أنور مالك
تصدير المادة
المشاهدات : 7184
شـــــارك المادة
يدّعي الغرب دائماً أنه "رسول الديمقراطية" والمبشّر بها في بلاد العرب قاطبة، ولطالما ضغط على دول بعينها من أجل ممارسة هذه الديمقراطية، ولكن من خلال تجارب حيّة أمامنا، نرى أنه بمجرد أن تتحقّق ديمقراطية في بلد عربي ينقلب عليها الغرب ويدعم العسكر في الانقلاب على خيارات الشعوب.
ترى لماذا يدعو الغرب ويضغط على بعض الدول العربية من أجل تصدير ديمقراطيته لها، وحين يتحقق ذلك ينقلب على نفسه؟
بلا أدنى شك أن ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات والمواثيق والقوانين الدولية، يستعملها الغرب الديمقراطي من أجل الضغط السياسي والدبلوماسي والاقتصادي كي يحقق مكاسب على مستوى مصالحه في البلاد العربية والإسلامية فقط.
فها هي حقوق الإنسان تنتهك في كثير من الدول العربية وعلى المباشر، وتتناقل الفضائيات ما يندى له الجبين؛ من قتل على الهوية، وإعدامات ميدانية، وتعذيب في الأقبية الأمنية، وقصف بالطيران والأسلحة الكيماوية، ولم يتدخل الغرب حسب شعاراته المزعومة، وفي أغلب الأحيان إن لم يعق مجلس الأمن والأمم المتحدة فإنه يندد باحتشام عبر وسائل الإعلام أو يعبّر عن قلقه، لرفع الحرج عن نفسه أمام شعوبه فقط، وتحت الطاولة يمارس الدعم لأعداء حقوق الإنسان ومجرمي الحروب والمنتهكين لإنسانية الإنسان.
الغرب دعّم جنرالات الجزائر في انقلابهم على انتخابات عام 1992 التي أشادت بنزاهتها منظمات وهيئات دولية مرموقة، وأدى هذا الانقلاب إلى حرب أهلية قذرة سقط فيها حوالي ربع مليون مواطن، وقتل وعذّب وخطف الجيش والمخابرات والجماعات المتطرفة عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء والعزّل.
ظلت التقارير التي تصدرها منظمات دولية، أو حتى الخارجية الأمريكية، تتحدث عن انتهاكات جسيمة في الجزائر، بل فرنسا روجت لنظرية "من يقتل من؟" للضغط على العسكر لحماية مصالح محددة.
هل من المعقول أن الغرب الذي نصّب نفسه "رسول الديمقراطية" إلى البشرية يدعّم العسكر في الجزائر الذين ينقلبون عليها ويقتلون الشعب المتمسّك بها؟
في فلسطين، جرت عام 2004 انتخابات ديمقراطية نزيهة باعتراف دولي، غير أن العالم وقف ضدها ودعم "إسرائيل" في الحرب على هذه الانتخابات الشفافة والحكومة المنبثقة عنها، ومنذ ذلك الحين لم تتكرر انتخابات أخرى، بل إن محمود عباس انتهت ولايته منذ سنوات ولا يزال يمارس مهامه في منصبه كرئيس للسلطة الفلسطينية.
هل من السذاجة أن نصدق الغرب الديمقراطي وهو يدعم "إسرائيل" في نسف الديمقراطية بفلسطين عموماً وغزّة بصفة أخص، وبمجازر وصلت حد استعمال الفسفور الأبيض؟
في مصر، بعد ثورة 25 يناير 2011 على نظام حسني مبارك، شهدت عدة مناسبات انتخابية اعترف العالم بنزاهتها وشفافيتها، وقد أدت هذه الديمقراطية التي أشاد بها الغرب إلى فوز الرئيس محمد مرسي وتولى منصبه رسمياً في 30 يونيو/حزيران 2012، وكان بذلك أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في تاريخ مصر منذ العهد الفرعوني.
غير أن هذا لم يدم طويلاً، وتدخّل الغرب وبالتحالف مع بعض العرب، من أجل إسقاط هذه الديمقراطية الفتية والحكم المدني، فدعموا وزير الدفاع الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي انقلب على رئيسه مرسي وزجّ به في السجون.
هذا الوزير المعيّن من طرف مرسي، اقترف المجزرة تلو الأخرى في رابعة وميدان النهضة وغيرهما، وسجن عشرات الآلاف من المواطنين المناهضين للانقلاب والداعمين للشرعية، وتواصلت الإعدامات التي يناهضها الغرب، حيث تم- باسم القانون- إعدام بعض المتهمين، وآخرون تجري تصفيتهم ميدانياً خارج القضاء، ويوجد من قتل تحت التعذيب في أقبية المخابرات.
لم يتحرّك الغرب طبعاً، فهو من يقف وراء الانقلاب برمته، بل صار السيسي رئيساً في مسرحية انتخابية رعتها أجهزة المخابرات الأجنبية، وصار يستقبل في دول ديمقراطية تزعم أنها حامية حقوق الإنسان.
في حين أن الرئيس الشرعي المنقلب عليه، محمد مرسي، حُكم عليه بالإعدام وصار ينتظر دوره بمشانق العسكر، ولن أستبعد شنقه حتى يهنأ السيسي بالحكم نهائياً كما يخيّل له، لأنه ما دام يرى مرسي على قيد الحياة فستبقى الشرعية تؤرقه وتنهك كل مخططاته.
هل من السذاجة تصديق الغرب الذي يطالب بالديمقراطية وهو يدعّم الجنرالات كي ينقلبوا على الحكام المنتخبين ديمقراطياً؟
لقد صدّع الغرب رؤوسنا بالحديث عن الحكم المدني في الدول العربية، خاصة تلك التي تطبق الشريعة الإسلامية، ولكنه في الممارسة مع دول أخرى يدعم العسكر في الهيمنة على أنظمة الحكم، لأنهم يحقّقون له ما يريد من مصالح استراتيجية على حساب الأوطان والشعوب.
قد يسأل سائل: ما السبب الذي يدفع الغرب إلى هذا النفاق الديمقراطي في الوطن العربي؟
لو تأملنا بعض الشيء في الأمثلة التي قدمناها، فسنجد أن القاسم المشترك بين الجزائر وفلسطين ومصر، هو اختيار هذه الشعوب للإسلاميين، وهذا مفتاح السر في كيد الغرب لديمقراطية العرب إن مارسوها برقي يفوق ما يجري في مسقط رأسها بالديار الغربية.
الغرب يضغط على الدول العربية من أجل الديمقراطية، ولكن حين تختار الشعوب الإسلامية الإسلاميين كي يحكموهم، فهذه الديمقراطية لا يريدونها وتصير حراماً ومن الموبقات، ويجوز الانقلاب عليها ودفنها في أقبية الثكنات العسكرية.
وهكذا نراهم يشجعون الديمقراطية إن أدت إلى نجاح العلمانيين والليبراليين الذين لا يمكن أن يتحقق لهم ذلك إلا بدعم عسكري، وفي انتخابات شكلية يطالها التزوير دائماً وأبداً.
الغرب يرفض نجاح ما يسمّيها الأحزاب الدينية في الوطن العربي، ولكن في بلاده لا يفعل ذلك، فتوجد أحزاب دينية تحكم منذ سنوات، كما يجري في ألمانيا مع أنجيلا ميركل زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي. وتوجد أحزاب أخرى متطرفة لها توجهاتها العنصرية تتصاعد شعبيتها في دول الغرب، ولا يهم ذلك بالنسبة إليهم ما دامت صناديق الاقتراع هي الفيصل، وإن وصلت إلى الحكم فسيبارك الغربيون ذلك من دون أدنى حرج.
في حين أن الغرب بأجهزته الاستخباراتية كاد للديمقراطية في الجزائر لأنها أدت لفوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وخطط لوأد الديمقراطية في مصر لأنه فاز فيها الإخوان المسلمون، وأما في فلسطين ففوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هزّ عرش الكيان العبري واللوبي اليهودي في العالم.
لا يجب تصديق الغرب في ضغطه على الدول العربية والإسلامية بخصوص الديمقراطية، فهو يفضّل الديكتاتورية العسكرية بقيادة بيادقه إن اختارت الشعوب من يحكمها من الإسلاميين المناهضين للمصالح الغربية، أو من المنادين بتطبيق شريعة الإسلام.
لا تصدقوا الغرب إن تحدّث عن حقوق الإنسان؛ فهو احتل عدة دول في العالم، ودعم الغزاة، وبارك مقتل وتشريد الملايين من المسلمين لأنهم طالبوا بتقرير مصيرهم، أو اختاروا بحرية وديمقراطية من يحكمهم.
الغرب كذّاب، ويبلغ منتهى الفجور في الكذب عندما يفتخر ويعتزّ ويؤرّخ لثورات شعوبه على المستبدين، أو يتباهى بدعم ثورات أوروبا الشرقية حتى حققت كل أهدافه، لكنه يتآمر على ثورات الشعوب العربية والإسلامية ضد أنظمة طاغية أو دول باغية أو على محتلّين يغزون بلادهم، فمفتاح السر يتعلق بالمصالح فقط، والغربيون يكفرون بأي ديمقراطية تهدّد مصالحهم ولو أدى ذلك إلى إبادة الملايين من أبناء الشعوب المضطهدة، وخاصة إن كانوا مسلمين، وتزداد السادية في الجريمة ضد الإنسانية إن كان المسلمون من أهل السنّة والجماعة للأسف الشديد.
الخليج أونلاين
عوض السليمان
مهند الخليل
عبد الله المجالي
مروان قبلان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة