مهنا الحبيل
تصدير المادة
المشاهدات : 3216
شـــــارك المادة
باتت إيران اليوم اللاعب الرئيسي في حصد نتائج المتغيرات الدولية في لعبة الأُمم كشريك في بعض مساراتها أو ككيان مواز يحصد نتائج التقاطعات.
صحيح أن لدى الجمهورية الإيرانية -التي أُسست بعد ثورة 1979 على أساس طائفي- صعوبات كثيرة وتشعبات واسعة، ومع ذلك لا يظهر اليوم نجاح الخيار الذي راهنت عليه بعض الدول العربية من إنهاكها، سواء في حروب السياسة أو في حرب النفط الأخيرة، إن اُعتبرت أزمة البترول ذات سياق سياسي محض ليس له بعد اقتصادي في سوق النفط وصراع الأرضي والصخري فيه.
ففي كل الأحوال تخرج إيران متماسكة من هذه الأزمات ومنها الأزمات السياسية الداخلية كالحركة الخضراء التي احتجت على فوز نجاد وتغيير النتائج في انتخابات سابقة، لأسباب صناعة دولة الأيديولوجيا العميقة التي تتغلغل في كل أركان وتفاصيل الحكم وتعتمد على ولاء الفرد المنظم داخل مجتمعه.
ومع صحة القول باستمرار هذا الحراك السياسي والفكري في الوجدان الإيراني المتمرد داخليا على أيديولوجيا الثورة المتطرفة، والتسليم بعدم ذوبانه سواء في حراكه الليبرالي أو اليسار الديني، لكنه في الجملة وفي ظل هذه المرحلة تم احتواؤه تحت رداء السياسة الداخلية في تعاقب ما يُسمى بإصلاحيي الثورة أو محافظيها، أو تم قمعه عبر قهر الحرس الثوري الديني المتشدد.
كما أن الملفات الخطيرة في تمرد أقاليم إيران -وخاصة الأحواز المحتلة عام 1925 بتآمر إنجليزي مع الشاه ضد إمارتها العربية الشيعية، بعد أن كانت طيلة تاريخها السابق تحت الحكم العربي- هي ملفات توتر مؤثرة، في ظل صعود المشاعر المناهضة للاحتلال الإيراني والتي يقودها عدد من المنظمات العربية غالبيتها الكبرى شيعية تطالب بالاستقلال وبعضها بحكم ذاتي، وتعاني من حركة قمع شديدة وعمليات إعدام منهجية منظمة.
لكن ثورات الأقاليم عاجزة بقدراتها الذاتية ومعزولة عن أي رديف أو دعم إقليمي أو دولي، وعليه تعود إيران لتبطش بأي حراك، فلا يتبقى له إلا الإعلام الجديد ينشر فيه تفاصيل ضحاياه.
ففي لعبة الأمم لا يوجد قرار على الإطلاق يتخذ موضع استثمار لهذه الثورات ضد نظام طهران، كونه اليوم شريك ضامن لمصالح وتقاطعات مهمة للغرب، لا تُغيرها كل حفلات الملاعنة، بين الإعلام الغربي والإيراني المستمرة لأكثر من ثلاثة عقود، وهذه حسابات خاصة في المصلحة الكلية للغرب والعلاقة مع الأقليات في العالم الإسلامي وليست تحالفا على أساس ديني ضد الإسلام السني كما يفسره البعض.
وفي ذات السياق توحدت المعركة في الأرض السورية منذ بداياتها لمصالح لعبة الأمم مع لعبة إيران، وإن لم تتكشف إلا مؤخرا، بحيث توحدت الرؤية في اللعبتين على أن انتصار الثورة مضر بأمن إسرائيل ومصالح الغرب، فاستخدمت إيران مدافعها وبراميلها ضد إنسان سوريا وتواطأ الغرب مع الدعم العسكري الروسي في قصف سياسي ممنهج ضد ثورة سوريا، مستغلا بعض أخطاء الثورة حين تسامحت مع الاختراق الخطير لميدانها عبر مقاتلي الأرض المحروقة الذين لم يفقهوا مقاصد الإسلام في الجهاد والرباط وحماية الضروريات الخمس، وزاد من بأسهم غلوٌّ أحمق تتلاعب به أجندات مخابرات متنوعة عربيا وإقليميا.
إن هذا السياق في تداخل لعبة إيران ولعبة الأمم هو الذي فرض أيضا هذا التداعي لحرب كوباني (عين العرب) أمام حرق دوما بالبراميل الكيميائية، فهي رمزية مهمة تؤشر إلى مفاصل الالتقاء بين اللعبتين، وعليه فإن إعلان المبعوث الأممي دي مستورا بأن الأسد جزء من الحل ليس موقفا طارئا، ولكنه حصاد لسلسلة مراحل مع عمليات التقاطع بين لعبة الأمم ولعبة إيران، يُنفَّذ مشروعها الأخير على واقع شعوب المنطقة وخاصة في سوريا والعراق، وهو الذي كفل امتدادات ضربت اليمن ولن تتوقف عنده.
ورغم أن قرارات مجلس الأمن وموقف الأمم المتحدة تُظهر رفضا لانقلاب الحوثي، لكن في نهاية الأمر فإن خضوع اليمن لهذه المعادلة بين اللعبتين وارد جدا بـ"دي مستورا" جديد باسم جمال بن عمر أو غيره، يكون فيه الحوثي وحلفاؤه أصل الحل والبقية هامش ليس لهم دور يُذكر، وإن بقيت تفاصيل مهمة في نظريات الصراع لا يمكن أن يوضع لها اليوم ولمآلاتها تصور مُحدد في ظل انفجارات الشرق الخطيرة.
وبلا شك فإن النظام الرسمي العربي استُخدم كترسانة أصلية مباشرة أو غير مباشرة بين اللعبتين، وقد تكون حساباته متفقة في بعضها ومختلفة في البعض الآخر، لكنه في النهاية استُخدم بكثافة لضرب مكامن الممانعة العربية المستقلة أمام تقاطعات لعبة الأمم ولعبة إيران، فانهار المشرق العربي ليس في ربيعه وحسب بل في قوته الرادعة في المجتمع المقاوم ذاتيا، والذي أُنهك بحصار أمنى وسياسي خطير، مكن لصعود المشروع الإيراني في مساحات جغرافية وسياسية واسعة.
ولا يوجد في الحسابات الحديثة أي رهان واقعي يعتمد على نظرية هرم المشروع الإيراني وشيخوخته، فكل الدول تعاني من أزمات داخلية وكثير منها يعيش محطات نزاع انفصالية، لكنها وفقا لبنيانها السياسي لديها قدرة صمود وصعود، وهو ما يصدق على الحالة الإيرانية ولعبتها، والخشية والغيرة المحتقنة التي تشعر بها إيران مع تركيا، لأن تركيا تملك مقومات ذاتية في صناعتها الدستورية وفي قوتها السياسية والاقتصادية، فتنافسها إقليميا ببعد إسلامي شرقي غير طائفي، لكن كلا منهما يضع مسافة مع الطرف الآخر حتى لا يكون ضحية بين لعبة أُمم ولعبة إقليم.
في حين راهنت أنقرة في البداية على قرار من الإقليم العربي يقبل بشراكة مصلحية معها لتحجيم الدور الإيراني وقطع الطريق على لعبته المتقاطعة مع لعبة الأمم لمصلحة تركيا والمشرق العربي، بحيث يُستعاض عن الحرب الموسمية المقترحة للغرب على إيران بحرب سياسية وحروب دعم لحركات التحرر أمام نفوذها أو تدعيم الاستقرار المانع لاجتياحها، لكن رفض الطرف العربي لهذه الشراكة انقلب إلى جولة تمكين أكبر وأقوى للإيرانيين ولعبتهم فلم يستفق بعض العرب إلا في صنعاء.
وليست هناك مؤشرات موضوعية مقبولة وفقا للمعادلات السياسية في مصالح الدول وأجواء الصراع بين لعبة الأمم ولعبة طهران التي تمثل مع روسيا اليوم أيضا قطب تنسيق يُحكم خطة محددة لاستثمار القاهرة الجديدة وارتباكاتها، إلا العودة إلى مربع المواجهة من ذات المعادلة، قوة ذاتية في القرار لمحور الإقليم العربي.
والتراجع الإيراني المطلوب ليس عبر حرب تُشن عليها كما يعتقد البعض، لكن من خلال تغيير شامل وجاد لموازين القوى ودعم حركات التحرر أمام مشروعها ومشروع اللعبة الأممية المنحاز وخاصة في سوريا، وحين يتحقق ذلك سيتمكن النظام العربي -من خلال الدعم والمساعدة- من توحيد قدراته، وسيتغلب على قوى التطرف والفوضى في الميدان ويُقلص حضورها.
وحينها فقط ستخضع إيران مرغمة وفقاً لذات القواعد لكن عبر لعبة جديدة تُقرأ في واشنطن وفي موسكو قبل أوراق دي مستورا، لتَضبط حماقات مشاريع الصراع الداخلي، ويأمن الجميع، وتتوقف مرحلة السقوط.. سيحدث ذلك فقط حين يكون العرب لاعبون لا مستخدَمون.
الجزيرة
عبد الرحمن الحاج
علي العبد الله
ياسين الحاج صالح
أحمد رحال
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة