..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

إعادة تشكل الدول والعودة الى الشعوب والقبائل

عبد الغني محمد المصري

٢٠ يونيو ٢٠١٤ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3271

إعادة تشكل الدول والعودة الى الشعوب والقبائل
الاستعمار 00.jpg

شـــــارك المادة

قال تعالى:" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير".
عندما يجبر كسر، ويكون التجبير في غير موضعه الصحيح، فإنه يكون هناك لا بد من اعادة الكسر مرة أخرى ليتم التجبير بشكل صحيح في موضعه الأم.

مع انتصاف لقرن العشرين، فقد انجلت القوى الاستعمارية عن مستعمراتها في كل من آسيا وإفريقيا، لكنها في المقابل سلمت السلطة عبر تفاوض لمن لا يخرج عن طوعها.

 

 

ورغم أن أصل الدول مبني على مبدأ الشعوب والقبائل فقد عملت على تمزيق تلك القبائل على دول عدة، كي تضمن عدم استقرارها، ولتضمن أن الكسر الذي تم تجبيره، قد عاد إلى غير موضعه الصحيح، مما يؤمن إعاقة في التقدم والبنيان للدول التي تركتها، فيبقيها متخلفة مستهلكة مرتبطة مع المستعمر الأب الذي أعاقها وحولها إلى دول بلا مستقبل.
لذا، وعلى سبيل المثال فقد قسم البشتون على دولتين هما باكستان وافغانستان، وضم الى دولة البشتون (أفغانستان) أجزاء من الطاجيك (طاجيكستان)، وأجزاء من الأوزبك (أوزبكستان)، والهزارة الشيعة (إيران).
كما عمل على تقسيم الهند إلى دول ثلاث هي بنغلادش، والهند، وباكستان، كي يضمن عدم حصول أكثرية غالبة للمسلمين في الهند، بل وأوجد دولة وهمية اسمها باكستان هي خليط يحوي أجزاء من الهند القديمة، وأجزاء أخرى من البشتون، وأبقى الكشميريين تائهين بين الحالتين.
كما قسم الكرد على العراق وسوريا وتركيا وإيران، وكذلك ضم لإيران عرقيات شتى منها العرب الأحوازيون والأذريين والبشتون، وغيرهم.
ومثل ذلك فعل مع تشاد والقبائل المسلمة حولها في نيجيريا وكينيا (جماعة بوكو حرام)، وكذا فعل مع مويتانيا والسنغال، وشبيهه في الصومال والحبشة وجيرانهما. وحال تركيا ليس ببعيد عن ذلك.
يتضح مما سبق أن الاستعمار عمد إلى إنشاء دول مشوّهة، حث أخرجها من وضع الشعوب والقبائل المتحدة، فجعلها ممزقة بين بلدان عدة، مشكلة قنبلة موقوتة.
ومع مرور حوالي قرن من الزمن، وحصول تقدم علمي، وانفجار سكاني، تحولت تلك المستعمرات القديمة إلى دول يشكل فيها الشباب العنصر الأعم والأغلب، وتتميز تلك الأجيال الناشئة بالوعي الثقافي والمعرفي نظرا لكثرة وسائل التواصل الاجتماعي، وانتشار الفضائيات، ووسائل البث السياسي والمصلحي في كل مكان.
ترافقت تلك الحالة، مع توق الشباب إلى تحسين أوضاعهم الاجتماعية، فاصطدموا بالبطالة، والبيروقراطية، وعدم قدرة تلك الدول المصطنعة على تلبية الحد الأدنى من عمليات التطور القادرة على إنتاج فرص عمل جديدة ومجزية.
واكتشفت الأجيال الشابة أن كل فئة حاكمة ربطت معها أصحاب مصالح، وأنها دعمّت أساساتها على عناصر عرقية أو إثنية بعينها، مما أدى بالأجيال الشابة كردة فعل إلى البحث عن هويتها الإثنية أو العرقية أو الدينية لتشكل حالة دفع تطالب بواسطتها بحقوقها.
وقد عمل الاستعمار عند تقسيمه الدول على أن يوليها للأقليات، إمعانا منه في الاستعباد، فولى في سوريا النصيرية، وعرض على الشيعة العراق.
لذا فحالة الربيع العربي ليست حالة جامدة ضمن محيطها الضيق بل هي حالة إعادة تموضع عالمي سيحصل بشكل هائل في كل من آسيا وإفريقيا، وبداياته تشكلت في المنطقة نظرا لارتفاع منسوب الوعي السياسي لوجود العدو الصهيوني في فلسطين، وقد ساعد في تشكلها انفراط القبضة الحديدية الأمريكية في العالم.
تبعا لما سبق فإن العالم يتهيأ لحالة فراغ عالمي ستتشكل مع انهيار الدولار المتوقع، مما سيؤدي إلى ثورات عالمية، وستعم حالة الفوضى إلى أن تعود الدول إلى شكلها الاول "شعوبا وقبائل"، ثم تنشأ بعدها مرة أخرى الامبراطوريات حسب تفاهمات بين الدول وشعوبها.
أخيرا، إن ما يشهده العالم الآن هو ثورة على الواقع المعيق غير الطبيعي الذي تركته الدول الاستعمارية، ولن تهدأ هذه الثورات حسب القوانين الاجتماعية غير المكتوبة للبشر إلا بعد عودتها الى الالتئام في مواضعها الأصيلة، وستتشكل عندها حقبة تاريخية قادمة، وهو ما سيشهده العالم خلال العقدين القادمين، والله أعلم.
 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع