..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

مشروع الأمة الإسلامية بين المشاريع الوظيفية والمشاريع الطائفية

حاكم المطيري

٢٧ يونيو ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 7288

مشروع الأمة الإسلامية بين المشاريع الوظيفية والمشاريع الطائفية
Hakm.jpg

شـــــارك المادة

كشفت الثورة العربية عموما، والسورية منها على وجه الخصوص، أبعاد الأزمة التاريخية التي تعيشها الأمة، والواقع السياسي الخطير لدويلات الحملات الصليبية في المنطقة العربية، التي أقامها - ورسم حدودها وحمى أنظمتها الممسوخة - الاحتلال البريطاني والفرنسي والإيطالي على أنقاض الخلافة.

 

 

حيث تتعرض الأمة منذ سقوط الخلافة مطلع القرن الماضي للاستلاب السياسي والمادي والروحي والحضاري، فإذا هي - بعد قرن من الاستعمار الغربي والمقاومة وحروب التحرير – أحجار على رقع الشطرنج، وأصفار على اليسار في المشهد السياسي الدولي، حتى لم يعد للعالم الإسلامي بكل دوله وشعوبه قدرة على إيقاف المذابح المروعة التي يتعرض لها الشعب السوري على يد العصابات الباطنية الإجرامية، وإذا حوادث التاريخ التي يقصها المؤرخون ولا يصدقها المعاصرون، تراها مشاهدة العيون، وتتناقلها وسائل الإعلام بالصوت والصورة، ويشاهدها العالم المذهول من هول ما يجري!

لقد عجز مليار ونصف مسلم، ثلثمائة مليون عربي، عن مد يد الغوث للشعب السوري، كما عجز قبل ذلك عن إنقاذ الشعب العراقي من حرب استعمارية كبرى ذهب ضحيتها ملايين الأبرياء، وكانت الدول العربية الوظيفية نفسها هي القواعد التي انطلقت منها جيوش الاحتلال الهمجي، من مصر والخليج والجزيرة العربية والشام الخ! فإذا قصة الحملات الصليبية يعاد روايتها من جديد لا في قاعات المسارح، بل على أرض الواقع المشاهد والبث الإعلامي الحي، وإذا العدو يجوس خلال الديار بين دويلات العرب الوظيفية والطائفية لا في الأندلس، بل في الشام والعراق وجزيرة العرب، فلا يجد من يحول بينه وبين بغيته، بل يجد من جماعات أبي رغال وشيعته في كل بلد من يمهد له الطريق، ويتطوع في جيوشه، ويفتح له أرضه، على حساب الأمة ودماء شعوبها المسفوكة، وثرواتها المنهوبة، ومقدساتها المسلوبة!

لقد كشفت الثورة السورية حالة الضعف العربي، وكيف يتداعى العالم على الأمة كما تتداعى الأكلة على قصعتها، وإذا العرب بكل دولهم وثرواتهم لا يستطيعون دفعا ولا رفعا، بل ينتظرون قرارا روسيا أو صينيا أو أوربيا أو أمريكيا أو إيرانيا، ينقذ الشعب السوري! هذا والدول العربية تمثل أكثر من عشرين دولة، تمتد من الخليج إلى المحيط، على مساحة 14 مليون كلم، والأمة من ورائهم تعدادها مليار ونصف المليار، وهو ما يفوق جغرافيا وديمغرافيا تلك الأمم كلها!

لقد جاءت الثورة العربية للإعلان عن نهاية عهد الظلم والاستبداد، فإذا العدو الغربي ودوله الوظيفية، والعدو الشرقي ودوله الطائفية، يقف للشعوب العربية بالمرصاد، ليحول بينها وبين حريتها ووحدتها، وليعمل جاهدا على أن تظل الأمة حتى في ظل الثورة تعيش في كنف مشروعه منذ سايكس بيكو، في دول عربية وظيفية، مهما اختلفت أنظمة الحكم فيها!

فالنظام الدولي الاستعماري لا يهمه أن يذهب العلمانيون والقوميون العرب ويأتي الإسلاميون الجدد، ما دامت الدول العربية الوظيفية نفسها قائمة بدورها المرسوم لها منذ سقوط الخلافة وإلى اليوم، وها هي الثورة اليمنية يراد لها من خلال تدخل الدول العربية الوظيفية والجماعات الإسلامية الوظيفية، تتحالف مع العدو، وتعقد الصفقات المشبوهة مع سفراء أمريكا، على حساب الأمة وحريتها وسيادتها، ليظل الطيران الأمريكي يقصف الشعب اليمني في مدن اليمن وفي ظل الثورة!

وهو ما يكاد أيضا للثورة المصرية، ليظل النظام الحاكم منذ كامب ديفيد نظاما وظيفيا وإن كان إسلاميا على نمط حكومة السودان التي قدمت للغرب من الخدمات الوظيفية ما لم يقدمه العلمانيون العرب!

لقد أصبحت الأمة اليوم - في ظل غياب (مشروع الأمة) - ضحية مشروعين عدوين يتصارعان عليها تارة، ويتفاهمان تارة، المشروع الغربي الصليبي الاستعماري وتصطف خلفه الدول العربية الوظيفية التي صنعها الغرب على عينه منذ سايكس بيكو وإلى اليوم، والمشروع الشرقي الروسي (الأرثوذكسي ثم الشيوعي) وحليفه الصفوي الذي جعل من إيران منذ أربعة قرون وإلى اليوم خنجرا في خاصرة العالم الإسلامي، حيث كان لتحالف روسيا القيصرية مع إيران الصفوية أكبر الأثر في وقف فتوحات الخلافة العثمانية في أوربا، وفتح الطريق أمام العدو لاحتلال العالم الإسلامي، بعد سبعة قرون من استعادة الأمة لوحدتها، ونهضتها من كبوتها، بعد الغزو المغولي الهمجي، كما عبر عن ذلك المفكر الإيراني علي شريعتي، في كتابه (التشيع الصفوي ص 263) حيث يقول (إن التشيع الصفوي ظهر وتحالف مع القوى الصليبية والبرجوازية العدوانية في أوربا لضرب القوة الإسلامية الوحيدة التي كانت تتصدى لهم ولو باسم الإمبراطورية العثمانية، وقد كانت الضربة التي وجهها التشيع الصفوي بمثابة طعنة في الظهر، تجلت على شكل لقاءات مشتركة بين السلاطين الصفويين وسلاطين أوربا الشرقية تمخضت عن اتفاقيات ومخططات للقضاء على العدو المشترك للمسيحية الغربية والتشيع الصفوي والمتمثل آنذاك بالدولة العثمانية)!

لقد ظلت النفسية الطائفية تعاني أزمة تاريخية منذ تحالفها مع الغزو الوثني المغولي للمشرق الإسلامي، حيث استنفرت الأمة كلها لمواجهته حتى تحطم على أطراف الشام على يد السلطان قطز في عين جالوت، بينما تحالف الباطنيون الطائفيون مع هولاكو حين احتل بغداد!

ثم تجلت تلك النفسية الحاقدة على الأمة وحضارتها وتاريخها في الدولة الصفوية التي جعلت من تلك الأحقاد والضغائن الشعوبية فلسفة دينية ومشروعا سياسيا، عزز الفصل بين الشعب الإيراني العظيم وأمته، كما عبر عن ذلك علي شريعتي في كتابه (التشيع الصفوي ص141) حيث يقول عن طبيعة الدولة الصفوية وحقيقة دعوتها في إيران (كان الهدف هو إضفاء طابع مذهبي على الحالة القومية، وبعث القومية الإيرانية تحت ستار التشيع، وتمت عملية فصل الشعب الإيراني عن جسد الأمة الكبير... ومن هنا نجد أن الشيعي الصفوي قد يبقى متمسكا بالإسلام إلا إنه في الوقت ذاته يزاول أعمالا من شأنها أن تقطع جميع أواصر الأخوة مع باقي المسلمين.. وهكذا أوجد التشيع الصفوي مع القومية الإيرانية حركة جديدة ونجم عنهما (تشيع شعوبي) و(شعوبية شيعية))!

وقد عانى المسلمون عامة والعرب خاصة منذ قيام الدولة الصفوية في إيران سنة 907ه حروبا دموية، وكانت بغداد والعراق أول ضحاياه في القرن الحادي عشر الهجري، ثم القرن الثاني عشر، ثم التفاهم مع الاحتلال البرتغالي للخليج العربي، ثم التفاهم مع الاحتلال البريطاني، ثم كان الشاه شرطي الغرب الاستعماري مدة نصف قرن في الخليج العربي، ثم ها هي إيران بحسها الطائفي تتفاهم مع الاحتلال الأمريكي في أفغانستان والعراق، وتقف خلف جرائم النظام الإجرامي العلوي في سوريا، وإذا إيران الصفوية هي إيران الصفوية، مهما اختلفت أنظمة الحكم فيها ملكية أو جمهورية، علمانية أو دينية!

وها هو المشهد اليوم يتكرر فإذا الأمة كلها من خلال دولها الوظيفية والطائفية تصطف إما خلف المشروع الغربي الصليبي، أو المشروع الشرقي الروسي والصفوي، ويصطف خلف كل معسكر أبواقه من رجال الدين والسياسيين والمفكرين! دون أن يكون للأمة مشروعها السياسي، وهو ما يجعل من استعادة مشروع (الأمة الواحدة والخلافة الراشدة)، طوق النجاة، والطريق الوحيد للخروج من هذا التيه، كما بشر به النبي صلى الله عليه وسلم (ثم تعود خلافة على منهاج النبوة)!

 

المصدر : موقع الشيخ الدكتور حاكم المطيري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع