محمد عياش الكبيسي
تصدير المادة
المشاهدات : 3172
شـــــارك المادة
هناك جملة من الأمور دفعت بعجلة (الدولة) لقطع مراحلها المرسومة بأسرع مما كان متوقعاً، فالظلم الذي مارسته حكومة المالكي ومليشياته الطائفية والذي لم يشهد له العراق مثيلاً منذ الغزو المغولي جعل أهل السنّة يتطلعون بلهف للبديل أيا كان، إنهم ليسوا في سعة من أمرهم ليفاضلوا بين الأيديولوجيات والسياسات والاحتمالات المستقبلية وما إلى ذلك، وهذه -لا شك- فرصة كبيرة لمشروع (الدولة) لغسل الذاكرة السنّية والتي كانت تحتفظ بملفات سوداء للحقبة التي سيطر فيها التنظيم على بعض مناطقهم.
ثم جاء الحراك الشعبي في المحافظات الست ليضيف عاملاً آخر، فقد كانت الخطابات الحماسية ولبس الأكفان من قبل قادة الحراك وخطباء المنصات، مع أنهم في الأغلب لا يمتلكون الخبرة الكافية لتوظيف هذه الحالة النفسية والمعنوية الصاعدة لدى الجماهير وخاصة الشباب، من هنا كانت الأرض ممهدة تماماً لعمليات التجنيد من قبل التنظيم الأقوى وصاحب الخبرة العريقة والإمكانيات الهائلة في هذا الشأن. إن قادة الحراك لم تكن تنقصهم الشجاعة، فقد تحدّوا المالكي ومليشياته لما يزيد على السنة، لكن ضعف الخبرة التنظيمية وقلة ذات اليد والتخوّف من طرح أي مشروع قد يثير الخلاف جعلهم في النهاية وكأنهم يمارسون دوراً مرحلياً لا أكثر، ومن المفارقات هنا أن أغلبهم اليوم يعيشون خارج مناطقهم بعد أن سيطرت عليها (الدولة)، لأن تخوّفهم على حياتهم من حكم (أمير المؤمنين) لا يقل عن تخوفهم من حكم (ولاية الفقيه) مع فقدان روح المقاومة للأول بخلاف الثاني! العامل الثالث كان لأصحاب المشروع الوطني (العابر للطائفية)، والذين باتوا يتعاطفون مع (الدولة) ويغضون الطرف عن (أخطائها) مع الخلاف العميق بين المشروعين فكراً وسياسة وممارسة، وذلك لأغراض (تكتيكية) منها: التخلص من (الحلول السياسية) والتي لن تكون نتائجها لصالحهم على الإطلاق، فلو استجاب المالكي مثلاً لمطالب المنتفضين خاصة في ما يتعلق بملف التوازن، أو أنه وافق على طلب بعض المحافظات السنّية بمنحها صلاحية الإقليم والحكم الذاتي، فإنهم لا شك سيكونون خارج (اللعبة)، ولذلك عملوا بقوة على وأد هذه المشاريع، ثم الدفع باتجاه الحل العسكري، والذي قد يؤول بالنتيجة إلى التقسيم الفعلي كما هي أغلب المؤشرات اليوم، لكن هذا بالنسبة لهم أفضل بكثير من تلك المشاريع (المشبوهة)! الحل العسكري أيضاً كان بحاجة إلى (الصعقة) وهي أشبه باستراتيجية (الصدمة والترويع) لإرباك الجيش والقوات الأمنية التابعة للمالكي، وإحداث حالة فوضى عامة وفراغ أمني يشجّع الناس على الثورة والخروج المسلح ثم استيعاب هؤلاء (الثوار) بأطر جاهزة من خبراء الجيش العراقي الأول والمشهود له بالوطنية والخبرة العالية، وكان الأقدر على إحداث تلك الصدمة هم رجال (البغدادي)، ولقد وافق البغدادي بالفعل على لعب هذا الدور! إن الخطة تبدو وكأنها أحكمت بحرفية عالية، بيد أن الأحداث أثبتت أن خطة أخرى كانت في رأس البغدادي تعبّر عن صراع خفيّ بين (الشركاء) عنوانه الحقيقي (من يوظّف من؟) وكان من النتائج الأولية لهذا الصراع هو تغيير مكان (الصدمة) من بغداد إلى الموصل! وهذه قصة ستكشف الأيام أسرارها وتداعياتها الخطيرة. لقد كان البغدادي يتابع الخطابات الوطنية (الثورية)، كما كان يتابع خطابات الحراك، ولا يجد فيها ما يضيره، وكان يسمع من بعض المشايخ والسياسيين تحليلاتهم (المنطقية) أن (داعشا) لا تشكل إلا قدراً محدوداً من مساحة الثورة فيسكت طالما أن هذا الوهم أو الإيهام يزيد من طمأنة الشارع السنّي ويحد من مخاوف المحيط العربي والإسلامي على قاعدة (تمسكن حتى تتمكن)، غير أن الأمور بدأت تتكشف حينما حاول بعض الثوار رفع صور الرئيس الراحل صدام حسين، فجاء الرد الحاسم من البغدادي، ليثبت أمام العالم أنه هو وحده صاحب الكلمة الفصل، ثم توّج هذا بإعلانه عن نفسه خليفة للمسلمين، بينما اكتفى شركاؤه بإصدار بيانات وتوجيهات ونصائح شرعية وسياسية، وهو عملياً يتحداهم أن يثبتوا وجودهم ولو بالحضور الشكلي أمام الكاميرات في أية منطقة من المناطق الخاضعة لسلطان خلافته! وهذا لا يعني التقليل من الدور الذي تضطلع به العشائر والفصائل المقاومة، لكن البغدادي يدرك أن هؤلاء جميعاً لا يحبون الانشغال به في الوقت الحاضر، ولذلك فهو يبادر ويسارع لرسم الخارطة السياسية التي يحلم بها وتثبيتها واقعا على الأرض. إن المنطق (الفقهي) للبغدادي يحتّم عليه أن يطلب البيعة ترغيبا أو ترهيبا، وسيحاسب الناس على ذلك، وقد لا يتأخر كثيرا عن إصدار أوامره بالتجنيد الإلزامي لتشكيل (جيش الخلافة)، بمعنى أن أهل السنّة (من حلب إلى ديالي) سيكونون جزءاً من مشروع (الجهاد العالمي) لتنطلق (الفتوحات) في كل صوب! وقد سئل أحدهم: كيف ستواجهون الحصار الدولي الذي سيفرض على دولتكم كما فرض على صدام حسين من قبل؟ فقال: الدولة التي تحاصرنا سنرسل إليها سيلا من (المفخخات) حتى ترضخ لنا وتفتح حدودها صاغرة! إن كل الذي نخشاه أن السكين التي قطّعت الحبال عن أيدي المكبّلين حتى هموا بتقبيلها شكرا وامتنانا سترتد على نحورهم بأدنى مما يتصورون، وستجلب معها سكاكين العالم في سلسلة لا تنتهي من الحروب بدءاً من قتال (المرتدين) و(المنافقين) حتى قتال آخر الكافرين والمشركين! إن الذين يهللون لدولة (الخلافة) لا يعلمون أن إعلان الخلافة بحد ذاته هو إعلان للحرب على كل دول العالم بما فيها الدول العربية والإسلامية من دون استثناء، وقبل ذلك إعلان للحرب على كل الفصائل والجبهات وعناصر الثورة في سوريا والعراق إسلامية أو وطنية أو عشائرية، ووثيقة (المدينة) لم تدع مجالاً للشك في هذا، وعليه فإن الحروب القادمة لن تكون بين (التنظيم) و(الأنظمة) كما يتوهم البعض، بل هي حروب ستخوضها الشعوب نفسها، وسيجد المرء نفسه إما جندياً يقاتل تحت راية (الخلافة) وإما (منشقاً) ورافضاً للسمع والطاعة ليستحق بذلك حدّ السيف! وعبر حدود الدولة (الجديدة) سنجد أيضاً من يدعو لطاعة (أولياء الأمر) والالتفاف حولهم لمقاتلة (دولة الخوارج). إننا في الحقيقة أمام سيناريو في غاية الخطورة، وسيجد (الشركاء) و(الفرقاء) أنفسهم قد أصبحوا مسرحاً للفوضى (الخلاقة)، ووقوداً لها وأداة لتنفيذ مشاريعها مهما كانت عناوينهم وتوجهاتهم. إن مسؤولية الثوار في العراق وفي سوريا بكل فصائلهم لا تنحصر بحمل السلاح ومقاتلة (العدو)، فإن العبرة في كل عمل إنما تكون في النتائج والمآلات، وعلى أهل الرأي والمشورة منهم ومن غيرهم أن لا يترددوا في طرح تصوراتهم وتحليلاتهم حتى لو كانت تخالف التوجه السائد، فلقد عودتنا الأحداث أن السلوك الغوغائي لا يمكن التعويل عليه فهو أشبه بالرمال المتحركة، وإن التقصير في دراسة الواقع ومآلاته واحتمالاته تجنباً لتعكير الجوّ العام، أو تلافياً للتصادم مع العاطفة الجماهيرية يعد تخلياً عن المسؤولية والأمانة التي حمّلها الله لأهل العلم، وتغريراً آثماً بهذه الجماهير نفسها. العرب
مجاهد مأمون ديرانية
محمود نديم نحاس
حمزة المصطفى
أحمد بن فارس السلوم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة