مراد شحماط ولبنى جصاص
تصدير المادة
المشاهدات : 5465
شـــــارك المادة
تحاول الدراسة أن تقترب من واقع الحراك العربي من مدخل التنمية السياسية كأحد المقاربات المعروفة في علم السياسية، لتفسر وضعيات المشهد الثوري العربي الراهن، وعوامله وآفاقه، حيث ترى بروز رغبات الأجيال الجديدة في ظل اتساع الفجوة بين قمة الهرم وقاعدته في معظم الأنظمة العربية، مع ارتفاع مستوى الفقر والبطالة وانتشار الفساد وسوء توزيع الثروة،
ساهم في بلورة واقع عربي يطمح إلى التغيير، بعد استنفاذ الوصفات المسكنة والإصلاحات الترقيعية التي قامت بها النظم السياسية العربية، إذ ظل الإقصاء السياسي وتهميش الآخر وغياب الثقة والمسؤولية وهيمنة القلة على الحكم وتغييب رأي الأغلبية ووضع برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وحتى ثقافية تخدم الفئة المهيمنة على المجتمع. تهدف الدراسة إلى تفسير الواقع العربي الحالي انطلاقا من الواقع الداخلي بالاعتماد على مدخل التنمية السياسية كمفسر لأسباب حدوث التحولات الجارية في المنطقة العربية، وقد يشكل في الوقت عينه منهجا مناسبا للوصول إلى مبادرات تتوافق والوضع الراهن في أقطار الوطن العربي، هذا في إطار اعتبار التنمية السياسية كمدخل يهتم بدراسة العلاقة بين المجتمع والنظام السياسي، والساعي إلى تطوير الجانبين، أي المؤسسات الحكومية من جهة والمجتمع من جهة أخرى، ما يسمح بتعزيز الاستقرار والسلم الاجتماعي. وتطرح الدراسة الأسئلة: هل يمكن اعتبار التنمية السياسية سببا مفسرا للتحولات الحادثة حاليا في أقطار الوطن العربي وتكون بذلك مدخلا إلى عملية التحول الديمقراطي الحقيقي أم أن التنمية السياسية ستكون أحد مطالب هذه التحولات وهدفا ينشده النظام العربي القادم للخروج من حالة الركود إلى الفاعلية؟ عالجت الدراسة مفهوم التنمية السياسية، مبرزة استناده على بعدي التعدد الحزبي والحرية الاقتصادية، مع التركيز على الجانب السياسي المؤسسي، حيث أن هذا المفهوم برز بعد الحرب العالمية الثانية، منتقلا من علم الاقتصاد إلى علم السياسة منذ ستينات القرن العشرين، فقد اعتبره باكنهام مرادفا للديمقراطية والتحديث السياسي، بالمقابل هناك توجه آخر يربط التنمية السياسية بمعنى التأسيس السياسي الذي يشمل التعبئة السياسية والتكامل السياسي والتمثيل السياسي. وتؤكد الدراسة على أن أبعاد التنمية السياسية وفقا للتصور الغربي للمصطلح تتمثل في: - تزايد معدلات التباين والتخصص في الأبنية السياسية. - تزايد علمنة الثقافة السياسية. - إيجاد نظم تعددية على شاكلة النظم الأوروبية. - تحقيق النمو الاقتصادي والمشاركة الانتخابية والمنافسة السياسية. - ترسخ مفاهيم الوطنية والمساواة والسيادة والولاء للدولة القومية. إذ تخلص إلى أن مفهوم التنمية السياسية، يحيل على التغيير الجذري للنظام القائم واستبداله بنظام آخر، أكثر كفاءة وقدرة على تحقيق أهداف الشعب ومصالحه؛ كما ترى الدراسة أن هذا وصف دقيق للأحداث التي وقعت في بعض أقطار الوطن العربي، إذ لم تقف مطالب الشعوب عند مستوى الإصلاح السياسي وحسب، وإنما طالبت بشكل واضح بتغيير النظام جذريا. إن التحدي الأبرز هو كيف يتم دمج الاستقرار السياسي بالتحول الديمقراطي، أما التحدي الآخر فيكمن في كيفية حماية التحول الديمقراطي وتعزيزه في ظل إعادة الهيكلة الاقتصادية الصارمة التي قد تتسبب في حدوث استياء شعبي، مما يؤدي إلى تطرف سياسي، ولهذا فالتنمية السياسية لا تعني فقط الإصلاح المؤسساتي وإنما يشترط فيها حدوث تغير في المواقف والثقافة السياسية. وبعد عرضها لمجموعة من الإحصائيات المستندة إلى تقرير التنمية الإنسانية لسنة 2010 حول العجز الديمقراطي وأخرى متعلقة بمؤشرات التحديث الاقتصادي، تستنتج الدراسة العلاقة الوطيدة بين العامل الاقتصادي والتنمية السياسية وحدوث التغيرات والتحولات باتجاه التحول الديمقراطي، وهذه العلاقة اقترنت بجميع الثورات الرامية لتفعيل الأسس الديمقراطية في الحكم؛ حيث عرفت أقطار الوطن العربي التي عايشت التحولات الراهنة ظروف المرحلة السابقة نفسها تقريبا، وهذا ما ساهم في بلورة حركات مناهضة للأنظمة القائمة، كما أن الثورة ضد الأنظمة رغم أنها شملت دولا تعرف تعددا عشائريا مثل اليمن وليبيا، وأخرى طائفيا-دينيا مثل البحرين وسورية، إلا أنها حقق نوعا من التغيير، وبهذا نكون أمام مدخل تفسيري آخر مفاده أن وجود فئة واحدة أو عشيرة واحدة مهيمنة على السلطة هو الذي أدى إلى مثل تلك الثورات، فالتهميش السياسي هو سببها. إن المجتمع القائم على الأقليات لا تحكمه قواعد اللعبة السياسية ذات الصفة الديمقراطية، أي التنافس بين مؤسسات وأحزاب سياسية، وإنما يقوم على قاعدة التداخل بين المجال السياسي والمجال الاجتماعي ويرجع إلى ذلك إلى: 1- تحول القبائل والعشائر والطوائف لقوى سياسية، مثل ما هو الوضع في لبنان والعراق واليمن والسودان. 2- انفلات الصراع السياسي من كل ضابط وطني، ما قد يؤدي إلى الانزلاق في حرب أهلية وهو الحال الذي تعيشه ليبيا حاليا. 3- إن الدولة في مجتمعات مثل اليمن والسودان ما هي إلا امتداد للطائفة أو القبيلة أي تغييب علاقات المواطنة التي هي أحد مرتكزات الديمقراطية الحقة. وتستنتج الدراسة قانونا دالا وهاما مفاده أن نجاح الثورات العربية في إسقاط الأنظمة التقليدية لا يلغي أبدا احتمال أن تحقيق نظام ديمقراطي يبقى أمرا يصعب تحقيقه، بحكم البيئة السياسية والاجتماعية والثقافية السائدة في الوطن العربي، وهو ما يطرح إمكانية عودة الباترمونيالية من جديد. تشير الدراسة البحثية إلى أن ما حدث في الوطن العربي قريب جدا من التفسير الذي تقدمه نظرية الدومينو أو ما يعرف بنظريات كرات الثلج، إلا أن تجارب التغيير اختلفت من دولة إلى أخرى، نظرا إلى: - اختلاف مستوى التطور السياسي. - تباين هامش الحرية. - طريقة تعامل القادة وصناع القرار مع التغيير. - تباين العلاقات بين مختلف القوى السياسية والحزبية وعلاقات هؤلاء بالقاعدة الشعبية.
فقد ربط هانتغتون بين المشاركة السياسية والتنمية السياسية، إذ يرى أن عملية التنمية السياسية تشتمل على تطورات ثلاثة هي: ترشيد السلطة والتمايز في الوظائف السياسية والتهيئة للمشاركة السياسية بحيث تزداد المساهمة الشعبية سواء من حيث عدد المساهمين ونطاق مساهمتهم ومجالها ومدى تكرارهاوبروز مؤسسات سياسية لتنظيم هذه المشاركة. وهكذا يتبين جليا أن الثورات التي شهدتها بعض الأقطار العربية لا يمكن اعتبارها وضعا استثنائيا ومفاجئا، بل هي نتيجة طبيعية للظروف الداخلية السياسية منها والاقتصادية وكذا الاجتماعية، بخاصة في ظل انتشار وسائل الاتصال والمعلوماتية، ما سخر لشعوب المنطقة العربية بسهولة عقد مقارنة بين أوضاعهم وأوضاع باقي الأقاليم في العالم، وكشف قضايا الفساد المتفشي في مختلف البنى، وهو ما أثر في التنمية داخل الأقطار العربية، الأمر الذي دفع بشعوب هذه المنطقة إلى الثوران على أنظمتها والمطالبة بالتغيير. لقد ساهم الحراك سياسيا في بروز العديد من التشكيلات السياسية أي حالة من التعددية السياسية والحزبية لكنها أفرزت أحزابا أشبه ما تكون بجماعات المصالح، إذ يغيب عنها العمل الحزبي بمعناه الحقيقي، وانعدام الرؤية الواضحة، وعدم وجود برامج متكاملة تحمل تخطيطا لإعادة بناء الدولة من مختلف النواحي، إذ تهدف فقط إلى الاستئثار بالسلطة وتحقيق مكاسب سلطوية. كما لوحظ بروز فئات بعد الحراك الشعبي تتمنى استمرار النظام القديم على حالة الفوضى التي تتخبط فيها بلدانهم في زمن ما بعد الثورة، وما يؤخذ على هذا الحراك غياب رؤى بديلة مدروسة وحقيقية، فالعمل يتم وفقا لمنطق الأزمات- التعامل مع الوضع الراهن- أي تغيب الرؤية المستقبلية والتخطيط المنهجي القائم على الجميع بين مجمل متغيرات معادلة التغيير. وتختم الدراسة توجهاتها بأنه رغم وجود بعض بوادر ومؤشرات التنمية السياسية في أقطار الوطن العربي، إلا أن التنمية السياسية تبقى هدفا للأنظمة العربية ما بعد التغيير، خاصة أنها ما تزال في بداية المراحل الانتقالية باتجاه النهج الديمقراطي.
--------------------------
مركز نماء للبحوث والدراسات
سعيد الحاج
بشير زين العابدين
مجلة العصر
عمار ديوب
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة