دندنة شامية
تصدير المادة
المشاهدات : 29315
شـــــارك المادة
فارسُ العرب اليماني، شاعرٌ قائد، وسيدٌ مطاع وخطيبٌ مفوه. وقفَ أمامَ كسرى خطيباً والعزة تجري في فمه والشهامة تملأ جوانحه، وباهى وافتخر. وكانَ صاحبَ رأيٍ ومشورة، ورجاحةِ عقلٍ ومروءة، حليماً سمحَ الأخلاق..
يُنسبُ عمرو إلى قبيلة زُبيد التي تضربُ أصولها إلى قحطان المعروف بمذحج، ومنه تشعبت قبائل كثيرة. كان المذحجيون يسكنون اليمن، ولبني زُبيد حصون وأموال، ومن بلادهم "تثليث"، وبها مسكن عمرو وله فيها حصن ونخل. يقول أحد الشعراء:
لكلِّ أناسٍ سيدٌ يعتزونه *** وسيدُ هذا الحيِّ من مذحجٍ عمروُ
شبَّ عمرو في أسرةٍ شريفة ذات وجاهةٍ وشجاعة. لأبيه معد يكرب مكانة سامية بين قومه، أما أخوه عبد الله فرئيس بني زبيد، وبعد مقتله تولى عمرو رئاسة قومه. ولما أمَّت الوفود مكة، بعد فتحها، كان بينها وفدُ زبيد مع عمرو بن معد يكرب، وكان في إسلامه عزٌّ للمسلمين. يمدح أبو تمام المعتصمَ بالله فيجمعُ له أحسنَ الصفات:
إقدامُ عمروٍ في سماحةِ حاتمٍ *** في حِلمِ أحنفَ في ذكاء إياسِ
يكنَّى عمرو بأبي ثور، كان ضخم الجثة، قوي الجسم، يقول عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-: "الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمراً". سأل عمر يوماً: "من أجود العرب"؟ قالوا: "حاتم طيء"، قال: "فمن فارسها"؟ قالوا: "عمرو بن معد يكرب"، قال: "فمن شاعرها"؟ قالوا: "امرؤ القيس"، قال: "فأي سيوفها أقطع"؟ قالوا: "الصمصامة"، قال: كفى بهذا فخراً لليمن. والصمصامة اسم سيف عمرو، ومعناه السيف الصارم الذي لا ينثني. يقول عباس بن مرداس، ابن الخنساء، لعامر بن الطفيل:
إذا ماتَ عمروٌ قلتُ للخيلِ أوطؤوا *** زبيداً فقد أودى بساحتها عمروُ فأما وعمروٌ في زُبيدَ فلا أرى *** لكم غزوهم فارضوا بما حكمَ الدهرُ فليتَ زبيداً كانَ فيها كضعفها *** وليتَ أبا ثور يجيشُ به البحرُ
لم يتخلَّف عن معركةٍ للمسلمينَ قط، شهدَ حروبَ الردة، واليرموك حيث أصيبت عينه، واستبسل مع خالد بن الوليد، ثم عندما رقدا الرقدة الأخيرة، تجاورا في الخالدية وبابا عمرو، في حمص العدية.. وشهدَ موقعةَ الجسر، وكذلك القادسية، وعمره تجاوز المائة، وفيها سألَ سعد بن أبي وقاص المدد من عمر بن الخطاب، فأرسلَ له عمرو و طليحة بن خويلد، وكتب له: "إني أمددتك بألفي رجل!" وكان له فيها شأن عظيم، وبأسٌ وقوة، حرض المسلمين على القتال، وحمل على رستم قائد الفرس في نفر من المسلمين فقتلوه وافتخر بأنه قاتله: والقادسيةُ حين زاحمَ رستمٌ *** كنَّا الحماةَ بهنَّ كالأشطانِ شهدَ وقعة جلولاء وكان على الخيل، وعندما استعصى فتحُ نهاوند أرسل عمر إلى النعمان بن مقرن قائد الجيش أن استشر واستعن في حربك بطليحة وعمرو وشاورهما في الحرب، فقال له: ما عندك يا عمرو؟ قال: أروني كبشَ القوم فأعتنقه حتى يموت أو أموت. فقاتلَ عمرو أشد القتال حتى كثُرت عليهِ جراحه واستشهد، وفتحَ الله نهاوند.. وهكذا استشهد عمرو سنة 21 للهجرة وعمره 120 عاماً.. وأحسبُ أن حالَ "بابا عمرو" الآن، كحالِ عمرو عندما قال:
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حياً *** ولكن لا حياةَ لمن تنادي ولو نارٌ نفختَ بها أضاءتْ *** ولكنْ أنتَ تنفخُ في رمادِ
وكما أصبحَ عمرو، على مرِّ التاريخ، مضرباً للمثل عند الحديثِ عن البطولةِ والشجاعة، فكذلكَ غدا حي بابا عمرو، موطئَ الأبطال ودارَ التضحيةِ والمجدِ والشرف..
الشبكة السورية لحقوق الإنسان
مدين ديرية
أسرة التحرير
أيمن أحمد ذو الغنى
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة