أنور مالك
تصدير المادة
المشاهدات : 4851
شـــــارك المادة
لم يعد خافياً على أحد أن إيران تتوزّع قومياً، وتصدّر ثورتها، وتتمدّد صفوياً، عبر مليشيات موالية لها في الوطن العربي، ولا يوجد من ينكر أن العالم الذي يحارب "الإرهاب" يغضّ طرفه نهائياً عن إرهاب تمارسه طهران في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وما دام يعطيها هذه الحصانة فهي ستتمدّد إلى دول أخرى مستقبلاً.
بلا أدنى شك، أن التنظيمات السنّية ترتكب عدّة أخطاء جسيمة في تعاملها مع أعدائها، فهي تعادي الكل، مما دفع الجميع كي يعاديها، وصار يتحالف فيما بينهم حتى ألد الخصوم للقضاء عليها، ولكن هذا ليس مبرّراً للمجتمع الدولي كي يكيل بمكيالين بين المليشيات الشيعية والتنظيمات السنّية.
فإن كان تمويل الجماعات الإرهابية ودفع الفدية والتحريض على العنف والتطرّف يجري تجريمه، فإن إرهاب الدولة الذي تمارسه أنظمة عربية، وعلى رأسها نظام الأسد، وإرهاب مليشيات تقودها إيران، كلها من أسباب صناعة الإرهاب الذي صار يهدّد البشرية.
الشيء الخطير الذي يسكت عنه المجتمع الدولي ولا يريد أن يقرّ به هو احتلال إيران لسوريا ثم اليمن ولبنان والعراق، لذلك نجدهم يتجاهلون مليشيات تقتل وتستبيح الأعراض وتبيد الناس بطرق طائفية وعنصرية نجسة يجرّمها القانون الدولي وتتنافى مع كل المواثيق الحقوقية والإنسانية في العالم.
"حزب الله" مدرج لدى عدّة أطراف على أنه تنظيم إرهابي، ويوجد من أدرج جناحه العسكري فقط، مع أن الفصل بين السياسي والعسكري بخصوص مليشيات مثل "حزب الله" هو نوع من العبث الواضح للعيان. ورغم كل ذلك لم نشهد يوماً حراكاً دولياً ضد هذا التنظيم الإيراني الذي يعيث تخريباً في لبنان، ويعبث بمستقبل المنطقة، وصار يعتدي إرهابياً حتى على دول أخرى.
أما في العراق بعد احتلاله من أمريكا، وتحت رعاية المارينز، فتخرّجت من الحوزات والثكنات عشرات المليشيات المتشبّعة بالتكفير والطائفية والعنصرية، وراحت تقتل أهل السنّة على الهوية تحت مرأى المخابرات الأمريكية وكل الأجهزة الأمنية الدولية الأخرى التي تكاثرت كالفطر منذ سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين.
هذه التنظيمات الشيعية التي تتحكّم فيها إيران، اقترفت ما يندى له الجبين بحق أهل السنّة، وتحوّلت الدولة الديمقراطية التي زعم جورج بوش الابن أنه سينجزها للعراقيين، إلى دولة ملالية انتقامية يغذّي روحها الإجرامية رجال دين تخرجوا في قم والنجف تحت رعاية المخابرات الإيرانية.
ليومنا هذا لم نسمع أن أمريكا ولا حلفاءها، أدرجت مليشيات المالكي أو الصدر أو غيرهما بقوائم الإرهاب، رغم أن إرهابهم فاق كل التنظيمات الإرهابية التي عرفها العالم. في حين أن أيّ تنظيم سنّي يظهر لمواجهة هذه المليشيات الطائفية يجد نفسه مباشرة في قوائم الإرهاب الدولي والعالم كله يحشد قواته لمحاربته.
هذا الكيل بمكيالين هو من صنع الإرهاب ودفع إليه وحفّز عليه، فمن يصير مهدّداً في حياته وعرضه وأرضه، لا يلام أبداً إن تحوّل إلى متطرّف يدوخ كل الدنيا بغلوّه وتطرفه، فالوحشية تصنع وحشية مضادة، والإرهاب يصنع الإرهاب المضاد، والجريمة تتسبب في جرائم مضادة أيضاً.
الحوثيون هم عصابة مسلحة تمرّدت على الدولة اليمنية وتتلقّى الدعم الخارجي المعلن من دولة إيران، ظلت تقاتل منذ سنوات وتقترف ما يندى له الجبين بحق الإنسان اليمني، وصلت إلى حدّ السيطرة على الدولة وتنفيذ انقلاب عسكري، وكل ذلك يحدث على مرأى العالم، ولا أحد تحدّث عن الإرهاب، بل يجري الخوض في مبادرات سياسية.
حتى مجلس الأمن لم يتجرّأ على إصدار أيّ قرار ضد هذه المليشيا التي تتوفر فيها كل شروط اتهامها بالإرهاب، ولكن ما دام مفتاحها في إيران فلا يهم أمريكا التي تدّعي أنها تحارب الإرهاب منذ سنوات، ولكنها لم تزده إلا قوّة وانتشاراً على حساب دول المنطقة التي صار وجودها على المحك.
أمريكا تحارب "القاعدة" في اليمن وتقصفهم بطائرات من دون طيّار لأنهم يهدّدون أمنها، في حين تتجاهل مليشيا "أنصار الله" مع أن الحوثيين يحملون شعار "الموت لأمريكا" الذي هو ديدن إيران بامتياز، التي أفتى فيها الخميني بأن أمريكا هي "الشيطان الأكبر" وتعامل معها سرّياً كأنها "ملاك أكبر"!
حتى لما سقطت العاصمة صنعاء تحت حوافر مقاتلي عبد الملك الحوثي، لم نسمع إدانة ولا سحب سفير ولا غلق سفارات ولا سحب دبلوماسيين احتجاجاً على ما حدث، في حين أنه لو فعلها تنظيم سنّي في قرية صغيرة وليست عاصمة كبيرة، لاهتز كل العالم ضده.
الحوثيون لا يجدون غير الدلال الغربي، والسبب أنهم يخدمون إيران التي تخدم كل القوى المعادية للأمة العربية والإسلامية، والتي لو لم تكن موجودة لأوجدوها في قلب المنطقة لأنها تحقق للكيان العبري خاصة ما عجز عن تحقيقه في كل حروبه ضد الجيوش العربية منذ عام 1948.
لقد رفس الحوثيون المبادرة الخليجية، وهيمنوا على كل مفاصل الدولة اليمنية، في تحدٍّ واضح المعالم للمؤسسة العسكرية الرسمية المعترف بها دولياً، والأمر نفسه بالنسبة لـ "حزب الله" الذي تحوّل إلى دولة أكثر من لبنان، فضلاً عن مليشيات إيرانية أخرى في العراق وسوريا. ورغم كل ذلك العالم لم يتحرّك ضد هذه العصابات الإرهابية التي تهدد الأمن والاستقرار، وصار يشغل الدنيا بتنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف اختصاراً بـ "داعش".
للأسف الشديد المجتمع الدولي يتجاهل وحشية الأسد، ويتعامى عن وحشية المالكي ومشتقاته، بل يغضّ الطرف عن المعلومات الاستخباراتية الموثقة التي تؤكد أن مخابرات إيران والعراق وسوريا و"حزب الله" هم من ساعدوا على نموّ تنظيم البغدادي بطريقة مثيرة للغاية، وهذا لإنقاذ المشروع الإيراني من بين مخالب الثورة السورية.
هنا يجب أن أؤكد أمراً هاماً، أن الدعم غير المباشر الذي تلقّاه تنظيم "داعش" من طرف الحلف الصفوي لا يعني أنه ذراعه المسلح مثل "حزب الله"، بل أن المخابرات الإيرانية تدرك أن الغرب سيتحالف معها في حال وجود خطر سنّي، وبهذا ستغيّر موازين اللعبة في المنطقة وترفع الضغط عن نظام الأسد.
ما دام تنظيم "داعش" خطيراً يهدّد أمن العالم، فيجب معاقبة كل من ساهم في صناعته، وإن كان "داعش" اقترف جرائم بحق غربيين ونحرهم على المباشر، فإن دماء هؤلاء في عنق إيران التي رعت بطرق خفيّة، مخطط تنمية تنظيم البغدادي وتحويله إلى بعبع إرهابي يهدّد كل المنطقة.
الحرب على النتائج وتجاهل الأسباب، هي مسخرة حقيقية لا تزيد إلا في قوة النتائج، وهذا ما يحدث مع الإرهاب، الذي تصنعه أطراف حليفة لدول غربية تدّعي أنها تحاربه.
فلا يعقل أن أمريكا تحارب البغدادي بأطنان من المتفجرات وملايين الدولارات، وتستقبل المالكي في البيت الأبيض، وهو الذي أطلق مقاتلي التنظيم من السجن في عمليات فرار منظّمة، وهو الذي رفع الحراسة عن حدود العراق مع سوريا كي يتحرّك المقاتلون إلى بلاد الشام، وهو الذي أمر جيشه في الموصل بالهروب وترك معدّاتهم وأسلحتهم الثقيلة والمتطوّرة ومن مختلف الأنواع كي يسيطر عليها تنظيم "داعش".
لا يعقل أبداً أن تحارب الأمم المتحدة تنظيم "داعش" وتحت قبّتها يخطب ممثل بشار الأسد ووزير خارجيته، بل يستدعى وفده إلى جنيف عاصمة حقوق الإنسان في العالم، وبشار هو الذي صنع تنظيمات إرهابية بوحشيته التي يقترفها بحق السوريين، وأيضاً بعمل استخباراتي منظّم حيث أطلق سراح المتطرفين من السجون في حين يموت تحت التعذيب مَن ذنبُه أنه فتح حساباً على الفيسبوك أو تويتر.
لا يعقل أبداً أن دول الغرب تعمل على اجتثاث "داعش" وفي الوقت نفسه تتفاوض مع إيران وترفع التجميد عن أجزاء من أموالها، ويستقبلون المسؤولين الإيرانيين ويتفاوضون معهم، في حين أن طهران لديها مليشيات إرهابية تقتل الأبرياء في سوريا والعراق واليمن ولبنان وغيرهم.
كما أن المخابرات الإيرانية تورّطت في تحويل تنظيم البغدادي من مجموعات تتخفّى في العراق إلى دولة مساحتها تضاهي مساحة بريطانيا العظمى، وتتحدّى العالم بجرائم ضد أسرى وتتصدّى لطيران التحالف الذي يحرق الذخائر وينفق الأموال من أجل مواجهتها.
المليشيات الإيرانية يعاملها المجتمع الدولي بدلال ليس له نظير، فلم نشهد أن جهة دولية حاربت تنظيماً شيعياً ترعاه إيران، في حين أن التنظيمات السنّية، أو المحسوبة عليها، تحارب قبل نشأتها، وعيون الاستخبارات تطارد أنفاس مقاتليها في الهواء.
لا يمكن القضاء على الإرهاب المضاد، إن لم يتصدَّ العالم للإرهاب الأصلي الذي تمارسه إيران، عبر مليشياتها وحرسها الثوري ومخابراتها، وحتى أنظمة موالية لها، وعلى رأسها نظام بشار الأسد في سوريا، والحوثيون في اليمن، و"حزب الله" في لبنان، ومليشياتها في العراق، وشبكاتها الأخرى في البحرين وغيرها من الدول العربية في الخليج والمغرب العربي الكبير.
إن العمل على زعزعة استقرار الدول مجرّم في القانون الدولي، وهذا الذي تمارسه طهران من خلال عملها الممنهج لضرب دول عربية من داخلها عبر استغلال الشيعة الموالين لها، ولا يوجد ما يصنع الإرهاب مثل الفوضى والخوف وسقوط هيبة الدولة في دول محورية كانت تشكّل صمام أمان للمنطقة العربية.
أخيراً، أؤكد أن شرور الإرهاب تصنع في طهران، والعالم يطارد دخانه في مناطق أخرى، لذلك سيبقى أمن البشرية على المحك إن لم تجفّف المنابع الحقيقية وليست تلك الفرعية التي نراها تتشكّل هنا وهناك، وللأسف تحت الرعاية الدولية.
الخليج أونلاين
عبدالباسط سيدا
زياد الشامي
أحمد رحال
إبراهيم الجبين
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة