هشام رزوق
تصدير المادة
المشاهدات : 3062
شـــــارك المادة
من خلال أحداث الثورة السورية المستمرة منذ أربع سنوات، وما خلفته من شهداء وضحايا ومفقودين ومهجرين، ومن الكم الهائل والوحشي للتعذيب والحط من كرامة الإنسان وامتهان حقوقه، اتجهت أنظار الكثيرين من الناس المهتمين بالشأن السوري إلى الرأي العام الغربي، وإلى الدول الغربية تطلب فيها التدخل لإنقاذ هذا الشعب من بين مخالب النظام الهمجي الوحشي.
أربع سنوات مضت، وها نحن ندخل السنة الخامسة من المجزرة المستمرة في سورية، ولم نر أي تحرك جدي لا إعلامي ولا عملي، لا من الشعوب ولا من الدول والحكومات الغربية لردع النظام، وإيقافه عن ارتكاب المزيد من المجازر، فهل في الأمر من جديد أم أن ما نسميه رأياً عاماً عالمياً ليس سوى وهم وسراب؟ وأن الدول الغربية ورأيها العام لا يعنيها ما يحدث في عالمنا العربي إلا بقدر مصالحها المتمثلة بالبترول وضمان أمن إسرائيل، وأنها في العمق لا تعتبر شعوبنا من نوع البشر الذين يستحقون الحماية والدفاع عن حقوقهم.
هنا أود العودة إلى السنة الستون التي تلت اكتشاف القارة الأمريكية الجنوبية، واسمحوا لي أن أترجم بتصرف مقطعاً من كتاب" " كراهية الغرب للكاتب جان زيغلر" وهو نائب رئيس اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حالياً.
يقول الكاتب : " في عام 1550 كان قد مضى على اكتشاف الإسبان للقارة الأمريكية ستون عاماً، وإن المجازر التي ارتكبت بحق شعب "الأزتك" و"الأيماراس" (السكان الأصليين) من طرف الجنود الأسبان قد وصل صداها إلى قصر الملك، وأثارت قلقه وقلق البابا في روما.
اتفق الإمبراطور "شارل كنت" والبابا "جيل 3" على دعوة مجموعة كبيرة من المهتمين بأمر ما يحدث في الأرض الجديدة المكتشفة. حصل الاجتماع في مدينة "بلد الوليد" قرب مدريد لمناقشة الخطوات الواجب اتخاذها.
كانت الأسئلة المهمة، والتي يجب الإجابة عليها هي : هل الشعوب المكتشفة هي نوع من الجنس البشري أم لا؟ هل يمكن إدخالهم في خانة من يحميهم الرب؟ هل هم من خلق الله أم أنهم شريحة ما تحت بشرية؟ هل لهم روح ؟ وهل مات المسيح من أجلهم؟.
لقد جرى اختيار شخصيتين متناقضتين بالرأي (على طريقة الاتجاه المعاكس) بالاتفاق بين البابا والإمبراطور للحسم بالأمر، الأول وهو "بارتولومي لاس كازاس" وهو من المدافعين عن الهنود وأنهم بشر كغيرهم، والثاني هو "خوان جينيس دو سيبيلفيدا" الذي يقول بلا إنسانية شعوب القارة المكتشفة وتبرير إبادتهم.
ودار النقاش وكانت هناك مصالح اقتصادية هائلة يمكن أن تهددها فكرة إنسانية شعوب الأزتك، وتحريم قتلها كونها محمية من المسيح، ولا يجب استلاب أرضها، ولا نهب خيراتها، ولا طردها من قراها، ولا استعبادها....
بنهاية اجتماع "بلد الوليد" كان القرار حاسماً لصالح الغزاة، وحقهم بقتل شعوب القارة الأمريكية، فخزينة الإمبراطور كانت بحاجة لأموالهم الكثيرة.
مات لاس كازاس مهموماً في مدريد بعدها بسنوات قليلة.."
لقد أوردتُ تلك الحادثة التاريخية لأشير إلى أن الغرب لا تعنيه حياة الآلاف ومئات الآلاف والملايين من البشر حين يتعلق الأمر بمصالحة الاستراتيجية، اقتصادية كانت أو مالية أو عسكرية أو سياسية وأنه قادر على دفع مئات الأقلام والكتاب والصحفيين وأصحاب الرأي والكنيسة لتبرير سياسته مهما كانت ظالمة وبعيدة عما ينادي به نظرياً من الدفاع عن حقوق الإنسان وعن قيم العدالة والمساواة.
إني أخاف أن يكون تصنيف شعوبنا العربية لدى ساسة الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية لا يختلف كثيراً عن تصنيف أسلافهم لشعوب القارة الأمريكية التي برروا لأنفسهم قتل شعوبها وسكانها الأصليين الذين كانوا يعدون بالملايين، ولم يتبق منهم "الآن" وبعد خمسة قرون وأكثر سوى مئات الآلاف.
أما عن قضية الرأي العام العالمي فهي أيضاً كذبة كبيرة إذ أن ثلثي ساكني الكرة الأرضية لا يؤخذ رأيهم بالحسبان حين تتكلم أجهزة الإعلام عن " الرأي العام العالمي".
إن الشعوب العربية التي تسكن هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم والتي حباها الله بكل الثروات الطبيعية، وكانت مهد الحضارات الإنسانية والأديان السماوية، هي الآن أسيرة نظرتها الدونية لنفسها، تعيش عقدة نقص خطيرة أمام هذا العالم الغربي المتقدم علمياً وتكنولوجياً لكنه يعيش عقدة العظمة التي تجعله يحتقر شعوب العالم، والضعيفة منها على وجه الخصوص.
بالعودة إلى الثورة السورية فإن مئات آلاف الشهداء وعشرات آلاف الضحايا تحت التعذيب، وعشرات المجازر الموثقة بحق المدنيين وتدمير المدن والقرى وتهجير السكان لم تحرك ضمير هذا الغرب ولم تمنعه من الاستعداد للتعامل مع القاتل والمجرم ومن يدعمه ويحميه ولتذهب حقوق الإنسان إلى الجحيم.
إن أرادت الثورة الانتصار وتحقيق أهدافها التي انطلقت من أجلها لا بد لها من رص صفوفها وتجميع قواها وتحرير نفسها من الأسر الذي وقعت به نتيجة اعتمادها على المال السياسي الأجنبي وعلى وهم المساعدات العسكرية والتدخل الأمريكي والغربي والعربي لصالحها.
الأمر نفسه ينطبق على كل القوى العربية التي تناضل من أجل الحرية والكرامة في كل الأقطار العربية، فالاعتماد على النفس وتجميع القوى الوطنية والاستقلالية باتخاذ القرار هي الطريق الأقصر لنيل الحقوق واستعادة الحرية والكرامة المهدورة.
لقد اكتشف كل ذي عقل نفاق "الغرب" بتعامله مع شعوب المنطقة وخاصة منها التي انتفضت على أنظمتها وطالبت بحريتها ودفعت الثمن غالياً على هذا الطريق، وعلى كل القوى الوطنية استخلاص العبر والدروس من التاريخ القديم والحديث لتعامل القوى الاستعمارية مع سكان القارة الأمريكية الأصليين، مع شعوب أفريقيا، مع الشعوب العربية وغيرها من الشعوب التي اكتوت بنار الاستعمار القديم منه، والحديث.
سراج برس
أبو طلحة الحولي
مجاهد مأمون ديرانية
مصطفى يوسف اللداوي
عبد المنعم زين الدين
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة