..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

ما سرّ التصعيد الاعلامي للأسد؟

القدس العربي

٦ أكتوبر ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 6912

ما سرّ التصعيد الاعلامي للأسد؟
بشار 000.jpg

شـــــارك المادة

بعد تهديده تركيا بدفع ‘ثمن غال’ لدعمها المعارضة السورية يأتي لقاء الرئيس السوري بشار الأسد المنشور بصحيفة ‘دير شبيغل الألمانية’ لينفي إمكان الوصول لحل للصراع الجاري في سورية عبر المفاوضات، لأن المعارضة السورية حسب تعريفه ليست معارضة ‘لأن لديها أسلحة’!

 

 


هجمة التصعيد السياسي التي يقوم بها الرئيس السوري مدروسة جيداً فقد انطلقت بداية من تركيّا، البلد الذي كان أول من فتح أبوابه أمام المعارضة السورية، لاعباً على أوتار الخلافات السياسية في تركيا ومزوّداً الأعداء السياسيين لحزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان بورقة جديدة للتحريض ضدهما.
ثم اتجه الأسد بعدها إلى ألمانيا، الخاصرة الطريّة في الموقف الاوروبي تجاه نظامه، التي لعبت، منذ انطلاق الثورة السورية، دوراً غير مباشر لإعاقة التحركات البريطانية والفرنسية الأكثر حزماً وشدّة في التعامل مع النظام، وبذلك يقدّم الأسد للأطراف المختلفة مع سياسات بريطانيا وفرنسا الخارجية أيضاً مناسبة إعلامية جديدة لإعادة تكرير واستهلاك الوصفات الإعلامية المفضلة التي يلعب عليها النظام السوري، من إدعائه المشين بحماية الأقليات (وهو المفترض أن يحمي شعبه كله)، إلى المفاضلة بينه وبين تنظيم ‘القاعدة’، وصولاً إلى دفاعه الركيك عن عدم مسؤولية نظامه عن الهجوم بالسلاح الكيماوي في غوطة دمشق بدعوى ‘أن لا أحد يستطيع أن يقطع بأنه تم استخدام صواريخ’.

السرّ وراء هذه الهجمة الدبلوماسية والإعلامية هو:
أولا، انحسار الضربة الأمريكية ضد الآلة العسكرية للنظام، بعد المناورات الدبلوماسية الأمريكية الروسية والتي أدت في النهاية الى صدور القرار الأممي 2118.
ثانيا، تحوّل النظام السوري من مجرم حرب مهدّد بالعقاب إلى شريك للمجتمع الدولي بصفقة تسليم الكيماوي السوري بالتقسيط المريح، بحيث تحوّل أسبوع كيري لتسليم الأسلحة الكيميائية الى 10 أشهر طويلة، تنتهي مع منتصف العام المقبل بالتزامن مع موعد انتخابات الرئاسة السورية.
ثالثاً، الأجواء التي أشاعها غزل الرئيسين الأمريكي والإيراني خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك بتوجّه نحو صفقة تضمن لإيران دورها الإقليمي في المنطقة مقابل منع تصنيعها قنبلة نووية، وهو ما أثّر أيضاً في وزن ومصداقية حلفاء أمريكا العرب الداعمين للمعارضة السورية.
رابعا، اشتداد قوة التنظيمات الإسلامية الجهادية وخصوصاً تنظيم ‘الدولة الإسلامية في العراق والشام’ الذي بدأ بخوض معارك ضد ألوية الجيش السوري الحرّ، كما هدّد تركيا بالقيام بهجمات ضدّها، وهو الأمر الذي أعطى زخماً كبيراً لدعاية النظام الخارجية، وفتّ في عضد الجيش السوري الحر والمعارضة السورية عموماً.
خامساً، تراجع تأثير المعارضة السياسية السورية المجتمعة تحت راية ‘الائتلاف السوري’ على تشكيلات الداخل العسكرية بعد انفضاض عدد من الألوية والتشكيلات العسكرية المعارضة المسلحة عنه واعتباره لا يمثّلها.
اعتبر بشار الأسد أن تنسيق ‘المجتمع الدولي’ معه (حتى لو كان الثمن استسلامه التام في موضوع عتاده الكيميائي) نوعاً من الاعتراف به وبدوره، بل افترض، على الأغلب، أن ما جرى من تدمير لبلده وإبادة لشعبه إنجازاً عبقرياً له.
يشبه ما قام به الأسد عمل خيميائيي القرون الوسطى الذين اجتهدوا لتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب فالرئيس السوري أنجز المعادلة الخيميائية المستحيلة: قم بإبادة شعبك بالسلاح الكيماوي فتتحوّل فجأة إلى شريك دولي وبطل إعلاميّ.
بهذا التصور الجديد لاعادة تأهيله دوليا ظهر الأسد على تلفاز تركيّ مهدداً البلد الذي يستضيفه، واسترخى مجدداً في صورة العبقريّ الذي يعيد تعريف الأشياء في العالم في صحيفة ‘دير شبيغل’.
تعريف الأسد للمعارضة يتناسى عامداً كل المعارضات المسلحة في العالم، من الثورة السورية التي أنجزت الاستقلال الأول، والمعارضة الفيتنامية، والمعارضة الجزائرية ، والمعارضة الأمريكية أثناء حرب الاستقلال عن بريطانيا، والمقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني، والمقاومة الفلسطينية المسلحة لإسرائيل، وأخيرا لا آخراً، يتناسى مقاومة حزب الله المسلحة التي يتغنى النظام بالتحالف معها.
في عالم تتحول فيه الإبادة الجماعية للبشر إلى بطولة ويتحوّل وارث للسلطة بقوة المخابرات فيلسوفا سياسيا جديدا يتلاعب بالمعاني السياسية والأخلاقية التي كدّ مئات الملايين من البشر ليؤسسوها، يحقّ لبشار الأسد أن يفعل ويقول ما يشاء.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع