أحمد فايق دلول
تصدير المادة
المشاهدات : 3192
شـــــارك المادة
في إطار سعيه للخروج من أزماته الداخلية؛ حاول النظام العلوي في سوريا استخدام القضية الفلسطينية لدغدغة مشاعر شعبه والاستفادة من فصائل المقاومة الفلسطينية الموجودة هناك وتجنيدها لخدمة نظامه الذي أوغل في دماء الشعب السوري ومازال يقف حائلاً دون تحقيق تطلعات شعبه للحرية منذ أربع سنوات، بدورها نأت معظم فصائل المقاومة الفلسطينية نفسها عن الوقوف ضد رغبة الشعب السوري وانسحبت بصمت من الساحة السورية التي تحولت لساحة قتال بين أيديولوجيات مختلفة.
خروج فصائل المقاومة الفلسطينية من الساحة السورية كان قراراً حكيماً بالرغم من تبعاته السياسية والعسكرية على الأجنحة العسكرية لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، لكن الأمر الذي يثير استهجان وغضب الشعب الفلسطيني -الذي يتطلع إلى التحرير والاستقلال- بقاء أحمد جبريل أحد أهم قيادات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الخارج، وهو الذي حول فصيله من فصيل مقاوم إلى مجموعة من البلطجية يستخدمها نظام بشار للحفاظ على البقاء.
نظام بشار وفصائل المقاومة الفلسطينية:
زعم النظام السوري أن الثورة عليه عبارة عن تدخلات خارجية ومصالح إقليمية مشبوهة تحاول تدمير الدولة وتفكيك حلف الممانعة، بالتالي أعطى نفسه الحق في استخدام ورقة المقاومة الفلسطينية من أجل إعادة التأكيد على شرعيته، لذلك لم يتورع في الضغط على الفصائل الفلسطينية وإحراجها فطالبها بتقديم موقف واضح من الثورة السورية فكان رد حركتي حماس والجهاد الإسلامي داعياً إلى تبني الحوار الوطني بعيداً عن الاحتكام إلى لغة السلاح، لكن الفارق أن عناصر وقيادات حمساوية لم تكن تخفي تأييدها للثورة، في حين أن قيادة حركة الجهاد الإسلامي تقف مع النظام انطلاقاً من أن أطرافاً خارجية تحاول تدمير سوريا وإخراجها من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي.
لاحقاً؛ طلب بشار الأسد الاجتماع بقادة الفصائل في وقت لاحق قوبل برفض حركة حماس التي خرجت بعد تسعة أشهر من انطلاق الثورة، وكان رفض حماس للقاء بشار نابعاً من إدراكها لتبعات ذلك اللقاء على موقفها العربي والإسلامي، إذ لم يكن مستبعداً البتة أن يقوم الإعلام الرسمي السوري باستثمار اللقاء وإظهاره على أنه دعم مباشر وصريح من المقاومة الفلسطينية لنظامه وهو ما يعني أن حركة حماس قد أخطأت بحق ثورة الشعب السوري في ضوء موجة الربيع العربي التي كانت تجتاح المنطقة بأكملها.
ما تخوَّفت منه حركة حماس حدث فعلاً مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل التي كانت تتغنى بالثورة والعمل الثوري. لقد أبدى جبريل دعمه الكامل والمطلق لنظام بشار بحجة مواجهة المؤامرة الدولية الإمبريالية على الدولة السورية، فتحول فصيل فلسطيني بأكمله من مقاومة إسرائيل إلى أداة يستخدمها النظام السوري للتخلص من الثورة الشعبية.
دور أحمد جبريل في دعم نظام بشار:
توثق مؤسسات حقوق الإنسان السورية قيام جماعة جبريل بارتكاب عشرات المذابح بحق أبناء المخيمات السورية الذين رفضوا التدخل ضد ثورة الشعب السورية، ومند ذلك الحين بدأت العمليات الانتقامية من خلال بلطجية يتبعون لقيادته، وهو ما أكده عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "رباح مهنا" في تصريح لوسائل الإعلام. وقد استدعى ذلك قيام شباب المخيمات الفلسطينية تشكيل لجان شعبية من اللاجئين الفلسطينيين لحماية المخيمات من عناصر جبريل ومنع دخول المسلحين هناك.
مقابل هذا الدور الذي اضطلع به جبريل؛ أطلق النظام العلوي يد جماعة أحمد جبريل لممارسة بلطجيتهم على ساكني المخيمات العزل، فيتحدث الكثير من اللاجئين الفلسطينيين عن سلوكياتهم وممارساتهم التي كان يتم التخطيط لها من داخل معسكر "الخالصة"، وهو معسكر يقع داخل "اليرموك" ويتبع للقيادة العامة مباشرة ويأتمر بأوامر أحمد جبريل وابنه الملقب بـ"أبو العمرين". وأفاد الكثير منهم أنها كانت ممارسات بدافع فرض الإتاوات وغيرها من أشكال الابتزاز عليهم وأخذ ممتلكاتهم رغماً عنهم أو بدافع السرقة وترويج المخدرات أو انتزاع ملكية شقق سكنية وأراض ومزارع ومصانع بالقوة من أصحابها الفلسطينيين.
وهذا ما يؤكد الكثير من الشواهد التي أشارت إلى أن جماعة جبريل قد تحولت لوحدة عسكرية تتبع مباشرة للمخابرات العسكرية السورية، تتحرك بأوامرها وتنفذ توجيهاتها خاصة ما يتعلق بإطلاق النار من عناصرها نحو المتظاهرين المدنيين السوريين الذين رفعوا شعارات سلمية منذ الأيام الأولى لانطلاق الثورة السورية في كل من شوارع الحجر الأسود ودوما وحماة ودرعا والزاهرية والميدان وغيرها وقتلت المئات منهم.
الفلسطينيون يدفعون الثمن:
يعتبر مخيم اليرموك الذي يضم 360 ألف نسمة واحداً من حوالي 13 مخيماً للاجئين الفلسطينيين بعضها رسمي والآخر غير رسمي. وهو أكبر تجمع للفلسطينيين في سوريا أُنشئ عام 1957م، فرفض أهالي المخيم الانصياع لجماعة جبريل حولهم لهدف لعناصر النظام السوري إلى جانب ممارسات بلطجية جبريل بحقهم.
بعد مرور قرابة الأربعة أعوام على الثورة السورية لا توجد إحصاءات رسمية لعدد القتلى والمشردين في المخيمات الفلسطينية في سوريا، لكن العاشر من يوليو 2012 كان أشبه بالحصار الإسرائيلي للمخيمات الفلسطينية حيث أقدمت قوات الأسد وبلطجي جبريل على إغلاق كافة مداخل مخيم اليرموك ما عدا المدخل الشمالي، وتبع ذلك قصف عنيف لعدة مواقع داخل المخيم تسببت في مقتل 28 لاجئاً من النساء والأطفال، وهو ما أَدى إلى اشتباكات عنيفة بين حُماة المخيم وعناصر جبريل أدت إلى فقدان سيطرة عناصر جبريل عن المخيم، وقد مهد ذلك الطريق أمام حصار المخيم بشكل كامل منذ صيف 2013م، وبالتالي مُنع إدخال أي من المواد الغذائية أو المستلزمات الطبية فكانت النتيجة أن أكثر من 185 ألف لاجئ تركوا منازلهم ونزحوا إلى أماكن أخرى في سوريا أو خرجوا من سوريا إلى دور الجوار وإيطاليا.
وخلال تلك الفترة قامت الطائرات السورية بقصف مسجد عبد القادر الحسيني ومدرسة الفالوجا في مخيم اليرموك (في دمشق)، ذهب ضحيته العشرات، وبين هذا وذاك لقي حوالي 700 من الفلسطينيين مصرعهم برصاص وقذائف قوات النظام السوري في مختلف مخيمات اللاجئين في سورية، ومع استمرار عمليات القتل لم تعد هناك أي معلومات مؤكده عن طبيعة العمليات العسكرية في المخيمات الفلسطينية وأعداد القتلى هناك.
أخيراً؛ لم يعد جبريل في نظر الفلسطينيين سوى أداة ملوثة يستخدمها بشار كيفما شاء، فكل الفصائل الفلسطينية باتت تنظر إليه على أنه خارج عن الصف الوطني الفلسطيني ويجعل من نفسه جزءاً من جيش النظام السوري كونه يحمل الجنسية السورية ولم يقدم للاجئين الفلسطينيين سوى القتل والتهجير، كما أن شعارات النظام السوري التي تتحدث عن مناصرة القضية الفلسطينية أصبحت شيئاً من الماضي ولم تعد ذات قيمة، وبات الحديث عن أي دور لسوريا في محور مقاومة جديد أمراً مستبعداً ليس فقط لأسباب تتعلق بالوضع الأمني والسياسي لسوريا إنما لإدراك الفصائل الفلسطينية أيضاً لمتغيرات الوضع الإقليمي المتجددة.
مجلة البيان
بيرم بالجي
محمد بسام يوسف
حسن أبو هنية
محمد زاهد جول
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة