مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3367
شـــــارك المادة
لم أكتب هذه المقالة دعايةً لهيئة الشام الإسلامية، فهي في غِنىً عن دعايتي بما كتبه الله لها من حسن السمعة وطيب الذكر، إنما هي شهادةُ حق أردت بها الترويجَ لمبدأ عظيم من مبادئ العمل الجماعي، مبدأ تحتاج إليه الثورةُ اليومَ وتنتفع الأمة به في سائر الأيام. كانت هيئة الشام من أوائل المنظمات الإسلامية التي تصدّرت لحمل العبء الثوري في الداخل السوري وفي دول اللجوء، فقد وُلدت في شهر الثورة السابع، وتنوع نشاطها وتوسع بسرعة فشمل الأعمال الإغاثية والطبية والتنموية والتعليمية والإعلامية والدعوية، فهي تتبنى الأيتام وتعول أسر المعتقلين والشهداء، وتغيث المحتاجين بالغذاء والكساء والدواء، وتنشئ المخابز والعيادات والمستشفيات الميدانية والمدارس والمعاهد الشرعية، وتدرّب وتكفل الدعاة والمعلمين وتوزع الكتب الدراسية والدعوية، ويقوم مكتبها العلمي على ثغرة مهمة فيصدر الفتاوى في المستجدات والنوازل التي يهتم بمعرفة أحكامها الشرعية العامةُ والمجاهدون.
* * *
قد يقول قائل: هذا كله مما تقوم به منظمات كثيرة في الثورة، فما المتميز في هيئة الشام؟ أستطيع أن أثني على الاحترافية العالية التي تميّز عملَ الهيئة، ولكن هذه أيضاً مما تملكه منظمات ثورية أخرى بدرجات تنقص وتزيد، فهي ليست بيتَ القصيد، إنما هو المثَل التي ضربته هيئة الشام للثورة حينما تنازلت عن حظ الذات وقدّمت المصلحةَ العامة، فنجحت في التخلص من المرض الذي أنهك الثورةَ وفتّتَ جسمَها الكبير إلى قطع وجُذاذات، مرض التعصب للجماعة الصغيرة وتقديم الولاء لها على الولاء للأمة، وتفضيل مشروعها الجزئي المحدود على مشروع الأمة الجامع الكبير. إن هيئة الشام مؤسسة إسلامية، بل يمكننا أن نقول إنها إسلامية سلفية، ولكنها لم تسمح لهذه الهوية بأن تكون عنصرَ تفريق ومصدرَ خلاف مع الآخرين، من الإسلاميين ومن غير الإسلاميين، بل هي مدّت اليد وفتحت الباب للتعاون والتعامل والتكامل مع كل عامل مخلص يحمل هَمّ الثورة ويسعى إلى تحقيق هدفها القريب، وهو تحرير سوريا وإسقاط النظام. أليس للهيئة هدف بعد ذلك ومشروع؟ بلى، لا بد أنها تحمل مشروعاً وأن لها هدفاً ستسعى إليه بعد التحرير، فإن لها تصوّرَها لمستقبل سوريا ولمنهج الإصلاح في الأمة، ولا بد أن تعمل عندئذ مستقلةً عن شركاء اليوم إذا اختلفت مشروعاتُهم عن مشروعها وأهدافهم عن هدفها، فتلك مرحلة أخرى في طريق العمل الإصلاحي لها رجالها وأدواتها وسوف تتنوع فيها وتتعدد المؤسساتُ والمشروعات، أما المرحلة الحاضرة فإن المشروع فيها واحد والهدف واحد: إسقاط النظام وتحرير البلاد من الاستبداد والاستعباد.
إن الدرس الكبير الذي قدمته هيئة الشام الإسلامية للثورة السورية هو أن الاختلاف لا يسوّغ الخلافَ ولا يبرر الخصومةَ والتنازع والتشتت، بل ينبغي أن يكون عنصرَ إثراء لجهاد الأمة وأن يدخل في باب التكامل في التخصصات والجهود. وأن الذي يعمل في الثورة لا يعيبه أن يحمل مشروعه الخاص، إنما يعيبه أن يقدّم مشروعَه على مشروع الأمة والوطن (ولا تناقضَ بين الانتماء للأمة والانتماء للوطن إلا في عقول الجهَلة الذين لم يفهموا الإسلام على الوجه الصحيح) ويعيبه أن يفترض أنّ مشروعَه حقٌّ مطلق ومشروعَ غيره باطل، وأن يوالي ويعادي في طريقته ومنهجه لا في الحق الجامع الذي تلتقي عليه كثير من المشروعات الإسلامية الصالحة. إن المبادئ السابقة سهلٌ رَصْفُها في كلمات ولكنْ عزيزٌ ترجمتُها إلى واقع، وإن أكثر ما نحتاج إليه هو القدوة والمثل، الجماعات التي تعبّد الطريقَ بأفعالها لا بشعاراتها، التي تسع المختلفين وتستوعب المخالفين وتتعاون مع الجميع بلا إقصاء ولا استثناء. من أجل ذلك استحقت هيئة الشام الإسلامية هذا الثناء، لأن شعارها العملي الذي نطقت به الأفعالُ لا الأقوال: أنا أعمل مع كل مسلم من أجل خير الأمة، ومع كل سوري من أجل قضية سوريا وثورتها وتحريرها من الاحتلال. ليت الفصائل والقوى الثورية كلها تنهج هذا المنهج الخيّر فتضحّي -ولو مرحلياً- بمشروعاتها الخاصة وتتنازل -ولو جزئياً- عن مناهجها وهوياتها في سبيل العمل المشترك، فقد تعبت سوريا من التّشظية والتفتيت، وقد طوّلت الفُرقةُ الطريقَ وضاعفَت معاناةَ الناس. بارك الله في جهود هيئة الشام وجزى جنودَها المجهولين خيرَ الجزاء.
الزلزال السوري
برهان غليون
رقية القضاة
مهدي الحموي
أحمد موفق زيدان
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة