هيئة الشام الإسلامية
تصدير المادة
المشاهدات : 3700
شـــــارك المادة
السؤال: يقتل بعض من حولنا - ونحتسبهم عند الله شهداء - ولا نستطيع دفنهم في المقابر بسبب الحصار والقصف، فهل يجوز دفنهم في أمكنة غير المقابر كالحدائق وغيرها؟ وهل يجوز نقل جثتهم بعد ذلك لدفنها في المقابر؟ وسؤال آخر: من قتل في مكان ما وأرادت عائلته نقله إلى بلده ليدفن فيها بقربهم، أو نبش قبره لنقل جثته إلى مدينته ليتمكنوا من زيارته بين الحين والآخر، فما حكم ذلك؟
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: أولاً: السنة المسارعة في تجهيز الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين؛ إكرامًا له وحفاظًا عليه من التغير والفساد، وهذا من الإسراع بالجنازة الذي حث عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ) متفق عليه. فإن تعذر دفنه في المقبرة بسبب الخوف أو القصف: فيدفن في أي مكان متاح من الأرض، ويُبدأ بالأرض المملوكة له، ثم الأراضي غير المملوكة لأحد والتي لا ينتفع بها الناس كالوديان والسهول ونحو ذلك، ولا يُدفن في الأماكن العامة المأهولة كالحدائق العامة، والساحات إلا عند تعذر دفنه في غيرها، وينبغي حين ذلك حفظ أماكنها وتمييزها حتى لا تتعرض للتدنيس أو الامتهان، ولنقلها لاحقاً إن احتيج إلى ذلك.
ثانيًا: نقل الميت قبل دفنه ليدفن في بلدٍ آخر: الأصل أنَّ الميت يُدفن في مقابر البلد الذي مات فيه، وهي السنَّة التي جرى عليها العمل في عهد النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي عهد أصحابه -رضي الله عنهم- سواء كان الميت من أهل ذلك البلد أم لم يكن، وأن يُدفن الشهداء حيث قتلوا، كما دفن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قتل من أصحابه في بدر عند ذلك المكان، ومن قتل في أحد عند جبل أحد وهكذا. فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (كُنَّا حَمَلْنَا الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ لِنَدْفِنَهُمْ [أي في المدينة]، فَجَاءَ مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَدْفِنُوا الْقَتْلَى فِي مَضَاجِعِهِمْ، فَرَدَدْنَاهُمْ) رواه أبو داود. قال ابن المنذر _رحمه الله_ في "الأوسط": "يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْفَنَ الْمَيِّتُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، عَلَى هَذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ عَوَامُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَامَّةُ فِي عَامَّةِ الْبُلْدَانِ، وَيُكْرَهُ حَمْلُ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ يُخَافُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ فِيمَا بَيْنَهُمَا". وقال ابن قدامة _رحمه الله_ في "المغني": "فَلَا يُنْقَلُ الْمَيِّتُ مِنْ بَلَدِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ... لِأَنَّ ذَلِكَ أَخَفُّ لِمُؤْنَتِهِ، وَأَسْلَمُ لَهُ مِنْ التَّغْيِيرِ". والأمر في الشهداء آكد من غيرهم؛ لما سبق من الأحاديث. ويجوز نقل الميت ليدفن في بلدٍ آخر إذا كان ذلك لحاجةٍ وغرض صحيح، مثل أن يُخشى على قبره من الاعتداء وانتهاك حرمته، أو لعدم ملاءمة المكان لدفنه، فينقل إلى مكان آخر يؤمن عليه من ذلك. أما نقل الميت لأن يكون قريباً من أهله، أو ليدفن بينهم، فقد اختلفت فيه أقوال أهل العلم، ولعل الأقرب: جوازه إن كانت المسافة قريبة، ولم يُخش عليه من التغيير، أو انتهاك حرمته، وهو ما ورد به عمل عدد من الصحابة رضي الله عنهم، ومنعه إن كانت المسافة بعيدة، ولا يسلم فيها من التغيير أو انتهاك الحرمة.
ثالثًا: نبش القبر ونقل الميت إلى قبر آخر: الأصل منع نبش القبر ونقل الميت بعد دفنه؛ لما فيه من انتهاك حرمة الميت وحرمة قبره، ومخالفة لما كان عليه سلف الأمة. روى البخاري أن عبد الله بْنَ عَبَّاسٍ _رضي الله عنهما_ شهد جِنَازَةَ مَيْمُونَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها بِسَرِفَ فَقَالَ: (هَذِهِ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلا تُزَعْزِعُوهَا وَلا تُزَلْزِلُوهَا وارْفُقُوا) . قال الحافظ ابن حجر _رحمه الله_ في "فتح الباري": "يُستفاد من هذا الحديث أنَّ حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته، و فيه حديث (كسْرُ عَظْمِ المؤمن ميْتاً كَكَسرِهِ حياً) أخرجه أبو داود وابن ماجه و صححه ابن حبان". ويجوز نبش القبر ونقله لضرورة، قال النووي _رحمه الله_ في "منهاج الطالبين": "ونبشه بعد دفنه للنقل وغيره حرام إلا لضرورة: بأن دفن بلا غسل، أو في أرض أو ثوب مغصوبين، أو وقع فيه مال، أو دفن لغير القبلة ...". كما أجاز الفقهاء النبش والنقل لحاجة معتبرة كمن دُفن في مكان مأهول كالحدائق وبين البيوت، أو دُفن في أرض هي مجرى للنجاسة، أو طريق عام للناس، أو كان عرضة لنبش السباع الضارية، ونحو ذلك. ويدخل في هذا الجواز: نقل الميت إذا خيف من الاعتداء على قبره من قبل شبيحة النظام وغيرهم. أما نبشُ القبر وإخراجُ الميت بعد دفنه ونقلُه لتقريبه من أهله أو دفنٍه في بلده فغير جائز؛ لأن ذلك ليس من الحاجات المعتبرة. قال ابن الهمام _رحمه الله_ في "فتح القدير": "وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا، فَلَمْ تَصْبِرْ، وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ أَنَّهُ: لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ". ويمكن لأقاربه زيارته في مكان دفنه إن كان قريبًا، كما أن الدعاء والاستغفار له يصله حيث كان، فلا تشترط الزيارة للدعاء أو الاستغفار، فنوصيكم بكثرة الدعاء له، والترحم عليه، وعدم إيذائه بنبش قبره. نسأل الله تعالى أن يتقبل شهداءنا، ويرفع درجتهم في المقبولين، ويصبر أهاليهم ويأجرهم، ويخلفهم في أهليهم ومالهم خيرًا.
والحمد لله رب العالمين
عبد الرحمن المحمود
أحمد بن فارس السلوم
عباس شريفة
شادي راضي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة