..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الشرق الأوسط وخرائط الدم

شريف عبد العزيز

٨ ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3293

الشرق الأوسط وخرائط الدم
0.jpg

شـــــارك المادة

الأمة عبر تاريخها واجهت الكثير من الخصوم والأعداء الذين لم تجمعهم راية ولا فكرة ولا هدف سوى محاربة الإسلام وأهله.

فقد واجهت الأمة في بداياتها المشركين الأصليين من العرب؛ قريش وأخواتها، ثم واجهت الروم الصليبيين، والفرس المجوس، ثم واجهت البربر الوثنيين، والقوط والوندال الأوروبيين، ثم واجهت الحملات الصليبية العنيفة لأكثر من قرنين من الزمان في العصور الوسطى بقيادة الفرنجة، ثم واجهت المغول الوثنيين.
وكان لها الدور الأروع في إنقاذ البشرية من الاكتساح المغولي للحضارة الإنسانية المعروفة، بعد أن أوقفوا الزحف المغولي على أرجاء المعمورة على عتبات عين جالوت.
وفي العصر الحديث واجهت الأمة زحفاً شيوعياً أحمر محملاً بأفكار الإلحاد والكفر؛ هبت رياحه من الاتحاد السوفيتي، وزحفاً غريباً ليبرالياً هاتكاً ماجناً محملاً بأفكار الانحلال والفوضى الأخلاقية هبت رياحه من أوروبا وأمريكا.
وأخطر من ذلك كله واجهت كياناً سرطانياً مسموماً انغرس في قلب العالم الإسلامي اسمه الكيان الصهيوني.
وقبل مائة عام تقريباً وفي أوائل القرن العشرين تفاعلت عدة قوى عالمية للسيطرة على قلب الشرق الأوسط بوصفه الحلقة الأهم في تأمين طرق التجارة العالمية، لسيطرتها على الممرات المائية الرئيسية في العالم، لذلك تنافست عليه القوى الراغبة في تأمين أو تهديدات المستعمرات الأوروبية.
وقد بلغت هذه التفاعلات والمنافسة درجة شديدة من التعقيد والتشابك جعلت الصراع الأوروبي في النهاية يصل لقناعة التفاوض والتقاسم، فكانت اتفاقية سايكس بيكو سازانوف سنة 1916 الشهيرة، بين انجلترا وفرنسا وروسيا القيصرية للتفاهم على اقتسام قلب الشرق الأوسط بعد التخلص من الدولة العثمانية، وفي نفس العام قام وزير خارجية انجلترا اللورد "بلفور" بمنح الصهاينة وعداً بجعل فلسطين وطناً قومياً لليهود.
من ثم كانت الحدود المصطنعة لدول المنطقة بالكيفية التي أرادها الاحتلال الصليبي، ووفق أهدافه ومصالحه وأجندته الآثمة تجاه المنطقة.
وكانت هذه الاتفاقية هي فاتحة مشاريع التقسيم للعالم الإسلامي والتي ما زالت نسخها تتطور كل يوم عن ذي قبل، في إصرار واضح نحو تمزيق العالم الإسلامي.
المستشرق الصهيوني الانجليزي المولد والأمريكي الموطن "برنارد لويس" كان أول الداعين إلى مشروع تقسيم وتجزئة الشرق الأوسط من باكستان إلى المغرب العربي حيث طرح هذا الموضوع عشية إقامة الإمبريالية الغربية للكيان الصهيوني على أرض فلسطين سنة 1948م، ثم نشر المستشرق الصهيوني دراسة في مجلة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) يقترح فيها إعادة وزيادة تفتيت العالم الإسلامي من باكستان إلى المغرب، وإنشاء أكثر من ثلاثين كيانًا سياسيًّا جديدًا.
وهذا الحديث يعني تحويل العالم العربي والإسلامي إلى "فسيفساء ورقية" تقوم فيها 88 دولة، بدلاً من56دولة، بما يعنيه هذا التقسيم المقترح من شقاقات وصراعات وحروب وآلام، تزيد هذه الكيانات ضعفًا فوق ضعفها، وهزالاً فوق هزالها، ولقد كان برنارد لويس صريحًا عندما قال: إن هذا التفتيت للعالم الإسلامي هو الضمان الحقيقي لأمن إسرائيل، التي ستكون الأقوى وسط هذه "الفسيفساء".
وفي عام 1980م والحرب العراقية الإيرانية مستعرة صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي "بريجنسكي" بقوله: "إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة من الآن '1980م' هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم علي هامش الخليجية الأولي التي حدثت بين العراق وإيران تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود "سايكس- بيكو" .
وعقب إطلاق هذا التصريح وبتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" بدأ المؤرخ الصهيوني "لويس" بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعًا كلاً علي حدة، ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقي. وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية.
الصحيفة الأمريكية "وول ستريت جورنال " في عدد خاص صدر سنة 2006 بمناسبة مرور تسعين سنة على مولد "برنارد لويس "ذكرت" أن "لويس" كان مع الرئيس بوش الابن ونائبه تشيني، خلال اختفاء الاثنين على إثر حادثة ارتطام الطائرة بالمركز الاقتصادي العالمي، وخلال هذه الاجتماعات ابتدع لويس للغزو مبرراته وأهدافه التي ضمَّنها في مقولات "صراع الحضارات" و"الإرهاب الإسلامي"، وقد قدم لويس الكثير من الذخيرة الأيدلوجية لإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب؛ حتى إنه يُعتبر بحقٍّ منظرًا لسياسة التدخل والهيمنة الأمريكية في المنطقة، بحسب وصف الصحيفة نفسها.
وفي مقابلة أجرتها وكالة الإعلام الأمريكية مع "برنارد لويس" في 20/5/2005م قال الآتي بالنص: "إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض المجتمعات، ولذلك فإن الحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، وفي حال قيام أمريكا بهذا الدور فإن عليها أن تستفيد من التجربة البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة؛ لتجنُّب الأخطاء والمواقف السلبية التي اقترفتها الدولتان، إنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود الأفعال عندهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك، إما أن نضعهم تحت سيادتنا، أو ندعهم ليدمروا حضارتنا، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية".
في ضوء هذه الذاكرة السوداء، والرصيد التآمري الضخم ضد العالم الإسلامي والمنطقة عربياً خصوصاً، لنا أن نتساءل: ما الذي يخطط ويراد للشرق الأوسط؟ تساؤل لابد أن يشغل بال الجميع؛ بعيداً عن المنافرات الأيديولوجية أو الصراعات السياسية أو المشاكسات الحدودية.
وسؤال تأسيسي يطرح نفسه وبقوة من رحم الأزمة الإقليمية: هل من رابط بين كوباني، عين العرب، في سوريا وعامرية الفلوجة والأنبار وكردستان في العراق وسيناء في مصر واليمن وبنغازي في ليبيا؟ وهل هي حروب بالوكالة، أم صراع سياسي بنكهات مختلفة؟
أم أنها حدود يعاد رسمها بقوة السلاح بدل الرمال، وخرائط جديدة لكيانات ترسم بالدماء، ومجموعات مسلحة تضخمت وبلعت دولاً، واستنزاف لأطراف، وحماية لعمق استراتيجي.
قصة داعش التي فاجأت الجميع بصعودها وتوسعها وزحفها وتمددها الذي بعث على الريبة عند الكثيرين، وأثار أكثر من علامة استفهام.
الحملة الجوية الأمريكية تقصف مواقع في سوريا والعراق لتوقف تقدمه، بينما تستهدف طائرات أمريكية أخرى مواقع القاعدة في اليمن لتفك الحصار عن مجموعة مسلحة غازية أخرى، تمددت وتسلمت محافظات بأكملها تحت سمع وبصر أمريكا والنظام الحاكم والجيش، وهم الحوثيون.
والشاهد الأبرز أنه لا أثر لسلطة الدولة في العراق وسوريا واليمن وليبيا والعراق ومصر على الطريق ذاته، صراع يتمدد زمنياً ويزداد حدة وزخماً، والتدخلات الأمريكية توجه المسار أو تفك الخناق لا أكثر، في إصرار مريب على استمرارية الصراع وديمومة الاحتراب الأهلي والإقليمي، فهي تدعم الأسد وتسلح معارضيه، وتتظاهر بعداوة إيران وتغض الطرف عن جرائم مليشياتها وأذرعها العسكرية في المنطقة ممثلة في حزب الله اللبناني والحوثيين ومليشيات الحرس الثوري في العراق، تدعم السيسي وتمده بالمال والسلاح وتستقبل معارضيه من الإخوان المسلمين بالكونجرس، وهدفها الأهم من هذه الانتهازية السياسية: رسم خرائط جديدة للمنطقة.

وأكثر الأطراف استفادة من هذه المخططات الأمريكية الآثمة؛ إيران وإسرائيل، فإيران حققت اختراقات غير مسبوقة وكان آخرها اليمن، وصارت فعلياً تتحكم في قرار ومصير أربع عواصم عربية؛ بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وتعيش هذه الأيام ذروة مجدها السياسي والاستراتيجي.
أما الكيان الصهيوني فهو كيان منكمش غير قابل للتوسع لكنه أيضاً مسكون بهاجس تأمين حدود أمنه القومي.
وهما الآن يخوضان صراعاً مريراً، عسكرياً بالنسبة لإيران، ومخابراتياً بالنسبة للكيان الصهيوني، لحماية حدودهما والتي تتجاوز الحدود الجغرافية إلى العمق الاستراتيجي، وعلى امتداد مناطق الصراع لكل منهما، وخطوط التلاقي أحياناً أكثر من نقاط الصدام، عدوهما الأول والأخير من يهدد ليس وجودهم وإنما عمقهم الاستراتيجي.
وكل يوظف أدواته ويسند حلفاءه وحماة حدوده الاستراتيجية ويوثق صلاته بالمنضمين الجدد لناديهم، لكن مجريات الأحداث والتقلبات تعاكس أحياناً رغباتهم وتصطدم مع إرادتهم.
داعش لا تمثل تهديداً آنياً للكيان الصهيوني، بل ربما تكون مستفيدة نوعاً ما من صراعاته المستنزفة في العراق وسوريا التي تشهدها المنطقة الآن، ورهانه الأكبر على حماية العرش الملكي في الأردن ونظام الانقلاب في مصر تأميناً لحدودها ومنعاً لأي اختراق لها. وهنا تبرز سيناء وسوريا.
ومعركة السيسي في مصر وما يترتب عنها هي نفسها معركة إسرائيل ومستقبل الحكم في سوريا أكثر ما يؤرق الكيان الصهيوني بعد تأمين حكم مصر والأردن.
في خضم الأحداث المتلاحقة، لم تسترع تصريحات مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الاستخبارات، مايكل فيكرز، أواخر يناير الماضي، الكثير من الاهتمام، لكنها أظهرت تحيزاً لا يقبل الشك للرئيس باراك أوباما وإدارته، لمصلحة التنظيمات الشيعية وإيران التي تعمل بكل قوتها من أجل تفتيت المنطقة لصالح إمبراطوريتها المزعومة، على حساب المجموعات والأنظمة السنية.
وفي جلسة استضافها "مركز الأطلسي" للأبحاث في العاصمة الأميركية، ورداً على سؤال حول إن كانت لبلاده "خطوط تنسيق استخباراتية" مع جماعة الحوثي في اليمن، أجاب" فيكر" بالإيجاب. بعد ذلك بأيام، أعلنت واشنطن أنها قطعت التنسيق في مكافحة الإرهاب مع الحكومة اليمنية التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي.
ومع انهيار الحكومة اليمنية، حليفة واشنطن، أمام الحوثيين، لم تر إدارة أوباما ضرورة بناء تحالف دولي أو استخدام مقاتلاتها لمصلحة الحكومة اليمنية، على غرار ما فعلت الولايات المتحدة دفاعاً عن الحكومة العراقية في وجه تنظيم "الدولة الإسلامية"، بل إن واشنطن قطعت صِلاتها بالحكومة اليمنية المنهارة، في وقت أكد فيكرز أن العلاقة الاستخباراتية الأميركية مستمرة مع الحوثيين لمواجهة "تنظيم القاعدة" في اليمن.
الشرق الأوسط اصطبغ بلون الدم في الكثير من مناطقه حتى عادت مثل شقائق النعمان من كثرة الصراعات والجراحات ، فهل يستفيق الساسة والقادة والشعوب لما يراد بهم ، وينحّون خلافاتهم الصغيرة من أجل مواجهة أخطر تهديد يواجه الأمة والمنطقة عبر تاريخها؟ لا أعتقد!

 


مفكرة الإسلام

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع