غازي دحمان
تصدير المادة
المشاهدات : 3105
شـــــارك المادة
ليس استخدام السلاح الكيماوي من قبل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، سوى تفصيل صغير، على رغم كل ما يحمله من مخاطر وتداعيات على المستويات الإقليمية والدولية، ذلك أن هذا الحدث تم إدراجه في لائحة يوميات العذاب السوري، بوصفه مرحلة سوف يتم البناء عليها، لتأسيس دولة الكيان المنتظرة، والتي لم تخف أطراف بناؤها من الروس والإيرانيين نيتهم التوجه صوب تفعيل هذا الخيار، كمعطى واقعي في وجه السوريين خصوصا والعالم عموما.
ليس غريبا أن يترافق اللجوء إلى استعمال الكيماوي، مع عرض العضلات الروسية عبر بوارجها في البحر المتوسط، وكأنه جاء ليرسم خط ماء الحدود الإقليمية للدولة المنتظرة، والتي يحرص الروس أكثر من غيرهم على التسريع بإعلانها. إنها حلمهم الدافئ، هي بضعة كيلومترات على البحر المتوسط، وبعدها لتفنى سوريا بسهولها وصحاريها وجبالها. وفق هذا المنطق الروسي، باستثناء الساحل المتوسطي، كل سوريا فائض جغرافي يساوي صفرا في الاستراتيجية. رسالة الكيماوي لم يكن موفقا نظام الأسد وجوقة إعلامه في دمشق وبيروت وموسكو، في محاولة توظيف الحدث الكيماوي لمصلحتهم. كل الأدلة التي حاولوا تسويقها هي أدلة استنفدت أغراضها وصدقيتها في أكثر من تجربة ومحك. فلا مقتل عسكريين يهم كثيرا نظاما في طور الغرق، ويخسر أعدادا كبيرة منهم في الانشقاقات والهروب. وليس للنظام أنصار ومؤيدون في خان العسل وسواها من الريف الحلبي، فضلا عن الوقائع التقنية التي تؤكد عدم امتلاك الجيش الحر لهذا النوع من الأسلحة، وعدم قدرته على تشغيلها إن وجدت لديه. في الأمر رسالة إلى فرنسا وبريطانيا أن السلاح الذي ستقدمانه للجيش الحر قد يقع في أيدي المتطرفين. انظروا ها هم استخدموا الكيماوي، ربما، وقد تكون رسالة على هامش الحدث الأكبر، التقسيم. هنا السلاح الموجود عند الجيش يصبح خطرا على أمن سوريا المستقبل، إذ في مخطط الأسد إغراق البلاد بدمارها وأشلائها لسنوات تكون الدولة الوليدة قد أقلعت بسلام وهدوء. في ظل ذلك، كان وقع إعلان حكومة غسان هيتو على النظام إيجابيا، حيث بشّر إعلامه بطلوع فجر التقسيم، متعيشين في ذلك على تصريح أطلقه رئيس الائتلاف الوطني معاذ الخطيب حذر فيه من أن إعلان الحكومة قد يتسبب بمضاعفة الانقسام، السياسي وليس الجغرافي، فما كان من هذه الجوقة سوى التطبيل والتزمير لهذا القادم، بل ذهبت إحدى صحف بيروت الموالية لنظام الأسد، إلى توضيح الحدود والتخوم للدولة المقبلة، حيث النظام يسيطر على كامل مساحة الساحل والمناطق المحاذيه لها «المجال الحيوي» في أرياف ومناطق حمص وحماة وإدلب. خيار التقسيم: القضية في سوريا، وبالنسبة للنظام وأنصاره بالتحديد هي قضية التقسيم، استخدام السلاح الكيماوي، بنطاق محدود، أو التلويح بتفعيله كخيار قادم، ليس مجرد تكتيك الهدف منه التعجيل في تعويم مقاربات أخرى لحل الأزمة. فمقاربة التقسيم تبدو في هذا الإطار الأكثر إغراء والأقل كلفة، في ظل انتشار الرذاذ الكيماوي، واستنفار الأساطيل والبوارج في البحر المتوسط. وثمة عدد من الأسباب تقف وراء ذلك: - يشكل التقسيم معبرا آمنا للنظام ورجاله الذين ارتكبوا المجازر وتسببوا بالدمار لسورية، إذ لم يعد بإمكانهم الإفلات إلا وفق هذه المقاربة. حيث يظهرون وهم يلجؤون إلى الكيان الموعود أنهم كانوا يحاربون المؤامرة، وإنهم لم يستطيعوا المحافظة سوى على القسم الغربي، لكنهم سيعملون على النضال من أجل إعادة توحيد سورية، وقاحة المستبدين! - التقسيم في هذه الحالة يصبح درجة من درجات الانتصار يمكن تسويقه لدى البيئة المؤيدة للنظام، والمثخنة بجراحها والخائفة على مستقبلها، لما يتضمنه من انتقام من السوريين عبر حرمانهم من ثروات بلدهم، وخاصة بعد أن جرى اكتشاف كميات كبيرة من النفط في سواحل المتوسط، تقدرها مصادر سورية بأنها تعادل احتياطي الكويت من النفط. وكذلك التأثير في البيئة الاستراتيجية السورية عبر تحويلها إلى بلد مغلق لا سواحل بحرية له، مما يجعل سوريا القديمة حيزا جغرافيا ضعيفا تحت رحمة الطرف الذي يقدم له ممرا بحريا للعالم، والذي لن يكون سوى سورية الغربية. - التقسيم أيضا فرصة للانتقام من الدول التي ساندت الثورة السورية، حيث يمكن إظهاره على أنه جاء نتيجة «المؤامرة الكونية»، وتحميل كل ما جرى في سياق الحدث السوري على مشجب هذه المؤامرة. وليس مستغربا أن يذهب قادة سوريا الغربية مستقبلا إلى طلب التعويضات عما يعتبرونه أضرارا لحقت بهم نتيجة خسارته أملاكهم في دمشق والمدن الأخرى. - التقسيم يخدم مصالح روسيا وإيران في سوريا والمنطقة: قاعدة لروسيا على المتوسط وقريبة من سواحل تركيا، وممر لإيران إلى لبنان وقاعدتها هناك (حزب الله). إلى طرطوس خذوني: لعل ما بات يشجع على هذا الخيار قناعة النظام استحالة استمراره في الحكم، بعد خسارته لعشرات آلاف من رجاله نتيجة انشقاقهم أو مقتلهم على يد الثوار. فبالنسبة إلى نظام لأسد ما دام أنه ذاهب إلى هذا الخيار، فلماذا كل هذا الانتظار والمغامرة بخسارة مزيد من الرصيد البشري والعسكري. وأيضا قناعة حلفائه باستحالة قدرتهم على إدارة البلاد حتى لو استكانت ورضخت للأسد، بل إن تركها مدمرة في وجه الأطراف التي أيدت الثورة السورية أفضل انتقام وخير وصفة لإنفاذ الجهود. الكيماوي مرحلة وتكتيك، سيجري استخدامه بدقة وعناية، ولن يكون هدفا بذاته. النظام ومؤيدوه يخافون الموت ويعشقون الحياة ويرسمون مشهدا جميلا لها، إن من خلال تركيزهم للثروات التي نهبوها وسينهبونها من سوريا القديمة في دولتهم الجديدة، أو من خلال تحكمهم ببحر من النفط في قاع المتوسط. كل السفن تسير إلى المتوسط، ولن يطول الوقت الذي سيظهر فيه بشار الأسد من طرطوس مدشنا هذا الخيار.
الشرق الأوسط
خورشيد دلي
بسام مقداد
سعد كيوان
حامد الخليفة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة