طلعت رميح
تصدير المادة
المشاهدات : 6612
شـــــارك المادة
تبدو معركتا الفلوجة والزبداني حالة جديدة مختلفة عن طبيعة المعارك التي جرت وتجري في كل سوريا والعراق منذ سنوات، حتى أن المؤرخين سيشيرون لكلتيهما -عند التأريخ لهذه المرحلة- باعتبارهما مؤشرا على مدى التغيير الحادث في طبيعة ونوعية المعارك العسكرية وفي الدور العسكري الإيراني في إدارتها على أرض سوريا والعراق، وكيف أنهما معركتان جرى خوضهما برؤية وقرار ومنهجية إيرانية كاملة.
ففي المعركتين تبدو إيران صاحبة القرار والقائد الأعلى والفعلي في إدارة العمل العسكري، وفي تحديد الهدف من كليهما وفقا لاعتبارات تتعلق بالإستراتيجية الإيرانية في الإقليم، كما تبدو المعركتان عنوانا لقرار إيراني باستخدام أسلوب الإبادة الجماعية والتدمير الشامل -وهو نوع مختلف عن معارك السيطرة على المدن- لتحديد خطوط سيطرتها على الأرض عبر تفريغ تلك المدن من سكانها. في معركة الفلوجة، تبدو إيران قد اتخذت قرارا بمحو الفلوجة وتدميرها ومنع إمكانية استمرار وجود سكانها فيها، فمثل هذا النمط المقاوم الصامد من البشر هو ما تخشى إيران من أن يصبح عنوانا للمقاومة العراقية للاحتلال الإيراني. إيران تخشى على سلطة بغداد لقرب الفلوجة منها، لكنها تخشى بالأساس من أن تظل الفلوجة رمزية صمود في مواجهة السلطة الإيرانية في العراق، ونقطة إشعال للزخم العراقي في مواجهتها،كما كانت رمزية للصمود ونقطة إشعال للزخم الشعبي العراقي المقاوم في مواجهة الاحتلال الأمريكي حتى هزيمته. وفي معركة الزبداني، تريد إيران محو المدينة ومنع استمرار أي وجود سكاني بها أو منع هذا النمط من سكانها من الاستمرار في الحياة في تلك البقعة الجغرافية، باعتبارها نقطة مشرفة على خط التواصل بين دمشق (وبها نظام بشار) وحزب نصر الله في لبنان. هي مدينة يمثل وجودها نقطة تستطيع قطع خطوط الاتصال البري بين طرفين من أطراف المشروع الإيراني الإقليمي في سوريا ولبنان، ولذا قررت إيران إنهاء وجود المدينة على الخريطة السكانية الجغرافية وإنهاء دورهما في المعارك الجارية، بعدما تحولت إيران بالمعركة في سوريا من السيطرة الكاملة عليها، إلى الاكتفاء بالسيطرة على ما يسمى بسوريا المفيدة – في المرحلة الراهنة- التي تتشكل من دمشق ومناطق خطوط الحركة منها إلى الساحل حيث الأغلبية العلوية، وإلى لبنان حيث الحليف الثاني حسن نصر الله. كلاهما إذن نقطة مواجهة خطرة ونقطة حاجزة للمشروع الإيراني. وكلاهما قلعة صمود استعصت على الهزيمة والانكسار، لذا قررت إيران ليس فقط السيطرة على المدينتين بل التعامل معهما وفق أعمال الإبادة الجماعية والتدمير الممنهج الشامل والطرد الكامل للسكان. ولهذا رأينا نوعا غير مسبوق من القصف الجنوني بالطائرات ومدفعية الميدان وصواريخ الأرض – أرض، على المساكن وحالة تدمير شاملة وأعمال قتل مروعة للسكان لإجبارهم على الإخلاء التام! وفي كليهما لا تجري الحرب في جوهرها ضد المسلحين أو المقاومين، فذلك عنوان للمعركة فقط، بل هي تجري ضد المدنيين، إذ هم الحاضنة الشعبية للمسلحين والمقاومين، وهم المستهدفون بالقصف وأعمال التدمير الهمجي، لكل ما يسمح ببقاء المدنيين واستمرارهم على قيد الحياة هناك. وكلاهما رمزية لمعركة فاصلة،لا مجرد معارك من تلك المعتادة في خضم العمليات الجارية. وكلاهما عنوان للمعارك القادمة، فقادم المعارك سيكون من هذا النمط. نحن أمام معارك كسر عظم من الآن فصاعدا. ونحن أمام معارك تحديد الخرائط الجغرافية والسكانية في العراق وسوريا. وفي المعركتين تبدو إيران في موقع المحاولة لاستعادة زمام المبادأة العسكرية، وفي حالة اختبار للمواقف العربية والإقليمية والدولية لتعزيز خوضها المعارك بالتدخل المباشر، وبهذا النمط من التدمير الشامل، وهي تلعب في الفلوجة على فكرة الثار الأمريكي من تلك المدينة، وتحاول الإشارة للعالم بمعركة الزبداني، بأن نظام بشار لا يزال يحمل إمكانية البقاء، وأنها عند موقفها بعدم السماح بسقوطه.. إلخ. لكن الأخطر أنها تحدد في هاتين المعركتين خطوط التقسيم التي تستهدفها. وهكذا يظهر كيف أن معركتي الفلوجة والزبداني، معركتان تخوضهما إيران بشكل سافر ومكشوف بلا مواربة وأن المعارك الجارية في سوريا والعراق، لم تعد تجري متفرقة، بل صارت معركة واحدة، بقيادة واحدة وقرار واحد. هو القرار الإيراني. ولذا تبدو الأسئلة المحيرة فيما يجري، هي لماذا الصمت العربي؟ ولماذا يقف البعض ضد استمرار زخم معركة درعا الكفيلة حين استمرارها بإضعاف الهجوم على الزبداني، ولم لا تزال القوة العسكرية للثوار حول دمشق في حالة الالتزام بالصمت؟
بوابة الشرق
سالم الفلاحات
سمير صالحة
منذر الأسعد
سعد محيو
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة