أنس الدغيم
تصدير المادة
المشاهدات : 3183
شـــــارك المادة
إنّ في ما تشهدُه السّاحة الإقليميّة و الدّوليةُ اليوم من متغيّرات كبيرة و خطيرة و على الصعد كافة السياسية منها و العسكرية و الاقتصادية و الاجتماعية. إن في كل ذلك ما يحملنا على توسيع ساحة الرؤية البصرية و البصيرية فيما يخصّ مكاننا نحن من هذه المستجدّات السريعة ، و بمتواليّة إنفجاريّة في أغلب الأحيان . أين نحن ؟ و ما هي طبيعة العلاقة بيننا و بين ما يجري ؟ و ما هو نوع التفاعل الحاصل بيننا و بين ما يستجدّ ؟ و لربّما كان من أكبر هذه المتغيّرات على المستوى العالمي هو ما شهدته بلادنا العربية فيما يسمّى بثورات الربيع العربيّ و ما حملته في طيّاتها من أحداثٍ جسام ، ثمّ ما أحدثته من تغيير على ساحة تمتدّ إلى ما هو أبعد من حدود البلاد العربية . و ما أوجدته من سياسات جديدة يرسمها الواقع الحركيّ السّائد ، و النظرة التحرّريّة العارمة عند الشعوب . ثورات الربيع العربي الجديدة بكلّ ما فيها ، و التي عملت على تفكيك المصطلحات المنسيّة لتتّضح بعد ذلك العلاقة بين الحاكم و المحكوم و النظام و الشّعب و السّلطة و الجماهير . و لترسم الأبعاد الحقيقيّة لكلٍّ من هذه المصطلحات في رقعة يعيش فيها الشعب مع حاكميه . لقد برزت مع بداية هذا المرحلة الاستثنائية مفرداتٌ حياتيّةٌ جديدةٌ لا برسمها و لكن باستحقاقاتها و نمطيّة التفكير العاملة بها و فيها . و كان لا بدّ لنا من الوقوف على تفاصيلها الهامّة ، و إيجاد التّلازم المفقود بين المباني و المعاني في قاموس السّياسة العالمية و التي نجن جزءٌ لا يتجزّأ منها . إنّها قراءةٌ في الدّولة الحديثة بتفاصيلها و بالعلاقات التي تحكمها و تحكم بها ، ثمّ هي قراءةٌ في الدّولة الحديثة المسلمة و التي هي الأمل المنشود لمسلمي العالم قاطبة . دولة تكون فيها السّيادة حاصلة و الشّوكة متحقّقة ، و القوة موجودة و الكرامة موفورة . دولة مدنيّة إسلاميّة حديثة يكون دستورها من وضعها المنضبط بضابطة الإسلام ، لا من وضع الآخر . تُصان فيها الحقوقُ ، و تحترمُ المؤسّسات ، و يكرّم فيها الإنسان الذي هو عمادُها ، و يقدّسُ فيها الدّينُ الذي هو سقفُها . ويكونُ فيها الحقُّ هو الرّقيبَ على القوانين مع السّلطان ،و الأخوّة الإيمانيّة هي راسمةَ العلاقات المجتمعيّة فيها ،و العملُ هو مقياسَ التفاضل الدنيويّ بين الأفراد . أشار إليها الدكتور محمد عمارة بقوله (الدولةُ الإسلاميّة دولةٌ مدنيّة، تقوم على المؤسّسات، و الشورى هي آليّةُ اتّخاذ القرارات في جميع مؤسّساتها، والأمّة فيها مصدرُ السّلطات شريطةَ أن لا تحلّ حراماً و لا تحرّمَ حلالاً) . إنّ الانسجامَ الحاصلَ بين مكوّنات المجتمع الرّاشد ، و التّصالحَ النّفسيّ فيما بينها ، هو أوّل ثمرات الدّولة الحديثة التي تحترَمُ فيها الحقوقُ و الواجبات ، و تقوم على العدلِ في الحاكميّة ، و العدالة الحياتيّة بين الحاكم و المحكوم . هذا الانسجامُ الذي لن يتركَ للناسِ وقتاً كافياً للتفكير في عزل الدين عن الدولة ، و لا في حجر السياسة عن الدين . و إنّما ستتمثّلُ لهم ضرورةُ اجتماعهما في مرافق الحياة كافة ، و أّنهما كالرّوح و الجسد ، ليس بعد فصلهما عن بعضهما إلّا الموتُ و الانهيار . يقول الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل : ( إنّ ( الدولة ) ضرورةٌ محتومةٌ للدّين إذا ما أريد له أن يقول كلمتَه في العالم و ينفذ برنامجَه في الأرض، و إنّ ( الدين ) ضرورةٌ محتومةٌ للدولة إذا ما أريد لها أن تكون في صالح الإنسان من أجل عالمٍ أفضل و غدٍ سعيد .... هناك حيثُ يتحرّر الإنسان و يتحقق الوفاق المرتجى بينه و بين سنن الحياة و العالم و الكون) إنّ حياةَ شعبٍ لن تستقيمَ ما لم تكنْ هي ذاتَها الحياة التي يتوقُ إليها هذا الشّعبُ و يرتضيها لنفسه ، و لهذا فإنّ كلّ المحاولات التي يتحرّاها الغربُ في الشرق ستفشل . و لن يتمدّدَ الصقيعُ في النفوس إلّا ريثما يأتي ربيعٌ جديد. و إنّ الشعوبَ المضطهدة عاجزةٌ عن بناء الدول و تأسيس الحضارات ، و إنّ الأنظمةَ الفاسدةَ هي المانعةُ للتقدّم و إعمار الحياة . فإذا صلحت الأنظمةُ و تحرّرت الشّعوب ، أُسِّسَ لدولةٍ حديثةٍ مسلمة تتصالحُ فيها الدّنيا مع الآخرة ، و يتحقّقُ فيها صالحُ الإنسان .
مجاهد مأمون ديرانية
المسلم
عبد المنعم زين الدين
سمر مطير البستنجي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة