صالح عبد الله السليمان
تصدير المادة
المشاهدات : 8698
شـــــارك المادة
بلدان الربيع العربي هم أمل الآمة, فلقد قامت ثوراتهم من أجل الحرية والكرامة, وترسيخ مفاهيم المشاركة في القرار ومحاربة الفساد وسيادة القانون. ولقد ورثت الشعوب تركة كبيرة من الأنظمة المزالة، تركة من الفساد والدولة العميقة، تركة في التعليم، تركة في الصحة، تركة في الشعور بالانتماء، تركة ضخمة تنوء بها الشعوب والحكومات الجديدة .
وإصلاح هذه المشاكل وإزالة آثارها يحتاج إلى وقت، كالمريض يحتاج إلى وقت للشفاء ويحتاج إلى فترة من النقاهة، ولكن ما هو دور المواطن؟ في مصر الكنانة، أرى في المشهد وجود عشرات الإضرابات، من الشرطة والأطباء والمعلمين والعمال, تطالب بزيادة الرواتب، بلغ بعضها بالمطالبة بزيادة الرواتب والمخصصات بما يزيد عن 500 بالمائة. وآخرون يضربون ويعتصمون للمطالبة بأمور أخرى ولكن تنصب كلها في الحصول على مميزات وعوائد أكبر. كلنا يعلم بمعاناة مصر ضائقة مالية, وهي من مخلفات النظام السابق وما حدث أثناء الثورة وتوقف الإنتاج أو كاد، وتوقف السياحة، فكيف ستستطيع الحكومة توفير مثل هذه الأعباء التي قد تسبب في زيادة المصروفات الحكومية أضعاف مضاعفة، ومن سيسدد هذا العجز الموروث والديون الموروثة؟ لدينا مثل عربي يقول "إذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع". فمثلا عدد المعلمين في مصر حوالي 16 مليون معلم. ويطالبون بزيادة رواتبهم، وتحديد الحد الأدنى بـ3000 جنيه، السؤال هنا، كيف ستستطيع الدولة توفير هذه المبالغ الإضافية؟ ثم إذا أقرت هذه الزيادة، فهل سيسكت الأطباء والشرطة والموظفون وغيرهم؟ ألا يحق لهم بالمطالبة بزيادة مماثلة؟ ألا تعتبر مثل هذه المطالبات هي إعاقة للدولة وتعريض سيادتها للخطر، حيث أنها ستقترض وتقترض، والمضحك أننا نجد البعض الآخر يعترض على مبدأ الاقتراض الحكومي، فمن ناحية يطالب البعض بزيادة الإنفاق، وآخرون يطالبون الحكومة بعدم الاقتراض. كذلك نجد البعض يستعمل العنف، والإرهاب والبلطجة في الوطن، ويشيع حالة عدم الأمان، تحت عدة مسميات، وتحت عدة ذرائع، بعضها ديني وبعضها اجتماعي وبعضها حقوق خاصة، فهدم بعض الأضرحة، والهجوم على بعض السفارات، وقطع سكك الحديد وقطع الطرق بل بلغ الحال إلى عمليات فرض الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقوة وبالتهديد، في حين هذه البلاد خرجت للتو من زلزال سياسي واجتماعي كبير، وما زالت تعاني منه. هل هذا يساعد على لم شعث الأمة وجمعها وتوحيد قلوبهم على هدف واحد وهو بناء الوطن والمواطن. ونرى أيضا الكثير من الإعلام والإعلاميون ويتبعهم بعض المواطنون يتلقفون كل إشاعة تسئ للوطن وتسيء لرموزه، بل وقد تسيء لرموزه الوطنية.
ومن أسوأ الأمثلة تلك الإشاعة التي تسيء لشيخ المجاهدين عمر المختار وللملك الصالح إدريس السنوسي، حيث أظهر بعضهم نسخة من صحيفة قديمة تتكلم عن القبض على المجاهد عمر المختار وأسمته "زعيم العصاة" دون ذكر أن الصحيفة صدرت في العهد الفاشستي, ودليلي على ذلك ترويستها التي تحمل تاريخ السنة التاسعة الفاشستية. وغيرهم كثير، إذ يتعرض كل الشخصيات التي شاركت في الثورات منذ يومها الأول بل وحتى ما قبلها لحملات تشكيك، ولم يسلم أي عامل في الشأن العام من حملة تشكيك، وهذا يشيع حالة عدم الثقة في المجتمع . قد يقول البعض، هذه هي الديمقراطية، وأقول لا، الديمقراطية هي ديمقراطية الصناديق، وعندما يختار الشعب من ينوب عنه يجب على الجميع التعاون معه, قد يقول البعض, هذه هي الحرية، وأقول لا، فمن حريتك مثلا أن تدخن، ولكن لا يجوز لك أبدا التدخين عند مريض، أو عند أطفال، ومنعك من التدخين في هذه الأماكن لا يعني أنك قد حرمت من حريتك، والوطن الآن بحاجة لشيوع حالة الآمان، ومساعدة الدولة على بسط الأمن على الوطن واجب على الجميع ويسبق أي واجب آخر. نعم يحق للجميع نقد المظاهر السيئة، ويحق للكل نقد الأخطاء. ولكن يجب التمعن والبحث والتحقق من سوء هذه المظاهر وخطأ هذه التصرفات، وذكر الخطأ والدليل عليه.
ويجب عدم نقل كل إشاعة تطلق، فآخر إشاعة سمعتها هي قيام الولايات المتحدة بالهجوم على شرق ليبيا، وقصف بعض الأماكن، وتناقلها البعض. وكلنا يعلم أن مثل هذه إشاعات، وتستهدف سمعة ليبيا الثورة, وكلنا يذكر الإشاعة التي تعرض لها مجلس الشعب المصري المنتخب، وكيف أنه كان يبحث قانون ما أسموه "مضاجعة الوداع" وهذا أسوأ أنواع الإشاعات التي تهدف إلى إشاعة عدم الثقة في المجتمع. وأمثلة هذا كثير. أتمنى رؤية مؤسسات المجتمع المدني تقوم بدورها المجتمعي، سواء بحشد الطاقات للبناء، وتوضيح الحقائق ونشر الوعي الديني و السياسي والاجتماعي فهذا هو دورها الحقيقي. كما أتمنى من كل التيارات السياسية ومؤيدوها ومريدوها أن تكف عن استعمال عبارات التخوين، واستخدام سياسة الإعلام السلبي. واعتماد سياسة الإعلام الإيجابي. فالإعلام السلبي يشيع حالة عدم الاستقرار، ويدمر الحالة الثورية في المجتمع ويحولها إلى حالة فوضى، وتكون أثارها مدمرة على ألمدي القريب والطويل، وإذا ترسخت حالة عدم الاستقرار فمن الصعب إزالتها ,وستكون إضافة سيئة إلى التركات الموروثة من الأنظمة التي ثار الشعب عليها. لنتقي الله في أنفسنا وفي ديننا وفي أوطاننا، ولنسأل أنفسنا كلما فتحنا أفواهنا للحديث, أو أمسكنا القلم للكتابة، أو وضعنا أصابعنا على لوحة المفاتيح، أو كلما وقفنا للتظاهر، أونصبنا خيمة للاعتصام، هل ما ننوي فعله يصب في مصلحة الوطن؟ هل له أضرار على الوطن والمواطنين الآخرين؟ وأن لا تكون مصالحنا الشخصية أو الحزبية تعلو على مصلحة الوطن . إن المصلحة العامة أهم من المصلحة الشخصية, فالمصلحة الشخصية التي تضر بمصالح الوطن ستكون لها نتائج تضر بالمصلحة الشخصية التي نطالب بها في نهاية المطاف. حتى بعض القواعد الشرعية يجوز عدم إنفاذها وتطبيقها إذا كانت تخالف العدالة، ومثال ذلك عندما أوقف سيدنا عمر بن الخطاب حد السرقة في عام المجاعة، وقبلها عندما لم يقتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنافقين حتى لا يقال أن محمدا يقتل أصحابه، والكثير من الشواهد التي تعطينا دليلا على جواز تأخير أو وقف بعض القواعد لمصلحة أكبر، والمصلحة الأكبر الآن هي استقرار مجتمعاتنا. حالة عدم الاستقرار نتائجها وخيمة، فهي تدمر الأسس التي تقوم عليها الدول، وتحول الدولة إلى دولة فاشلة، تتيح لكل الأيدي الامتداد لها, بيدكم أنتم النجاح، وبيدكم انتم استقرار الوطن، مصداقا لقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) اعلم أن ما قلته قد لا يناسب البعض، ولكن هي النصيحة، فاستقرار دول الربيع العربي يعطي الأمة زخما ومكانة كبيرة بين الأمم، وهي منارة يهتدي بها باقي الأمة، فنجاح جزء هو نجاح للكل، فنجاح تونس هو نجاح لمصر ونجاح مصر هو نجاح لليبيا ونجاح ليبيا هو نجاح لليمن ونجاحهم جميعا هو نجاح لكل الأمة، فنحن وكما قال أصدق البشر صلى الله عليه وسلم [المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه] وعلى طريق الحرية والكرامة نلتقي
مجاهد مأمون ديرانية
عبد الكريم بكار
زياد ماجد
بسام الخير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة