رابطة خطباء الشام
تصدير المادة
المشاهدات : 14484
شـــــارك المادة
مقدمة:
لقد أصاب الناس ما لم يتوقعه أحد، فبعد الاستقرار الذي كان قبل قيام الثورة تبدل الحال، فمن كان غنياً افتقر، ومن كان فقيراً ازداد فقراً، ومن كان آمناً خاف، ومن كان يعيش سعيداً في داره مسروراً مع أهله وأولاده وجيرانه تبدل حاله، لقد تهدّم البيت ومات بعض الأهل وتشرد الباقي والمفقود مفقود، تشتتٌ بعد اجتماع، وحزنٌ بعد سعادة، وهجرةٌ بعد إقامة. حصار ودمار، دماء وأشلاء، لقد تبدل الحال غير الحال حتى قال بعضهم: ما الذي دهانا وجعلنا نقوم بهذه الثورة؟ سؤال يطرح نفسه: هل ما أصابنا اليوم قد أصاب غيرّنا مثلُه؟ أم أننا لوحدنا في هذا الميدان؟ هذا السؤال يجيبنا عليه ربنا سبحانه بقوله: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)( آل عمران: 146) إن قاصيها ودانيها اليوم أصبح يعلم أن المعركة معركة عقيدة ودين لا معركة طعام وشراب، فقد نطق العدو بذلك على مرأى ومسمع من العالم، أفلا تكون أخي المسلم أهلا للتضحية من أجل دينك الذي هو لحمك ودمك، أفلست أهلا لأن تضحي كما ضحى الأولون؟ أم أنك ترغب بنفسك وحاجاتها عن أنْفُسٍ من ضحى وقدم وبذل؟! أنت ابن هذا الدين.. ولدينك عليك حق.. فكيف تطلب أعلى منازل الجنة دون التنازل عن شيء من رغباتك وحاجاتك؟! (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا)( البقرة: 214) (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)( آل عمران: 142) (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ) (التوبة: 16) (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:2-3) بعض الناس اليوم ممن لم يستطع أن يكمل هذا المشوار بدأ يجزع، أو يثبِّط، أو يظن ظن السوء بالله وبالمؤمنين، أو أنه فضَّل أن يمتطي ظهر الثورة للمنفعة والارتزاق والتسلق لجدران التطلعات الشخصية. أخي المسلم: إن العمل للثورة تطوع وجهاد، وليس سبيلاً للمنفعة والكسب المادي والانتفاع الدنيوي والأمجاد الفردية، فلا ترغب بنفسك عن الناس وإياك أن تتخلف عن الركب، واسمع إلى ما قاله الله لمن تخلف عن رسوله في غزوة تبوك وآثر أن يبقى في الظِّلال وموسم نضج الثمار: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (التوبة 120) يقولُ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ:( يُعَاتِبُ تَعَالَى الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه و سلّم فِي غَزْوَةِ تَبُوك، مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلِهَا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، وَرَغْبَتَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ مُوَاسَاتِهِ فِيمَا حَصَلَ مِنَ الْمَشَقَّةِ، فَإِنَّهُمْ نَقَصُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُمْ (لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ) وَهُوَ: الْعَطَشُ (وَلا نَصَبٌ) وَهُوَ: التَّعَبُ (وَلا مَخْمَصَةٌ) وَهِيَ: الْمَجَاعَةُ (وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ) أَيْ: يَنْزِلُونَ مَنْزِلًا يُرهبُ عَدُوَّهُمْ (وَلا يَنَالُونَ) مِنْهُ ظَفَرًا وَغَلَبَةً عَلَيْهِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَيْسَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ قُدْرَتِهِمْ، وَإِنَّمَا هِيَ نَاشِئَةٌ عَنْ أَفْعَالِهِمْ، أَعْمَالًا صَالِحَةً وَثَوَابًا جَزِيلًا (إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا) (الْكَهْفِ:30) .(تفسير ابن كثير: 4/234)
وإليك نماذج مما قدمه السابقون الأولون ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه لتكون لك أسوة وقدوة: (تقرأون في هذه المادة كيف ضحى النبي والصحابة برغد العيش وبالمال وبالوطن وبالنوم والراحة في سبيل دينهم، وكيف رتب الله الأجر على من ضحى بذلك، ومقارنة حالنا اليوم بحالهم، ففيها شحذ للنفوس وتقوية للعزائم ورفعاً للهم) عناصر الخطبة: 1- الحصار. 2- الهجرة. 3- التضحية بالعيش الهنيء والحياة الرغيدة 4- عدم تأفف الصحابة مما سبق ذكره. 5- التضحية بالنفس.
1-الحصار:
ابتكر المشركون أسلوباً فريداً من نوعه لحرب أهل الإيمان وهو المقاطعة والحصار الاقتصادي فقرروا أن لا يزوّجوهم ولا يتزوجوا منهم، ولا يبايعوهم، ولا يشترون منهم، ولا يجالسوهم، ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم، ولا يكلموهم، وأن لا يقبلوا من بني هاشم وبني المطلب صلحًا أبدًا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يُسْلموا رسول الله صلّى الله عليه و سلّم لهم للقتل. وقد دخل بنو هاشم وبنو المطلب مؤمنهم وكافرهم إلى شعب أبي طالب وتجمعوا فيه، ومعهم رسول الله؛ وذلك ليكونوا جميعًا حوله كي يحموه من أهل مكة. وبلغ الجهد بالمحاصرين حتى كان يُسمع أصوات النساء والصبيان يصرخون من شدة وألم الجوع، وحتى اضطروا إلى التقوت بأوراق الشجر، بل وإلى أكل الجلود، وقد ظلت هذه العملية وتلك المأساة البشرية طيلة ثلاثة أعوام كاملة، يروي لنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه معاناته من شدة الجوع (وكان أحد المحاصرين بالشِّعْبِ)، فيقول: (كُنَّا قَوْمًا يُصِيبُنَا ظَلَفُ الْعَيْشِ بِمَكَّةَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشِدَّتُهُ، فَلَمَّا أَصَابَنَا الْبَلَاءُ اعْتَرَفْنَا لِذَلِكَ وَمَرَنَّا عَلَيْهِ وَصَبَرْنَا لَهُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ بِمَكَّةَ خَرَجْتُ مِنَ اللَّيْلِ أَبُولُ، وَإِذَا أَنَا أَسْمَعُ بِقَعْقَعَةِ شَيْءٍ تَحْتَ بَوْلِي، فَإِذَا قِطْعَةُ جِلْدِ بَعِيرٍ، فَأَخَذْتُهَا فَغَسَلْتُهَا ثُمَّ أَحْرَقْتُهَا فَوَضَعْتُهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ، ثُمَّ اسْتَفَفْتُهَا وَشَرِبْتُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ، فَقَوِيتُ عَلَيْهَا ثَلَاثًا)(حلية الأولياء: 1/93) وليس الغريب بأن يضحي المسلمون هذه التضحية ويصبروا هذا الصبر! فهم أهل عقيدة وإيمان ويضحوا من أجل مبدأ سامٍ، ولكن الغريب حقًّا هو كيف يصبر الكافرون من بني هاشم وبني المطلب على هذا الحصار؟! مع أنهم لا يرجون جنة ولا يخافون نارًا، بل إنهم لا يؤمنون بالبعث أصلاً، ورغم ذلك فقد وقفوا هذه الوقفة الرجولية مع مؤمني بني عبد مناف. إنه لم يدفعهم لذلك سوى الحمية، وليت شعري أيهما أولى بالتضحية؟ الحمية أم الدين؟! فإذا كانت حميتهم قد دفعتهم لنصرة ضعيفهم أفلا يدفعك دينك أخي المسلم للتضحية من أجله؟! 2-الهجرة:
يا أهل الشام: لقد ادخر الله للمهاجرين أجراً عظيماً فلا تضيعوه بالتشكي والضجر والجزع، لقد هاجر رسول الله صلّى الله عليه و سلّم وأصحابه هاربين من بطش قريش وظلمها وتركوا خلفهم أرضهم وديارهم وأموالهم، ضحوا بكل ما يملكون من أجل نصرة دينهم وشرعهم، ذاقوا الألم والغربة في دار مهاجرهم حتى أشرف بعضهم على الموت، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ:( لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، قَدِمَهَا وَهِيَ أَوْبَأَ أَرْضِ اللَّهِ مِنْ الْحُمَّى، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ وَسَقَمٌ، فَصَرَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَتْ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ، وَبِلَالٍ، مَوْلَيَا أَبِي بَكْرٍ، مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، فَأَصَابَتْهُمْ الْحُمَّى، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَعُودُهُمْ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ، وَبِهِمْ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ مِنْ شِدَّةِ الْوَعْكِ، فَدَنَوْتُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا أَبَتْ؟ فَقَالَ:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ مَا يَدْرِي أَبِي مَا يَقُولُ. قَالَتْ: ثُمَّ دَنَوْتُ إلَى عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَجِدُكَ يَا عَامِرُ؟ فَقَالَ:
لَقَدْ وَجَدْتُ الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إنَّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ
كُلُّ امْرِئٍ مُجَاهَدٌ بِطَوْقِهِ ... كَالثَّوْرِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ
(بِطَوْقِهِ) يُرِيدُ: بِطَاقَتِهِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاَللَّهِ مَا يَدْرِي عَامِرٌ مَا يَقُولُ! قَالَتْ: وَكَانَ بِلَالٌ إذَا تَرَكَتْهُ الْحُمَّى اضْطَجَعَ بِفِنَاءِ الْبَيْتِ ثُمَّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ فَقَالَ:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً ... بِفَخٍّ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجِنَّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وَطُفَيْلُ
(سيرة ابن هشام: 1/588-589) شَامَةٌ وَطُفَيْلٌ: جَبَلَانِ بِمَكَّةَ. إن الهجرة باقية ما بقي الجهاد، والجهاد باق إلى يوم القيامة، فعن جنادة بن أبي أميّة قال: قلت:( يا رسول الله، إنّ ناسا يقولون إنّ الهجرة قد انقطعت. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد ) (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وهو في أحمد:4/ 62، 5/ 375) - ولو علمتم ما للهجرة من أجر لصبرتم واحتسبتم، ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(البقرة: 218) (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ* يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ* خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)(التوبة: 20-22) ( وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ *الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ *) (النحل:41-42) (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ)(الحج: 58-59) - وانظر كيف يغفر الله الذنوب العظيمة بالهجرة: روى مسلم عن جابر رضي الله عنه: (.. لمّا هاجر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة هاجر إليه الطّفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه. فاجتووا المدينة، فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتّى مات. فرآه الطّفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطّيا يديه، فقال له: ما صنع بك ربّك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيّه صلّى الله عليه وسلّم. فقال: مالي أراك مغطّيا يديك؟ قال قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصّها الطّفيل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "اللهمّ، وليديه فاغفر")(مسلم:216). وروى أحمد بإسناد صحيح، قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم : (سيأتي أناسٌ من أمتي يوم القيامة، نُورُهم كضَوء الشمس"، قلنا: مَنْ أولئك يا رسول الله؟، فقال: "فقراءُ المهاجرين، الذين تُتَّقَى بهم المَكاره، يموتُ أَحدهم وحاجتُه في صدره، يحْشَرون من أقطار الأرض)( أحمد:6650) والهجرة سواء كانت داخل الوطن أو خارجه ففيها الأجر الجزيل لأن التضحية في كليهما وإن هي كانت في خارج الوطن أصعب. 3-التضحية بالعيش الهنيء والحياة الرغيدة:
روى البخاري، عن أبو هريرة -رضي الله عنه قال: ( ولقد رأيتني وإني لأخر مغشيًا عليّ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون، وما بي جنون، ما بي إلا الجوع) (رواه البخاري:7324) ويقول -رضي الله عنه- كما في البخاري أيضًا: (كان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إِنْ كان ليُخرج إلينا العُكَّة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها) (البخاري:3708) (العكة) وعاء من جلد يجعل فيه السمن وغيره. وقد قدم جعفر للمدينة في السنة السابعة للهجرة، وهذا يعني أن حالة الفقر القاسية كانت تضرب الدولة الإسلامية بعد سبع سنوات من قيامها. وأما أهل الصُّفَّة وفقراء الصحابة الذين كانوا يأوون إلى المسجد ولم يكن لهم لا مال ولا أهل ولا أحد فإن حالهم وفقرهم لا يعلم به إلا خالقهم!! وروى البخاري عن قيس قال: سمعت سعداً رضي الله عنه يقول: ( إني لأول العرب رمى بسهمٍ في سبيل الله، وكنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشجر، حتى إن أحدنا ليضعُ كما يضعُ البعيرُ أو الشاةُ ما له خِلْطٌ) _ أي لا يختلطُ بعضه ببعضٍ من شدة جفافه.( البخاري:3728). ومما يدمع العين ويحزن القلب أن حالة الفقر هذه لم تستثن خير الخلق وأكرمهم -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- يحدث أصحابه وهو رابط على بطنه حجراً من شدة الجوع .كما في (البخاري:4101) ورأى أبو طلحة -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يتقلب ظهرًا لبطن في المسجد من الجوع؛ بل كان -صلى الله عليه وسلم- يبيت الليالي المتتابعة طاويًا، وأهله لا يجدون عشاءً، وكان أكثر خبزهم الشعير. عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاثٌ من بين يوم وليلة، وما لي ولبلال ما يأكله ذو كبد إلا ما يواري إبط بلال)(أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير:5125) وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت لعروة: ( ابن أختي «إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار»، فقلت يا خالة: ما كان يعيشكم؟ قالت: " الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم، فيسقينا) (البخاري:2567، ومسلم:2283)
ومما يدمي القلب ولا طاقة للنفس بتحمله أن تعرف أن نبيك -صلى الله عليه وسلم- أرهقه الجوع فاضطر إلى أن يرهن درعه ليهودي لكي يأخذ منه شعيرًا يصنع به طعامًا لأهله،( ومات -صلى الله عليه وسلم- ودرعه مرهون عند اليهودي)؛ كما عند (البخاري:4467)، ما يعني أن حالة الفقر كانت هي السائدة في حياتهم منذ تأسيس الدولة وحتى وفاته -صلى الله عليه وسلم-.
- الفقر في اللباس:
ولم يكن حال لباسهم وما يستر عوراتهم بأحسن من حال طعامهم! ففي البخاري ومسلم (أن سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد؟ فقال: أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ؟ ) (البخاري/358، ومسلم/515) وكان عمرو بن سلمة يصلي بقومه فتنكشف عورته! ولم تكن له غير جبة قصيرة، فلما اشْتُرِيَت له جبة سابغة تستره في الصلاة قال: "فما فرحت بشيء فرحي بها!". فهل بعد هذا الفقر من فقر؟! وهل بعد هذا الحال من حال؟! فإن المرء قد يصبر على ألم الجوع؛ لكن، أنْ لا يجد ما يستر به عورته فهذا حالٌ مؤلم وقاسٍ. وهذا مصعبَ بن عميرٍ رضي الله عنه الذي كان قبلَ إسلامِه من أغنى الناس، تكسوهُ أمُّهُ أحسنَ ما يكونُ من الثيابِ، وكان أعطرَ أهلِ مكةَ، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُهُ ويقولُ:(ما رأيتُ بمكةَ أحسنَ لمَّةً، ولا أَنعمَ نعمةً من مصعبَ بن عميرٍ). (المستدرك/4904) وعندما استُشهِدَ مصعبٌ في غزوة أحد لم يجدوا له إلا ثوباً واحداً، إن غطوا رأسَه بدتْ رجلاهُ، وإن غطوا رجلاهُ بدا رأسُه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(غطوا رأسَهُ واجعلوا على رجليهِ الإذخرَ). (البخاري / كتاب الجنائز، 1276) ومثلُه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه الذي استُشْهِدَ في أحد ولم يجدوا ما يكفنوه به إلا ثوباً واحداً، أَسَدُ الله لا يَمْلِكُ إلا ثوباً واحداً!! لله درُّهم من رجالٍ. وهذا عبدُ الرحمن بن عوف يعاتبُ نفسه على طعامٍ أتاه وكان صائماً، ويخشى أن تكون طيباتُه قد عُجِّلتْ له في الدنيا، يقول عبدُ الرحمن بن عوفٍ رضي الله عنه:(قُتِلَ مصعب بن عمير وكان خيراً مني فلم يوجد له ما يُكَفَّنُ إلا بُرْدةً، وقُتِلَ حمزةُ أو رجلٌ آخر فلم يوجد له ما يُكفَّنُ به إلا بردةً، لقد خشيت أن يكون قد عُجِّلَتْ لنا طيباتُنا في حياتنا الدنيا ، ثم جَعَلَ يبكي) (البخاري / كتاب الجنائز 1274) اللهم اجعلنا خيرَ خلفٍ لخيرِ سلفٍ.
- التضحية بالنوم والراحة:
فلقد آثر رسول الله وأصحابه التعب والنصب في سبيل الله فهل آثرنا نحن ذلك؟ يحدثنا أنس رضي الله عنه فيما يرويه البخاري عما حصل معهم في غزوة الخندق، قال:( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداةٍ باردةٍ، فلم يكن لهم عبيدٌ يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النَّصبِ والجوع قال:
اللهم إنَّ العيشَ عيشُ الآخرة *** فاغفرْ للأنصارِ والمهاجرة
فقالوا مجيبين له:
نحنُ الذين بايــــــعوا محمــــــداً *** على الجهادِ ما بقينا أبداً
(البخاري/ كتاب المغازي، 4099 – مسلم / كتاب الجهاد، 4676) بايعوه على الجهادِ ما دامت بهم حياة، ولم يتركوا الجهادَ لأنهم أصبحوا في قلةٍ من العيشِ. وكان الصحابة بداية هجرتهم للمدينة في خوف دائم، وترقب مستمر، وحالة الاستنفار والحذر هي المسيطرة، وكانوا يتوقعون في كل لحظة هجومًا أو مداهمة من العدو، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يجد للنوم طعمًا بسبب طول الترقب حينما قدم إلى المدينة، فتمنى صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليه أحد ليقوم بحراسته لينام، فجاءه سعد بن أبي وقاص، تقول عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري: (كان النبي صلى الله عليه وسلم سهِرًا، فلما قدم المدينة قال: ليت رجلاً يحرسني الليلة! قالت: إذ سمعنا صوت سلاح، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن هذا؟ فقال: أنا سعد بن أبي وقاص، جئت لأحرسك. قالت: فنام النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا غطيطه) (البخاري/7231) وما هذا إلا لشدة الخوف والسهر والحذر والاحتياط من العدو. وحتى في جهادهم كان النفر من الصحابة يتعاقبون البعير الواحد، وكان التمويل الحربي يقوم على الجهد الذاتي والصدقات الشخصية اليسيرة، وخرج المسلمون في كل المعارك بعدد قليل جدًا من العتاد والعدة، ومع ذلك قامت دولة الإسلام بفضل الله، ثم بتماسك المسلمين وقوة عقيدتهم ووحدة صفهم وثباتهم، وعدم استسلامهم للواقع المر حولهم، فقد كان المنافقون في أوساطهم يكيدون لهم، وكان اليهود موجودين إلى جانبهم في نفس المدينة يحاولون إجهاض دولتهم، وكان المشركون في مكة يعدون لإشعال الحروب لإبادتهم والقضاء عليهم، ومع ذلك سادوا وانتصروا. 4-عدم تأفف الصحابة مما سبق ذكره:
ومع هذا كله ما سمعنا أحدًا من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- يطعن في دولة النبي صلى الله عليه وسلم ، أو يقول: كيف يريد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إقامة دولة وهو لا يملك أبسط مقوماتها؛ بل لا يملك الطعام والشراب الذي يطعم به نفسه فضلاً عن أصحابه؟! بل كانوا يقولون:
هل تعلموا من الذي كان يتأفف ويخذِّل ويثبط؟ إنهم المنافقون الذين كانوا يقولون: ( الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )(آل عمران: 168) وقالوا في غزوة الأحزاب: ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا )(الأحزاب:12) وقالوا: محمد يعدنا بكنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن أن يخرج فيقضي حاجته. ألا ترون أن الصورة اليوم هي نفس الصورة؟ والواقع الآن يشبه واقع الأمس؟!! إن الذي يفصل بيننا وبينهم هو الاستعداد للتضحية والبذل، والاستعداد للتحمل في سبيل الله، وتقبل ذلك بنفس راضية مسلِّمة لقضاء الله سبحانه. إن المخاض العسير، والظروف القاسية، والأحوال الصعبة التي مرت بها أمتنا في مراحلها الأولى هي أشبه ما تكون بالظروف القاسية التي تمر بها أمتنا اليوم، التي لا يضرها قلة السالكين ولا كثرة الهالكين، فالهجمة شرسة، وملل الكفر على اختلاف مشاربها ومصالحها قد اتفقت على الأمة الإسلامية وتكالبت عليها، ودماء المسلمين تسيل رخيصة في كل مكان. ولكن؛ هذا هو ثمن النصر، فقر وجراح وقتل ودماء، وصبر وعطاء، وتضحية وفداء، لتكون أرض الشام بعدها عقر دار المؤمنين كما أخبر رسولنا الأمين: ( ألا إن عقر دار المؤمنين الشام.. )(رواه أحمد، وصحح إسناده الألباني في الصحيحة). 5-التضحية بالنفس:
- التَّضْحية بالنَّفس من أعلى مراتب التَّضْحية: قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ) (البقرة: 216). (أخبر أنَّه مكروه للنُّفوس؛ لما فيه من التَّعب والمشقَّة، وحصول أنواع المخاوف، والتعرُّض للمتالف، ومع هذا، فهو خيرٌ محضٌ؛ لما فيه من الثَّواب العظيم، والتَّحرُّز من العقاب الأليم، والنَّصر على الأعداء والظَّفر بالغنائم، وغير ذلك فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: (من خير معاش النَّاس لهم، رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هَيْعَةً، أو فزعة طار عليه، يبتغي القتل والموت مظانَّه، أو رجل في غنيمة في رأس شَعَفَةٍ من هذه الشَّعَف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصَّلاة، ويؤتي الزَّكاة، ويعبد ربَّه حتَّى يأتيه اليقين، ليس من النَّاس إلا في خير)(مسلم:1889) وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (انتدب الله لمن خرج في سبيله -لا يخرجه إلا إيمان بي، وتصديق برسلي- أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنَّة، ولولا أن أشقَّ على أمَّتي، ما قعدت خلف سريَّة، ولوددت أنِّي أُقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أُقتل ثم أحيا، ثم أُقتل)( البخاري/36، ومسلم/1876(1). فبذل النَّفس والشَّهادة في سبيل الله هي ذروة التَّضْحية. ولتعلموا أيها الناس أنه في غزوةِ أحدٍ فقط اسْتُشْهِدَ كثيرٌ من قادةِ الصحابةِ وخِيارِهم وممن لهم مكانةٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم كأمثالِ "حمزةَ بنِ عبدِ المطلبِ، ومصعبَ بن عميرٍ، وعبدِ الله بن جحشٍ، وحنظلةَ غسيلُ الملائكةِ، وعبدِ الله بن عمرو بن حرام أبو جابر الذي كلمه الله كفاحاً من غير حجابٍ، وخيثمةَ، وعمرو بن الجموح، وأبي حذيفةَ بن اليمان، ووهبٍ المزني، وابنِ أخيه. وموتُ هؤلاء كان كالكارثة حلَّت بالنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ومع ذلك لم يقعد النبي صلى الله عليه وسلم عن القتال لحظةً، بل استطاع أن يعيدَ شتاتَ الجيشِ، ثم يئسَ المشركون من حسم المعركة نهائياً بسبب أن المسلمين استعادوا مواقعهم واستبسلوا في القتال والدفاع عن نبيهم، وكل هذا كان بعد التفاف خالدٍ عليهم بعد نزول الرماة).( انظر البداية والنهاية: ج5/445 – 446 – 447، وسيرة ابن هشام ج3/72) وفي غزوة مؤتة استشهد القادة الثلاثة، جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة، وأسامة بن زيد، وقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام مكانة شهداء مؤتة عند الله تعالى بقوله: (ما يسرني أو قال ما يسرهم أنهم عندنا) ، أي: لما نالهم من عظيم التكريم. فأنتم الأعلون أيها المؤمنون فلا تهنوا ولا تحزنوا.
ومــا نيـلُ المطالــبِ بالتَّمنــي *** ولكن تُؤخَـذُ الدُّنيـا غلابَـا وما استعصى على قومٍ منالٌ *** إذا الإقدامُ كان لهم ركابَا
---------------
يجودُ بالنَّفسِ، إذ ضنَّ البخيلُ بها
والجودُ بالنَّفسِ أقصى غايةِ الجودِ
أحمد أرسلان
محمد لافي
إبراهيم الحقيل
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة