..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

مكاسب من عقارب الزمن يعول عليها النظام

أبو عبد الله عثمان

١٣ مايو ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3226

مكاسب من عقارب الزمن يعول عليها النظام
5.jpeg

شـــــارك المادة

في الأشهر الأولى تعامل النظام مع الثورة باستخفاف.. وهو مطمئن على وحشية سلطته الأمنية التي سرى رعبها في عروق أبناء شعبه الخانع.. ثم بدأ يشعر أن هذا الشعب لم يعد ذاك الذي عهده.. بعد أن هز هدير هتافه تلك المرتفعات الجبلية التي صمدت عشرات السنين في الولاء لعروش الأشباح التي تحيط من ذات اليمين وذات الشمال حول كل مواطن وتظهر له في جنح الليل ووضح النهار، وتربِّت على كتفه بكل حنان ورعب راضية عما في قلبه من خنوع.. ثم شعر هذا النظام أنه لم يعد حقاً يرى تلك القطعان التي تطأطئ رأسها للأسد، بل بدأ يشعر -وهو الأسد- أن تلك الغابة اكتشفت أن قطعانها جموع من الأسود كان قد خدعها قط قد تنكر بصوت أسد..


في هذه المرحلة تجلت ثعلبية القيادة وتجلى المكر والخداع واضحاً، وذلك بدءاً من تعاملها مع بعض الوجهاء الذين قبلوا لأنفسهم لقاء رأس العصابة، ولا أدري بعد ما هي الفائدة التي كانوا يتوقعونها منه بعدما بدا بوضوح حلُّه الأمني الدموي في تعامله مع الثوار، وقد ظهرت وقتها أصوات كثيرة ترى أن تلك اللقاءات هي مجرد مسرحيات مخادعة يراد للوجهاء أن يكونوا أحجاراً في رقعتها، حيث اتضح فعلاً مؤخراً أنها كانت بداية مسلسلات المهل والفرص ولكن عن طريق التخدير والالتفاف على أولئك الوجهاء الذين لم يكن جلهم على أي صلة بالقيادة سابقاً، فكانت هي حركة أثبتت لبعض هؤلاء أن القيادة جادة في النزول اليوم للحارات ووجهائها بعد أن كانت في برجها العاجي.
تشابكت بعدها وحتى اليوم عقارب الزمن مع مجنزرات وهدير المصفحات، حتى بدا وكأن تلك المصفحات تدور محركاتها مع دوران ساعات المهل، فكانت من أولها مهلة الخمسة عشر من تركيا ثم أخرى من نبيل العربي حتى تمكن النظام من جمع أدوات إقناع الدول بإمداده بالفرص والمهل ما بين شد من دولة وإرخاء من أخرى، على جسور متنوعة على رأسها إنقاذ النظام وقد يكون منها الانخداع به وليس الغباء بعيداً عن أن يكون أشدها.
سأحاول أن أفكك ذلك اللغز في تلك العقارب التي يعول عليها ذاك النظام الذي سقط دولياً وعربياً وشعبياً؛ لعل في تفكيك ذلك اللغز تفكيكٌ لكثير من بعض الأزمات التي قد يعاني منها الشعب الثائر المحاصر ليكون على تيقظ من خطط تلك الثعالب الماكرة القاتلة:
- إنه يعول على الوقت لعل الزمن يفسح له المجال ليعتقل الناشطين أو يقتلهم ليجد الشعب نفسه في ثورة ليس فيها من مصور ولا خبير شبكة وبث وإرسال، فيجد الشعب نفسه وقد عاد إلى عصر من التعتيم فلا يجد لمظاهراته وثورته الصدى فتتراجع همته ويعود إلى بيته. وهذا لن يحصل -بإذن الله- لأن على ذاك النظام الغبي أن يعلم أن في هذه الأشهر التسعة قد دخل النت إلى كل بيت وتعلم الجميع التصوير والبث وحتى الأطفال، بل إنه لم يعد أحد في هذه البلد إلا وله صفحة على الشبكات الاجتماعية يمارس فيها حريته السياسية بخبرة وإرادة. فلم يعد اليوم نشطاء فكل الشعب نشيط، ولم يعد خبراء فالكل غدا خبيراً، ولم يعد ثمة أبطال لأن معنى البطولة ارتسم على كل شاب وفتاة وطفل وشيخ وامرأة من هذا الشعب الثائر.
- إنه يعول على الوقت لعل ذاك المناخ الدموي والمشحون يخلق بين الطوائف حرباً تحصد الأغصان والشبان، وتسيل في تلك الحقول سيول حمراء تجرف معها الثورة والاحتجاجات، وتدفن الحرية في غياهب الركام، لكن الشعب والشباب كان صاحياً -بفضل الله-، فتجده متقدماً لفضح أي محاولة طائفية من النظام ووأدها وكشف أهدافها، وقد كان مجموعة من شباب طائفة النظام أيضاً متعاونين في سد مثل تلك الألاعيب، فتخرج أصواتهم الخافتة بحذر لما يعلمونه من أن كثيراً من زعامات طائفتهم قد انطلى عليهم إيحاء النظام لهم أن مستقبلهم مهدد بالويل والعويل والدماء في حال سقطت عائلة النظام.
- إنه يعول على الوقت لعل الشعب بعد كل هذه المجازر والوحشية والتعذيب والاغتصاب وقتل الأطفال والنساء يتفتت عزمه ويرفع لواء الاستسلام مفاوضاً في العودة راضياً ببعض التنازلات من النظام يائساً من زعزعة العائلة الدموية الحاكمة متقبلاً لبقائها، وهذا يستحيل أن يحدث أيضاً -بإذن الله-، فإن الكون وسنن الخالق فيه ثابتة مع الظلمة والمظلومين، ولن يرضى شعب اشتم رائحة الجنة في جهاده وكفاحه أن يعود إلى جحيم السُبات مهما كلفه من أثمان.
- إنه يعول على الوقت لعل ما يراه من التسليح والجيش الحر والتطوع في الجيش الحر يتحول إلى فصائل تتنازع وتتخالف، فهو يعلم أن شعبه لم يعتد يوماً على التنظيم ولم يدرس يوماً القيادة ولم يجتمع يوماً على نضال.. فهو ذلك الشعب الذي كانت تنهشه الجزئيات والتحزبات الدينية والمسميات، وهو ذلك الشعب الذي تمزقه خلافات بين المتدينين تصل بهم إلى معارك طاحنة وشحناء حاصدة، وهذا لن يكون -بإذن الله-، فإننا -أيها النظام- اليوم في رغد من التعايش لم نكن لنصل إليه لو عشنا دهراً آخر وخمسون سنة أخرى في حجرات قمعك.. فلقد وقف اليوم السني مع النصراني والنصيري في صف واحد من مظاهرة يظللها علم الاستقلال ويرفرف فوق رؤوسهم.. ولقد جلس اليوم الصوفي مع السلفي مع الإخواني مع التحريري… وجمعتهم همومهم الكبرى وأدركوا في لحظة ثورية واحدة أن ما كان يفرقهم ليس إلا فرعيات وشكليات قد توسع الشرع في إفساح الدوائر لاستيعاب أصحابها واحترام آرائهم وإعذارهم(1).. بل إنا نجد اليوم في تلك المجموعات ابتكارات رائعة في التخطيط لثورتهم وضبط خلافاتهم والاحتكام إلى شورى ومجالس تجمعهم، فلا إقصاء لمخالف ولا فرضاً لرأي أحد ولا تسلط ولا استخفاف برأي أو شخص أو عمل أو جهود، بل إن روح الاحترام والتقدير والتفاني والأخوة تسود بين كل المجموعات، وظلال الحب والإيمان والفداء تورف على قلوبهم من بين أزيز الرصاص ودخان المدافع، فلقد طغت اليوم أنات الثكالى وصرخات اليتامى ودماء الأطفال والأبرياء على صوت كل من يحرك بذور الخلاف أو يعكر صفو الثورة والعمل في نصرتها.
- إنه يعول على الوقت لعله تظهر في هذه الثورة أطراف قوية من متشددين أو قاعدة أو أحزاب أخرى يقنع بها المجتمع الدولي وإسرائيل أن تطرفاً مخيفاً متشدداً سيخلفه إثر سقوطه، قد يكون ممانعاً حقيقياً ضد إسرائيل أو قد يكون إسلامياً يغلق بيوت الدعارة ويعكر صفو السياحة، وقد نسي أن هذه الثورة لن يقدر حزب أو جماعة أن تقودها، فهي تسير -بفضل وقوة من الله تعالى- بامتداد شعبي واسع لا تختصره المسافات ولا الحدود ولا الأحزاب، وقد نسي أيضاً أن هذا الشعب لن يعود بعد اليوم إلى بيته حتى يكون هو من يقرر من يحكمه بأصوات الجماهير الشعبية لا بأصوات الفئات والأحزاب.
ــــــــــــــــــ
(1) الصحيح: أن يقال: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ونتناصح ونتحاور فيما اختلفنا عليه، فما كل خلاف يجب الإعذار فيه، فالخلافات على نوعين: خلاف تضاد، وخلاف تنوع، فالأول مرفوض وهو محل المفاصلة والمفارقة، والثاني مقبول؛ وهو -كما أشار الكاتب- قد توسع الشرع في احتواء أصحابها، واجتهاداتهم. (نور سورية).

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع