فايز سارة
تصدير المادة
المشاهدات : 3214
شـــــارك المادة
بعض محلات منطقة تحت السقيفة في حي الميدان المجاهد مقابل بوظة رمضان وقد سواها جنود الاسد بالأرض.
صارت دمشق تحت النار. هذه هي الخلاصة الأساسية، التي أفرزتها الأيام الأخيرة في واقع الأزمة السورية، والتعبير الأساسي لما حدث، يتمثل في قيام القوات المسلحة بشن أوسع عمليات برية وجوية على أحياء دمشق، حيث شملت العمليات – إضافة إلى القصف الجوي والبري وعمليات قنص الأشخاص – عمليات اجتياح بالقوات لعدد من الأحياء على نحو ما حصل في القابون ودف الشوك والميدان والتضامن وكفر سوسة.
وقد أوقعت تلك العمليات خسائر بشرية ومادية كبيرة، إلى درجة أن محصلة تلك العمليات من حيث الخسائر البشرية في ثلاثة أيام، تجاوزت سقوط خمسمائة شخص، وبالتأكيد فإن هناك أشخاصا، قتلوا لم يتم إحصاؤهم، وهناك آخرون من الجرحى الذين يمكن أن يموتوا متأثرين بجراحهم.
ولا يحتاج إلى تأكيد القول، إن ما حدث ويحدث في دمشق من انتقال لعنف السلطة من مستواه المحدود إلى العنف الشامل، يمثل تطورا مفصليا في مسار الأزمة الراهنة، وسيكون له تأثير قوي على ما يمكن أن تتطور إليه الحالة اليوم وفي المستقبل. والأساس في ذلك، يكمن في أن دمشق عاصمة الدولة ومركزها السياسي والإداري والاقتصادي، وهي الحاضنة الأهم لأكبر تجمع سكاني، يجمع مختلف تلوينات الطيف القومي والديني والطائفي، وهي فوق ما تقدم المركز الرئيس للنظام بأجهزته العسكرية والأمنية، وهذا بعض ما يؤشر إلى خطورة النتائج، التي تترتب على مجريات وتطورات أحداث دمشق.
إن الحجة الأساسية لما يقوم به النظام من عمليات عسكرية – أمنية في دمشق كما في محيطها، يستند إلى ذريعة مواجهة «الجماعات المسلحة» و«الإرهابيين» الذين لا يتعدى عددهم المئات، كما تشير معلومات يجري تداولها في أوساط رسمية. وهي ذريعة لا تغطي الهدف الرئيس للعملية، وهو إعادة إحكام السيطرة على مدينة بأهمية دمشق بعد أن ذهبت إلى الأبعد في مخالفة النظام، وتأييد معارضيه على نحو عام من خلال عدة مؤشرات، من بينها توسيع انتشار المظاهرات وشمولها أكثر أحياء المدينة، ثم انخراط فعالياتها وأسواقها في حركة الإضراب العام، حيث تكررت عمليات إغلاق أسواق دمشق كليا أو جزئيا في الآونة الأخيرة، وفوق ذلك قيام دمشق باحتضان النازحين إليها من الريف والمناطق الأبعد ومساعدتهم، والأهم مما سبق ظهور نزوع لدى قطاعات دمشقية بتأييد واحتضان «الجيش الحر»، وكلها مؤشرات، تؤكد خروج المدينة من تحت سيطرة النظام، وتوجهها نحو مسار جديد في مناهضته، وهذا هو السبب الرئيس لقيام النظام بشن الحملة العسكرية – الأمنية الواسعة والهادفة إلى إرجاع دمشق إلى بيت الطاعة، بعد أن كان قد استمر في السابق على عمليات محدودة في بعض أحياء دمشق الساخنة.
غير أن العملية العسكرية – الأمنية في دمشق بوصفها عملية إخضاع للمدينة وإعادة للسيطرة عليها، لها نتائج أخرى، قد يكون الأهم فيها، أنها نقلت الصراع بين السلطة ومعارضيها من الأطراف إلى المركز، حيث إن دمشق مركز السلطة المعبر عن قوتها، لم تعد تحت السيطرة الكاملة للسلطات، بل إن سيطرة الأخيرة صارت موضع شك، وأن تلك العمليات التي استهدفت كل الأحياء، سوف تؤثر في تغيير مواقف بعض «المحايدين» والانتظاريين من سكان دمشق، وهي ستؤثر على موقف بعض أنصار النظام ممن سقطت أو سوف تسقط القذائف فوق رؤوسهم، لأن القذائف عمياء، لن تميز بين الذين تسقط على بيوتهم وممتلكاتهم باعتبارهم مؤيدين أو معارضين.
وصيرورة دمشق تحت خط النار، خلقت ظروفا معقدة في المستوى الداخلي ولا سيما في علاقة السلطة بالشعب، وفي علاقات الفئات السورية المختلفة مع بعضها. لكن تلك الصيرورة، فرضت وتفرض تداعياتها في المستوى الخارجي، ذلك أن ما حصل ويحصل في دمشق يترك أثره على مكانة النظام وعلاقاته الخارجية، خاصة لجهة ظهور النظام بمظهر المرتبك المتوحش وغير القادر على بسط سيطرته على المدينة التي تتمركز فيها قوته، وهو من جهة أخرى يتعرض لاهتزاز في صورته وسياسته، وكانت طليعة الآثار على هذا المستوى انخفاض قيمة العملة السورية اعتبارا من اليوم الأول لاشتباكات دمشق، وتدفق موجات اللاجئين السوريين إلى لبنان بالتزامن مع تدفقات مماثلة إلى تركيا والعراق والأردن هربا من القتل والدمار، وكلاهما في جملة عوامل تتفاعل يمكن أن تمهد لحرب إقليمية، لا شك في أن سوريا حاضر أساسي فيها، مما يعني أن صيرورة سوريا تحت خط النار، تدفع البلاد نحو انفجار داخلي من جهة ودخولها حربا إقليمية من جهة أخرى.
المصدر : الشرق الأوسط
ياسر الزعاترة
إلياس حرفوش
طارق الحميد
برهان غليون
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة