كبيراً على الدولة التونسية.
مصر تعاني:
وفي مصر تعمقت حالة الانقسام المجتمعي على نحو غير مسبوق، فقد انقسم المصريون إلى فريقين، فريق يتبع تيار الإسلام السياسي وآخر مستمسك بالعلمانية.
ورغم أن المصريين موحدين في اللغة والعرق وبغالبية الدين إلا أن الانتماء السياسي والاجتماعي والاقتصادي بات هو المحدد الرئيس للبلاد.ووفقاً للدكتور(عمر عبد الناصر)، المختص في الصحة النفسية، فإن المجتمع دخل إلى مرحلة الضلالات فأضحى كل فرد فيه لديه "ضلالة"، أي أنه بات يرى أنه على صواب وليس على خطأ، وبالتالي فإن فكرة التوافق بين الطرفين المتناقضين صعبة جداً.
وتابع: "المشكلة الحقيقة في كل مجموعة المنقسمة عن الأخرى تغذي الضلالات، وبناء على ذلك لابد أن يقوم رجال عقلانيون بتوعية الرأي العام و توجيهه للصواب.
ومن جهته حذر رئيس حزب "مصر القوية" الاسلامي عبد المنعم أبو الفتوح من أن يؤدي القمع الذي تمارسه السلطات في مصر إلى إذكاء التطرف في المنطقة.
وأكد القيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين أبو الفتوح إن عمليات قمع سابقة في المنطقة أدت إلى نشوء تطرف من النوع الذي قاد إلى هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 ضد الولايات المتحدة، مضيفا أن العالم لن يستقر ما لم تستقر مصر، وأن ما يحدث الآن هو "صناعة للإرهاب" الذي سيدفع المصريون والعالم كله ثمنه.
وقال أبو الفتوح إن السلطات تستغل حربها ضد من تسميهم الإسلاميين المتشددين لقمع المعارضة السياسية المشروعة، بمن فيها المعارضون العلمانيون وجماعة الإخوان. ورغم انشقاقه عن جماعة الإخوان المسلمين عام 2011، اعترض أبو الفتوح على قرار السلطات وضع الجماعة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، مشيرا إلى أن محكمة قضت بإعدام نحو 1200 من الإخوان وأنصارهم "وكأنهم فراخ".
وطالب أبو الفتوح الذي كان مرشحا رئاسيا مستقلا عام 2012 بوقف "المظالم"، لافتا إلى أنه لا يوجد شخص في البلاد إلا وله صديق أو قريب تعرض للقتل أو الاعتقال أو الإصابة، وأنه لم يعد هناك خيار آخر أمام أي سلطة في مصر إلا التصالح الوطني.
الانقسام الفلسطيني:
ولم يغب المشهد الصعب عن القضية الفلسطينية فوق الانقسام الداخلي بين قطاع غزة والضفة المحتلة عام 2007 بعد خلافات داخلية أتت مع اختلاف وجهات النظر لحركتي حماس وفتح في إدارة المرحلة.
وأكد سيساسون فلسطينيين أن القضية على المستوى الدولي والعربي كانت الخاسر الأكبر من الانقسام فيما كانت الحكومة الصهيونية المستفيد الوحيد رغم الأسباب التي أدت لذلك.
ويرى وكيل وزارة الخارجية السابق الدكتور أحمد يوسف أن الانقسام ابرز حالة الاستقطاب داخل الشارع الفلسطيني الأمر الذي شغل الشارع عن المشروع الوطني الفلسطيني وهو التحرر من الاحتلال الصهيوني.
وأضاف يوسف " الانقسام كشف أن القوة الحقيقية للشعب الفلسطيني في وحدته ،مضيفا انه مهما استحوذ اى فريق على مساحة فان الضرر أكثر من النفع ، والتفتت يضمن للكيان الصهيوني الاستمرار في مخططاتها نحو الاستيطان والتهويد وطرد الفلسطينيين ".
وأشار يوسف إلى أن الانقسام الداخلي أعطى الاحتلال ذريعة الاستمرار في فرض الحصار الظالم على قطاع غزة ، مؤكدا أن نتائج هذا الشقاق أكدت انه لا بديل الوحدة الوطنية لمواجهة الاحتلال.
واتفق عضو المجلس الثوري لحركة فتح الدكتور فيصل أبو شهلا في أن الانقسام اثر سلبا على قضية الشعب الفلسطيني، منبها إلى أن الصراع كان على سلطة غير موجودة لأنها تحت الاحتلال0
وأشار أبو شهلا في تصريح صحافي إلى أن حسم الخلافات الفصائلية بالقوة المسلحة كان سابقة بالنسبة للشعب الفلسطيني وهو ما أساء إلى التجربة الديمقراطية التي كنا نعتز بها.
وشدد النائب عن حركة فتح في المجلس التشريعي إلى أن الانقسام زاد عبء حصار قطاع غزة خاصة من الناحية الخدمية مثل التعليم والصحة والثقافة بخلاف تدمير البنية التحتية.
الطائفية تدخل سوريا:
ولم تغب سوريا عن المشهد المر، فباتت تعاني من الطائفية والطبقية خصوصاً بعدما حذر تقرير حكومي من أن اقتصاد البلاد تراجع بنسبة 50 في المائة خلال أربع سنوات من الحرب الأهلية الدامية.
ووفقا لخبير بارز في شؤون سوريا، تم زرع الانقسامات الطبقية عمداً من قبل نظام بشار الأسد، الذي استهدف البنية التحتية الاقتصادية في المناطق التي يسيطر عليها الثوار من أجل المضي قدماً في روايته التي تقول إن الحياة أفضل في المناطق التي تسيطر عليها حكومته.
وفي حديثه مع صحيفة قلوب أند ميل الكندية، قال جوشوا لانديس، وهو مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما: “الإنقسام الطبقي ضخم، ويصبح أكثر أهمية كل يوم“.
وأضاف أن العديد من أعضاء الطبقة الوسطى والطبقة العليا في سوريا يدعمون النظام خوفاً مما قد يحدث لهم في حال سقوطه، في حين يدعم أعضاء الطبقة الدنيا الثوار.
وفقدت الحكومة السورية بحسب تقارير إعلامية السيطرة على ما يقرب من ثلثي أراضيها قبل الحرب، ولكن الكثير من المناطق التي استولت عليها مختلف الفصائل الثائرة هي مناطق صحراوية أو ريفية، معظم سكانها هم من الفقراء والمهمشين.
كثيرة هي الانقسامات في العالم العربي ذكرنا بعضها وأخرى لم نذكرها كونها تشمل الغالبية العظمى ولم تستثني أحداً لكن السؤال الحقيقي إلى متى سيبقى الانقسام المجتمعي سيد الموقف خصوصا وأننا نعيش في ظل ظروف من المفترض أنها تجمع صفنا وتقوي شوكتنا.
مجلة البيان
محمود عثمان
ميشيل كيلو
نجوى شبلي
إياد أبو شقرا
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة