سمير التقي
تصدير المادة
المشاهدات : 2971
شـــــارك المادة
لم تعد سورية في خطر وحسب، بل صار الخطر وجودياً كما لم يكن. فبشار الأسد حاول طوال حكمه إثبات أنه أفضل الحلول السيئة، واستمر خلال الثورة كذلك، وهو في مواجهة هذا النمط المجيد الجديد من الثورة الذي ابتدعه شباب وأبطال الحراك الثوري بما هو نقيض تاريخي أرقى للنظام وبما هو نتاج عقل وأداة أكثر تحضراً وتطوراً اجتماعياً وسياسياً من مجمل منظومة النظام، فإن بشار أراد أن يفرض على الثورة من خلال عنفه البربري العاري، وحله الأمني الأخرق، أن تتحول ارتداداً إلى الوراء لتصبح مسخاً متخلفاً من طينته وجنسه.
وبحله الأمني ومنطقه الملتوي حاول بشار شرذمة المعارضة الخارجية، كي تصبح الثورة عنفاً عارياً بربرياً وعصابة بل بندقية بلا عقل، وكائناً أحمق عنيفاً جاهلاً يمضي بلا أي هدف سياسي. لكن الثورة السورية المجيدة أثبتت أنها تجاوزت سن الطفولة السياسية، وأنتجت بديلها التاريخي المجيد. فلقد فعلها السوريون متفردين، دون انتظار هاتف من أحد ولا صفقات الدولية وإذ يقتات شعبنا اليوم بالفتات ويقسم رغيفه مشتركاً فإن على القوى الدولية أن تستنتج باكراً أن شعبنا لم ولن ينحني لبشار، ولا لأي غاصب غاشم آخر. لن نقبل إلا أن تكون الثورة ناجزة بإسقاط كامل للنظام بكل رموزه وأدواته، ولن نقبل إلا الاستقلال كاملاً، كما لم نقبل سابقاً بالاستقلال إلا ناجزاً شامخاً عام 1936. نعم، تقف سورية الآن على أعتاب مخاطر سياسية داهمة ومصيرية. فلقد نجح بشار جزئياً في أن يولد نقيضاً له من جنسه من خلال استشراء التطرف، ومع ذلك فإن السؤال الراهن لم يعد حول مصير سلطة بشار؟ فهو إلى مزبلة التاريخ قريباً لا محالة، بل أصبح السؤال كيف يمكن إنقاذ البلاد من براثن هذا الوحش قبل أن تنهار كل مكاسب وقيم الاستقلال، وكل ما أسسته سورية عبر تاريخها؟. إن الثورة ليست مجرد شطب لتاريخ ماضٍ، بل هي بناء على أفضل ما أنتجه عقل وفكر وعرَق شعبنا على مدى العقود. فكيف يمكن أن نرضى بأن نخرج بسورية بربع 'حرية' تفتقد لأمجد ما أنجزه شعبنا، ألا وهو استقلال الوطن وسيادته. سورية كانت وستبقى أرض للعروبة والوطنية والتعدد، وإلا ما كنّا جديرين بدماء الثوار. سورية اليوم أمام مخاطر التقسيم والانكشاف التام على القوى الإقليمية الطامعة بمختلف راياتها. ولئن كانت الحرب الأهلية لم تصبح حقيقة عامة بعد، فإنها بلا شك وشيكة، مروعة وفادحة. ثمة مخاطر ومطامع حقيقية إقليمية ودولية تحاول إعادة هيكلة منطقة سايكس بيكو، وتقطيعها عبر مشاريع تبدأ من فريد زكريا ولا ينتهي عند بريماكوف. فهذا يريد ممراً إلى البحر، وذاك يحاول قطع الطريق عليه واستعادة أحلامه الماضية، وفي حين يلهث البعض وراء هذه القوة أو تلك، فإننا نؤكد هنا أن الغرب والشرق على حد سواء لن يتدخل إلا ليقصف بيوتنا وقرانا بحجة تواجد عناصر القاعدة فيها، وكل من يعتقد أن الغرب سيتدخل مباشرة في الصراع لإنقاذنا واهمٌ ومخدوع، ومنطق النصائح والسياسات التي يخرج بها السيد فورد إلى إدارته تذكرنا بالمنطق الاغترابي الكارثي لبرامرتز في العراق. وعلى الثورة ألا تشتري السمك في الماء أبداً، وهذا شاهدٌ آخر على سذاجة وهم التدخل الغربي. والله لو أن بعض هذه القوى الخارجية سعت فعلاً لتمكيننا من إسقاط النظام وفتح طريق الحرية أمام سورية المستقبل، لا طمأنينة (مؤقتا وجزئياً). لكن العديد من المؤشرات والدلائل تثير خشيتنا وجل ما نخشاه هو صفقة تذهب فيها سورية من يدنا، وتبقي أدوات النظام. فبعد أن شبعنا خطوطاً من كل الألوان، وشربنا كل المقالب التي حرمنا فيها من حقنا في الدفاع عن النفس لن نقبل بأقل من سيادة الثورة. لا حاجة بنا للاستجداء وكل من يدعي أن الغرب لا يأبه لمصائر الوضع في المنطقة يعلم أن الغرب والشرق بات بعد الربيع العربي قلقاً على كل البنى الاستراتيجية التي أسس لها ويخطط لها لاحقاً في المنطقة. نعم سنفاوض ونتفهم ونتبادل المصالح لكن سيادتنا واستقلالنا الناجز وحماية الثورة من أي صفقات تحت الطاولة تجريها هذه القوة الإقليمية أو الدولية أمر لا مساومة عليه. إننا لا ندعو هنا للارتداد نحو سياسة انعزالية أو مغامرة بل يجب عمل كل شيء على المستوى الدولي لاختصار درب العذابات المروع الذي سقط فيه شعبنا تحت براثن وحش دمشق ومن الطبيعي والمفهوم أن تؤخذ هنا التحالفات الدولية بعين الاعتبار وأن يجري جهد دبلوماسي وسياسي مضن من أجل التوفيق بين رؤية الثورة لسورية الجديدة ولسيادتها ومصالحها من جهة وبين المصالح الإقليمية المتقاطعة في منطقتنا من جهة أخرى. نحن إذاً أمام ثلاثة سيناريوهات مترابطة بتسلسل زمني. *أولها أن يغيب بشار الأسد، وينهار نظامه خلال أسابيع أو شهور قليلة مقبلة. في هذه الحالة ينبغي على قوى الثورة أن تكون جاهزة للتشارك مع كل القوى الخيرة وكل فئات الشعب السوري وما تبقى من مؤسسات الدولة لرسم طريق المرحلة الانتقالية. هنا ينبغي على قوى الثورة الأصيلة أن تكف عن القبول بالسير وراء الشعبوية والطفولة السياسية، بل أن تــــقولها وتثبتها الآن بصراحة: إنها ستدافع عن أهلنا من العلويين والمسيحيين والدروز والأكراد، وغيرهم من إخوتنا في الوطن بنفس روح التضحية والتصميم والقناعة التي تقاتل فيـــها النظام الطائفي، الذي نطــــمح لإسقاطه وتفكيك مكوناته. لامجال للالتباس هنا هذه هي النزاهة والقيادة السياسية المطلوبة من أجل سورية المستقبل، ونحن لن نسير خلف أية عفوية عبيطة همجية جنونية تستكمل حريق البلاد. ولا مجال إلا للقول أيضاً أن الثورة ستقتص بسلطة التشريع والقانون من كل من تلوثت أيديهم بدماء السوريين الأبرياء أياً كانوا. هذه ثورتنا، وهي لن تقبل بأقل من وطن جديد بعيد عن كل ما يمت لطائفية بشار والمطامع الإقليمية والدولية. ولدينا هنا بضعة أسابيع قبل أن يفرض سقوط الشمال من قبضة النظام واقعاً جديداً يحتم على قوى الثورة السورية إحباط محاولات النظام الاستئثار بدمشق وقطع الطريق على بشار من أن يكون أفضل الحلول الكارثية لسورية. *وإلا فإننا سنمضي نحو السيناريو الثاني: يعلم بشار أن لا أم المعارك في حلب ولا في أختها دير الزور مكتوب لها أية ثمرة، فإن فشلت المعارضة السياسة في توحيد قواها وتأمين الأساس السياسي كشرط لإطلاق التفاعل التسلسلي لمرحلة ما بعد بشار، فإن تفكك الدولة من جهة وتقدم الثوار عبر انتصاراتهم العظيمة في الشمال رغم بدائية وسائلهم من جهة أخرى، سيؤدي إلى أن يسير بشار في السيناريو الذي يعمل عليه منذ الآن، ألا وهو: الاحتفاظ بما تبقى من دمشق سانداً ظهره غرباً إلى حليفه عبر الحدود اللبنانية، آملاً أن يتمكن، عبر سلسلة من المذابح، من تأمين شبه كيان، ليكون مجرد جنرال حرب على رأس شقفة من سورية، عله يكون جزءاً من حل إقليمي ما في المستقبل. وإلا فما معنى تهديد لافروف وفورد بتقسيم سورية؟ . لكن ماذا لو استمر توازن الضعف القائم بين الثورة وقوى الثورة ولم يتمكن بشار من حرف الصراع في هذا الاتجاه رغم سقوط الشمال؟ وطالما أن بابا نويل التدخل الأجنبي لن يأتي فإننا سننحدر نحو السيناريو الثالث: إذ لا يبقى أمام بشار إلا دفع البلاد نحو حرب أهلية شاملة ومفتوحة. فأمام سيناريوهات التقسيم أو الحرب الطائفية البغيضة أومخاطر اختطاف الثورة وتدجينها عبر صفقات أو أجندات إقليمية، فان السيناريو الآمن الوحيد هو سيناريو الوحدة والتصميم على السير بالثورة إلى النهاية. العامل الحاسم في قطع الطريق على أي من هذه السناريوهات هو مدى قدرة قوى الثورة والشعب على قطع الطريق سواء على ألاعيب النظام أو على القوى الخارجية المتربصة. إنها الوحدة ثم الوحدة ثم الوحدة. كان تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية انجازاً وطنياً كبيراً. وبغض النظر عن حيثياته وكواليسه المعروفة جاء تشكيل الائتلاف نجاحاً لكل مخلص لقضية الوطن السوري الحر الكريم. إنها محاولة جدية لإنتاج عقل جماعي يكون الأداة السياسية القادرة على قهر هذا الديناصور الذي أنشب أظافره في لحم أطفالنا وتاريخنا ومجتمعنا، وكل ما أنتجه شعبنا منذ الاستقلال. لقد أطلق تشكيل الائتلاف تداعيات مهمة لمصلحة الثورة، وكان انتخاب الشيخ معاذ الخطيب، هذه الشخصية الوطنية المرموقة، خياراً صحيحاً تماماً، ولسنا هنا في معرض مدح الشيخ، لكنه بكل ما يتمتع به من مناقب يشكل عاملاً حكيماً موحداً من جهة، وضمانة مهمة لدرء مخاطر الطريق. ولاشك عندي أن الشعب السوري سيلتف بقوة حول الائتلاف تدعيماً وتعزيزاً عبر المزيد من الوحدة. لكن التجربة علمتنا أن التحديات قد تكون أكبر منّا جميعاً. فالثورة لن تمحض مصيرها على عماها لأي كان سوى لروحها الحرة التي لن تقبل إلا بالخلاص التام من كل أمراض وبقايا المرحلة السابقة. الطريق لا تزال محفوفة بالمخاطر والمنزلقات. ومن يعرف تاريخ سورية الوطني يدرك أن القضية الوطنية فيها كانت وستبقى أهم الأقانيم التي تحدد الوعي السياسي والاجتماعي للشعب السوري. إن يقظة الشعب ستبقى تترقب كل خطوة سيخطيها الائتلاف، ونحن نثق أن الائتلاف لن يقبل إلحاق الثورة بأية أجندة غير الأجندة الوطنية الموحدة الجامعة للشعب السوري الحر بكل مكوناته وطوائفه، ومن هذا المنطلق، وبغض النظر عما يحتاجه الائتلاف من مؤسسة وتطوير لأدواته السياسية والتنظيمية، فإن ثورتنا وائتلافنا الوطني يحتاجان إلى الحذر والتنبه الشديد من تلك الصفقات التي قد تدبّر من وراء ظهر الثورة. نحن لا نقصد توتير ولا تعقيد علاقاتنا في هذه المرحلة مع أي من الأطراف الدولية، لكن عيوننا ستبقى مفتوحة. فسورية كانت منذ أربعة آلاف عام العقدة الإقليمية الأهم، وكي تبقى كذلك فإنه ينبغي لنا، نحن السوريين، أن نكون جديرين بها.
المصدر: شبكة شام
عبد العزيز الحيص
وائل سواح
مزمجر الشام
خورشيد دلي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة