حسان القطب
تصدير المادة
المشاهدات : 3239
شـــــارك المادة
عند بداية الانتفاضة السورية المباركة العام الماضي تعامل معها النظام السوري وأتباعه في لبنان بخفة ورعونة، وبدا الحديث يتصاعد عن موعد إخمادها والقضاء عليها، واستند النظام وأتباعه في لبنان إلى ثلاث تجارب قمعية سابقة، الأولى وقعت في مدينة حماة عام 1982، حين سحق نظام الأسد المدينة ومواطنيها بقوة السلاح وسط صمت وتجاهل المجتمع الدولي والعربي للجريمة الهمجية التي تجاوزت في حجمها حدود المنطق والعقل..
والتجربة الثانية وقعت في مدينة بيروت مرتين الأولى عام 1985، والثانية في عام 2008، حين أطلقت ميليشيا أمل وحزب الله العنان لعناصرهما إلى جانب الميليشيات المؤيدة لنظام سوريا بمؤازرته ودعمه المباشر للقضاء على ما تبقى من قوى فلسطينية في المخيمات الموجودة في بيروت وعلى القوى الشعبية اللبنانية المناهضة لنظام الأسد في بيروت، ووقعت حينها جرائم يندى لها الجبين، بحق المواطنين اللبنانيين، واللاجئين الفلسطينيين، ووقف العالم بأسره إلى جانب المجتمع العربي صامتاً بل شاهداً على شعبٍ برمته يضطهد ويحاصر وينكل به أسوأ ما يكون التنكيل.. والتجربة المريرة الثالثة حدثت حين دكت قوات النظام السوري تحت اسم وشعار القوى والأحزاب الوطنية في لبنان مدينة طرابلس اللبنانية مرتين الأولى عام 1983، لإخراج زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات (أبو عمار) من لبنان نهائياً.. والثانية حين قضت على حضور القوى الإسلامية في مدينة طرابلس التي كان يتزعمها حينذاك زعيم حركة التوحيد سعيد شعبان، قبل أن ينقلب لاحقاً ابنه بلال شعبان وأحد قادته إبان الحرب هاشم منقارة ويصبحا مؤيدين وتابعين للنظام السوري متجاهلين تضحيات آلاف الشهداء والجرحى الذين سقطوا في المواجهة مع جيش النظام السوري دفاعاً عن لبنان وطرابلس.. هذه التجارب والأحداث التاريخية سواء منها ما يتعلق بوحشيتها وقسوتها أو بما يرتبط بنتائجها وتداعياتها، إلى جانب هشاشة بل غياب رد الفعل الدولي والعربي على وحشيتها، جعلت النظام السوري وأتباعه وأعوانه يشعرون بالثقة، وبالقدرة على تكرار التجربة مرة أخرى وبنفس القوة لتثبيت قواعد النظام وتأمين ديمومته، ولوأد أية ثورة شعبية سواء كانت سلمية أو مسلحة طالما أن رد الفعل الدولي الرسمي والشعبي سوف يكون بهذه الصراحة والوضوح من عدم الجدية والفعالية والحزم. لذلك يمكن القول أن تعامل النظام السوري مع الانتفاضة الشعبية منذ انطلاقتها قد مر بثلاثة مراحل: - المرحلة الأولى: امتازت بعدم تسرع النظام السوري في التعامل مع الحركة الشعبية حين انطلقت في مدينة درعا وعلى الرد عليها بقوة، بل تعامل معها بدايةً بهدوء لثقته بأن تجارب المرحلة السابقة سوف تشكل رادعاً موضوعياً للقوى الشعبية السورية تمنعها من متابعة التظاهر والمطالبة بتحقيق الإصلاحات المنشودة، وذلك قبل أن يتحول الحراك الشعبي من المطالبة بالإصلاح إلى المطالبة بإسقاط النظام، واعتبر النظام السوري أيضاً أن استقرار وهدوء جبهة الجولان وثبات الوضع الأمني في لبنان يشكلان عاملي ضغط على المجتمع الدولي لتجنب دعم الانتفاضة أو مد يد العون لها مع تأمين استمراره في السلطة، ولكن عفوية الجماهير السورية وإصرارها على التظاهر المتواصل، والاستمرار في تنفيذ الحراك السلمي وحتى المسلح، قد أحرج المجتمع الدولي، كما كشف هشاشة المنظومة الأمنية لنظام الأسد القابض على السلطة في دمشق.. - المرحلة الثانية: بدأت حين شعر نظام الأسد أن الأرض قد بدأت تهتز تحت أقدامه، فبدأ الحديث من قبل الرسميين السوريين وإعلامه المحلي وذلك المتواجد في لبنان والعراق وإيران بالحديث عن قوة النظام وقدرته في حال تعرض استقراره واستمراره ووجوده للخطر على قلب المعادلات في وجه المجتمع العربي والدولي وعلى نقل الصراع من داخل سوريا إلى لبنان وتركيا وحتى الخليج العربي، وعن تعرض المنطقة العربية إلى موجة إرهاب واسع سوف تطيح بالاستقرار والنمو الاقتصادي المأمول، وإلى ضياع الربيع العربي المنشود، وسط انتشار الإرهاب ومجموعات الإرهابيين، حتى أن بعض أزلام النظام تحدثوا عن قصف تركيا والأردن والخليج وفلسطين المحتلة بآلاف الصواريخ، وعن نشر الفوضى في لبنان الخاصرة الضعيفة والرخوة لكل الأمة وليس لسوريا وحدها نتيجة وجود قوى مسلحة غير شرعية.. واستعمل النظام السوري وحزب الله في لبنان القضية الفلسطينية وأبناء المخيمات ودماء الشعب الفلسطيني وقوداً لمشروعهم هذا في ذكرى النكبة في 15 أيار/مايو عام 2011، حين وقعت مواجهات شعبية غير متكافئة مع قوى الاحتلال الإسرائيلي عند الحدود الدولية في الجولان والجنوب اللبناني، للدلالة على قدرتهم في زرع الفوضى والرعب وإحياء العمل المسلح، وذلك بالسماح للمنظمات الفلسطينية بالوصول إلى الشريط الشائك بعد منع استمر سنوات بل عقود في كلا البلدين.. ولكن شيئاً من هذا لم يحصل..؟؟ - المرحلة الثالثة: وهي التي نعيش تفاصيلها ووقائعها حالياً، وهي ربما ستكون الأخيرة قبل سقوط الأسد، حيث لجأ إليها النظام بعد فشل كافة أساليبه القمعية وبيانات الترهيب والتهويل من خطورة قادم الأيام وحالة عدم الاستقرار المقبلة على المنطقة برمتها وسوريا بالتحديد.. فكانت التفجيرات العشوائية في بعضها والأخرى الهادفة لبعض المراكز الأمنية في بعضها الأخر للإشارة إلى استهداف الثورة لمؤسسات الدولة وبنيانها إلى جانب استهداف المواطنين الأبرياء... وما يفضح هذا السلوك ويربطه مباشرةً بأدوات النظام وطموحه في تعطيل عملية نقل السلطة بشكل سلمي وهادئ وإلغاء المبادرة الدولية؛ هو أن الانتفاضة الشعبية التي تحولت إلى ثورة شعبية لاحقاً قد قامت في مواجهة ظلم وقهر المؤسسة الحاكمة ولوقف إجرامها والانتقال بسوريا إلى من مرحلة الشخص والعائلة والطائفة إلى بناء دولة سوريا الديمقراطية التعددية المنفتحة على البناء والتعاون مع دول الجوار لا على التدخل في شؤونها.. فلا يعقل أن تمارس الثورة بحق شعبها ما انتفضت لإلغائه.. لذلك فإن سلاح القتل العشوائي بالتفجير يتوافق تماماً مع ما تمارسه أدوات النظام حين يتم قصف المدن والقرى والبلدات السورية بشكل عشوائي ودون تمييز، وفي ممارسة سياسة قمع وخطف الناشطين والمتظاهرين وتصفيتهم جسدياً.. ودون شك هذا السلوك يدل على عجز نظام الأسد وأتباعه عن قمع الانتفاضة ووأدها وقدرة الإجهاز على روح الثورة المتعاظمة في نفوس أبناء الشعب السوري. وإلى جانب عجز النظام على إظهار قدرته في تغيير معادلات وقلب توازنات في المنطقة وداخل دول الجوار، فقد لجأ الآن مستخدماً سلاح التفجيرات العشوائية والإشارة إعلامياً ورسمياً إلى تنظيمات أصولية واتهام قوى إسلامية في محاولةٍ منه لزرع الخلاف بين مكونات الثورة وقواها الشعبية وإلى إقناع العالم بأن بديل بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان والمنطقة ليس إلا الفوضى والنزاعات والصراع بين الطوائف والمذاهب والإثنيات والأعراق المختلفة والمتنوعة وهذا الكلام لم يعد يقنع أحد بل هو دليل انهيار وإفلاس.. وللتذكير فقط فإن نظام الأسد كان قد رفض في آب/أغسطس من عام 2006، نشر مراقبين دوليين على الحدود اللبنانية السورية لمراقبة تهريب السلاح، أو بالأحرى نقل السلاح علانية من سوريا إلى حزب الله وبعض حلفائه في لبنان، متذرعاً بأن المراقبين لا ينتشروا بين دولتين شقيقتين بل بين دولتين متنازعتين، وهذا لا ينطبق على وضع دولتي لبنان وسوريا.. وما رفضه بشار الأسد بالأمس على الحدود قبل به اليوم داخل سوريا نفسها، وها نحن اليوم نشهد العناصر الدولية أصحاب القبعات الزرق يتجولون داخل سوريا متنقلين من مدينة إلى أخرى أمام أعينه شاهدين على عجز النظام عن ضبط عصاباته ووقف إجرامها، وعن قمع الثورة وقتل ثوارها على حدٍ سواء، مما يعني أن الأمور كما يبدو قد خرجت عن السيطرة..
لذا فإن وجود هذه القوات التي سيتزايد عددها مع الأيام ومع سرعة تفاقم الأحداث وتصاعد حدتها تؤكد على قرب تهاوي هذا النظام ومشروعه المحلي وراعيه الإقليمي، وأن التغيير لا بدّ سيقع في سوريا والمنطقة، وأن إجرام هذا النظام بحق شعبه ودول محيطه لن ينته ويتوقف إلا مع سقوطه نهائياً.. وأن تفجيرات دمشق الأخيرة ما هي إلا رسائل من نظام بشار الأسد إلى المجتمع الدولي يكتبها بدماء الشعب السوري..
المصدر: موقع بيروت أوبزرفر
حسين. ع
محمد جميح
مهنا الحبيل
بشير زين العابدين
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة