..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

حياة الأخلاق وموتها

الشريف حاتم العوني

١٣ ديسمبر ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3437

حياة الأخلاق وموتها
حاتم العوني 00.jpg

شـــــارك المادة

الأخلاقُ كائنٌ حيٌّ، يعيشُ داخلنا، يُولد معنا، فهو من الفطرة السويّة التي امتنَّ اللهُ تعالى على البشر بتكريمهم وتفضيلهم بها.
وهذا الكائن الطاهر السامي قد يكون من خصائص أرواحنا (السر الرباني الذي يعطي أجسادنا الحياة، وبانتزاعه نموت)، وقد يكون هو خاصية العقل الذي يميّز بين الخير والشر، والعقل هو ذلك الجزء الشريف فينا، الذي به تميّزنا عن باقي الحيوانات، وبه أمكننا تحمّل أمانة التكليف والمحاسبة.

لذلك فإن انعدام الأخلاق هو موت روحي، كموت الدماغ مع حياة القلب! وسوء الأخلاق هو اختناق للفطرة، تحبس أنفاسها كما تنحبس أنفاس الغريق!
وإذا ماتت الأخلاق لحظة من اللحظات، فلا تصدّق أنها ستعود للحياة؛ لأن الميت لا يعود إلاَّ بمعجزة خارقة للعادات، أو يوم البعث والنشور!!
فلا تتصوّر أنه يمكنك أن تكون ذا أخلاق مرّات، وعديمها مرة!! كما لا يحق لك أن تتصوّر أنه بإمكانك أن تأخذ إجازة من روحك!!
لا تظننّ أنك قادر على تغييب أخلاقك بحجة الانتقام أو المعاملة بالمثل، ثم إنك تستطيع إحضارها مرة أخرى! فما غيّبه الماضي لا يعود، كما لا يعود الزمن الماضي.
كل الذي يحصل بعد أن تقتل أخلاقك، وبعد أن تفسد فطرتك بها، هو أنك تتصنّع الأخلاق، تحاول التظاهر بها؛ لترضي نفسك، أو لتخدع الآخرين!
وهذا ما يجعل الأخلاق المصطنعة، الأخلاق التي سرعان ما تتبخّر عند أول احتكاك، هي أخلاق كثير من الناس، ممّن لم تكن الأخلاق فيهم جِبلَّةً وسجيةً (كأصل خلقتها)، وإنّما هي قناع يغطي حقيقتهم، يغطيها عن مرآة أنفسهم، وعن الآخرين!!
وما أقبح هذه الأخلاق المصطنعة، فهي كالفخ الذي يُنصب للغافلين، فتخدع بظاهرها راجي السلامة من أذى الخلق، وتنطبق بشراكها على محسّني الظن بعباد الله!!
فمن ظنَّ بعد ذلك أن دينًا أو حكمةً تبيح لك أن تشتمَ وتسبَّ، أن تَسْفَهَ وتجهلَ على خلق الله، أن تقابلَ الإساءة بالعدوان (لا بالانتصاف بغير عدوان) = فقد كذب في ظنه، وأساء إلى دينه، وسوّدَ وجه الحكمة المضيء؛

فلا يمكن لأيّ دين يدّعي أصحابه الحق والخير أن يسمحَ بإعدام الأخلاق لديك؛ إلاَّ أن يكونَ تحريفًا عن الحق والخير. ولا يمكن لحكمة أن تجتمع والسفاهة، إلاَّ أن تكونَ جهلاً، لا حكمة!!
أخيرًا:

أنصحُ مَن قتل فيه روح الأخلاق، مَن أعدم فطرتها في نفسه، أن يحرصَ على أن يتعرضَ لنفحات معجزة إحياء الموات، أن يبذرَ بذرة الخير والأخلاق فيه من جديد، أن يسهرَ على سقيها، أن يحرصَ على تعريضها لحرارة شمس الحق؛ لكي تنبت من جديد. عسى أن تحيا أخلاقه بعد موت، وأن تُنشر من قبرها قبل يوم النشور، وما ذلك على كرم الله تعالى ببعيد، ولا عن سُنن الكون في إحياء موات الأرض ومن فيها بغريب!!
لكن عليه أن يعود إلى خطيئة الإماتة من جديد، فما مات، مرتين، لن يحيا ثلاث مرات!!

 

 

المدينة

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع