..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

أغصان يابسة

سلمان العودة

٢٢ نوفمبر ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4107

أغصان يابسة
1.jpg

شـــــارك المادة

وضعني طفلي أمام خيارات صعبه حين سألني هذا السؤال:

- أنت تقود سيارتك التي لا تتسع إلا لشخص آخر معك ومررت بثلاثة أشخاص أحدهم امرأة عجوز تحتاج إسعافاً عاجلا، والآخر صديق قديم  سبق أن أنقذ حياتك، والثالث شخص مشهور تعتز به وتسعى لإسعاده ، أيهم ستُقلهُ معك ؟

 

 

كان جوابه بعد أن رأى الحيرة في وجهي: أعط مفاتيح السيارة للصديق الذي أنقذك، واطلب منه توصيل العجوز الى المستشفى وابقَ بصحبة القدوة لانتظار الحافلة!

ثَمَّ عدد من الخيارات المتاحة في كل موقف وعلينا ألا نقع في فخ الإجابات الجاهزة و الحادة : إما .. وإما !

كنا صغاراً في الحقل نستدل فطرياً على موت الشجرة بإمكانية كسر أغصانها .. وهكذا هو حقل الحياة يحتضن الأغصان الخضر أو القابلة للاخضرار ويتخلى عن ذوات اليبس .

هو الكون حي يحب الحياة   ***   ويحتقر الميْت مهما كبر

فلا الأفق يحضن ميْت الطيور   ***   ولا النحل يلثم ميْت الزهر

                                                                     (أبو القاسم الشابي)

ولذا سمعنا الكبار وهم يتفاوضون يقول بعضهم لبعض ( لا تكن يابساً فتُكسر ولا رطبا فتُعصر ) وهي مفردة ضمن قاعدة التوازن و التوسط .

عليك بأوساط الأمور فإنها   ***    خيار ولا تركب ذلولاً ولا صعبا

 

ولكني أقرأُ فيها معنى "المرونة" التي تُشجع على النجاح في العلاقة و التفاوض وتجاوز الأزمات .

هل ينبغي أن يكون المرء صارماً حازماً في سائر أموره ؟ أم الأفضل أن يكون قادراً على التكيف و البحث عن البدائل و الخيارات.

المرونة تعني القدرة على التنقل بين الحسم والتردد، وبين الصرامة واللين، تعني السيطرة على الطباع وليس الاستسلام لها.

والمرونة ليست شعاراً أو وصفاً لمنهج أو بشر، هي سلّم متدرّج حين نحاول الصعود فيه نواجه عقبات من داخل النفس وخارجها، ولكننا نكون في الطريق فعلاً، وحين نكبر وننضج تصبح "وسما" جميلاً يطبعنا بالحكمة والهدوء.

تعودت بعد سنين طويلة أن أتقبل الناس كما هم حتى الأقربين، وألا أؤاخذهم أو أكثر عتابهم و (التشره) عليهم، وألا أترقب من الآخرين أكثر مما يمكن أن يقدموا !

المرونة العقلية تُمكن من تحقيق الأهداف الخاصة والعامة وحل المشكلات بنجاح والبحث عن الفرص بل وتحويل الأزمة الى فُرصة.

 

هي تعني ألا تكون مستعبداً لنمط معين يمكن معاقبتك بالحرمان منه، أن تمتلك القدرة على إيجاد البديل الأفضل.

عليك ألا تضع البيض في سلة واحدة.

وأن تخرج من نمط التفكير التقليدي. 

وألا تجعل سياستك قائمة على المعارضة والمعارضة فقط، وكأنك مشغول بهدم أبنية الآخرين.

من الخطأ الظن أن المرونة تعني الاستسلام، إنها البحث عن طريقه أخرى للتعبير.

سهلٌ أن تُلقن شخصا معلومة جديدة وليس بنفس السهولة أن تُعلمه تغيير عادة كان يرى الأشياء من خلالها، والكشوف المذهلة المتعلقة بالدماغ البشري أكدت قدرته على إبداع البدائل واستخدام الطرق غير التقليدية في حل المشكلات.

المرونة نجاح في الأداء السياسي حتى مع الخصوم، ومن الفشل أن يكون الأداء قائماً على الحدية بين عميل أو عدو ، يمكن أن تتحالف مع أطراف كثيرة تتفق معك في الهدف ولو جزئياً ولبعض الوقت.. فقدان المرونة سبب فشل الخطط وتخبط الأداء وضياع البوصلة وخسارة الأموال.

المرونة الاجتماعية تعني الانفتاح على المجتمعات والمناطق والقبائل المختلفة عنك بثقة وإيمان، وتفهم أنماط حياتهم وطرائق تعبيرهم واقتباس جيدها ورفض فاسدها ولو ذاع واشتهر.

مرونة الجسد تُحقق قدرات وفوزاً رياضياً ومنه سُميت (تمارين).

المرونة الذهنية وعدم الحسم في المسائل المحتملة تمنحك وقتاً للمزيد من البحث ومحاورة الآخرين وتحميك من التعصب للنتيجة التي حصلت عليها وكنت تظن بأنها نهائية وهي ليست كذلك!

الشخص العصبي المتسرع الذي لم يتعود على التفكير لا يعرف كيف يكونُ مرناً .

العبودية للعادة تعني أن تتحول إلى بروتوكول قاسٍ يُشبه الوسواس القهري، وغالبية المضطربين نفسياً يعانون من جمود أفكارهم .

في الحوار يمكن أن تضع الطرف الآخر على محك مثل حد السيف وأنت في حالة غضب، ويُمكن أن تقول له معك بعض الحق ووجهة نظرك مُقدّرة.

 

المرونة العاطفية تتجلي في قول علي -رضي الله عنه-: (أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما) ، ولذا كانت العرب تقول: (لا يكن حبك كلفاً ولا يكن بغضك تلفاً).

الأبيض و الأسود ليسا اللونين الوحيدين في القائمة، وفي قصص الأطفال كُنّا نجد الشرير و الخيّر ويبدو أن هذا سيطر على تفكيرنا حتى أصبحنا مشغوفين دائماً بالفرز، والفرز إلى نوعين فحسب، بينما الأمر أوسع من ذلك، وفكرة الفرز ذاتها ليست ناجحة دائما!

المرونة تجلب السعادة والمتعة؛ حين تكون قابلاً للنوم في أي وقت وأي مكان، في الطائرة أو القطار أو على فراش خشن غير وثير! ، وتغيير نمط الأكل والوجبات والقابلية للتذوق والتجريب، والتعامل مع الحر والبرد، وفئات الناس المختلفة، ستستمتع أكثر بالسفر والرحلة، وتتكيف مع أمزجة الأصدقاء .. وتتدرب على الاكتشاف الجيد برشاقة دون تضجر أو احجام!

اقرأ ايضاً

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع