محمد حسن العلي
تصدير المادة
المشاهدات : 7344
شـــــارك المادة
و بعد أن مر الحديث عن العبارتين الأولى والثانية من العبارات الثلاثة التي أجاب بها ربعي بن عامر أحد جنود الإسلام العظام قائد جيش الفرس رستم والتي ذهبت مثلا يعتز بها كل مسلم على مر العصور و الدهور بل و يرفع رأسه شامخاً أمام كل أهل الدنيا، حيث قال ربعي لرستم: "إن الله ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد و من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة " و هاتان العبارتان مر الحديث عنهما في الرسائل السابقة .
أما العبارة الثالثة و الأخيرة فهي "و من جور الأديان إلى عدل الإسلام" فما هو جور الأديان؟
إن الحديث عن جور الأديان منذ الخليقة يحتاج إلى مجلدات و لكن لنضرب أمثلة تكفي ليفهم كل عاقل. فمثلا ما هو ذنب إبراهيم -عليه السلام- حتى تُؤجج له النيران و يلقى فيها إلا أنه قال لمن ادعى الألوهية حينذاك "إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتي بها من المغرب" . وما هو ذنب أصحاب الأخدود الذين حفرت لهم أخاديد في الأرض و أججت فيها النيران ليلقوا فيها رجالا و نساء، كبارا و أطفالا، إلا أن قالوا ربنا الله. وما ذنب بني إسرائيل الذين أمر فرعون بقتل أبناءهم و استحياء نساءهم؟! وما هو جرم أهل بغداد الذين اجتاحهم التتار و قتلوا أكثر من مليون مسلم آنذاك؟ حتى أن المؤرخين المسلمين لم يستطيعوا كتابة تاريخ هذه الكارثة إلا بعد عشر سنوات من شدة وقعها و هولها!. وأخبار محاكم التفتيش في الأندلس لا تخفى على أحد عندما احتلها النصارى ليمحوا كل أثر للإسلام فيها!. وكم قتل الصليبيون في بيت المقدس عندما احتلوه و لجأ المسلمون إليه؟ فقد روت كتب التاريخ أنهم قتلوا أكثر من سبعين ألف مسلم حتى خاضت خيولهم في دماء المسلمين!. وما ذنب الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين عندما أبادهم الأوربيون إلا قليلا منهم ليبقوا شاهدا على تاريخ هذا الإجرام؟ و الآن هذا القتل الوحشي والتدمير الذي يحدث في سوريا للبشر والحجر والذي تتناقله كل وسائل النقل الحديثة على يد هذا المجوسي المجرم و على مسمع ومرأى كل المتآمرين من الصليبيين و اليهود و المجوس الصفويين والروس الملحدين؟!! فهذا هو جور الأديان الذي ذكره ربعي بن عامر -رضي الله عنه- وهو الذي قد لا يجيد القراءة و الكتابة و كأنه لم يستوعب التاريخ القديم فحسب بل استوعب ببصيرته سنن التاريخ الحديث الذي هو من علم الغيب بالنسبة له. والآن ما هو عدل الإسلام ؟ عدل الإسلام ينبع من أصليه، كتاب الله وسنة رسوله. فمن كتاب الله عز وجل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (135) سورة النساء ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) سورة المائدة ومن سنته عليه الصلاة والسلام "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم إمام عادل ". و عندما تولى الخليفة الأول أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- الخلافة ، كانت أول عبارة نطق بها " أيها الناس: الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق، والقوي ضعيف حتى آخذ منه الحق " . وأما الخليفة الثاني عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- نطق بعبارة تتناقلها الأجيال عبر الأزمنة والدهور جيلا بعد جيل حيث قال : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" عندما اقتص للقبطي من ابن والي عمرو بن العاص آنذاك . واسمع إلى قصة الخليفة الإمام علي -رضي الله عنه- مع اليهودي: فقد الإمام علي -رضي الله عنه- يوما درعه ورآه عند يهودي، فقال لليهودي: هذا الدرع درعي، فرد اليهودي بقوله: يا أمير المؤمنين الدروع تتشابه والدرع درعي ، فقال على -رضي الله عنه- : إذًا لنحتكم عند قاضي المسلمين ؛ وعندما دخلا على القاضي شريح سأل ماذا يا أمير المؤمنين؟ فقال علي رضي الله عنه: فقدت درعي يوما ما ووجدته عند هذا اليهودي وما بعت وما وهبت، فقال القاضي: ماذا تقول يا يهودي؟ قال: الدروع تتشابه والدرع درعي، فقال القاضي لعلي -رضي الله عنه- : أعندك شاهدان؟ قال: نعم هذا الخادم وولدي الحسن. فقال القاضي: أما الخادم فنعم وأما الحسن فشهادة الابن لا تقبل لأبيه. فقال علي -رضي الله عنه- ويحك ! هذا الحسن سيد شباب أهل الجنة بشهادة النبي -عليه السلام- . فقال القاضي : ويل لأمي إذا لم أقر وأشهد بما شهد به النبي -عليه السلام- ، ولكن المعاملات في الدنيا شأنها غير شأن الآخرة. فقال الإمام علي -رضي الله عنه- : ليس لدي شاهد غيره ، فقال القاضي إذًا الدرع لليهودي. و كان اليهودي يسمع لكل هذا الحوار وكأنه بين الملائكة وليس بين البشر. فقال اليهودي: والله إن الدرع لدرع أمير المؤمنين ولكن أردت أن أختبر التزام وأخلاق هذه الأمة، فهي الآن بحق أمة ربانية وأنا أشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فهذه عدالة الإسلام فليأتني ممن عميت بصائرهم ومُسخت عقولهم عن رؤية الدين الحق بمثل واحد من مثل هذه الأمثلة؛ والأمثلة كثيرة من خلال مسيرة هذه الأمة ما وجد من قادة هذه الأمة ممن يسير بها على هدي الإسلام .
فقد كتب أهل مدينة من شرق آسيا إلى عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- الخليفة الأموي، أن قائدك قتيبة بن مسلم الباهلي دخل مدينتنا من دون إنذار سابق، فكتب عمر إلى هذا القائد أن اخرج من المدينة واترك أهلها في خيار لمدة ثلاثة أيام، وهذه سنة الإسلام والمسلمين في الحروب مع الأعداء ؛ فاستجاب القائد قتيبة إلى أمر الخليفة وعدل الإسلام وخرج من المدينة، وبعد ثلاثة أيام عندما رأى أهل المدينة هذه الأخلاق المثالية أسلم أكثر أهل هذه المدينة ودخلها القائد المسلم والناس آمنون على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم. وأما صلاح الدين -رحمه الله- الذي استعاد بيت المقدس بعد محاصرته والنصارى متحصنون بداخله واتفق معهم أن يخرجوا من بيت المقدس وهم آمنون على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم التي يستطيعون حملها؛ فدخلها القائد صلاح الدين وقد وفى بوعده استجابة لقوله تعالى " وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا " . وعلى كل عاقل ومنصف أن يقارن بين هذا الفتح الذي لم ترق فيه قطرة دم واحدة التزاما بالعهد والوعد، وبين فتح النصارى له قبل مئة سنة تقريبا من ذاك التاريخ والمجازر التي اُرتكبت بحق المسلمين بداخله بعد أن أمّنهم النصارى على أرواحهم ولكنهم نقضوا العهد والميثاق. وأخيرا الفضل ما شهدت به الأعداء. فقد اتفق كل مؤرخي النصارى المنصفين على قول واحد هو " أنّ العالم لم يشهد فاتحا أرحم من العرب المسلمين " . وإلى معلم آخر من معالم على طريق الثورة.
محمد علي الشيخي
حسان الحموي
مجاهد مأمون ديرانية
عبد المنعم زين الدين
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة