أسامة شحادة
تصدير المادة
المشاهدات : 3963
شـــــارك المادة
صافحني ونحن نهمّ بالخروج من المسجد بعد صلاة الجمعة الماضية. وبعد السلام والتحية، سألني: تعرف فلاناً؟ قلت: نعم، ونِعم الرجل. ورأيتها فرصة للحديث، فقلت له: يا ليتك تستفيد منه، فهو صاحب علم وخبرة. ووقفنا في ساحة المسجد قليلاً نكمل حوارنا، فصاحبي رجل طيب ومخلص -فيما أحسب، والله حسيبه- لكنه قليل البضاعة العلمية، وأقل منها في الخبرة والتجربة. ورغم ذلك، فإن صاحبي له تأثير ومحبون ومتابعون كثر هنا وهناك، وهذه الطامة! قلت لصاحبي: فلان الذي سألت عنه رجل معروف وعاقل، وأنصحك أن تتبع كلامه ومواقفه، بدلاً من آرائك التي -للأسف- أنت تتعلم فيها بأرواح ودماء المسلمين. فقال لي: فعلاً هو رجل متميز، ولكن لم أسمع به إلا قريباً. فقلت له: سبحان الله، هذا رجل معروف من عشرات السنين وله سابقة وفضل، الآن تسمع به؟ وأخذت أقول له: يا أخي، أنصحك أن تتطلع على تجارب السابقين في العمل الإسلامي، وخاصة المسلح منه، طالما أنت تتصدر لهذا الموضوع. وسألته: هل طالعت كتاب "دعوة المقاومة الإسلامية العالمية" لأبي مصعب السوري؟ فأجاب: طالعت أجزاء منه! فقلت: وكُتب د. كمال حبيب، الذي كان مشرفاً على د. أيمن الظواهري في شبابه؟ فقال لي: لم أسمع به! فقلت: طيب، حادثة الكلية الفنية التي تزعمها د. صالح سرية، هل طالعت شهادة طلال الأنصاري التي أخرجها في كتاب؟ فأجاب بالنفي! فقلت: يا أخي، لا تتعلم وتجرب في دماء وأرواح الشباب المتحمس بسبب عدم مطالعتك وخبرتك بما حصل ويحصل. وهنا فاجأني بقوله: أبداً أنا لم أدعم الغلاة يوماً!
وعجبت لحالة الإنكار التي يعيش فيها، وأنه لا يدرك كم تورط من الشباب مع الغلاة بسبب دفاعه عنهم مدة، وكم من الدماء أزهقت بسبب ترددهم وجهلهم إزاء خطر الغلو والغلاة، وكم تأخرَت الثورة في سورية وتراجعت بسبب تصدر الغلاة للمشهد تحت دعواته وأمثاله للرفق وحسن الظن مع الغلاة. وذكّرت صاحبي أنه قبل عدة سنوات طلب مني اللقاء مع أحد الفضلاء لنتناقش في مقالي "محاولة للفهم"، والذي نشرته في 28 /12 /2007، وحذرت فيه الشباب المسلم والمتحمس من الاندفاع للانخراط في كثير من التنظيمات المسلحة، وأنها سهلة الاختراق والتوجيه لما فيه مصلحة الأعداء ومضرة الإسلام والمسلمين. وفعلاً، ذهبت في الموعد المضروب، لكن محاوري توفي والده رحمه الله في نفس اليوم وتعذر اللقاء. تفرقنا على وعد مني لصاحبي بأن أجهز له قائمة ببعض الكتب عن تاريخ العمل الإسلامي المسلح، حتى يطلع عليها ويستفيد، عله يتوقف عن التجربة بأرواح ودماء الشباب، هو أمثاله الكثر في عالمنا العربي والإسلامي. فصاحبنا الطيب مجتهد في بعض الأبواب والمجالات الدعوية والعلمية الدنيوية، وعنده حسن عبارة وبيان، لكن هذه المؤهلات لا تجيز له أن يتصدر الشأن العام ويقود الجماهير والمعارك عبر "فيسبوك"، وهو غير مؤهل شرعياً لا من الناحية العلمية الدينية، ولا من الناحية الواقعية الدنيوية سياسياً وعسكرياً. وقد سبق صاحبي عدد كبير من الناس ممن تصدر قبل التأهل، وتعلم وجرب بأرواح ودماء الشباب. من هؤلاء، أبو محمد المقدسي. فقبل أن يختلف المقدسي مع تلميذه أبي مصعب الزرقاوي، وينكر عليه الغلو والتشدد والتهاون في الدماء، تورط (المقدسي) في ذلك في بداياته بالغلو في التكفير، والجرأة على الفتيا في أموال ودماء معصومة. ومثله أبو قتادة الفلسطيني؛ فقد تورط في رعاية الغلو في الجزائر حتى ألف فيه أبو مصعب السوري كتابه "مختصر شهادتي على الجهاد في الجزائر"، ومؤخراً كتب أبو مارية القحطاني -الشرعي الأول لجبهة النصرة سابقاً- عن الفارق الكبير والتحول الذي أصابه حين تحرر من أسر المدرسة العراقية الزرقاوية، وتعرفه على المدرسة القاعدية الخراسانية! وغيرهم كثير. المهم أن حالة صاحبي ليست حالة خاصة، بل هذه حال كثير من الشباب الإسلامي المتحمس الذي يمتلئ إخلاصاً وغيرة على الإسلام والأوطان والأعراض والثروات المنهوبة، لكنه مع الأسف فارغ من العلم الشرعي، عديم الخبرة والمعرفة بالتجارب السابقة، ولذلك سرعان ما تجذبه الشعارات الرنانة، والخطابات الملتهبة. واليوم، دخلت المقاطع المصورة على طريقة أفلام هوليوود كإحدى أهم وسائل الترويج والجذب والتجنيد، فأصبح الشباب يتطرفون بالجملة. بل اليوم تتجاوز هذه الحالة الشباب الغر والجاهل، لتصيب كثيراً من الرجال الذين قضوا سنوات طويلة في مسار العلم والدعوة. والسبب في ذلك قلة الخبرة والتجربة، والجهل بتاريخ العمل الإسلامي المسلح، وبدلاً من ذلك يتبنى أحلاماً ورغبات لما يحبه في واقع العمل الإسلامي، ويبني عليها أمجاداً وانتصارات وهمية، لا يستفيق منها إلا حين يصطدم بالواقع البئيس عبر كارثة كان يمكن تجنبها. فقبل عام ونصف العام، جرت لي نقاشات عاصفة في إحدى مجموعات الحوار الإلكترونية مع أحد هؤلاء الإخوة الذين يرون الواقع بأحلامهم وأمانيهم وليس بعيونهم، عن خطر تنظيم "داعش" وضلاله.
وكان محاوري ينافح عن التنظيم بقوة. ولما تصاعد الخلاف واحتد، تطوع مشرف المجموعة، مشكوراً، ودعانا إلى لقاء على العشاء، ولم يسفر اللقاء عن تحول في المواقف. لكن بعد أشهر قليلة، وقع اغتيال "داعش" لأبي خالد السوري. وهنا تغير موقف صاحبنا بالكلية، وبدأ يرى بعينه ويتلمس كارثية الغلو والخطر المحدق بالثورة السورية. واليوم أصبح معادياً لداعش، لكن بعد أن استفحل شر التنظيم وتطاير أذاه. وقد كان يمكن له ولغيره ولسائر الناس معرفة الحقيقة لو تعلموا العلم الشرعي الصحيح، وارتبطوا بأهله من العلماء الثقات، وتفكروا في دروس وعبر عشرات التجارب المسلحة والمتطرفة. وعدم التعلم من الدروس والعبر والتفكر في التجارب والأمثلة، لا يقتصر على شريحة أنصار القتال والجهاد، بل هو يمتد لسائر الحركات والتيارات والمدارس الإسلامية، وذلك لأن هذا من لوازم حالة الضعف والتخلف التي تعيشها الأمة الإسلامية من قرون. ففي الأسبوع الماضي، وعلى هامش إحدى الندوات، دار حديث مع أحد القيادات الإسلامية السياسية عن ضرورة النقد الذاتي ومراجعة المسيرة. فكان رده أن الاستماع للنقد مهم وضروري.
وهنا تدخلت قائلاً: المشكلة يا سيدي أن الناس قالت ونقدت وكتبت، وجاءكم النقد من الداخل والخارج والمحب والكاره، فقد كتب لكم نقداً د. عبدالله أبو عزة، ود. عبدالله النفيسي، ود. فريد الأنصاري وغيرهم، ولكنكم لم تردوا عليهم ولم توضحوا لنا هل تقبلتم النقد، أما مجرد الإصغاء فلا قيمة له إن لم يتبعه استفادة وتغيير متى كان صواباً. فسكت ولم يجبني! وإلى اليوم، ما يزال الإسلاميون تصيبهم الكوارث بسبب تقصيرهم في تعلم الدروس والعبر من التاريخ والتجارب الخاصة بهم وبغيرهم. وهذا جزء من السلبيات الواجب على الإسلاميين التخلص منها، عبر التعلم والتدبر.
اقرؤوا التاريخ إذ فيه العبر *** ضلّ قوم ليس يدرون الخبر
الغد الأردني
مجاهد مأمون ديرانية
محمد نعيم الساعي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة