سامي إبراهيم
تصدير المادة
المشاهدات : 3490
شـــــارك المادة
من يقود الثورة في سوريا ومن يرسم طريقها؟ من يوجه الشباب الثائر؟ من يخطط لمستقبل ومصير الثورة؟ هل ستقيم القوى الثورية سوريا الجديدة الحرة الديمقراطية ولن يستطيع أحد أن يبدد تضحيات السوريين؟ هل نحن أمام ثورة للديمقراطية والحرية أم إعادة إنتاج الاستبداد بصورة أخرى؟
في اللحظة التي يتغير بها وعي الشعب ليصبح قادرا على الرفض وقول "لا" هي اللحظة التي تتزعزع فيها اسس النظام المستبد وتتخلخل شرعيته وتبدأ بنيته بالتفكك والانهيار، عندئذ فإن آلة القمع العسكرية التي يمتلكها النظام لن تعود قادرة على حمايته من البركان الداخلي المستعد للانفجار "الشعب"، والكلام عن "مؤامرة ومندسين وخونة وفبركات..." ستبقى مجرد ترهات لن تقنع شعبا ثار من أجل حياة افضل. الثورة السورية بغض النظر عن معيقات نموها وثغراتها ومواطن ضعفها والتي تعمل على تمييع المفاهيم الجديدة التي حملتها فإنها نضال من أجل الحرية، الحرية مطلب جميع السوريين، والكفاح من أجل الحرية دافع جميع السوريين، من أجل هذا النضال والكفاح تكونت تصورات وتبلورت تطلعات وبنيت آمال ورسمت أحلام ووضعت أهداف، وعليه فإن أي نظام قادم في سوريا الجديدة لن يحقق مطالب الشعب بالحرية التي قُدّم على مذبحها قرابين عشرات آلاف السوريين لن يكون إلا تقهقرا واستمرارا لعهود الاستبداد والقمع والقهر والاستلاب. وبما أن الحرية هي الشرط الوحيد لخلق حياة ديمقراطية هذا معناه بأنه إن لم توجد حرية فلن توجد أية وسيلة قانونية تستطيع بها القوى والتيارات أن تعبر عن نفسها، وبالتالي فإن الشعب السوري مجبرٌ على التخلص من نظام القمع والاستبداد الذي يشكل العقبة الأولى امام تطلعاته في الحرية. أما الخوف من أي خطر أيديولوجي يحمله وينادي به أي تيار يعمل في قوى الثورة لا يمكن أن يكون مبررا لضرب مسيرة الثورة، ولا يستطيع أن يكون عائقا في وجه تطلعات الشعب السوري. وبطبيعة الحال فإن اي ممارسة استبدادية قمعية من اي جهة كانت حتى لو حاربت النظام الحالي ستقابل بالرفض التام والمقاومة من قبل الشعب الذي لن يرضى أن يعود لسنوات قهره واستعباده من جديد. وإن كان هناك من طريقة لكشف الوجه الحقيقي لجميع القوى التي تنادي بسوريا المستقبل ومدى التزامها بالبرامج والشعارات التي تطرحها فإن مزيدا من الحرية كفيل بان يبلور الوجه الأمثل لكل ما يأمل به السوري من ثورة الحرية والكرامة.
تتعرض الثورة السورية لموجة من التشكيك، تتحول هذه الشكوك لسيل من الظروف المضادة، لتبرز ضرورة ملحة للقيام بعملية نقد ذاتي شامل على ضوء الوقائع والصور التي تفرزها احداث الثورة. أثبتت الوقائع أن الثورة السورية ثورة بلا قيادة ولا تملك برنامج أو ايديولوجيا ولا طبقة واضحة الملامح، بقدر ما تتشبث القوى السياسية بالانجازات العسكرية التي يمكن ان يحققها المقاتلون وتغيير موازين القوى على الأرض . الثورة لم تستطع إلى حد الآن الذهاب لأبعد من الشعارات والنصوص الكلامية، وقوى المعارضة السياسية اكتفت بمجرد طروحات نظرية تقدم معالجة للأخطاء القديمة، بدلا من العمل على خلق ظروف أفضل بقصد جعل الحياة اكثر حيوية وملائمة. عملية التحرير للمجتمع تبدأ من تحرير الإنسان السوري، تحرير العقل من رواسب الماضي في التقديس والتمجيد والتأليه، تحريره من الخوف ليقول مايريد ويرفض مايريد، وانتظار سقوط النظام للبدء بعملية التحرير هو تصور منقوص، لأن التحرير لا يبدأ عند انتهاء الصراع ضد العبودية، بل بالتزامن معه. تغيير نظام الحكم لا يعني أن الثورة قد انتصرت، لأن اي تغيير في منظومة الحكم لا يرافقها تحرير للإنسان ما هو إلا إعادة انتاج لمنظومة استبداد جديدة تعيد حالة الاستعباد للشعب السوري. الثقة في تحقيق المنجزات في بداية الحراك أعطت بارقة أمل لتغيير الواقع السوري بشكل جذري، اي تغيير بنية المجتمع ونمطيته التي فرضها نظام الاستبداد، لكن هذه الثقة لدى غالبية الشعب السوري اهتزت، لماذا؟ بسبب العقلية وأسلوب العمل في طريقة تعاطي قوى المعارضة مع الوقائع والضغوط الهائلة التي فرضتها الظروف المنتجة. قوى الثورة وعلى الرغم من انها اتخذت من الحرية المنارة التي يهتدي إليها السوريين ولكنها لم تأخذ في حسبانها الأسس المبدئية التي يجب ان ترتكز عليها وهي الاحاطة بالظواهر الاجتماعية والتاريخية التي أفرزت منظومة الاستبداد الهجينة "الجمهورية الملكية" هذه بوصفها جزء لا يتجزأ من ثقافة مجتمع، فمحاربة النمط اي أسلوب الحياة الاجتماعي والفكري الذي انتج النظام الهجين هذا كان سيضمن فاعلية أكبر لقوى الثورة ويزيد الوعي بضرورة الخلاص ويقدم دراسة شاملة لطبيعة العلاقات الأساسية التي تربط النظام بالمجتمع. لذلك فقوى الثورة فشلت إلى حد كبير في هدّ هيكلية النظام وضرب علاقاته وفك تحالفاته، لم تفعل سوى إقامة علاقات وتجمعات متفرقة لم تتبلور لديها الآلية التي تغيّر بها مسار العملية الانتقالية من هذا النظام الهجين المستبد إلى نظام ديمقراطي يحقق طموحات السوريين. توحيد جهود القوى الثورية لو تم: • كان سيوفر الكثير من الجهد والوقت • وكان سيقلل الخسائر في الأرواح والممتلكات والمعوقين والمهجرين والمشردين والنازحين • ويقي مؤسسات الدولة من هذا الانهيار المريع • ويحرج المجتمع الدولي مجبرا إياه على التدخل • وبالتأكيد من شأنه ان يعجل في سقوط النظام ولكن بدلا من ذلك تخبطت قوى المعارضة ودخلت في صراعات داخلية وشخصية وأيديولوجية وارتهنت لحسابات وأجندات لا تصب بالضرورة في مصلحة الشعب السوري. شلل قوى المعارضة بشقّها السياسي اثّر سلبا على الجناح العسكري في الميدان ما أدخل اليأس للقلوب وساهم في خلق هذا الواقع المزري الذي نعيشه، مهدرا الطاقات، مولدا شعورا بالمرارة والألم والخذلان، أدى لتقزيم الدور الاجمالي للمعارضة السياسية، مفسحا المجال لتجاذب القضية السورية اقليميا ودوليا، وتكون قوى المعارضة كأحجار الشطرنج، لاثقل لها ولاقيمة، ليكون شعار السوري (الشهادة) او (الهجرة)!
الانهيار الاقتصادي الكبير والظروف المعاشية القاسية افقدت العديد من السوريين الايمان بالديمقراطية والحرية، وبالتالي أنتج حالة من القنوط واليأس في جدوى ما يمكن ان تقدمه الثورة ونتائجها المرجوة في ظل هذه التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه البلد. فالثورة السورية لم تقم من أجل الديمقراطية وتداول السلطة او حق الانتخاب فحسب، بل ايضا من أجل ان تخلق طريقة حياة افضل يعيشها الناس، ومن أجل تحقيق نجاح ملموس في الحياة اليومية. طول فترة الصراع انهكت الشعب السوري، والنظام لعب على ورقة الحصار والتجويع محولا حياة السوري جحيما لايطاق، وليجعله يتمنى رغيف الخبز وقطرة الماء عقابا له على تجرئه وتطاوله على المقدس، ليكون الجوع والبطالة والفراغ والانفلات الأمني من خطف وسلب ونهب وقتل دورا في اضعاف الثورة الحقيقية للشعب السوري، وما انفكت هذه الظروف المضادة تضرب الهدف الحقيقي من الثورة.
في ظل هذه المعمعة وتخبط مواقف وآراء المعارضة وتشرذمها وتفككها فإن الجميع يتساءل عن شكل النظام الذي سيحكم سوريا والآلية التي سيعتمدها لبناء سوريا الجديدة الحرة الديمقراطية، وعلى الرغم من أن هذا التساؤل هو طرح استباقي مستقبلي مجهول والمستقبل هو المطالب بالإجابة عليه وهو سيجيب عليه، ولكنه يحمل إجابة مبطنة لا تخفى على أحد، فالتساؤل هنا يُبرز ويعرّي مدى قدرة الشعب السوري على فهم واستيعاب وتطبيق الديمقراطية في مجتمع غير مهيأ للديمقراطية، لتمنعه قيود عبوديته التي عاشها لسنوات طويلة من أن يسير حرا غير قادر على الاستيقاظ من صدمة الحرية التي حلت كالصاعقة على العقل المستعبد، ليتم تصوير مستقبل سوريا كبلد غارق في مستنقع حرب أهلية ممزقة الجسد السوري، ويتم تسويق الديمقراطية كأنها سلاح خطير محشو ملقّم في يد طفل يلهو به ويعبث. ليحمل هذا الطرح تشاؤما ويأسا للقلوب وتيقّن من أن المستقبل هو مظلم قاتم، والبديل هو منظومة التطرف الديني! فلا شيء تغير في عقلية الإنسان، والسوري سيبقى مسلوب الإرادة! لأنه عاش سنوات كثيرة مسلوب الحرية! وكأن قدر الشعب السوري أن يعيش العبودية! وكأن الديمقراطية محرمة على أعرق شعوب الأرض! وكأن المستقبل المظلم سيتوقف عند مرحلة واحدة تسودها الفوضى والظلامية! وكأن المستقبل قد تحقق! بينما لا يوجد واقع وحاضر مزري أكثر بؤسا وشقاء وجحيما من الواقع التي يعيشه السوري! متى استورد شعب ديمقراطيته؟! متى استوعب شعب ديمقراطية فرضت عليه؟! يحتم المنطق وحركة التاريخ على الشعب السوري أن يعاني ويتألم وهو يمر بكل مرحلة من مراحل التغيير والتحول الذي تحمله ثورة الحرية بطريقة تراكمية حتى تصبح الديمقراطية التي يحلم بها منبثقة من تطور وعي الشعب السوري نفسه كثقافة وإدراك وتجارب. الديمقراطية الحقيقية تأتي من خلال ثقافة الشعب والفكر وبناء الشخصية، بحيث يكون السوري واعيا لما له وما عليه والأهم يكون فردا مشبعا بالوطنية.
السوريون يدركون أن هذا النظام لم يسقط بعد، وجزء من هذا الفشل مسؤولة عنه قوى المعارضة، النظام لا يزال يحكم وقادر على الوصول لأي منطقة من الأرض السورية مستخدما تفوقه الجوي الذي يقوم بعشرات الغارات اليومية على المناطق المحررة "نظريا" لكن فعليا لا توجد منطقة محررة بالمعنى العسكري الناجز، واستخدامه مؤخرا لصواريخ إستراتيجية بعيدة المدى يقصف بها المنطقة التي يشاء وبتغطية دولية ودعم سخي من قبل حلفائه الأساسيين يؤشر بوضوح على قدرة النظام على إيذاء هذه المناطق وضرب استقرارها. إذاً فالثورة يُحكم عليها بعد انجاز مهامها، ومن سيجيب على السؤال الأصعب "هل بمقدور القوى الثورية بناء سوريا حرة ديمقراطية" هي المنظومة التي ستصل لسدة الحكم والتي تنادي الآن بالحرية والديمقراطية التي ثار من اجلها الشعب السوري!
برامج الكيانات السياسية مثالية وخطاباتها براقة في تصوير المستقبل، لتقدم قوالب جاهزة لديمقراطيات غربية قطعت دولها أشواطا ومراحل متقدمة لتتبلور لديها الحالة الديمقراطية الغربية. ولكن وبكل الأحوال فإن تشتت المعارضة أو التشكيك بمدى قدرتها على ممارسة الديمقراطية وتطبيقها وصحة ادعاءاتها لن يعفي النظام من وحشية ومن مسؤولية التدمير الممنهج لسوريا ولن يشفع له بالبقاء في سدة الحكم، وبالتالي فإن أي طرح يشكك بمن سيحكم سوريا المستقبل لن يكون السبب الذي يُقنع الشعب بتوجس أي أمل مرتجى من هذا النظام المستبد الفاشي. وبالتالي لن يكون عائقا في سبيل الحرية التي يقاتل من اجلها من يقاتل. بالتأكيد فإن الحكم الديمقراطي يستطيع تحقيق كل ماهو ضروري لبناء الحياة التي يطلبها السوري ولكن يبقى السؤال المهم: متى يصبح الشعب السوري قادرا على بناء المستقبل والحياة الرغيدة دون ان يرغم على التمجيد والتأليه والامتنان؟!.
علي حسين باكير
محمد المختار الشنقيطي
أبو عبد الله عثمان
محمد العوضي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة