التقرير
تصدير المادة
المشاهدات : 3024
شـــــارك المادة
“سوريا هي مقاطعتنا الاستراتيجية”، قال مهدي طائب، رجل الدين المسؤول عن وحدة الحرب الافتراضية في الحرس الثوري الإيراني في فبراير عام 2014. وأضاف: “إذا كان علينا الاختيار بين الدفاع عن محافظة خوزستان في إيران أو سوريا، سوف نختار سوريا. وذلك لأنّنا إذا خسرنا سوريا، فلن نكون بعدها قادرين على الدفاع عن خوزستان أيضًا”.
هذه هي الطريقة الحادّة التي عبَّر فيها هذا المسؤول الإيراني الكبير عن التحالف القوي بين بلده وسوريا، والذي بدأ في وقت مبكّر من الثمانينيات، وكان انعكاسًا للعداوة المشتركة مع العراق وإسرائيل. كانت سوريا الدولة العربية الوحيدة التي تدعم إيران دبلوماسيًّا ومن خلال إمدادات الأسلحة أثناء حربها التي استمرت ثماني سنوات مع العراق، والعوامل الجغرافية سمحت لإيران بدعم سوريا في لبنان في أعقاب الغزو الإسرائيلي في عام 1982، وفي التخلص من الإسلاميين الثوريين المعارضين. وفي حين يعتنق النظامان الإيراني والسوري أيديولوجيات مختلفة جدًّا، ثبت بأن علاقتهما هي واحدة من العلاقات الأكثر ديمومة في الشرق الأوسط. الآن، وفي حين ينشر نظام الأسد العنف الكارثي من أجل البقاء على قيد الحياة، وبينما يتسرب الصراع الطائفي من سوريا إلى دول أخرى تهتم بها إيران، تقوم طهران بدراسة خياراتها. العلاقات المتوترة: كثيرًا ما توترت العلاقات بين إيران تحت نظام الشاه وسوريا تحت حكم حافظ الأسد، ولكنّها كانت تعاونية أيضًا في بعض الأحيان. “كانت هذه العلاقات إشكالية جدًّا”، يقول جوبين غودارزي من جامعة ويبستر في جنيف، ومؤلف كتاب: “سوريا وإيران: التحالف الدبلوماسي وسياسات القوة في الشرق الأوسط”. تبنّت سوريا أيديولوجية القومية العربية الاشتراكية عن طريق سلالة من البعثيين، وهو ما أدّى إلى استياء الشاه الذي كانت علاقاته جيدة مع الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب. واختلف البلدان أيضًا على تسمية الخليج الفارسي، حيث تسميه سوريا بالخليج العربي، وتسمي إقليم خوزستان الذي يقطنه الإيرانيون من أصول عربية بـ “عربستان”. كانت هناك بعض المحاولات العرضية لإيران من أجل تحسين العلاقات، يقول غودارزي، ولا سيّما بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973، عندما سمح الشاه للسوريين الجرحى بالانتقال جوًّا إلى إيران لتلقي العلاج، وقدم مساعدات مالية لسوريا. ولكن عمومًا، لم يؤدّ هذا إلى ذوبان الجليد والتقارب الحقيقي، وخاصّةً بعد أن بدأ الرئيس المصري أنور السادات ببناء العلاقات مع إسرائيل. فبينما رأت القيادة السورية السادات “يذهب منفردًا” من خلال انتهاج السلام مع الدولة اليهودية، تطلّعت هذه القيادة إلى قيام الشاه بإقناع السادات للنظر أكثر في مصالح جيرانه العرب. ولكن، بدلًا من ذلك، شجع الشاه مبادرة السلام بين السادات وإسرائيل. ربح صافٍ للقضية العربية: استقبلت سوريا الثورة الإيرانية بحماس. كانت أوّل دولة عربية تعترف بالحكومة المؤقتة الجديدة لمهدي بازركان، والدولة الثالة عالميًّا، بعد الاتحاد السوفياتي وباكستان. في الأشهر التي تلت ذلك، يقول غودارزي، كانت سوريا حريصة على زراعة علاقات وثيقة. “وظنّوا أن هذا سيكون مكسبًا صافيًا لسوريا، وللقضية العربية، في ضوء حقيقة أنّ الثورة في إيران أعربت عن تضامنها مع القضية الفلسطينية”. وعلاوةً على ذلك، تزامنتِ الثورةُ مع فشل محادثات التوحد بين البعث السوري والبعث في العراق، واتهام الأخيرة للأولى بالتخطيط لانقلاب ضد نظام بغداد. وبالتزامن، تمّ توقيع مصر لاتفاق كامب ديفيد، والذي أزالها من الصراع العربي الإسرائيلي. الأسد، يكتب محسن ميلاني من جامعة جنوب فلوريدا، رأى إيران الثورية كقوة معارضة ضد العراق وإسرائيل، وأرسل للخميني قرآنًا مكتوبًا بالذهب، وتعهد بالتعاون في عام 1979. ويكتب المؤرخ ديفيد دبليو ليش من جامعة ترينيتي في ولاية تكساس، بأن سقوط بيت الأسد وضعه في تحالف استراتيجي من النوع الذي يفسره المثل العربي بالقول: “عدو عدوي صديقي”. وبما أن سوريا في كثير من الأحيان على خلاف مع الدول العربية الأخرى، فهي لم تجد ضررًا من أن يكون لديها صديق قوي، وخاصةً أن هذا الصديق موجود على الجانب الآخر من الدولة العربية التي كانت الأكثر إشكالية لسوريا منذ السبعينيات، ألا وهي عراق صدام حسين. أما بالنسبة لإيران، فالقدرة على تقديم الدعم للجماعات الإسلامية المعادية لإسرائيل مثل حزب الله في لبنان وحماس في الأراضي الفلسطينية، كانت مهمة لتعريف ثورتها كثورة إسلامية، وبالتالي لا تقتصر فقط على الحدود الإيرانية. وعن التناقض بين قوة العلاقات بين نظامين أحدهما ديني، والأخر علماني، يقول غودارزي، بأنّ هذه المسافة الأيديولوجية ساعدت على تطوير العلاقة. ويضيف: “لقد أظهر الجزء الأخير من القرن العشرين بأنّ الأنظمة الاستبدادية أو الشمولية التي تعتنق نفس الأيديولوجية العابرة للحدود الوطنية غالبًا ما ينتهي بها الأمر إلى التنافس. على سبيل المثال، البعثيون في "سوريا والعراق، والحكومات الشيوعية في الاتحاد السوفياتي والصين". الولاء تعززه الحروب: حربان عززتا العلاقة بين البلدين. يقول رضا المرعشي من المجلس الوطني الأمريكي الإيراني في واشنطن: “إنه ليس سرًّا أن الحرب بين إيران والعراق هي وبشكل عميق عامل مفتاح في هذه العلاقات بالنسبة لجميع صناع القرار الإيراني. هم من غير المحتمل أن ينسوا أو يعودوا إلى الوراء فيما يخصّ سوريا التي دعمتهم خلال تلك الثمان سنوات”. وغزو "إسرائيل للبنان في عام 1982 عزز العلاقات أيضًا. وقال المرعشي: “عندما هزمت قوات الاحتلال الإسرائيلي القوات السورية بسرعة، تحول حافظ الأسد إلى إيران للمساعدة في حماية المصالح السورية، وهو ما فعلته ايران". ولكن الأحداث في سوريا في عام 1982 شكلت تحديًا مبكرًا لموقف إيران الإسلامي. كانت سوريا قد واجهت اضطرابات من جماعة الإخوان المسلمين السورية في أواخر السبعينيات، وعندما حصلت الجماعة على حماة في مارس 1982، قام النظام السوري بارتكاب مجزرة في المدينة. “كانت جماعة الإخوان المسلمين السورية مجموعة إسلامية، لكنّني تحدثت إلى شخصيات إيرانية في السلطة في أوائل الثمانينيات، وقالوا: نعم، الإخوان المسلمون هم حزب سياسي إسلامي، لكنهم يشكلون خطرًا بسبب حصولهم على المساعدة من دول مثل الأردن والعراق”، يقول مرعشي. ويؤكد أيضًا على أن وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة الإيرانية، فرضت في حينها ولأول مرة التعتيم على أنشطة الإخوان، وبأنّ إيران وبعد مجزرة حماة، أدانت المجموعة معتبرةً أنّها حليف للأردن وإسرائيل، وعلاقات إيران مع سوريا لم تتغير. من ساحة آزادي إلى الجبهة السورية: نظرت سوريا إلى احتجاجات الحركة الخضراء في إيران لعام 2009 بحذر. كان مير حسين موسوي ومهدي كروبي جزءًا من المؤسسة السياسية الإيرانية، وقال السوريون بأنّهم يريدون من النخبة السياسية الإيرانية العمل على حلّ هذه المشكلة فيما بينها، وبأنهم لا يريدون أن يكون هناك أزمة سياسية كبيرة أو انهيار أو حرب أهلية. وعندما وصلت احتجاجات الربيع العربي إلى سوريا في عام 2011، اتخذت إيران نهجًا مماثلًا لنهج سوريا السابق. “اتخذت النخب الإيرانية موقف الانتظار والترقب”، يقول فرزان ثابت، مدير تحرير موقع إيران بوليتيك ومؤلف كتاب: “النخبة السياسية في الجمهورية الإسلامية وسوريا”. وأضاف: “كان أحد أول المواقف التي اتخذتها إيران هي التمييز بين ما كان يحدث في سوريا وبين الربيع العربي الذي وصفته إيران سابقًا بالصحوة الإسلامية المستوحاة من ثورتها الإسلامية”. وعلى الرغم من أنّ لمحات عن وجود اختلافات بين السياسيين الإيرانيين بشأن ما يجري في سوريا كانت تظهر بشكل نادر، مثل اعتراف الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني باستخدام الأسد للأسلحة الكيميائية في رسالة تراجع عنها بسرعة، وقول أحمد باخشياج، وهو عضو لجنة الأمن والسياسة الخارجية في البرلمان، لمجلة تايم في 2013 بأنه ليس هناك أدنى شك بأن الأسد ديكتاتور، إلّا أن السياسة الإيرانية متناسقة وموحدة جدًّا في استراتيجيتها في التعامل مع الوضع السوري. ولدى إيران بالطبع مخاوف من فقدان القدرة على الوصول إلى الشام بعد سقوط الأسد، وهو ما سيقلل من قدرتها على ردع أي ضربة إسرائيلية قد توجه إليها. ولكن إيران تخشى أيضًا من التهديدات التي تطرحها الجهات الطائفية في جميع أنحاء المنطقة على مصالحها، ومصالح حلفائها مثل حزب الله والسياسيين الشيعة العراقيين. عندما اختطفت مجموعة جيش آل العدل السنية خمسة من حراس الحدود الإيرانية على حدود باكستان، وقتلت واحدًا منهم في وقت سابق من هذا العام، قامت المجموعة بتبرير عملها على أساس أنّ إيران تدعم نظام الأسد وقتله للسُّنة. وبينما تنظر الدول المتنافسة في المنطقة، وخاصة المملكة العربية السعودية وقطر، إلى دعم إيران لسوريا من وجهة نظر طائفية؛ إلّا أن إيران لديها مخاوف استراتيجية وأوسع نطاقًا. ترى إيران سوريا كحليف مهمّ من الناحية الجغرافية والسياسية. ومن الخطأ الافتراض بأن إيران تساعد نظام الأسد بسبب أنه نظام علوي، فالعلويون هم، وبشكل جيد، خارج التيار الرئيس للشيعة الإيرانيين. التحالف بين إيران وسوريا، ليس عن الأخوة بين الشيعة والعلويين، ولكن علاقة تقوم على المصالح المتداخلة، وهي قدرة البلدين في الحفاظ على ما يسميانه بـ “محور المقاومة”. وفي ظلّ غياب أي حل عسكري للصراع في سوريا، يقول غودارزي، تواجه إيران حالة الجمود التي أدّت إلى تفتيت بلاد الشام كلها، وهناك الأن أعداء جدد لإيران، مثل داعش. طهران، كما يقول، من المرجّح أن تواصل دعم الأسد، ولكن هدفها الرئيس هو منع ظهور دولة معادية. “إذا كان عليهم بيع الأسد، وإذا كان هناك في أيّ وقت من الأوقات حكومة وحدة وطنية انتقالية في سوريا، سوف يكون عليهم أن يتأكدوا أولًا من أن الحكومة الجديدة لن تكون معادية لإيران، حتى لو لم تكن حليفًا لها”.
فيصل القاسم
أحمد موفق زيدان
خورشيد دلي
نواف القديمي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة