مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3573
شـــــارك المادة
الثورة السورية: خواطر ومشاعر (57) سمكة تشرشل وثورة سوريا
اجتاح الألمان بولندا في الأول من أيلول سنة 1939، وخلال الشهور اللاحقة سقطت هولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ والنرويج والدنمرك ودول البلقان وجميع دول أوروبا الشرقية في يد الجيوش الألمانية والإيطالية، وفي الثاني والعشرين من حزيران 1940 استسلمت فرنسا، ولم يبق سوى بريطانيا.
كانت كل التوقعات الألمانية تؤكد استحالة صمود بريطانيا وتشير إلى حتمية سقوطها، وقد شُنّت عليها حرب مدمرة من الجو طوال السنة اللاحقة، ولكن البريطانيين تشبثوا بمواقعهم واستماتوا بالدفاع عن جزيرتهم، واستطاعوا أن يبنوا قوتهم ببطء ومثابرة وأن يتقدموا على جبهات القتال شبراً بعد شبر ومتراً بعد متر، وصولاً إلى اليوم الذي تدفقت فيه قوات الحلفاء من الجزر البريطانية على البر الأوربي المحتل، يوم النزول على شواطئ نورمندي في السادس من حزيران عام 1944. لقد مضت أربع سنوات كاملة حافلة بالصبر والعمل الدؤوب والتقدم البطيء، وتحقق في النهاية ما بدا في البداية من المستحيلات، هُزمت ألمانيا. * * * بعد انتهاء الحرب بقليل شاعت بين الناس قصة رمزية تصوّر الطريقة التي انتصرت بها بريطانيا. قيل إن هتلر دعا تشرشل إلى لقائه في باريس بعد سقوط فرنسا مباشرة، وعندما وصل تشرشل بالطائرة اصطحبه مرافقوه إلى قصر مونتبلو حيث كان هتلر وموسوليني جالسَين إلى مائدة شاي قرب بركة السمك المشهورة. ولم يضيّع هتلر الوقت فبادر ضيفه قائلاً: عزيزي تشرشل، لقد انتهى الأمر؛ أوروبا كلها صارت في أيدينا أنا وموسو ولم يبقَ علينا سوى بريطانيا، وهذه وثيقة الاستسلام قد أعددتها لتوقّعها فتوفر على بريطانيا وعلى سائر أوروبا الدماء والدمار. فردّ تشرشل بهدوء: أعتذر منك حضرة الفوهرر؛ إن بريطانيا لم تخسر الحرب بعد. فصاح هتلر في وجهه وهو يضرب الطاولة بيده: هذا هراء، ألا ترى كيف اجتاحت جيوشُنا القارةَ بأكملها؟ إننا قادرون على تحطيم بريطانيا في ساعات. أنصحك بمراجعة قرارك والتوقيع عاجلاً غير آجل. فارتشف تشرشل عدة رشفات من كوب الشاي ثم قال باسترخاء: أقترح أن نلجأ إلى الرهان، ففي بلادنا نصنع ذلك لحسم خلاف من هذا النوع. هل تحب أن تراهنني، ومن يخسر الرهان يعترف بأنه خسر الحرب؟ فسأل هتلر متشككاً: وما هو الرهان؟ قال تشرشل: هل ترى تلك السمكات التي تسبح في البركة؟ لنتفق على أن من ينجح في الإمساك بواحدة منها دون الاستعانة بأي من أدوات الصيد المعروفة يُعتبَر فائزاً في الرهان. رد هتلر بحماسة: قبلت! ثم أخرج مسدسه من جرابه وأطلقه بحماسة على سمكة كبيرة أمامه، ولكن السمكة كانت أسرع من حركته فانثنت انثناءة سريعة دون أن تصاب بأذى وطاشت الطلقة في الماء. غضب هتلر والتفت إلى موسوليني صائحاً: هذا دورك يا موسو، لقد سمعت أنك سبّاح ماهر. خلع موسوليني قميصه وقفز إلى الماء، ولكنه أخفق في القبض على أي سمكة لأن السمك كان ينزلق من بين يديه باستمرار، فلما يئس خرج من البركة متعباً خاوي اليدين. فقال هتلر: هذا دورك يا تشرشل، أرنا ما تستطيع عمله. قام تشرشل عن مقعده بهدوء وهو يحمل في يده الملعقة الصغيرة التي حرّك بها السكر في كوب الشاي، فغمسها في البركة ثم أخرجها وفيها قليل من الماء فسكبه على الأرض، ثم كرر الأمر نفسه مرتين وثلاثاً فيما راح هتلر يراقبه مشدوهاً، وأخيراً نفد صبره فهتف فيه: ماذا تظن نفسك فاعلاً يا تشرشل؟ فرد تشرشل دون أن يتوقف عن نزح الماء: سوف يستغرق الأمر زمناً طويلاً، ولكن البركة ستفرغ آجلاً من الماء وتسكن السمكة فأمسك بها وأقدمها إليك. عزيزي الفوهرر: قد يطول الأمد، ولكن بريطانيا ستكسب الحرب. * * * قبل شهرين أصابت رصاصة غادرة أطلقها قَنّاص لئيم رجلاً يعبر الطريق في أحد أحياء حمص، فأصيب الرجل وسقط على الأرض ولكنه لم يَمُتْ، وحاول أصحابه أن ينقذوه بلا طائل، فقد أصرّ القناص المجرم على أن يقنص أي شخص يقترب من الضحية، وقد عرف الناس من قبل حالات بدأت بمصاب أو شهيد وانتهت بكومة من عدة شهداء بعضهم فوق بعض، فكلما حاول أحد منهم إنقاذ المصابين أو سحب الشهداء لحق بهم. أصيب الرجل وسقط على الأرض وجرحه ينزف، وعجز أصحابه عن إنقاذه فمات في اليوم التالي؛ قتله النزيف - رحمه الله -. يا ثوار سوريا الأبطال: لقد فجرتم ثورتكم المباركة –بإذن الله- قبل عام وشهرين فأصاب انفجارُها العظيمُ النظامَ بالجراح، فإنه ما يزال ينزف منها منذ ذلك اليوم إلى اليوم، وإنه لا دواء لنزفه ولا علاج إلا بتوقف ثورتكم، فإن لم تقفوها لم يقف نزفه، وإن لم يتوقف النزف فإنه ميت لا محالة. نعم، قد يطول الأمد، ولكن الثورة ستكسب الحرب -إن شاء الله-.
المصدر: الزلزال السوري
حسن الزومي
عامر البوسلامة
مؤمن مأمون ديرانية
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة