طلحة الناصر
تصدير المادة
المشاهدات : 8205
شـــــارك المادة
لقد وقعت العلاقات الدولية ضحية التفرد القطبي في أواخر القرن العشرين، بعد انتهاء حالة التوازن الجزئي الذي أفرزه الصراع بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية. ومع التفرد القطبي ظهرت البراجماتية الأمريكية في أبشع صورها، حيث جمعت بين الوقاحة الفجة في استغلال الأمم الأخرى، وبين ظهورها بمظهر حامية الديموقراطية وحاملة الرفاهية إلى الشعوب المغلوبة. إنه مظهر القاتل المتحضر، أو السفاح المتحضر.
قاتل حقيقي ذو جريمة كاملة، قاتل لا يرغب أن يلوث ثيابه بدماء الضحايا، لأنه منشغل بشكل مستمر بأمور أخرى تتطلب "النظافة"، لذلك هو يجهز على الضحية ويكسر عنقها ثم يمسح يديه بمنديل معطر، يرتدي المعطف ويعدل الكرافتة، ينظر إلى الساعة الفاخرة، يضع يده في جيبه ثم يخرج للحاق باجتماع أممي. كانت أهم أهداف هذا السفاح هو الحفاظ على حالة "الفوضى" في منطقة الشرق الأوسط، لأنها تضمن بذلك تحقيق ثلاث استراتيجيات يشترك فيها الديموقراطيون والجمهوريون على حد سواء، وهي أولا استمرار تدفق النفط عبر مبادلات تجارية مقابل عقود السلاح أو عقود تأمين الحماية، وهي ثانيا تضمن أمن إسرائيل الذي هو هدف ووسيلة أيضا لاستمرار هذه الفوضى، وهي ثالثا تعزل شعوب المنطقة عن سبب النصر والعز الحقيقي لأمتها. وهي وإن أظهرت ميولها الصليبية في بعض الأحيان صراحة، بإضفاء هالة الحرب المقدسة في حروبها، إلا أنها تحاول أن تظهر باستمرار على أنها سيدة الحضارة ومنارة الحرية لشعوب العالم، فهي القاتل المتحضر. لقد حدث تحول أيدولوجي في تعامل أمريكا مع دول العالم الإسلامي على وجه التحديد، حيث أفرزت مراكز الفكر والدراسات الأمريكية نتاجا من الأبحاث يدل بوضوح على أن الإسلام هو التهديد الواضح لمشروعهم، وأن شعوب الدول الإسلامية هي المخزون الكامن وراء ذلك. وبالتالي جاءت التوصيات في وثيقة الأمن القومي الأمريكي في 2002 والتي تحدد أهمية دراسة أسباب الكراهية للولايات المتحدة الأمريكية. وتعد تقارير مركز "راند" البحثي -المقدمة للقوات المسلحة الأمريكية- رائدة التقارير التي سارت الولايات المتحدة على توصياتها حتى هذه اللحظة، والتي توصي -بشكل مختصر- بالتفريق بين المسلمين " المتطرفين " و "المعتدلين" في تعامل أمريكا مع العالم الإسلامي، وقد أسهب الكثير من المراكز والرموز المتخصصة في نقد هذه الدراسة المثيرة. والذي أرغب في الإشارة إليه أن نتائج هذه الدراسة تعني باختصار إعطاء كافة المبرات لسحق "المتطرفين"، فيما تلمع يديها ورجليها بنظافة أمام أولئك "المعتدلين"، وهكذا. فمثلا: المقاتلون الذين كانت أمريكا تطلق عليهم "مقاتلو الحرية" حتى أواخر الثمانينيات وفق تصريحات الرئيس الأمريكي (نيكسون)، تحولوا إلى مجموعة من "الإرهابيين" القتلة، وبهذا الإعلان أتاحت أمريكا لنفسها قتل مئات الألوف وهدم المدن والقرى. هذا القاتل المتحضر هو نفسه أيضا الذي أعلن عن السلاح الكيماوي الذي يهدد العرب، وأباح لنفسه قتل وتشريد الملايين من العراقيين تحت سمع وبصر الحكومات العربية المجاورة. واليوم تعلن واشنطن أن وزارة الخارجية تدرج تنظيم "جبهة النصرة" الذي يقاتل القوات الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد، ضمن قائمة "التنظيمات الإرهابية"، منوهين أن ذلك يعد خطوة (خطوة فقط) في تحديد الجهات التي يمكن لها التعاون معها بين صفوف المعارضة السورية. وتأمل الإدارة الأمريكية بإنهاء هذه القضية قبل اجتماعات مؤتمر "أصدقاء سوريا" المقررة في المغرب في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وذلك بهدف "عزل الجماعات المتطرفة في سوريا بالتزامن مع تقديم دفعة دعم لقوى المعارضة التي توحدت في الدوحة" ضمن ائتلاف المعارضة الجديد. اللافت للانتباه هو السطحية السياسية التي يتعامل بها الجناح السياسي الذي يمثل المعارضة السورية، حيث أعلن بعض المسؤولين في الائتلاف لاحقا أن جبهة النصرة ذات توجه متطرف، في مغازلة مكشوفة للإعلان الأمريكي الفج. ومع أن بعض الانتقادات المحلية الموجهة لجبهة النصرة –وليدة تنظيم القاعدة- هي انتقادات شرعية منهجية، إلا أنها تناقش وفق ضوابط النقاش المنهجي بين الإخوة المختلفين، لا وفق رغبات السياسة الأمريكية، في تقسيمها المرحلي لأعدائها بين متطرف ومعتدل، حيث تتيح لنفسها بهذا التقسيم إلى القضاء على المتطرف، ريثما ينتظر المعتدل دوره المحتوم. أرجو أن تعي الكتائب المخلصة أنها ستكون الضحية التالية لهذا التفريق الذي لا ينتهي بين متطرف ومعتدل، وأن تميز المخلصين من الشاذين وفرسان الإعلام الذين أبرزتهم الأضواء والفلاشات دون تضحية تذكر. والله يحمي الثورة السورية المجيدة.
حسان الحموي
طارق الحميد
بشير زين العابدين
راجح الخوري
بارك الله فيك أخ طلحة، موضوع رائع، وعرض موضوعي مبدأي. ولكن أحببت أن أشير إلى أن الكثير من الأمور التي تخرج عن جبه النصرة هي تلفيق وافتراء، بشهادة الناس في المناطق التي تقاتل فيها جبهة النصرة. وأحب أن أؤكد على أمر ذكرته وهو أهم ما في الموضوع لذلك أقتبسه مرة أخرى: "ومع أن بعض الانتقادات المحلية الموجهة لجبهة النصرة –وليدة تنظيم القاعدة- هي انتقادات شرعية منهجية، إلا أنها تناقش وفق ضوابط النقاش المنهجي بين الإخوة المختلفين، لا وفق رغبات السياسة الأمريكية، في تقسيمها المرحلي لأعدائها بين متطرف ومعتدل، حيث تتيح لنفسها بهذا التقسيم إلى القضاء على المتطرف، ريثما ينتظر المعتدل دوره المحتوم." وجزاك الله خيراً
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة