عامر الهوشان
تصدير المادة
المشاهدات : 3221
شـــــارك المادة
"الدنيا دار ابتلاء وامتحان وعمل" هذه هي حقيقتها , وهذه هي عقيدة المسلم فيها , ومن هنا وطأ المؤمن نفسه على الصبر على ابتلائها والاحتساب , والشكر على نعمائها لتزداد , فلا تفجعه حينها المصائب والمحن وإن توالت , ولا توقفه عن العمل وإن تزاحمت , كما لا تسكره النعم وإن تكاثرت , فهو بين صبر وشكر وعمل مستمر لا ينقطع حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً . لقد توالت وتكاثرت المحن على كثير من المسلمين في الآونة الأخيرة , وأحسب أن الأمة بأسرها في محنة ليس لها كاشف إلا الله , من خلال التوبة والإنابة إليه سبحانه , والاستمساك من جديد بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , ومواصلة العمل والإنجاز على هديهما . ومع طول أمد هذه المحنة واشتداد وطأتها , تسلل اليأس إلى بعض القلوب من انفراجها , و خيم القنوط على بعض النفوس من زوالها , واليأس والقنوط مع ما فيهما من إثم ومعصية عظيمة , قال تعالى : { قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ } الحجر/56 , وقال تعالى : { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } يوسف/87 فهما في نفس الوقت العدو اللدود للعمل , والصديق الحميم للكسل والخمول , فاليأس نقيض الأمل والثقة بالله , وكما أن اليقين بأن مع العسر يسرين , وأن طبيعة هذه الحياة الدنيا تقتضي أن لا يتوقف المسلم عن الإنجاز والعمل ....فإن اليأس والقنوط هما الباب الأوسع للكسل والخمول . نعم.. لقد أصيبت الأمة الإسلامية في السنوات الأخيرة بمحن وابتلاءات متتالية , إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون ذريعة لمشهد الخمول الذي يُرى على حياة بعضهم , ولا سبب للكسل الذي يبدو في سلوك آخرين , فالخمول والكسل والتوقف عن الإنجاز والعمل لم تكن يوماً من سمات المسلمين , فضلاً عن أن تكون من خصال دينهم . إن الدارس للسيرة النبوية يمكنه أن يلحظ كثرة المحن التي أصابت المسلمين , وتوالي الأزمات التي لم تتوقف يوما في حياة النبي صلى الله عليه وسلم , ومع هذا لم تشهد تلك الحقبة النبوية أي ملمح من ملامح الكسل والخمول , بل كان العمل الممزوج باليقين بفرج الله ونصره وتأييده هو المهيمن على القلوب والنفوس , بفعل تربية وتعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه قولاً وعملاً وسلوكاً . لقد تعرض المسلمون ومعهم نبيهم صلى الله عليه وسلم في مكة لأذى واضطهاد قريش , وقضى بعضهم أثناء التعذيب - كسمية وياسر والدا عمار رضي الله عنهم أجمعين – ومع هذا لم يتوقف واحد منهم عن الدعوة إلى الله , ولم يتكاسل عن أداء واجبه الديني أو الدنيوي . وبعد غزوة أحد التي كان فيها من المحن والآلام ما فيها , كان أول ما فعله صلى الله عليه وسلم الثناء على الله تعالى تعبيراً عن الرضا بقضائه وقدره , فقد روى الإمام أحمد عن رفاعة الزرقي قال : لما كان يوم أحد ، وانكفأ المشركون ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( استووا حتى أثني على ربي عز وجل فصاروا خلفه صفوفاً فقال : "اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت. اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك، وفضلك ورزقك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول......" مسند الإمام أحمد برقم 15531 وصححه الألباني ليكمل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عمله ومهمته التي كلفه الله بها , وليتابع المسلمون معه العمل والدعوة إلى الله , بعد أن أخذ المسلمون من تلك الجولة العبرة , وتعلموا درساً بليغاً لن ينسوه أبداً , فلم تكن تلك المحنة سبباً للتوقف عن العمل أو الدعوة , بل كانت حافزاً لاجتناب الوقوع فيما كان سبباً في تلك المحنة . وهكذا كانت سمة حلقات التاريخ الإسلامي بعد عهد النبوة , محن وابتلاءات وأزمات تتوالى على فترات متقاربة أو متباعدة , لم تخرج منها الأمة إلا بهمة وعمل الرجال المؤمنين بسنن الله في خلقه , الواثقين بمضمون قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } الرعد/11 , وقوله تعالى : { وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } التوبة/105 أما الخمول والكسل والقعود عن العمل , الذي هو نتاج طبيعي لحالة اليأس والقنوط التي قد تصيب بعض أفراد الأمة , فهي في الحقيقة محنة قد تكون أشد على الأمة من كل المحن , فإذا كان زوال المحنة المادية من السهولة بمكان , فإن علاج وزوال محنة الهزيمة النفسية من الصعوبة بمكان . لقد وصلت الأمة الإسلامية في بعض فتراتها إلى مرحلة جد خطيرة من شدة المحن والابتلاء , فقد اجتاح التتار في القرن السابع الهجري المشرق الإسلامي , ووصلت جحافلهم إلى أطراف مصر , ومع كل هذا البلاء والكرب العظيم , لم يكن سوى العمل والثقة بموعود الله عليه هو الخلاص من ذلك الكرب وتلك الغمة . فقد قيض الله تعالى لهذه المحنة رجالاً من أمثال سيف الدين قطز , وركن الدين بيبرس البندقداري , وفارس الدين أقطاي الصغير ...وغيرهم , ممن كانوا يؤمنون بأن المحن والأزمات تقابل بالعمل والإنجاز والثقة بالله ووعده , فكانت نهاية تلك المحنة العظيمة في معركة عين جالوت عام 658 هجرية . إن الخلاصة من كل ما سبق: أن على المسلم أن لا يتوقف عن العمل – دينياً كان أم دنيوياً – ما دام على قيد الحياة , وأن لا يتسلل إليه الخمول أو الكسل بسبب ما قد يراه من حال الأمة وما يكتنفها من محن وأزمات , فالأزمات لا تزول على أي حال بالخمول والكسل , بل بالإنجاز والعمل مع الثقة بموعود الله الذي لا يمكن أن يتخلف.
سيفتح الله باباً كنت تحسبه من شدة اليأس لم يُخلق بمفتاح
موقع المسلم
أحمد أبازيد
مجاهد مأمون ديرانية
أسرة التحرير
أبو عبد الملك الشرعي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة