فؤاد الهاشمي
تصدير المادة
المشاهدات : 7158
شـــــارك المادة
نبتت نابتة بغير هدى ولا بصيرة، لا ترقب في مؤمن إلا ولا ذمة، فزادته على قهره، واستباحة دمه، وسلب حريته، وطغيان عشيرته، وبغي عدوه، أن نزعت منه دينه الذي يؤمن به، فرشقته بنبال الكفر من كل حدب وصوب، لتقضي بذلك على نسمات روحه التي بقيت له في هذه الحياة، في اتصاله بربه ومولاه.
فقتلت لأجل ذلك: المرأة زوجها، وقتل الرجل خاله، وبرىء الابن من أبيه، وتطور الأمر إلى تفجير بيوت الله التي أمر بعمارتها.
وإن كان من الظهور بمكان أن أشباه هؤلاء إنما هم أدوات تستخدم من جهات لا تريد بأمتنا خيرا، وإنما هو يشبه التدمير الذاتي لنسيج المجتمع، لكن مهما كان مصدر الشر، فإنه يجب قطع دابرهم، وقطع الطريق دونهم، فلا يكون لهم حيلة ولا مدخلا على أهل الإسلام.
يقولون: إنه كافر باللازم والمآل والتركيب[1]! فأقواله تؤول إلى الكفر! وأفعاله تقتضي الردة! ومهنته يلزم منها أنه كافر بالله العظيم!
{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)} [الكهف: 5، 6]، ولم يلقوا بالا بشهادة التوحيد، ولا بصلاته وصيامه، أو بإيمانه وتقواه، وربما علمه، ودعوته، وهجرته، وجهاده في سبيل الله.
وأعرضوا صفحا عن حديث أسامة رضي الله عنه المرفوع: (يا أسامة، أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قال أسامة: كان متعوذا، قال: فما زال يكررها، حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)[2]، وحديث أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)[3].
وكأن هذه النصوص لم تطرق أسماعهم!! أو أنها حيل بينها وبينهم!! أأصابتهم سكرة!! أم أنهم في غيهم يعمهون!!
ولم يزل العلماء قديما وحديثا يحذرون من هذا المزلق الحاد، ممتثلين بذلك نصوص الشارع بمجانبة تكفير أهل القبلة، لعظم خطره، فهو أمر جلل، لاسيما التكفير بالمآل فإن عليه مدار أكثر التكفير كما يقول ابن الوزير اليماني[4].
وهي طريقة تربو على طريقة أهل الأهواء، الذين كانت جادتهم تكفير خصومهم بلازم الأقوال، وهذا هو فرق ما بينهم وبين أهل السنة، فأهل الأهواء يكفرون خصومهم بلوازم باطلة، في حين أن أهل السنة لا يكفرون غيرهم بلوازم حق لا مفر منها، لعلمهم بأنهم لا يعتقدون بذلك اللزوم، ولا بنتيجته، فهم على بدعتهم من الكفر فروا كما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الخوارج.
ولم يكفر علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخوارج على ضلالهم، علما أن النصوص قد تواترت بمروقهم[5]، وإن كانوا هم يكفرونه، ولم يعتبروا في ذلك صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا مقامه المعروف في الإسلام.
وما نحن فيه من التكفير باللازم والمآل: مركب خطير للغلو، فمن تكفير الأفراد، إلى الجماعات، وسينتهي الأمر إلى تكفير المجتمعات باستلزامات ومآلات وتركيبات، ولن يسلم منها أحد، فكل طائفة تبدأ بتكفير أختها، فيوشك أن لا يبقى أحد على الملة، فأي تفكك في المجتمع فوق هذا؟ وهو ينخر في أصوله المحكمة، ويذيب قواعده الصلبة، ويقطع أواصر الصلة والحياة.
وفوق هذا، حين يكون التكفير مصاحبا للحصرية المطلقة للإيمان، فبعد جيل: لا إله إلا الله، والاستسلام للوحي، والإذعان له، وكان ينزل بين الفينة والأخرى عتاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أو تخطئة لبعض أصحابه.
جاء من يقول: لا أحد إلا أنا، ولا دولة للإسلام إلا دولتنا، ولا منهج إلا منهجنا، ولا هجرة إلا إلينا، ولا جهاد إلا جهادنا، ولا عالم إلا عالمنا، ولا رأي إلا رأينا، فأي فرق، بين هذه المقالة السوء وبين مقالة فرعون: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر: 29]، إنه الطغيان وحب الرئاسة، ولا فرق!
وللإمام ابن دقيق العيد في هذا الموضع نصيحة، حقها أن تكتب بماء الذهب الخالص، فقد حث: على الرجوع فيه إلى ما ثبت في النفس عن التأمل في مصادر الشريعة ومواردها([6]).
قليل من التفكر بين الشخص ونفسه، وقليل من التفكر في نصوص الوحي، وقليل من التفكر في أحوال المسلمين، وقليل من العلم، ينجيني وإياك من الفتنة في الدنيا وعذاب في الآخرة تلظى.
لازم المذهب:
قد استقر قول الأئمة المحققين: أن لازم المذهب ليس بمذهب، قولا واحد لا يختلفون فيه، وما يذكر من التفصيل والفروع، فهو خارج سياق المسألة الأم.
وقد نصوا كلهم: أن القائل قد لا يدري بلوازم أقواله، ولو عرف لانتفى منها، وغاية ما فيه أنه تناقض، والتناقض جائز من البشر.
وصحة ما يلزم من قوله لا يقتضي صحة إضافة ذلك اللازم إلى قوله، ففرق بين صحة اللازم، وبين إضافة هذا اللازم إليه، واعتباره مذهبا له.
وعلى فرض صحة هذا القول الذي لا يدرى من هو قائله! أن لازم المذهب مذهب، فإن ذلك لا يقتضي الحكم عليه بالكفر، لأن التكفير مقام صعب احترس له الشارع واحتاط، فلا يثبت إلا بقيام الحجة عليه باعتقاده، فإذا ثبت المقتضي، وانتفى المانع من العذر ونحوه، فحينئذٍ، ولكن أين هذا التقرير من هؤلاء المكفرين باللازم! وبالمآل! وبتركيب المكعبات حتى يصل إلى أنه كافر بطريقة هندسية عجيبة! فاتت فيثاغورس! ويا لحسرته!
وهذا كله إذا ثبت كونه لازما، والغالب أنه لا يكون لازما، ولا مآلا، ولا مركبا، وإنما خبل وخيبة! ولذا فمن صفات هذا القول أنه جهل، كما سيأتي في كلام العلماء، وسترى في وصفه كل غثيث!
وأما تفريق المالكية بين اللازم البين[7] وغير اللازم البين: فلا يخالف قول المحققين من أن لازم المذهب ليس بلازم، فما يذكره المالكية من أمثلة اللازم البين يكشف أن المراد الفعل المقتضي للكفر ضرورة مثل إلقاء المصحف في قذر أو التلطيخ به[8].
ومن أمثلته: لزوم الشجاعة للأسد، والفردية للثلاثة، فإن لزوم هذين لملزوميهما لا يفتقر إلى دليل[9].
ولذا تجد كثيرا من المالكية: يهملون استثناء اللازم البين، لاتضاحه، ويتابعون الجمهور في أن لازم المذهب ليس بمذهب.
ومن هذا الباب: قول أبي الحسين البصري المعتزلي: مذهب الإنسان هو اعتقاده، فمتى ظننا اعتقاد الإنسان، أو عرفناه ضرورة، أو بدليل مجمل، أو مفصل قلنا إنه مذهبه.
فقد بين أبو الحسين كيفية معرفة مذهب الإنسان، وأنه لا بد من دليل عليه أو معرفته ضرورة، ولذا نص على أن قول المجتهد إذا كان يشبه مسألة أخرى، فإن حكم المسألة الأخرى لا يضاف إليه لأنه يحتمل أنه لم يخطر على باله[10].
وبذلك يتبين: أن أبا الحسين إنما يريد المعرفة الضرورية، بما يشبه الدليل عند الظاهرية الذي يقتضيه الدليل يقينا، فإذا كان للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن للأنثى نصف حظ الذكر، وإذا كانت هذه الكعكة بيني وبينك، ولك ثلثها، فإنه يقينا أن لي الثلثين منها.
وهذا كله في إضافة الأقوال، ومع ذلك تشدد العلماء في إضافة اللوازم، ومنهم من أضافه إذا كان بينا ينقدح في الذهن ضرورة، كما في الأمثلة.
فكيف بمن ارتقى مرتقى صعبا، فكفر بمجرد اللازم الذي ينتفي منه صاحبه! ويقول أنا من هذا اللازم بريء؟!
وإذا كان جماعة من المحققين من أهل العلم لم يكفروا من كان قوله في المقالات الخفية، مع كونها تتضمن كفرا، فكيف يصح تكفيره بما يؤول إليه قوله؟! أو تتركب منه! فإنه أبعد وأبعد.
وقد بلغوا في التكفير بالتركيب مبلغا عظيما! حتى اختلفوا في كفر رجال الإطفاء على قولين! أحدهما الكفر! لأنه جهاز حكومي! والحكومة موالية لأمريكا! وأمريكا كافرة! مسكين أنت يا رجل المطافي! تطفئ النار والحريق! وخرطوم المياه مشفر بالكفر والزندقة!
هذا هو سبب خطورة التكفير باللازم والمآل والتركيب، فإن الشر فيه مستطير! فهذا البحث الصغير لكونه ضد حضرته! وحيث إنه هو الممثل الحصري للإسلام، والمستبد ببوابة الدخول إليه، والخروج منه، فإنه يحيل هذه الحروف إلى موالاة الكفار! وذهبتُ وأوراقي في خبر كان!
وأنت أيها القارئ، فلست في مأمن! فإذا قرأت! فيجب عليك الإنكار! وإلا فإن سكوتك علامة الرضا بالكفر! ويا بختك! أهلا وسهلا بك في عالم التكفير بالمآل!
هؤلاء بين شبيبة صغار لم يعالجوا العلم، ولم تنقاد ألسنتهم بالعربية، ولم ترتاض أذهنتهم على العلم، وإنما من فورهم: يمتطون فوهات مدافع التكفير بالمآل!
ولهؤلاء سلف! فقد حكى المقبلي قصتين:
الأولى: وضع بعض الناس قريبا من بعض متفقهتهم نعله، فقال: كفرت! لأنك أهنت العلماء! وهو إهانة الشريعة! ثم للرسول! ثم للمرسل!
والثانية: فعل بعضهم شيئا من منكرات الدولة، فقال المظلوم: هذا ظلم، وحاشا السلطان من الأمر والرضا به، فقال: أنا خادم للدولة المنتمية إلى السلطان، فقد نسبت الظلم إلى السلطان! فأهنت ما عظمت الشريعة من أمر السلطان! فكفرت!! وأخذوه! وجاءوا به إلى القاضي، وحكم عليه بالردة! ثم جدد إسلامه! وفعل ما يترتب على ذلك.
قال المقبلي ( 1108): هاتان الحكايتان في مكة في عصرنا مجرد مثال [11].
ينظر في تحرير مبحث لازم المذهب: كتاب نظرية الإلزام ص51- 60. إجماع العلماء على عدم الكفر بالمآل:
نقل ابن رشد الجد (520): الإجماع على عدم الكفر بالمآل، الذي لا يكون إلا بالتركيب:
قال رحمه الله: (من أهل الأهواء ما هو اعتقادهم كفر فلا يختلف في تكفيرهم، ومنه ما هو خفيف لا يؤدي بمعتقديه إلى الكفر إلا بالتركيب، وهو أن يلزم على قوله ما هو أغلظ منه وعلى ذلك الأغلظ ما هو أغلظ حتى يؤول به ذلك الأغلظ إلى الكفر، فهذا لا يكفر به بإجماع)[12].
وهؤلاء أهل الأهواء والبدع وإن كان في بعض أقوالهم الكفر، إلا أنهم لم يقصدوا بما قالوه اختيار الكفر، ولم يزالوا ينتفون منه، ولم يزل العلماء يعاملونهم معاملة المسلمين في نكاحهم، وإنكاحهم، والصلاة على موتاهم، ودفنهم في مقابرهم[13].
ومقالات العلماء المناقضة للتكفير بالمآل واللازم والتركيب، لا يمكن لأحد أن يحصيها، وكل ما جمعته هنا إنما هو طرف يسير من ذلك.
ولا أعرف إماما واحدا قال بالتكفير باللازم والمآل والتركيب! ما اسمه؟ وأين هو؟ وما كتابه؟ ولذا جسر ابن رشد الحفيد على إضافة طريقة التكفير بالمآل إلى أهل البدع![14]. ومن هؤلاء العلماء الذين وقفت على تقريراتهم التي تضاد التكفير بالمآل (ستأتي نصوصهم مفصلة، وهنا إشارة فقط):
1.الشافعي: فقد قدم استقراء نوعيا في عدم رد شهادة أهل الأهواء، فضلا عن تكفيرهم باللازم والمآل والتركيب.
2. ابن رشد الجد: فقد نقل الإجماع على عدم التكفير بالتركيب.
3. ابن حزم الظاهري: الذي يحبه المجاهدون في سبيل الله، ويقدمونه لصدعه بالحق، حتى كان لسانه كسيف الحجاج قوة وصرامة، ولقوله الشديد في الطوائف المتقاتلة، حتى قال: (إنهم لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها)[15]، ومقالته المشهورة: (اعلموا أنه لولا المجاهدون لهلك الدين، ولكنا ذمة لأهل الكفر)[16]، ولمجانبته المنتسبين إلى الفقه اللابسين جلود الضأن على قلوب السباع، المزينين لأهل الشر شرهم، الناصرين لهم على فسقهم([17]).
ومع كل هذا: فقد كان ابن حزم على رأس المحذرين من التكفير باللازم، وأنه كذب على صاحبه، وتبعه على هذا الحرف ابن تيمية، والذي جاء دوره الآن.
4. ابن تيمية: شيخ الإسلام، الذي كانت علوم الإسلام بين عينيه، والذي آل مدار فقه السلف عليه، ومرجعا لفهم كلامهم، وهو الذي تُدرَّس كتبه في الجوامع والجامعات، وعلى ضوء فكره تصاغ المناهج، وهو الذي قدم حياته في سبيل عقيدة السلف، وما انتهى إليه بحثه، حتى سجن في مسائل الطلاق والأيمان ونحوها، ولم يزل يبتلى في ذات الله حتى مات في سجن القلعة معتقلا.
وقد كان ابن تيمية: كثير التحذير من التكفير باللازم، ويقول للذين يؤذونه من المبتدعة من مشيختهم: لو قلت بقولكم لكفرت، ولكن أنا لا أكفركم، لأنكم جهال لا تعرفون لوازم قولكم.
5. مشيخة المقاصد وخبراء المآل: (أبو حامد الغزالي، والعز ابن عبد السلام، والقرافي، وابن دقيق العيد، وابن القيم، والشاطبي)، وإذا قالت حذام فصدقوها.
6. دعاة الاجتهاد، ونبذ التقليد: (ابن الوزير اليماني، والمقبلي، والصنعاني، والشوكاني).
7. غير هؤلاء كثير من فقهاء الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، وغيرهم ممن لا ينتسبون إلى مذهب، ومنهم: (القاضي عياض، والرازي، والنووي، وعلي ابن العطار، مشيخة الشاطبي من الباجيين والمغاربة، والزركشي، والبلقيني، وابن العراقي، وابن حجر العسقلاني، والسخاوي، وابن أمير الحاج الحنفي، وابن حجر الهيتمي، والحموي الحنفي، وحسن العطار، والسعدي).
هؤلاء هم علماء الإسلام من كل مذهب، وبكل لون، وفي كل اتجاه، فإن لم يكونوا هم فعمن نأخذ ديننا؟
ولهذا – فيما أعلم -: لم يصرح أحدٌ من الأئمة بالتكفير باللازم أو بالمآل أو بالتركيب، وإنما غاية ما هنالك تخريج بعض المتأخرين لقولٍ بتكفير أهل الأهواء الغلاة أو تكفير المعينين منهم، بيانه فيما يلي: ما جاء عن بعض السلف، فتوهِّم منه أنه من التكفير بالمآل فعلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما نُقِل عنهم في تكفير الأعيان.
القسم الثاني: تنزيل بعض النصوص التي فيها وصف الكفر على أهل الأهواء.
المنقول عن السلف في هذين القسمين لا يقتضي أنهم اعتبروا فيه الكفر بالمآل، وإنما الظاهر أنهم اعتبروا البدعة المكفرة في نفسها، كمقالة القدرية الغلاة في إنكار العلم والقدر، وإضافة الجهل والعجز، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، ونحو ذلك مما لا تنقاد الألسن إلى حكايتها، وهذا قول شهير للسلف في تكفير الغلاة من أهل الأهواء، ولم ينتشر إطلاقها إلا على رؤوس الضلالة منهم، وقد ناظروهم، وأقاموا الحجج عليهم؛ فأين هذا من التكفير بالمآل واللازم والتركيب؟ أتصحو؟ أم فؤادك غير صاح؟
وقد حمل جماعة من أهل العلم: جملة من نصوص الوعيد على أهل الأهواء، أو الذين ارتدوا عن دينهم من هذه الأمة، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159][18]، وقوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106]، إلى غير ذلك من الآيات[19]، ومن الأحاديث: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض)[20]، وأنها في أهل القبلة من هذه الأمة، إما من أهل الأهواء الغلاة، أو الذين ارتدوا على أدبارهم، ونكصوا، كما تفيده بعض النصوص.
ومن هذا الباب: ما نقله ابن رشد الجد عن الإمام مالك من الخلاف عنه في التكفير بالمآل، فنقل عنه قولين في ذلك، أحدهما: أن آية سورة آل عمران: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [آل عمران: 106] هي أشد آية على أهل الاختلاف من أهل الأهواء[21]، هذا غاية ما ورد عن الإمام مالك، وليس فيه تصريح بالكفر بالمآل، فإن كانت هذه الرواية مفيدة لكفر أهل الأهواء، فمراده يقينا الغلاة من أهل الأهواء، فلا أحد يقدر أن يقول إن الإمام مالك كان يكفر كل أهل الأهواء.
وقد كان كفرُ الغلاة منهم لنفس قولهم، لا لأن قولهم يؤول إلى قول كفر، ويدل على هذا أن ابن رشد نفسه الذي فسر قول إمامه بالتكفير بالمآل، قد اتضح من أمثلته أنه يريد تكفير الغلاة من أهل الأهواء الذين لا ينبغي أن يختلف في كفرهم.
ولذا نقل ابن رشد أيضا: الإجماع على عدم التكفير بالتركيب، وبالضرورة فإنه على رأس هؤلاء إمامه الإمام مالك؛ فهل يعقل أن ينقل الإجماع، ويفوته قول الإمام مالك، الذي أمضى عمره في جمع أقواله وشرحها؟!
ولا فرق بين التكفير بالمآل والتكفير بالتركيب إلا في عدد المقدمات إن صح هذا الفرق، وهو فرق غير مؤثر، فهو في الأخير مآل قوله الذي ينتفي منه، سواء كان مآل قوله بمقدمة واحدة أو بمقدمتين.
ولابن رشد موضع آخر: بين فيه أنه لا يكفر باللازم البين إلا بعد أن يستفهم منه في اعتقاد لزومه، فماذا بقي بعد ذلك؟
ثم إن أعلم الناس بفقه الإمام مالك، هم أصحابه المالكية، ومع ذلك لم يقولوا بالتكفير بالمآل، بل نص المحققون منهم أن لازم المذهب ليس بمذهب، وقرروا في متونهم أن الكفر لا يكون باللازم إلا إذا كان بينا يدرك ضرورة، كما سبق التمثيل بالأمثلة التي يصعب إمرارها على اللسان.
فكيف إذا كان هذا المنقول عن الإمام مالك في التكفير بالمآل مخالف لقول آخر له في عدم التكفير بالمآل، ونقله ابن رشد الجد نفسه؟!
إذن: لم يصرح الإمام مالك ولا في موضع واحد بالقول بالتكفير بالمآل، وإنما لقوله في تفسير بعض الآيات التي فيها وصف الكفر بأنها في أهل الأهواء، فتوهم من ذلك أنه يقول بالتكفير بالمآل، والحق أن مرامه الغلاة من أهل الأهواء، وأن كفرهم إنما كان لنفس قولهم لا لأنه يؤول إلى قول كفر.
القسم الثالث: مقالات لا تثبت تحت قانون الصناعة النقدية:
مثال ذلك: نَقَلَ الحنابلةُ في ترجمة إمامهم الإمام أحمد، عن الشافعي من قوله: (من أبغض أحمد فهو كافر، فقال له الربيع بن سليمان: تطلق عليه اسم الكفر؟ فقال: نعم، من أبغض أحمد بن حنبل، عاند السنة، ومن عاند السنة، قصد الصحابة، ومن قصد الصحابة، أبغض النبي، ومن أبغض النبي صلى الله عليه وسلم كفر بالله العظيم)[22].
والجواب: أن هذا ومثله لا يمكن أن يصدر عن رجل له مسكة علم؛ فكيف بالشافعي الإمام مؤسس علم الأصول؟ وكيف وهو صاحب الاستقراء الفاحص عن السلف في عدم رد شهادة أهل الأهواء فضلا عن تكفير من يبغض الإمام أحمد.
ربما كانت العبارة: إنما يبغض أحمد الكفار، لمقامه في الإسلام، ثم تحولت بفعل النقلة، ثم فسرت تخريجا من بعضهم، حتى انتهت إلى الصورة المشوهة التي رأيت!
يمكن أن يكون أي شيء في الدنيا سوى هذه العبارة المنكرة، التي نقلت بلا إسناد في كتب تراجم الحنابلة في تعظيم الإمام أحمد! ولا يخفاك ما في التراجم من المبالغات التي لا يصدقها عقل ولا شرع، ولها قصص عجب في عجب!
ثم أين هذه العبارة في كتب الشافعية؟ ولماذا لم ينقلوها عنه، ويستشكلوها كما استشكلوا قوله في تكفير حفص الفرد القائل بخلق القرآن، مع أنه ناظره، وأقام الحجة عليه، والقائل بخلق القرآن كافر عنده؟ فأين هذه المسألة من تلك؟[23].
ولا نتعجب من ورود مثل هذا في كتب التراجم ونحوها لكن أن يكون أصلا ومنهجا في باب التكفير! فلا ولا، ثم لا.
ومن مبتكرات المسلمين: هذا المنهج النقدي المحكم في استخراج الأصول والقواعد والمسائل الكبار، وإمرارها تحت مجهر الفحص والنقد، فما كل عبارة أو حكاية تروى عن العلماء تصلح أن تكون قوله، وربما يتطور الأمر عند أولئك إلى أن تكون أصله ومنهجه! حتى انتهى الأمر إلى أن صارت عقيدة محكمة للسلف! وإن لم يخطر على بال أحد من السلف!
فكيف إذا كان المنقول عن هذا الشخص مجرد تخريج، ينكره هذا الشخص بنصه في كتبه التي خطها بيده؟ وكيف إذا كانت أصوله ومنهجه تأباه؟ وكيف إذا كان هذا مفارقا لقول العلماء كافة؟
إن الأصول لا تقرر ولا تبنى بناء على رواية مشكلة؛ لأن استنتاج الكليات من الجزئيات إنما يعتمد كثرتها لتنتفي الخصوصيات، ويؤخذ القدر المشترك، وأما الفرد المعين، فيحتمل أن يكون الحكم فيه لأمر يخصه، كما قرره ابن دقيق العيد[24].
وقد بين ابن القيم الواجب في المقالات الضعيفة المروية عن العلماء، فقال: (إن كنا قد حذرنا زلة العالم وقيل لنا: إنها من أخوف ما يخاف علينا، وأمرنا مع ذلك أن لا نرجع عنه، فالواجب على من شرح الله صدره للإسلام إذا بلغته مقالة ضعيفة عن بعض الأئمة أن لا يحكيها لمن يتقلدها، بل يسكت عن ذكرها إن تيقن صحتها، وإلا توقف في قبولها؛ فكثيرا ما يحكى عن الأئمة ما لا حقيقة له، وكثير من المسائل يخرجها بعض الأتباع على قاعدة متبوعه مع أن ذلك الإمام لو رأى أنها تفضي إلى ذلك لما التزمها، وأيضا فلازم المذهب ليس بمذهب، وإن كان لازم النص حقا؛ لأن الشارع لا يجوز عليه التناقض، فلازم قوله حق، وأما من عداه فلا يمتنع عليه أن يقول الشيء ويخفى عليه لازمه، ولو علم أن هذا لازمه لما قاله؛ فلا يجوز أن يقال: هذا مذهبه، ويقول ما لم يقله)[25]. الخلاصة :
التكفير بالمآل مسلك منحرف بإجماع العلماء، مخالف لما سار عليه السلف، وهو من طرائق أهل الأهواء والجهل والعدوان، وهو نوع من الافتراء والبهتان الذي ينبغي التنزه عنه لمصادمته لبديهيات العقول، ولرواسخ القواعد الشرعية فلا ينبغي أن يقع حوله أدنى خلاف، وكل ظواهر الشرع صريحة في أن المؤاخذة لا تكون إلا بما يقع به التصريح قولا أو فعلا[26].
قال ابن دقيق العيد: (ومَنْ وصف أخاه المسلم بالكفر فقد رتب عليه الرسولُ صلى الله عليه وسلم قوله: «حار عليه»([27])، أي رجع عليه، وهذا وعيد عظيم لمن كفر أحدًا مِن المسلمين، ولم يكن كذلك، وهي ورطة([28]) عظيمة، وقع فيها خلقٌ كثير مِنَ المتكلفين، ومِن المنسوبين إلى السنة وأهل الحديث، لما اختلفوا في العقائد، فغلظوا على مخالفهم، وحكموا بكفرهم) ([29]).
نصوص أهل العلم (204- 1376) :
1. الشافعي (204):
قال: (ذهب الناس من تأويل القرآن والأحاديث أو من ذهب منهم إلى أمور اختلفوا فيها، فتباينوا فيها تباينا شديدا، واستحل فيها بعضهم من بعض ما تطول حكايته، وكان ذلك منهم متقادما منه ما كان في عهد السلف وبعدهم إلى اليوم، فلم نعلم أحدا من سلف هذه الأمة يقتدى به، ولا من التابعين بعدهم رد شهادة أحد بتأويل وإن خطأه وضلله ورآه استحل فيه ما حرم عليه، ولا رد شهادة أحد بشيء من التأويل كان له وجه يحتمله وإن بلغ فيه استحلال الدم والمال أو المفرط من القول)[30].
وقد فرح النووي بهذا المقالة، وطرب أيما طرب، وقال: هذا نصه بحروفه، وفيه التصريح بما ذكرنا[31].
ولهذا الاستقراء الذي قدمه الشافعي ثقل خاص لأمرين:
الأول: وفاته المبكرة سنة 204هـ.
الثانية: خبرته بمدارس الفقهاء (الحجاز، الكوفة، بغداد، مصر)، فهو صاحب الرحلات الفقهية.
2. البخاري (256):
عقد البخاري بابين في " صحيحه" في التحذير من التكفير بغير هدى: باب من كفر أخاه بغير تأويل، باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا، وأورد فيهما عدة نصوص تفيد ذلك[32].
3. ابن حزم (456):
قال ابن الوزير اليماني: (قد صنَّف العلامة أبو محمد بن حزم الفارسي مصنَّفًا حافلًا في المنع من تكفير أهل القبلة)[33]، عنوانه: (الصادع والرادع في الرد على مَنْ كَفَّرَ المتأولين مِنْ فِرَقِ المسلمين والرد على مَنْ قال بالتقليد)([34]).
قال ابن حزم: (أما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ؛ لأنه كذب على الخصم وتقويل له ما لم يقل به، وإن لزمه فلم يحصل على غير التناقض، فقط والتناقض ليس كفرا، بل قد أحسن إذ فر من الكفر.
وأيضا: فإنه ليس للناس قول إلا ومخالف ذلك القول يلزم خصمه الكفر في فساد قوله وطرده... وكل فرقة فهي تنتقي بما تسميها به الأخرى وتكفر من قال شيئا من ذلك، فصح أنه لا يكفر أحد إلا بنفس قوله ونص معتقده، ولا ينتفع أحد بأن يعبر عن معتقده بلفظ يحسن به قبحه لكن المحكوم به هو مقتضى قوله فقط)[35].
4. أبو حامد الغزالي (505):
نقل ابن الوزير اليماني عنه إنكاره للتكفير بالمآل في كتابه التفرقة[36].
5. ابن رشد الجد (520):
قال: (من أهل الأهواء ما هو اعتقادهم كفر فلا يختلف في تكفيرهم، ومنه ما هو خفيف لا يؤدي بمعتقديه إلى الكفر إلا بالتركيب، وهو أن يلزم على قوله ما هو أغلظ منه وعلى ذلك الأغلظ ما هو أغلظ حتى يؤول به ذلك الأغلظ إلى الكفر، فهذا لا يكفر به بإجماع)[37].
6. القاضي عياض (544):
قال: (من قال بالمآل لما يؤدِّيه إليه قوله، ويسوقه إليه مذهبه: كفَّره .. فكأنهم صرحوا عنده بما أدَّى إليه قولهم، وهكذا عند هذا سائر فرق التأويل من المشبهة والقدرية وغيرهم.
ومن لم ير أخذهم بمآل قولهم، ولا ألزمهم موجب مذهبهم: لم ير إكفارهم؛ لأنهم إذا وقفوا على هذا قالوا: ... نحن ننتفي من القول بالمآل الذي ألزمتموه لنا، ونعتقد نحن وأنتم أنه كفر؛ بل نقول: إن قولنا لا يؤول إليه على ما أصَّلناه.
فعلى هذين المأخذين: اختلف الناس في إكفار أهل التأويل، وإذا فهمته اتضح لك الموجب لاختلاف الناس في ذلك.
والصواب: ترك إكفارهم، والإعراض عن الحتم عليهم بالخسران، وإجراء حكم الإسلام عليهم في قصاصهم، ووراثتهم، ومناكحتهم، ودياتهم، والصلاة عليهم، ودفنهم في مقابر المسلمين، وسائر معاملاتهم، لكنه يغلظ عليهم بوجيع الأدب، وشديد الزجر والهجر؛ حتى يرجعوا عن بدعتهم، وهذه كانت سيرة الصدر الأول فيهم، فقد كان نشأ على زمن الصحابة - رضي الله عنهم - وبعدهم في التابعين من قال بهذه الأقوال من القدر، ورأي الخوارج والاعتزال، فما أزاحوا لهم قبرًا، ولا قطعوا لأحد منهم ميراثًا، لكنهم هجروهم، وأدّبوهم بالضرب والنفي والقتل على قدر أحوالهم؛ لأنهم فسَّاق، ضلّال، عصاة، أصحاب كبائر عند المحققين وأهل السنة؛ ممن لم يقل بكفرهم، خلافًا لمن رأى خلاف ذلك، والله الموفق للصواب)[38].
7. ابن رشد الحفيد:
قال: (أكثر أهل البدع إنما يكفرون بالمآل، واختلف قول مالك في التكفير بالمآل، ومعنى التكفير بالمآل أنهم لا يصرحون بقول هو كفر، ولكن يصرحون بأقوال يلزم عنها الكفر، وهم لا يعتقدون ذلك اللزوم)[39].
هذا كلام ابن رشد الحفيد، وهو ينقل الخلاف عن جده عن الإمام مالك، وتقدمت الإشارة إلى ذلك.
8. وعليه مشى: فخر الدين الرازي (606)[40].
9. العز ابن عبد السلام (660):
قال: (لازم المذهب ليس بمذهب .. فلا يجوز أن ينسب إلى مذهب من يصرح بخلافه وإن كان لازما من قوله)[41].
10. النووي (676):
قال: (جمهور الفقهاء من أصحابنا وغيرهم لا يكفرون أحدا من أهل القبلة ... ولم يزل السلف والخلف على الصلاة خلف المعتزلة، وغيرهم، ومناكحتهم، وموارثتهم، وإجراء أحكام المسلمين عليهم)[42].
11. القرافي (684):
نقل ابن الشاط (723): عن القرافي: أنه لا يقول بالكفر بالمآل[43].
12. ابن دقيق العيد (702):
اعتبر الإمام ابن دقيق العيد: أنَّ السبب الذي دَعَى بعضُهم إلى تكفير المبتدعة هو اعتباره أنَّ مآل المذهب مذهب، ويقول: المعتزلة كفار؛ لأنهم وإنِ اعترفوا بأحكام الصفات فقد أنكروا الصفات، ويلزم مِنْ إنكار الصفات إنكار أحكامها، ومَنْ أنكر أحكامها فهو كافر، وكذلك المعتزلة تنسب الكفر إلى غيرها بطريق المآل([44]).
13. علي ابن العطار (ص724):
قال في لازم المذهب هل هو مذهب: (الصحيح الذي عليه جمهور العلماء أنه ليس بمذهبٍ ولا قولٍ، والله أعلم، وهذا معنى قول أئمة المنطق في الماهية الساذجة، التي لا ينظر إلى سابقتها ولاحقتها، بل ينظر إلى ذاتها من حيث هي) [45].
14. ابن تيمية (728):
قال: (كان أهل العلم والسنة: لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم؛ لأن الكفر حكم شرعي، فليس للإنسان أن يعاقب بمثله كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك أن تكذب عليه وتزني بأهله؛ لأن الكذب والزنا حرام لحق الله تعالى، وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله و رسوله.
وكنت أقول للجهمية من الحلولية والنفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنت كافرا لأني أعلم أن قولكم كفر وأنتم عندي لا تكفرون؛ لأنكم جهال وكان هذا خطابا لعلمائهم وقضاتهم، وشيوخهم وأمرائهم، وأصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور من معرفة المنقول الصحيح والمعقول الصريح الموافق له، وكان هذا خطابنا، فلهذا لم نقابل جهله وافتراءه بالتكفير بمثله)[46].
وقال: (ليس كل من تكلم بالكفر يكفر، حتى تقوم عليه الحجة المثبتة لكفره ... فلازم المذهب ليس بمذهب، إلا أن يستلزمه صاحب المذهب، فخلق كثير من الناس ينفون ألفاظا أو يثبتونها، بل ينفون معاني أو يثبتونها، ويكون ذلك مستلزما لأمور هي كفر، وهم لا يعلمون بالملازمة، بل يتناقضون، وما أكثر تناقض الناس لا سيما في هذا الباب، وليس التناقض كفراً)[47].
وقال عن البكري: (قول هذا المفتري وأمثاله يجر إلى مثل هذا لكنهم لا يعرفون أصل قولهم ولوازمه، بل هم على عادة تعودوها واتباع لشيوخ لهم فيهم نوع من علم ودين ليس لهم خبرة بحقيقة ما جاء به الرسول)[48].
وقال: (الصواب: أن مذهب الإنسان ليس بمذهب له إذا لم يلتزمه، فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه كانت إضافته إليه كذبا عليه، بل ذلك يدل على فساد قوله وتناقضه ...
ولو كان لازم المذهب مذهبا: للزم تكفير كل من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات أنه مجاز ليس بحقيقة، فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه أو صفاته حقيقة ... ولازم قول هؤلاء يستلزم قول غلاة الملاحدة المعطلين الذين هم أكفر من اليهود والنصارى، لكن نعلم أن كثيرا ممن ينفي ذلك لا يعلم لوازم قوله)[49].
15. الذهبي (748):
قال: (نعوذ بالله من الهوى والمراء في الدين وأن نكفر مسلما موحدا بلازم قوله وهو يفر من ذلك اللازم وينزه ويعظم الرب)[50].
16. ابن القيم (751):
قال: (لازم المذهب ليس بمذهب فقد يذكر العالم الشيء ولا يستحضر لازمه حتى إذا عرفه أنكره)[51].
وقال: (فيا لله العجب كيف لا يستحي العاقل من المجاهرة بالكذب على أئمة الإسلام، لكن عذر هذا وأمثاله أنهم يستجيزون نقل المذاهب عن الناس بلازم أقوالهم، ويجعلون لازم المذهب في ظنهم مذهبا)[52].
وعقد ابن القيم فصلا في نونيته عن لازم المذهب هل هو مذهب أم لا؟ ومما قال فيها:
ولذاك لم يك لازما لمذاهب الـ ... ـعلماء مذهبهم بلا برهان
فالمقدمون على حكاية ذاك مذ ... هبهم أولو جهل مع العدوان
لا فرق بين ظهوره وخفائه ... قد يذهلون عن اللزوم الداني
سيما إذا ما كان ليس بلازم ... لكن يظن لزومه بجنان[53]
17. الشاطبي (790):
ذكر الشاطبي: أن ابن الطيب ذهب إلى التكفير بالمآل، في تكفيره جملة من الفرق[54].
لعله يريد: القاضي أبا بكر محمد بن الطيب الباقلاني، وهذا استنتاج بالمآل! فبما أن ابن الطيب كفر جملة من الفرق، فهذا يعني أنه يقول بالكفر بالمآل، وهذا يعود بنا إلى ما سبق في مناقشة ما نقل عن الإمام مالك من تكفير الغلاة من المبتدعة، وأن تكفيرهم كان لنفس قولهم لا لما يؤول إليه قولهم، فلا تلازم بين تكفير غلاة أهل الأهواء وبين اعتبار التفكير بالمآل.
وقال: (الذي كنا نسمعه من الشيوخ أن مذهب المحققين من أهل الأصول: أن الكفر بالمآل ليس بكفر في الحال، كيف والكافر[55] ينكر ذلك المآل أشد الإنكار ويرمي مخالفه به، فلو تبين له وجه لزوم الكفر من مقالته لم يقل بها على حال)[56].
وشيوخه هؤلاء: هم البجائيون والمغربيون كما سماهم في موضع آخر[57].
18. الزركشي (794):
قال: (لازم المذهب ليس بمذهب على الصحيح)[58].
19. البلقيني (805):
قال: (الصحيح في تكفير منكر الإجماع تقييده بإنكار ما يعلم وجوبه مِن الدين بالضرورة كالصلوات الخمس)([59])، قال الصنعاني: هذا هو الإنصاف([60]).
20. ابن العراقي (826):
قال : (الصحيح أن لازم المذهب ليس بمذهب)[61].
21. ابن الوزير اليماني (840):
قال: (التكفير بالإلزام، ومآل المذهب رأيٌ محضٌ لم يرد به السمعُ لا تواتُرا، ولا آحادا، ولا إجماعا، وهو عندي في غايه الضعف، والفرض أن أدلة التكفير والتفسيق لا تكون إلاَّ سمعيةً، فانهدَّت القاعدة، وبَقِيَ التكفير به على غير أساس.
إنا نعلم بالضرورة منهم ضِدَّ ما ألزموهم، فكيف يصح لنا أن نُلزمهم التكذيب، ونحن نعلم منهم التصديق؟!.
وقد ورد من الأدلة السمعية ما يُعارضُ ذلك الظن لكفر أهل التأويل مما هو أرجح منه، فالظن الحاصل بهذا وما في معناه من الحديث أقوى من ظنِّ التكفير المستند إلى القياس، وقد بسطتُ هذا في غير هذا الموضع في هذا الكتاب، والله الهادي وله الحمد والمنة)[62].
22. ابن حجر العسقلاني (852):
قال: (الذي يظهر أن الذي يحكم عليه بالكفر من كان الكفر صريح قوله، وكذا من كان لازم قوله، وعرض عليه فالتزمه، أما من لم يلتزمه وناضل عنه ; فإنه لا يكون كافرا، ولو كان اللازم كفرا) [63].
23. ابن أمير الحاج الحنفي (879):
قال: (لازم المذهب ليس بمذهب لصاحبه فمن يلزمه الكفر ولم يقل به فليس بكافر، وعليه مشى الإمام الرازي والشيخ عز الدين بن عبد السلام)[64].
24. السخاوي (902):
قرر السخاوي: ما تقدم من قول النووي، وابن دقيق العيد وابن حجر العسقلاني[65].
25. ابن حجر الهيتمي (974):
قال: (الصواب عند الأكثرين من علماء السلف والخلف أنا لا نكفر أهل البدع والأهواء إلا إن أتوا بمكفر صريح لا استلزامي؛ لأن الأصح أن لازم المذهب ليس بلازم، ومن ثم لم يزل العلماء يعاملونهم معاملة المسلمين في نكاحهم، وإنكاحهم، والصلاة على موتاهم، ودفنهم في مقابرهم؛ لأنهم وإن كانوا مخطئين غير معذورين حقت عليهم كلمة الفسق والضلال إلا أنهم لم يقصدوا بما قالوه اختيار الكفر، وإنما بذلوا وسعهم في إصابة الحق فلم يحصل لهم، لكن لتقصيرهم بتحكيم عقولهم، وأهويتهم، وإعراضهم عن صريح السنة والآيات من غير تأويل سائغ، وبهذا فارقوا مجتهدي الفروع فإن خطأهم إنما هو لعذرهم بقيام دليل آخر عندهم مقاوم لدليل غيرهم من جنسه فلم يقصروا، ومن ثم أثيبوا على اجتهادهم)[66].
26. الحموي (1098):
قال: (لازم المذهب ليس بمذهب)[67].
27. المَقبَلي الكوكباني اليمني (1108):
تقدم نقلُ المثالين العجيبين اللذين حكاهما في عصره في مكة من التكفير بالمآل[68].
28. الصنعاني (1182):
يرى الصنعاني: أنَّ أحق الفرق بأنهم خرقوا حجاب الهيبة في باب التكفير هم الخوارج؛ فإنهم كفروا المسلمين، وأول مَنْ كفروه رأس المسلمين وسابقهم إليه أمير المؤمنين، وهم قائلون بتكفير صاحب الكبيرة وتخليده في النار([69]).
وفي شرح حديث ابن عمر رضي الله عنه في الصحيح: (أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه): قال: (هذا زجر عن إطلاق الكفر على المسلم ومنه يعلم خطر التكفير باللازم وتكفير التأويل)[70].
وقال: (التحقيق أن لازم المذهب ليس بمذهب واعلم أنه قد تساهل الناس في هذه المسألة تساهلا كبيرا، وهو أمر خطير على أنَّا وجماعة المحققين لا نثبت كفر التأويل، وقد أوضحناه في غير هذا الموضع في رسالة مستقلة)[71].
وقال: (جزم المحققون بأن لازم المذهب ليس بمذهب؛ لأنه لا يقطع بأنه قصده قائله بل لا نظن، وكذلك التخاريج على كلام أئمة العلم لا تكون مذهبا لمن خرجوه عنه، وذلك لقصور البشر، وأنه لا يحيط علمه عند نطقه بلوازم كلامه قطعا ولا يقصده)[72].
وقال: (قد علم يقينا أن خطاب الشارع كله حق ودليل، وأما كلام العالم الذي تطرقه الغفلة والنسيان والذهول عن لوازم كلامه فلا، ولهذا تقرر عند المحققين أن لازم المذهب ليس بمذهب، وقد بسطنا ذلك في رسالة منع التكفير بالتأويل، وفي سبل السلام إليه إشارة نافعة)[73].
29. الشوكاني (1250):
قال: (قد علم كل من كان من الأعلام أن التكفير بالإلزام من أعظم مزالق الأقدام، فمن أراد المخاطرة بدينه فعلى نفسه تجنى براقش)[74].
وقال: (لازم المذهب لا يجب أن يكون مذهبا، بل أكثر الناس يقولون أقوالا ولا يلتزمون لوازمها، فلا يلزم إذا قال القائل ما يستلزم التعطيل أن يكون معتقدا للتعطيل، بل يكون معتقدا للإثبات ولكن لا يعرف ذلك اللزوم، وأيضا فإذا كانت أصولهم التي بنوا عليها إثبات الصانع باطلة لم يلزم أن يكونوا هم غير مقرين بالصانع وإن كان هذا لازما من قولهم إذا قالوا: إنه لا يعرف إلا بهذه الطريق، وقد ظهر فساده لزم أن لا يعرف، لكن هذا اللزوم يدل على فساد هذا النفي، ولا يلزم أن لا يكونوا هم مقرين بالصانع)[75].
30. ابن عابدين (1252):
قال: (إن وقع التصريح بكفر المعتزلة ونحوهم عند البحث معهم في رد مذهبهم بأنه كفر أي يلزم من قولهم بكذا الكفر، ولا يقتضي ذلك كفرهم؛ لأن لازم المذهب ليس بمذهبهم، وأيضا فإنهم ما قالوا ذلك إلا لشبهة دليل شرعي على زعمهم، وإن أخطئوا فيه، ولزمهم المحذور)[76].
31. ابن سعدي (1376):
قال : (التحقيق الذي يدل عليه الدليل أن لازم المذهب الذي لم يصرح به صاحبه ولم يشر إليه، ولم يلتزمه ليس مذهبا، لأن القائل غير معصوم، وعلم المخلوق مهما بلغ فإنه قاصر، فبأي برهان نلزم القائل بما لم يلتزمه، ونقوله ما لم يقله، ولكننا نستدل بفساد اللازم على فساد الملزوم، فإن لوازم الأقوال من جملة الأدلة على صحتها وضعفها وعلى فسادها، فإن الحق لازمه حق، والباطل يكون له لوازم تناسبه)[77]. ينظر في الأبحاث المعاصرة:
1. "نظرية الإلزام" ص 51- 60.
2. "شرح منظومة الإيمان" للدكتور عصام المراكشي ص107-110.
3. "التكفير وضوابطه" للدكتور منقذ السقار ص60.
4. "نواقض الإيمان القولية والعملية" للدكتور عبد العزيز آل عبد اللطيف ص 80، ومقالة له في مجلة البيان في الغلو في التكفير.
5. "تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهد من الأقوال" للدكتور عياض السلمي ص92.
6. "منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد" للدكتور عثمان علي حسنى(2/701).
7. "التخريج عند الفقهاء والأصوليين" للدكتور يعقوب الباحسين (ص: 291).
8. "المجلى في شرح القواعد المثلى" (ص: 111).
9. الموسوعة العقدية - الدرر السنية.
أما الفتاوى: فهي مشهورة، ملء السمع والبصر في كل مصر.
ملحق: التوسع في ألفاظ التكفير عند الحنفية :
المنقول عن متأخري الحنفية من التوسع في ألفاظ التكفير، فقد كان توسعا في تحقيق الوصف الذي يحصل به الاستخفاف بالدين، أو الشك فيه، ونحو ذلك[78]، فلا بد في حقيقة الإيمان من عدم ذلك[79]، وأكثروا من بحث الأمثلة التي تندرج في ذلك على عادتهم[80]، وهو من اعتنائهم التام بتفصيل الأقوال والأفعال التي تقتضي الكفر[81].
ومع ذلك، فقد تعقب الحنفية ما ورد في كتبهم بما يلي:
1. أن ذلك لا يوافق ما عليه الأئمة المتقدمون من الحنفية، كما نقله عنهم الطحاوي[82].
2. أن المتورعين من الحنفية والأئمة المحققين منهم، كالكمال ابن الهمام وابن نجيم، كانوا ينكرون أكثرها، ويخالفونهم في ذلك، وقد توارد الشراح على التنصيص على التحرز من الفتوى بتكفير مسلم.
3. أن ما ينقل من التوسع في ألفاظ التكفير فإنه ليس من كلام الفقهاء المجتهدين، وإنما من غيرهم ممن لا يعرف بالاجتهاد، فلا يجوز تقليدهم، ولا عبرة بقول غير الفقهاء[83].
4. أن أكثر ألفاظ التكفير المذكورة لا يفتى بالتكفير فيها، ولا وجه للحكم بكفر قائلها إلا بنوع تكلف وتعسف، ولذا فلقد ألزم ابن نجيم نفسه ألا يفتي بشيء منها[84].
5. أن أكثر المنقول يخالف قواعد الحنفية:
- فإن أكثرها لا توافق أصل أبي حنيفة وعقيدته في باب الإيمان، أنه لا يكفر أحدا من أهل القبلة بذنب[85].
- أن من قواعد الإمام أبي حنيفة أن من معه الأصل المحقق وهو الإيمان فلا يرفع إلا بيقين مثله يضاده[86].
- أن من قواعد الحنفية أنه لا يكفر بالمحتمل؛ لأن الكفر نهاية في العقوبة، فيستدعي نهاية في الجناية، ومع الاحتمال لا نهاية[87].
- أنه متى ما أمكن حمل كلام القائل على محمل حسن فإنه يحمل عليه، فإذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير، ووجه واحد لا يوجبه فعلى المفتي أن يميل إلى عدم التكفير، إلا إذا صرح بإرادة موجب التكفير[88].
------------------------------------------------------------------------------------
[1]) قال ابن الوزير اليماني: (التكفير بمآل المذهب، ويُسمَّى التكفير بالإلزام) العواصم والقواصم (4/367).
وقال د. عصام المراكشي: (المقصود بالتكفير بالمآل هو التكفير بما يؤول إليه اللفظ، وما يرجع إليه القول، ومعنى ذلك أن يقول قولا يؤدي - عن طريق مجموعة من الوسائط الاستدلالية - إلى ما هو كفر صريح ... والحق: أن الفرق بين التكفير باللازم أو التكفير بالمآل، يعسر إيجاد الأمثلة المبينة لهذا الفرق. لذلك لم يفرق بينهما كثير من أهل العلم، فعبروا باللازم عن المآل وبالعكس، ولكن التأمل في التعريفين اللذين ذكرت آنفا، يجعلنا نجزم بالفرق مع إقرارنا بدقته وغموضه) شرح منظومة الإيمان (ص: 108).
قلت: ونحوهما التكفير بالتركيب الذي ذكره ابن رشد الجد، إلا أن فيه اعتبار عدة مقدمات.
[2]) أخرجه البخاري (5/ 144 رقم 4269)، ومسلم (1/ 97 رقم 159).
[3]) أخرجه البخاري (4/ 137 رقم 3344)، ومسلم (2/ 741 رقم 1064).
[4]) العواصم والقواصم (4/367- 371).
[5]) العواصم والقواصم (4/367- 371).
[6]) شرح الإلمام (4/315-317)، إحكام الأحكام (4/300).
[7]) قال الدكتور عصام المراكشي: اللازم البين هو الذي يكفي تصوره مع تصور ملزومه في جزم العقل باللزوم بينهما.
شرح منظومة الإيمان (ص: 108).
[8]) الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (4/ 301).
[9]) المجلى في شرح القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى (ص: 109).
[10]) المعتمد لأبي الحسين البصري (2/313، 314)، تحرير المقال فيما تصح نسبته للمجتهد من الاقوال (90).
[11]) العلم الشامخ ص 340، وعنه حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (2/173).
[12]) البيان والتحصيل (16/ 364).
[13]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 180).
[14]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد (4/ 242)، وقال الدكتور عبد العزيز آل عبد اللطيف: (التكفير بالمآل هو حال بعض أهل البدع والمتأولين) نواقض الإيمان القولية والعملية ص 80، وقال الدكتور منقذ السقار: (التكفير بلازم القول وقع به أهل البدع الذين يكفر بعضهم بعضًا...) التكفير وضوابطه (ص: 61)، وقال الدكتور عصام البشير: (هذا القائل لا يجوز تكفيره، إذا كان لا يقول بما يؤديه إليه قوله، وهذا حال كثير من أهل البدع والأهواء، كما لا يخفى على المتتبع) شرح منظومة الإيمان ص 108.
[15]) رسائل ابن حزم (3/ 176).
[16]) رسائل ابن حزم (3/ 154)
[17]) رسائل ابن حزم (3 / 173).
[18]) قال ابن كثير: (الظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفا له، فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه {وكانوا شيعا} أي: فرقا كأهل الملل والنحل -وهي الأهواء والضلالات -فالله قد برأ رسوله مما هم فيه) تفسير ابن كثير (3/ 377).
[19]) الاعتصام للشاطبي (3/ 129، 130).
[20]) أخرجه البخاري (1/ 35 رقم 121)، ومسلم (1/ 81 رقم 65) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
[21]) البيان والتحصيل (16/ 381).
[22]) طبقات الحنابلة (1/29)، المقصد الارشد (1/ 69)
[23]) تأول البيهقي وغيره تكفير الشافعي لحفص الفرد بأنه أراد كفر النعمة ونحو ذلك لقبوله شهادة أهل الأهواء، ووافق هؤلاء ابن تيمية بأنه لو أراد كفره لسعى في قتله، والظاهر والله أعلم أن الشافعي كفر حفص الفرد لقوله بأن كلام الله مخلوق، فقد صرح بأنه كافر بالله العظيم، وأقسم على ذلك في موضع، وكان بحضور والي مصر، وهذا ما فهمه حفص نفسه، فقال: أراد قتلي، أشاط الشافعي والله الذي لا إله إلا هو بدمي. وهذا ما يتفق مع قول الشافعي بأن من قال بأن كلام الله مخلوق فهو كافر، وقد رواه عنه الربيع وعلي بن سهل الرملي، وهذا هو ما حققه البلقيني في حواشي الروضة، وبين أن قبوله لشهادة أهل الأهواء إنما هو لمن لم تثبت عليه قضية معينة تقتضي كفره، وهذا نص عام، وقد نص نصا خاصا على تكفير من قال بخلق القرآن، والقول الخاص هو المقدم، وهو الذي فهمه أصحابه الكبار، وهو الحق، وبه الفتوى. روضة الطالبين ص 355، كفاية النبيه لابن الرفعة (19/140، 141)، حواشي الروضة للبلقيني (1/83)، النجم الوهاج للدميري (10/323)، وينظر: آداب الشافعي ومناقبه (ص: 148، 149)، الشريعة للآجري (1/508 رقم 176)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/ 278، 279، 3/449)، الأسماء والصفات للبيهقي (1/ 612 رقم 553)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (23/348).
[24]) شرح الإلمام (2/404، 405، 421(.
[25]) إعلام الموقعين (3/ 222، 223).
[26]) ينظر: شرح منظومة الإيمان للدكتور عصام المراكشي (107-110).
([27]) عن أبي ذر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ دعا رجلًا بالكفر أو قال: عدو الله، وليس كذلك إلَّا حار عليه) أخرجه مسلم (1/79).
([28]) ورطة: الهلاك، وأصلها الوحل تقع فيه الغنم، فلا تقدر على التخلص، وقيل: أصلها أرض مطمئنة، فلا طريق فيها يرشد إلى الخلاص، ثم استعملت في كل شدة وأمر شاق. «لسان العرب» (مادة: ورط)، وينظر: حاشية الصنعاني على إحكام الأحكام (4/284).
([29]) إحكام الأحكام (4/284).
[30]) كتاب الأم للشافعي (كتاب الأقضية/ ما تجوز به شهاد أهل الأهواء).
[31]) روضة الطالبين وعمدة المفتين (11/ 241).
[32]) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (4/ 371).
[33]) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (4/ 371).
([34]) رسائل ابن حزم (1/4)، العواصم مِن القواصم (4/371)، الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (1/1/143)، «تذكرة الحفاظ (3/1152)، نفح الطيب (1/365).
[35]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 139، 140).
[36]) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (4/367- 371).
[37]) البيان والتحصيل (16/ 364).
[38]) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2/ 622- 624)، الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد (ص: 368، 369).
[39]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد (4/ 242).
[40]) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (4/367- 371)، التقرير والتحبير علي تحرير الكمال بن الهمام (3/ 319).
[41]) قواعد الأحكام في مصالح الأنام (1/ 203).
[42]) روضة الطالبين ص 239، 355.
[43]) الفروق للقرافي (4/ 265).
([44]) إحكام الأحكام (4/285).
[45]) الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد (ص: 368، 369)
[46]) الرد على البكري (باختصار ص 492 – 495).
[47]) مجموع الفتاوى (5/ 306)، مجموع الفتاوى (16/461).
[48]) الرد على البكري (2/509).
[49]) مجموع الفتاوى (20/ 217).
[50]) الرد الوافر (ص: 20).
[51]) فتح الباري لابن حجر (12/ 337)
[52]) مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص: 615).
[53]) نونية ابن القيم (ص: 271).
[54]) الاعتصام للشاطبي (1/ 302).
[55]) كذا في المطبوعة، وهو مشكل بالنسبة لي، فهو لا يكفره، فلعل الصواب: "والمكفَّر ..
[56]) الاعتصام للشاطبي (3/ 135).
[57]) الاعتصام للشاطبي (2/ 401، 402).
[58]) البحر المحيط (2/ 116، 353)، المنثور في القواعد الفقهية (3/ 91، 92، 93).
[59]) نقله عنه تلميذه ابن حجر بلفظ: قال شيخنا في شرح الترمذي «فتح الباري» (12/202).
([60]) «حاشية الصنعاني» (4/286).
[61]) الغيث الهامع شرح جمع الجوامع (ص: 155)، التحبير شرح التحرير (2/ 579).
[62]) العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (باختصار 4/367- 371).
[63]) فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (2/ 72، 73).
[64]) التقرير والتحبير علي تحرير الكمال بن الهمام (3/ 319)
[65]) فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (2/ 73).
[66]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (1/ 180).
[67]) غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر (2/ 200).
[68]) العلم الشامخ ص 340، وعنه حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع (2/173).
([69]) «حاشية الصنعاني» (4/284).
[70]) التنوير شرح الجامع الصغير لابن الأمير الصنعاني (4/ 419).
[71]) إجابة السائل شرح بغية الآمل (ص: 126).
[72]) إجابة السائل شرح بغية الآمل (ص: 238).
[73]) إجابة السائل شرح بغية الآمل (ص: 402).
[74]) السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار (ص: 979).
[75]) مجموع الفتاوى (16/ 461).
[76]) حاشية ابن عابدين (3/ 46).
[77]) توضيح الكافية الشافية ص 241.
[78]) النهر الفائق شرح كنز الدقائق (3/ 252).
[79]) حاشية ابن عابدين (4/ 221).
[80]) النهر الفائق شرح كنز الدقائق (3/ 252)، حاشية ابن عابدين (4/ 222).
[81]) الإعلام بقواطع الإسلام (ص: 110).
[82]) البحر الرائق (5/ 134).
[83]) البحر الرائق (5/ 129)، النهر الفائق (3/ 252)، الإعلام بقواطع الإسلام (ص: 134).
[84]) البحر الرائق (5/ 135)، حاشية ابن عابدين (4/ 224)، الإعلام بقواطع الإسلام (ص: 148).
[85]) الإعلام بقواطع الإسلام (ص: 110).
[86]) البحر الرائق (5/ 134)، حاشية ابن عابدين (4/ 224)، الإعلام بقواطع الإسلام (ص: 110).
[87]) البحر الرائق (5/ 134).
[88]) لسان الحكام (ص: 414)، البحر الرائق (5/ 135)، النهر الفائق (3/ 253)، مجمع الأنهر (1/ 688)، حاشية ابن عابدين (4/224، 229، 230)، وينظر: الإعلام بقواطع الإسلام (ص: 110).
مؤسسة الدرر السنية
رابطة خطباء الشام
هيئة الشام الإسلامية
شادي راضي
ناصر العمر
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة