..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

منعطف جديد للأزمة السورية

عبد الجليل زيد المرهون

٢٣ أكتوبر ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 2850

منعطف جديد للأزمة السورية
مسلحة في0 سوريا.jpg

شـــــارك المادة

أين تقع الغارات الجوية التي ينفذها التحالف الدولي في سوريا من معادلة الصراع الراهن؟

ما هو التأثير الذي تتركه هذه الغارات على الجماعات المسلحة المستهدفة؟

ثم هل استفاد الجيش السوري من هذا المتغير الدولي؟ وأخيراً، ما هو أفق المستقبل، وإلى أين نحن ذاهبون؟

 

 

المجموعات المسلحة:
إن أولى الأسئلة التي جرت إثارتها، في القطر السوري وخارجه، دارت حول ماهية الأهداف التي يجري العمل على تحقيقها عبر الغارات الجوية.

لقد أعلن رسمياً بأن تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" هدفان رئيسيان للقصف الدولي، إضافة لتنظيم "خراسان"، الذي يقال إنه متمركز في الشمال.

هذا الشق من الأهداف بدا إشكالياً نوعاً ما. أو لنقل بدا كذلك في التحليل العسكري التقني البحت، إذ كيف يُمكن لقصف جوي تدمير مجموعات متحركة، يُمكنها التخفي، أو حتى الانتشار بين منازل المدنيين.

من جهة أخرى، تستخدم هذه المجموعات شبكات من الأنفاق في التنقل بين المناطق، وتخزين الأسلحة، وأمور أخرى.

وفي التجربة السورية، كما يعلم الجميع، فإن مواجهة هذه الأنفاق، قد جرى من خلال حفر أنفاق مضادة، أو عن طريق اقتحامها وتفجيرها من الداخل، أو عبر إغراقها بالمياه، كما حدث في ريفي دمشق وحمص. وفي الأحوال كافة، لم يكن القصف الجوي طريقاً لتدميرها.

ومن الزاوية العسكرية، فإن استمرار الأنفاق يعني الاحتفاظ بالأفراد، وغرف العمليات، وصنوف مختلفة من الأسلحة. وهذا يعني ببساطة الاحتفاظ بعناصر الحرب.

وغير بعيد عن قضية الأنفاق، تقع غالبية مخازن السلاح الرئيسية لدى المجموعات المسلحة تحت سطح الأرض، وقد لا يكون هناك من سبيل لتدميرها عبر القصف الجوي دون التسبب في خسائر مدنية، على الرغم من أن هذا التدمير ممكن تماماً من الناحية الفنية، إن بالنسبة للطائرات القاذفة أو المتعددة المهام.

وفي الأصل، فإن السيطرة على مخازن الأسلحة أو تدميرها من مسؤولية أسلحة الهندسة والمشاة والقوات الخاصة. وهذا أيضاً لا يتحقق إلا بجهد استخباري. أو بعد السيطرة على كامل المنطقة أو البلدة التي توجد فيها هذه المخازن.

أما على صعيد المنشآت الثابتة، الموجودة فوق الأرض، فهي في الغالب منشآت عامة، جرى تغيير وظيفتها من قبل المجموعات المسلحة. وقد تم إخلاء الكثير منها منذ الإعلان عن احتمال شن الغارات الجوية الدولية.

وهناك قضية أخرى ترتبط بعزل أو تشتيت عناصر المجموعات المسلحة المستهدفة. وهذه القضية تحديداً هي التي يجري الحديث عنها على نحو يومي.

والواقع أنه من الصحيح والمنطقي تماماً، في المبادئ العسكرية، أن تبدأ أي حملة جوية أو برية بتقطيع أوصال القوات وبعثرتها، وإغلاق الممرات الرئيسية، فيزيائياً أو بالوسائط النارية، وقطع شرايين الإمداد.

وهذا الأمر، ربما تحقق بدرجة ما، لكنه يبقى في إطار نسبي، كوننا بصدد جماعات غير نظامية، تعمل ضمن وحدات صغيرة.

وثمة مسألة ذات صلة أساسية بهذا الأمر، وهي أن مصادر إمداد المجموعات المسلحة عموماً مرتبطة باستمرار تواصلها مع دول الجوار، من خلال المعابر والمنافذ التي تسيطر عليها، سواء الرسمية منها أو غير الرسمية، وهذه الأخيرة منتشرة بالعشرات، مع كل من العراق وتركيا ولبنان والأردن. وكثير منها غير معبد، ولا وجود عمرانياً له، وقد يكون جبلياً أو جردياً. وكل من يعيش في سوريا يدرك هذا الأمر، على أي حال.

إن مقاربة موضوع هذه المنافذ ذات طبيعة مركبة، يتقدم بُعدها الأمني الميداني على بُعدها العسكري، وذلك فضلاً عن أبعادها السياسية والقانونية. وهي الأصل في الموضوع.

الجيش السوري:
ودعونا الآن نطرح السؤال التالي: هل حدث تحول في أنشطة الجيش السوري إثر الغارات الجوية الدولية ضد المجموعات المسلحة المستهدفة؟

ربما ما زال الوقت مبكراً للإجابة على هذا السؤال. ورغم ذلك، ثمة شيء جديد يرتبط بطلعات الطيران الحربي السوري، حيث أدخل في بنك أهدافه، في الفترة الأخيرة، مواقع كثيرة في المحافظات الشرقية. كما كرر في وقت لاحق قصفه لتنظيم "الدولة الإسلامية" في محيط مدينة عين العرب (كوباني)، بريف حلب.

إن تعاظم قصف الطيران السوري لمواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" في مناطق الجزيرة قد يكون له علاقة بالتطورات التي حصلت في العراق منذ مطلع يونيو/حزيران الماضي، كونه تزامن معها على نحو واضح.

وقد تواصل هذا القصف منذ ذلك الحين، بالتوازي مع التطورات التي حدثت في الموقف الدولي تجاه نشاط هذا التنظيم في العراق وسوريا. وهنا، حدث ما يُمكن وصفه بانسجام الأمر الواقع بين المسارين السوري والدولي.

وقد تحدثت بعض التقارير عن تنسيق سوري أميركي حول تنظيم "الدولة الإسلامية"، يتم عبر العراق، وربما دول أخرى أيضاً. ولكن سواء حدث هذا التنسيق أم لا، فإن تكامل الأمر الواقع قد تم بالفعل. وهذه هي المسألة الأكثر دلالة في الحسابات السياسية.

ويُمكن القول، بهذا المعنى، إن سوريا قد كسبت سياسياً من الحملة الدولية على تنظيم "الدولة الإسلامية".

أما على صعيد المعارك الأرضية، فلا تبدو ثمة صلة بين حركة الجيش السوري والحملة الجوية الدولية، فليس هناك تغيير يُمكن رصده في خارطة الانتشار، أو سلم الأولويات.

وقد يكون الأمر الجديد هو المعارك التي دارت مؤخراً في ريفي دير الزور والحسكة، واستعاد فيها الجيش السوري عدداً من البلدات.

أما في أرياف درعا والقنيطرة، حيث يتركز ثقل جماعات أخرى مستهدفة من الحملة الجوية الدولية، فإن معارك الجيش ما زالت على وتيرتها المعتادة.

وحتى "الآن"، لم تستهدف هذه المنطقة من قبل الطيران الدولي، على الرغم من أن الأردن أعلن مراراً ضربه "أهدافاً متحركة"، على الحدود. وهذا المسار، قد يتحول لاحقاً إلى غارات على أهداف متقدمة في ريف درعا.

وخلافاً لحالات التواري -التي قام بها كل من تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة" في عدد من المناطق- فإن الوضع في القنيطرة بقي على حاله، حيث ما زالت النصرة تحديداً متمركزة في مواقعها، بما فيها تلك الواقعة على خط الحدود.

وخلاصة، يُمكن القول إن الجيش السوري قد استفاد على نحو عام من التطور الجديد في الموقف الدولي، الذي أضعف خصومه، وساهم في تشتيت قدراتهم، على الرغم من عدم تسجيل أي تحول في أولوياته أو خارطة انتشاره.

المنطقة العازلة:
بعد ذلك، فإن السؤال الرئيسي هو: أين تتجه الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا؟
هناك أربعة سيناريوهات لمسار هذه الحملة:

الأول، توسيع التحالف ليشمل أطرافاً جديدة. وهذا خاضع لموافقة واشنطن، التي ترفض حتى "الآن" مشاركة دول مثل إيران.

الثاني، إقامة تحالف مواز للتحالف الدولي الراهن تكون ركيزته دول منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم روسيا والصين وكازاخستان وطاجيكستان وقيرغيزيا وأوزبكستان، وتتمتع فيها كل من الهند وباكستان وإيران ومنغوليا بوضع مراقب. كما تشارك أفغانستان في عمل المنظمة من خلال ما يعرف بمجموعة "منظمة شنغهاي للتعاون-أفغانستان". ولهذه المنظمة أنشطة أمنية وعسكرية مشتركة، وتنفذ مناورات حربية في أكثر من منطقة.

وفي حال إقامة التحالف الدولي الموازي فستكون سوريا ذاتها جزءاً منه.

الثالث، استمرار الوضع الراهن على مدى سنوات، في استعادة للنموذج الباكستاني، ولكن في سياق معزز بقوات على الأرض، قوامها آلاف العناصر المسلحين أميركيا، ممن تزكيهم المعارضة السورية، المصنفة في التقييم الأميركي بالمعتدلة.

وهذه العناصر سوف توكل لها مهمة مزدوجة، هي دحر تنظيم "الدولة الإسلامية" و"جبهة النصرة"، وإخراجهما من مختلف المناطق السورية، وإدامة الحرب ضد الجيش السوري والقوى الحليفة له، المنتشرة هي الأخرى في معظم المحاور والجبهات.

السيناريو الرابع، يتمثل في اصطدام الولايات المتحدة بسوريا، وحلفائها الروس والإيرانيين، وانتهاء القبول السوري الضمني بالوضع الراهن.

وهنا ستدخل سوريا والمنطقة مرحلة جديدة، تتقدم فيها خيارات وتسقط أخرى، بالضرورة. وقد تتوج بحرب إقليمية لا يُمكن لأحد السيطرة عليها، أو التنبؤ بمساراتها.

وغير بعيد عن ذلك يُمكن اعتبار الدعوة لإقامة منطقة حظر جوي على أية رقعة من سوريا بمثابة مدخل آخر للحرب الإقليمية.

إن فرض منطقة حظر جوي في أي رقعة من العالم، يعني بالمفهوم العسكري منظومة واسعة من الأعمال الحربية. إنه توصيف آخر للعدوان.

وكما منطقة الحظر الجوي، كذلك فإن الدعوة لإقامة منطقة عازلة على جزء من الأراضي السورية تُمثل طريقاً سريعاً نحو الحرب الشاملة في الشرق الأوسط. إنها ببساطة بمثابة الصاعق الذي سيفجر مخزن الديناميت ويسقط السقف على رؤوس الجميع.

وفكرة المنطقة العازلة هذه ليست بالجديدة تماماً، إذ سبق وجرى التداول بشأنها عام 2012، وكان الاقتراح حينها يشير إلى منطقة إعزاز في الشمال السوري.

وفي العام الماضي طرحت إسرائيل هذه الفكرة، داعية إلى تطبيقها على شريط طولي يقع في الجزء المحرر من الجولان السوري المحتل. وقد طرح الإسرائيليون حينها تفاصيل عسكرية وإدارية كثيرة حول طبيعة هذه المنطقة، التي أريد بها استعادة تجربة مماثلة في جنوب لبنان، دامت من أواخر سبعينيات القرن العشرين حتى الخامس والعشرين من مايو/أيار عام 2000.

وعلى الرغم من ذلك، لم يذهب الإسرائيليون كثيرا خلف هذه الفكرة، بسبب نصائح قيل إنها وصلتهم من دول غربية مختلفة، وكذلك نتيجة لقناعتهم بأن هذا المسار قد يجلب عليهم ويلات، وقد ينتهي بحرب غير محسوبة العواقب.

إن إقامة منطقة عازلة -بقوة الأمر الواقع- على جزء من أراضي دولة ذات سيادة، يُمثل انتهاكاً فاضحاً وشنيعاً لميثاق الأمم المتحدة.

وبالنسبة للوضع السوري الراهن فإن هذه المنطقة قد تكون بداية تقسيم فعلي للدولة السورية الحديثة، تماماً كما قسمت بالأمس القريب سوريا الكبرى.

وعلى الصامتين تجاه الخطوة أن يعترفوا صراحة -دونما أية مواربة- بأنهم ضد سيادة الوطن، وضد وحدته الترابية وضد عيشه المشترك، وأن دمشق وقاسيون وبردى لم تعد تعني لهم شيئاً، وأن البرغماتية انتهت إلى بيع وضيع للذات والأهل والوطن.

وبعد، ماذا بقي للبيع في سوق السياسة الإقليمية، الكاسد والمهترئ؟

مرة أخرى، يجب التأكيد على أن المقدمات الخاطئة لن تأتي بنتائج صائبة أو مجدية. وأن الحديث عن منطقة حظر جوي أو منطقة عازلة هو بالضرورة حديث عن التقسيم وقرع لطبول الحرب. وإن أحدا لا يتمنى وضع الشرق الأوسط على طريق حرب جديدة، لأن فيه ما يكفي من الصراعات والأزمات، وشلالات الدم.

إننا نعيش مرحلة انتقالية حساسة وحرجة، ومستقبل هذا الشرق، وأمن مجتمعاته يتوقف على الطريقة التي سوف تدار بها هذه المرحلة، وتلك مسؤولية مشتركة تعني الجميع. والثابت والأكيد في ذلك كله أن أية رهانات خارج منطق الأشياء لن تجلب الأمن والاستقرار لهذه المنطقة وشعوبها.

 

 

الجزيرة

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع