وفاء راشد الدباس
تصدير المادة
المشاهدات : 2841
شـــــارك المادة
بينما تواجه منطقة الشّرق الأوسط مخاض الرّبيع، وقد اكتست ملامح سياساتها بالحيرة والارتباك، نجد أنّ القوى العظمى في العالم قد عكفت على تطوير خططها الإستراتيجيّة في محاولة منها للهيمنة على تلك الثّورات تحت غطاء مناصرة حقوق الشّعوب. وبينما الغرب يخطّط نجد أنفسنا في المقابل نتخبّط تاركين له المجال ليشرع أوراقه ليهندس سياسة أهمّ منطقة إستراتيجيّة وحيويّة في العالم، محاولة منه لاحتواء ثوراتها، وبالتّالي الهيمنة على ثرواتها.
فإلى متى نظلّ ندور نحن العرب في حلقة مفرغة منسحبين من مسرح أحداثنا؟ ومتى نرفع أعيننا كي نرى الواقع بطريقة خالية من الضّبابيّة؟ إنّ هناك أمورًا يتوقع حدوثها في المستقبل القريب، ومن أهمّها حدث سيكون له تداعياته الحادّة علينا، فما هي الخطوات والإجراءات التي يجب علينا اتّخاذها اعتمادًا على أنفسنا لا على ما تمليه علينا الوصاية الخارجيّة؟ .. إنّه انهيار النّظام السّوريّ! فكل متأمّل في الأحداث يدرك أنّ من أولويّات استعادة التّوازن في منطقة الشّرق الأوسط هو دعم الثّورة السّوريّة والإسهام في إنجاحها بكلّ قوّة وبأسرع وقت، خشية أن تقوى شوكة النّظام السّوريّ الذي بات قاب قوسين أو أدنى من السّقوط.
ولا أبالغ إن قلت بأنّ لهذا الحدث تداعيات كبيرة ليس على منطقة الشّرق الأوسط فحسب، بل سيتجاوزه ليؤثّر على التّوازن بين القوى بين الدّول العظمى، فإن كانت سوريا لا تمتلك الغاز والنّفط الذي يسيل له لعاب الغرب والشّرق، فإنّها ذات موقع إستراتيجي يجعل الدّول الكبرى تتهافت
عليها. وإن كان سقوط النّظام السّوريّ بأيّ شكل كان، سيعيد تشكيل الشّرق الأوسط بطريقة تعزّز مصالح دول الخليج، ويشكل ضربة قويّة لهلال إيران الممتدّ من طهران مرورًا ببغداد ودمشق وانتهاء ببيروت، إلاّ أنّه لا يكفي بمفرده لاستعادة التّوازن الذي اختلّ بسقوط ألدّ عدوّين لإيران: صدام حسين وطالبان؛ إذ لا بدّ من عمل دؤوب لاستعادة التّوازن كما كان عليه قبل عام 2001. بعد سقوط النّظام السّوريّ، ولكي نستعيد التّوازن كاملاً، ونتجنّب المزيد من الخسائر السّياسيّة التي يجنيها علينا دومًا موقفنا السّلبيّ المتهاون أمام الأحداث، والذي سمح لإيران أن تتجرّأ علينا باستغلالها كلّ ثغرة لا نقوم بسدّها لصالحها، فإنّه لا بدّ لنا من الاطّلاع على خريطة مناطق النفوذ
الإيراني جيّدًا واستيعابها حتى يتبيّن لنا أين الخلل، وأين الفراغ الذي تركناه لنبدأ فورًا بمحاولات مستميتة لسدّه.
ويجب أن ندرك أنّ الهلال الشّيعيّ وإن كان قد كُسر في دمشق، فلا يزال منتصفه قويًّا في العراق، وطرفه الآخر لايزال متماسكًا في لبنان بوجود حزب الله، الذي لن تعدم إيرن حيلة للتّواصل معه حتى في حالة سقوط النّظام السّوريّ. ولايخفى أن توازن القوى في الشّرق الأوسط قد مرّ بسلسلة معقّدة من التّغيّرات والاهتزازت البنيويّة في تركيبته وهيكليّته؛ لذا فإنّ استعادة توازنه يستلزم منّا وضع خطط مدروسة بعناية فائقة تراعي أنّ التّخلص من وصاية أمريكا شرط أساسيّ لاستعادة توازن متكافئ مع إيران لا يخضع للإرادة الصّهيونيّة. وبالطّبع فإن أمريكا لن ترضى بأن نتصرّف بعيدًا عن وصايتها، ولكن يجب أن نعي جيدًا أنّ لدينا نفطًا يجعلها تغضّ الطّرف عنّا إذا ما توفّرت الإرادة لدى القيادات السّياسيّة في منطقة الخليج لاستخدامه كسلاح يرغمها على احترامنا، فليس من المعقول أن تبقى سياساتنا مرتهنة للإرادة الأمريكيّة التي لا يهمّها سوى مصالحها وأمن إسرائيل! فلدينا ما يكفي من القدرات والإمكانيّات الذّاتيّة، التي نستطيع إذا استخدمناها بشكل صحيح أن نحدّ من نفوذ تلك القوّة الوهميّة التي صنعها الغرب ليجعل منها بعبعًا يهدّدنا فيه وقت يشاء. ثم إنّ استعراضات إيران العسكريّة وتحدّيها بل وتهديدها للقوى الدوليّة والإقليميّة، رغم افتقارها للكفاءة اللازمة لتنفيذ تهديدها ووعيدها، ما هو إلاّ نوع من ذرّ الرّماد في العيون لصرف النّظر عن داخلها الذي يعاني من اضطرابات حادّة تهدّد كيان نظام الملالي الذي فقد الثّقة عند قطاع واسع من النّاخبين الإيرانيّين . حال إيران كحال الدّول العربيّة؛ فجميعهم لا يستطيع أن يحمي سماءه من أيّ هجمة إسرائيليّة كانت أو أمريكيّة، ودولة لا تستطيع حماية سمائها لا تستحقّ مسمّى دولة، ناهيك عن إطلاق تهديدات عنتريّة وفرض نفوذ. إنّ استعادة التّوازن العام في المنطقة يتطلّب ما يلي: أوّلا- دعم الثّورة السّوريّة: سوريا دولة محوريّة في المنطقة، وكان لانحيازها الواضح لإيران أثر قويّ جدًّا في ميل كفّة ميزان القوى لصالح إيران، حتى قامت ثورة الشّعب السّوريّ التي جعلت ملالي إيران يهرعون بكلّ قوّتهم للدّفاع عن نظام الأسد عمليًّا بالمال والرّجال والسّلاح والخبراء العسكريِّين والأمنيِّين.
ومع ذلك استطاع الشّعب السّوريّ الصّمود أمام ما لا يستطيع الصّمود ضدّه شعب غيره؛ فبات نظام الأسد يترنّح بين انهيار اقتصاديّ وانهيار عسكريّ، ولم يتبقَّ إلاّ أن تُسدّد له لكمة قاضية تُسدّد إليه بقبضة اليد لا باللّسان، كما يحدث الآن. إنّ دعم الجيش السّوريّ الحرّ بالمال والسّلاح هو السّبيل الوحيد لتوجيه تلك اللّكمة القاضية؛ فهذا الجيش الذي كبّد الجيش السّوريّ النّظاميّ تلك الخسائر الفادحة بإمكانياته البسيطة كفيل بأن يسدّد لكمة كهذه إذا ما تلقّى الدّعم المطلوب.
ثانيًا- استعادة التّوازن داخل العراق: لا يخفى على أحد أنّ موازين القوى بين السّنة والشّيعة داخل العراق نفسه قد اختلّت كثيرًا بعد احتلال أمريكا للعراق، ومع ذلك فإنّ تواجدها فيه كان يفرض نوعًا من التّوازن المعقول، ولكن بعد انسحابها أصبح الميزان راجحًا بوضوح لصالح الشّيعة على حساب العرب السّنة والأكراد. إنّ خلق التّوازن داخل العراق يُناط به جزء كبير من مهمّة تحقيق التّوازن الاستراتيجيّ العامّ في المنطقة، لذا يتوجّب علينا أن نوليه عناية خاصّة وعملاً دؤوبًا لا يعرف الكلل والملل له سبيلا. ولتحقيق التّوازن المنشود داخل العراق، لا بدّ لنا من دعم العرب السّنة بكافّة أنواع الدّعم المادّيّ خاصّة والسّياسيّ عامّة، ثم نخلق تحالفًا استراتيجيًّا بينهم وبين الأكراد السّنّة، ليتمكّنوا جميعًا من الوقوف ندًّا للشّيعة ولمدّ إيران الذي التهم العراق.
وبالطّبع فإنّ محاولة إحداث التّوازن داخل العراق لن تتمّ بدون عراقيل إيران وشيعة العراق، ولكن لا بدّ لنا من خوضها إن أردنا أن ننعم بمستقبل سياسيّ آمن تكون لنا فيه سيادة نفرضها بقوّتنا الذّاتيّة بعيدًا عن الوصاية الأمريكيّة أو الإيرانيّة. ثالثًا- استعادة التّوازن داخل لبنان: لحسن الحظّ أنّ استعادة التّوازن في لبنان ليس بصعوبة استعادته في العراق؛فقد يحصل بشكل طبيعيّ بسقوط النّظام السّوريّ الذي يعتبر حلقة الوصل بين حزب الله و إيران. ومع ذلك لابدّ من تقوية جبهة السّنة بدعمهم سياسيًّا وماديًّا ومعالجة كافّة الاشكاليّات بينها وبين بقية الطوائف هناك عن طريق حوار جادّ تستضيفه السّعوديّة. رابعًا- السّيطرة على الطّوائف الشّيعيّة في دول السّنة: يجب أن لا نغفل عن قضيّة وجوب قطع علاقات الطائفة الشّيعيّة داخل الدول السّنيّة عن إيران، حتى لا يكونوا عامل ضغط تستغلّه إيران وتحرّكه وقت تشاء. وهذا القطع لن يكون إلاّ بحوار جادّ تتمّ فيه مناقشة متطلّبات المواطنين الشّيعة، والتي دفعتهم لبيع ولائهم لإيران ضدّ دول يحملون هويّاتها، فإن كانت طلبات مدنيّة محقّة، فيجب تنفيذها لهم، وإن كانت متطلّبات تخلّ بسيادة البلاد ومعتقدات عامّة أهلها فيجب إقناعهم بذلك، وإن أصرّوا
عليها كان لزامًا على الدّولة القيام بواجبها كحافظة للأمن والسّيادة. خامسًا- الاتّحاد الخليجيّ: حقيقة لا أعلم ما الذي يمنع تحقيق الاتّحاد الخليجيّ حتى الآن، فقد ثبت عمليًّا وخلال عشرات السّنين أنّ التّحدّيات التي تواجه دول الخليج واحدة والمخاطر واحدة والأعداء واحدة وتحدّيات المرحلة المقبلة واحدة! إن كان أهل الدّين والعرق والقبائل المتنافرة اتّحدوا، فلماذا لا يتّحد أهل الدّين الواحد والعرق الواحد بل والقبائل الواحدة، ليكونوا جبهة واحدة، ورأيًا سياسيًا واحدًا وموقفًا واحدًا ضدّ كلّ طامع بهم. وكم يتمنّى مواطنو دول الخليج أن يأتي اليوم الذي يستطيعون فيه حماية مصالحهم الاستراتيجيّة دون انتظار عون من أحد، وهذا لن يكون إلاّ بإقامة اتّحاد كونفدرالي على غرار الاتّحاد الأوروبيّ، ممّا يضمن لها القوّة والسّيادة، ويجعلها في مستوى القدرة على الرّيادة وصنع القرار على الصّعيد العالميّ، فلِمَ الانتظار؟! سادسًا- تحالفات إستراتيجيّة: يجب عقد تحالفات عسكريّة اقتصاديّة إستراتيجيّة بين دول الخليج وبين كافّة الدّول العربيّة وتركيا وباكستان إن أمكن، بحيث يتمّ فيه اعتبار أيّ اعتداء على إحدى دول الحلف اعتداء على الجميع، أيًّا كانت أسباب ذلك الاعتداء.
سابعًا- إشغال إيران بقضاياها الداخليّة:
عرب الأحواز هم إخواننا من العرب الأقحاح يعتنقون المذهب السّنيّ، احتلتهم إيران منذ زمن بعيد، وهم كرت نستطيع تحريكه في أيّ وقت عن طريق دعمهم للمطالبة بحقوقهم داخليًّا، ونحن بدورنا نقوم بتحريك قضيّتهم على المستوى الدّوليّ سياسيًّا وإعلاميًّا، ممّا سيكون له دور كبير في نصرتهم وفي إشغال إيران بنفسها وبقضاياها الدّاخليّة، كما نستطيع دعم الحركات التّحرّريّة داخل إيران و التي تطالب بالإطاحة بحكم الملالي . وختامًا .. لا بدّ أن ندرك أنّ ما زرعناه بالأمس من إهمال ولا مبالاة تجاه قضايانا الملحّة، نجنيه اليوم ضعفًا وهوانًا على الأمم؛ لذا يتعيّن علينا أن نتدارك أمرنا، ونرتقي بطريقة تعاملنا مع الأحداث لنجعل من مستقبلنا السّياسيّ مستقبل عزّ وسيادة ومنعة.
وكم آمل ألاّ يتعاطى العالم الإسلاميّ والعربيّ مع هذه الأحداث الجسام ببرود، وكأنّها أحداث عابرة، بل يجب أن نضع في حسباننا جميعًا أنّها مرحلة تقرير مصير، ومعركة بقاء لا تعترف إلاّ بالقوّة والدّهاء.
المصدر: المركز الإعلامي السوري
منذر الأسعد
العصر
شريف عبد العزيز الزهيري
محمد بسام يوسف
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة