..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

روسيا والثورة السورية

طارق عثمان

٢٣ إبريل ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3423

روسيا والثورة السورية
16.jpeg

شـــــارك المادة

تمهيد:
الموجة الثورية التي اجتاحت المنطقة العربية منذ نهايات العام 2010م، استطاعت أن تحدث خلخلة لبنية النظام العربي؛ إذ نجحت في إسقاط نظام زين العابدين بن علي في تونس وبعده نظام مبارك في مصر ثم نظام القذافي في ليبيا، وكذلك نظام علي عبد الله صالح في اليمن.


وبالرغم من توفر ثمة شروط مجتمعية وسياسية مشتركة بين جميع الحالات والتي أسهمت في تشغيل الفعل الثوري إلا أنه تبقى لكل حالة خصائصها المميزة لها عن باقي الحالات؛ خصائص تتعلق بالوضعية الجيوسياسة لكل دولة، وبحسب تلك الخصائص تباينت الطرق التي بها سقطت تلك الأنظمة والصورة التي انتهت إليها الحالة الثورية، وكذلك جاءت تفاعلات القوى الدولية والإقليمية مختلفة من حالة لأخرى على حسب تلكم الخصوصية؛ فنظاما بن علي ومبارك قد سقطا بلا تدخل عسكري من الفاعل الدولي أو الإقليمي، أما النظام الليبي فقد سقط بتدخل عسكري صلب من قبل حلف الناتو ومن ورائه الولايات المتحدة، بينما سقط النظامي اليمني بتدخل سياسي من قبل الفاعل الإقليمي المتمثل في دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها العربية السعودية، ومن خلفها الفاعل الدولي متمثلاً في الولايات المتحدة.
- الاستعصاء السوري: مركب أزمات الداخل والخارج:
تمثل الحالة السورية في تفاعلاتها الداخلية والخارجية نموذجاً لتلك الخصوصية؛ إذ انقضى ما يزيد عن عام منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011م وما زالت الحالة الثورية لم تبرح مكانها في معركة تكسير عظام بين الشعب الثائر ونظام الأسد الذي شغل آلته العسكرية في سحق المعارضة الثورية، وثمة عوامل تفسر هذا "الاستعصاء" السوري:
عوامل متعلقة بالتركيبة الديموغرافية للمجتمع السوري؛ حيث تتوزع على عدد لا بأس به من الطوائف مسلمين 77% و 10% علويين و 3% دروز و 1% إسماعيليين و 0.5 % شيعة اثني عشرية و 8% مسحيين ويمثل العرب 93% و الأكراد 5% من الشعب السوري، تمثل الأقلية العلوية النخبة المتحكمة في مفاصل الحكم سياسياً وعسكرياً، بينما معظم المجتمع الثائر من السنة مما يعطي الثورة بعداً طائفياً يزداد تميزه مع الوقت، وكذلك هناك الأكراد الممثلين في عدة أحزاب سياسية، والمرتبطين بحزب العمال الكردستاني لهم أجندتهم الخاصة بعيداً عن هدف إسقاط نظام الأسد.
عوامل متعلقة بتفتت المعارضة السورية داخلياً وخارجياً، وعدم نجاحها في تشكيل كتلة واحدة تعبر عن الشارع السوري ويمكنها التواصل مع القوى الخارجية بوصفها الممثل الشرعي للثورة السورية.
عوامل متعلقة ببنية النظام السوري نفسه؛ تتمثل في إحكام قبضته على مفاصل الدولة، خصوصاً المؤسسات الأمنية مما يصعب إحداث انشقاقات مؤثرة سياسية أو عسكرية تؤدي إلى تصدعات قوية في النظام.
عوامل متعلقة بالأهمية الجيوسياسة/ الجيوإستراتيجية لسوريا بوصفها رقماً هاماً في معادلة القوى الإقليمية، فمصير الثورة السورية سيحدث تغيير في موازين القوى الإقليمية، مما يمثل عائقاً أمام أية تدخل خارجي عسكري /سياسي بمستوى فعال يؤثر على مسار الحالة السورية؛ حيث هناك الكثير من الحسابات ينبغي أن تراعيها الأطراف الإقليمية والدولية قبل الأقدام على التدخل المباشر في الأزمة السورية.
- الحالة السورية: ساحة صراع خارجي:
الخصوصية الجيوسياسة/ جيوإستراتيجية لسوريا جعلت منها ساحة لمعركة إضافية غير تلك الدائرة بين الشعب الثائر ونظام الأسد؛ تتمثل في صراع القوى الإقليمية والدولية فيما بينها على أرض الحالة السورية بين القوى الإقليمية فيما بينها من ناحية، وبين القوى الدولية والإقليمية من ناحية أخرى، وبين القوى الدولية فيما بينها من ناحية ثالثة كالآتي:
في المستوى الإقليمي سوريا تمثل الحليف الأول لإيران؛ فعن طريقها يمكنها الولوج للساحة العربية، وكذلك تتمكن من التواصل السياسي/ العسكري مع القوى الحليفة في لبنان وفلسطين، ومن ثم فسقوط النظام السوري سيمثل انتكاسه للمشروع الإقليمي الإيراني، وستخسر معظم الأوراق التي تعطيها نفوذ إقليمي، وبالتالي تسعى إيران لدعم نظام الأسد بكل ما تستطيع؛ إعلامياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً. ومن نفس المنطلق ولكن بصورة عكسية؛ تسعى دول الخليج وبالخصوص المملكة السعودية بكل سبيل لإسقاط نظام الأسد، إذ ترى في سقوطه ضربة قاصمة لإيران المهدد/المنافس الإقليمي الأول لها.
أما على المستوى الإقليمي - الدولي فالولايات المتحدة وأوروبا من خلفها ترى في سقوط نظام الأسد ضربة لغريمتها إيران، ولكن ثمة معوقات كثيرة تحول دون تدخلها المباشر لحسم الأمور في سوريا، ومن ثم هي تريد سقوط النظام ولكن لا تجد الطريقة المناسبة لذلك، وبالتالي فالحالة السورية تمثل ساحة صراعية بين إيران والولايات المتحدة، ولكن تعقد المشهد السوري سبب ارتباك في الموقف الأميركي/الأوروبي، وفي المقابل إيران تقاتل باستماتة لإبقاء نظام الأسد ينبض بالحياة.
أما على المستوى الدولي؛ فقد مثلت الحالة السورية ساحة صراع غير مباشرة بين الولايات المتحدة وخلفها أوروبا من جهة وروسيا وخلفها الصين من جهة ثانية؛ إذ راحت روسيا والصين تقفا حجر عثرة أمام أي قرار دولي للتدخل في سوريا، ولعل الموقف الأبرز كان الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن ضد تبني مبادرة جامعة الدول العربية لمرحلة انتقالية في سوريا تقضي بخروج الأسد. وسنتخذ من هذا الطرح -أي كون الحالة السورية تمثل ساحة صراع دولية- فرضية لمقاربة الموقف الروسي من الحالة الثورية بالبحث في محددات هذا الموقف.
أولاً: روسيا بوتين: هاجس العودة للزعامة:
لا شك أن روسيا بوتين تختلف تماماً عن روسيا ما قبل بوتين الخارجة من تحت أنقاض الاتحاد السوفيتي؛ إذ عزمت روسيا على السعي في طريق إعادة وضعية "القطبية الثنائية" للنظام الدولي بعدما تفردت الولايات المتحدة بزعامة النظام الدولي، وفي هذا السبيل تسعى روسيا لإعادة دورها على الساحة الدولية كقوة فاعلة بتحقيق قدر من النمو الاقتصادي والتماسك الداخلي من جهة، ومعاندة السياسات الأمريكية من جهة ثانية. ففي الجهة الأولى قد حققت روسيا فيما بين 2000 -2006م نمواً اقتصادياُ بلغ 7%، كما كشفت منظمة التجارة العالمية أن روسيا قد حققت في العام 2011م المرتبة الأولى عالمياً في نسبة نمو صادراتها بمعدل 22%، وكذا تحتل روسيا المرتبة الثانية عالمياً في تصدير القمح لعام 2011م، وكذا احتلت المرتبة الثالثة عالمياً في احتياطي الذهب. أما على المنحى السياسي/الإستراتيجي فمنذ سقوط الإتحاد السوفيتي والولايات المتحدة سعت لمحاصرة روسيا إستراتيجياً لمنع قيامها كقوى فاعلة، مرة ثانية يتمظهر ذلك في نشاط الناتو في أوروبا الشرقية ومحاولته ضم معظم دولها له، وكذلك تسعى الولايات المتحدة لنشر نظم الدفاع الصاروخي لتطويق روسيا، وفي المقابل تجاهد روسيا لعرقلة السياسات الأمريكية ضدها، فتدخلت في جورجيا وأوكرانيا في العام 2008م لمنع ثورات أججتها / ساعدتها الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك تسعى روسيا لإنشاء كيانات تحالفية خارج السياق الغربي كمنظمة شنغهاي ومنظمة دول البريكس.
ولا تخرج منطقة الشرق الأوسط عن سياق الصراع الأميركي الروسي، ومن ثم ينبغي أن نفهم الموقف الروسي من الثورات العربية في إطار سعي روسيا لمجابهة السياسات الأميركية في المنطقة في سبيل إعادة دورها الدولي الفعال، فروسيا ترى أن أي عملية تدخل عسكري أميركي في الثورات العربية يخلف أضرار إستراتيجية على أجندتها السياسية، فهي ترى في الولايات المتحدة متدخل انتهازي يتعامل من الثورات بمنطق المصلحة لا منطق مبدأ دعم الديمقراطية والحرية، ومن ثم إذ تدخلت في حالة ما جذرت نفسها فيها لضمان مصالحها مما يعود قطعاً بالضرر على السياسات الروسية، وبالتالي تتخذ روسيا من عدم التدخل العسكري في الشأن الداخلي للدول خاصة منطقة الشرق الأوسط مبدأ سياسي لا محيد عنه، وفي هذا السياق لا ننسى القلق الروسي من وصول رياح تلك الثورات لحياضها مما قد يفتح الطريق أمام مبدأ التدخل ومن ثم تتخذ روسيا موقفاً حاسماً من قضية التدخل الدولي في أي مكان. ولا تخرج الحالة السورية عن هذا السياق بل لها خصائص تميزها وتجعل من روسيا تتشبث أكثر بمبدئها، ولعل ذلك يتضح كالتالي:
ثانياً: سوريا في السياسة الروسية: أهمية إستراتيجية:
تبرز الأهمية الإستراتجية لسوريا بالنسبة لروسيا في عدة اتجاهات:
أهمية اقتصادية: تعد سوريا الشريك الاقتصادي الأهم لروسيا في منطقة الشرق الأوسط، وتأتي هذه الأهمية في مجالين الطاقة والسلاح، فهناك عدد لا بأس به من شركات الطاقة الروسية تعمل في سوريا، ولعل أهمها شركة "غاز بروم"، وكذلك تعتبر سوريا سوق سلاح هام لروسيا، ومن ثم لا تريد روسيا أن تخسر هذا الشريك الاقتصادي الهام.
أهمية جيوإستراتيجية: هناك نقطة ضعف جغرافية لروسيا تسعى لعلاجها منذ بدت كقوة عظمي في القرن الثامن عشر، وهي عدم قدرتها على النفوذ للمياه الدافئة، فكل ممرات روسيا المائية متجمدة (القطب الشمالي بحر البلطيق)، وقد سعت قديماً لمعالجة هذا الإشكال بالصراع مع الدولة العثمانية لتصل إلى البحر الأسود وتحتل قاعدة أزاك العثمانية، وقد ظل هذا الهاجس في مخيلة صانعي قرار السياسة الخارجية لروسيا؛ أي الحرص على حيازة منفذ بحري على المياه الدافئة، وفي هذا السبيل قامت روسيا بتأجير قاعدة "طرطوس" البحرية في سبعينيات القرن المنصرم من حافظ أسد، وتملك تلك القاعدة خصيصة كونها القاعدة الوحيدة المتبقية لروسيا في البحر المتوسط والمياه الدافئة عموماً، ومن ثم لن تفرط روسيا في تلك القاعدة بسلاسة، وبالتالي تدعم موسكو الأسد بلا حدود.
أهمية غير مباشرة: ثمة منحى آخر -وإن كان غير مباشر- يوضح أهمية سوريا لروسيا؛ وهو كون دمشق هي الحليف الأول لإيران، وحيث أن الأخيرة بدورها تمثل أهمية لروسيا في المستوى الاقتصادي، حيث نسبة عالية من التبادل التجاري بينهما، خصوصاً مجالي الطاقة والسلاح. وعلى المستوى الإستراتيجي؛ فإيران تمثل مفتاح روسيا لبحر قزوين، حيث الموارد النفطية. وعلى المستوى السياسي؛ فإيران ورقة لعب قوية تتعامل بها روسيا مع الولايات المتحدة، وبالتحديد فيما يخص البرنامج النووي الإيراني، فروسيا طرف رئيس في المداولات الدبلوماسية بين الغرب وإيران في الشأن النووي، فهي ضمن مجموعة (5+1) المعنية بالمفاوضات مع إيران. ومن هنا تحرص موسكو على دعم الأسد حتى لا تخسر حليفها الأهم إيران. وثمة أهمية أخرى لإيران تدعو روسيا لدعمها وهي: القلق من تركيا عضو الناتو الساعي نحو تطويق روسيا والتي قبلت مؤخراً بنشر "برنامج الدرع الصاروخي" على أرضها، وإن كانت اشترطت على الحلف بعض الشروط إلا أنها في الأخير يمكن أن تستغل ضد روسيا، وبالتالي ينبغي أن تهتم روسيا أكثر بإيران.
- روسيا والخوف من البديل:
كل هذه المصالح التي يوفرها نظام الأسد لموسكو لا تريد أن تغامر روسيا بفقدانها عن طريق تخليها عن الأسد لأن من سيخلف الأسد؟ سؤال بلا جواب واضح ولكن الجزء المتيقن منه أنه لن يوفر لموسكو ما تريد من سوريا، ويزداد الأمر سوءاً أن ثمة صبغة إسلامية ظاهره على القوى المعارضة السورية، تتمثل في حضور جماعة الإخوان المسلمين القوى في المشهد السياسي السوري مما يدعم هاجس التخوف من الإسلام السياسي والذي لا تنفك روسيا تعاني منه على أراضيها.
خلاصة:
- تمثل الثورة السورية حالة خاصة بين ثورات ما اصطلح عليه بـ"الربيع العربي"؛ نظراً لحزمة من الاعتبارات التي تخص سوريا كبلد له أهميته الجيوسياسة/جيوإستراتيجية على المستوى الإقليمي والدولي، واعتبارات تخص النظام السوري نفسه، وكذلك اعتبارات تخص الثورة السورية نفسها والمتعلقة بتفكك المعارضة في جزء منها والبعد الطائفي لها في جزء آخر.
- تفاعلات القوى الإقليمية والدولية مع الحالة السورية لا يحكمها فقط الموقف من الثورة السورية وإنما يحكمها لعبة توازن بين تلك القوى وبعضها.
- لا ينبغي فهم الموقف الروسي من الأزمة السورية بعيداً عن السياق العام الذي تنتظم فيه السياسة الخارجية الروسية الساعية نحو مقاومة النفوذ الأميركي في النظام العالمي، ومحاولة استعادة دور لروسيا في المنظومة الدولية لتنكسر وضعية القطب الواحد.
- ترفض روسيا مبدأ التدخل الدولي في الثورات العربية، إذ ترى أن هذا التدخل لا يصب إلا في مصلحة الولايات المتحدة، ولعل في الحالة الليبية خير مثال على ذلك.
- بالإضافة إلى هذا الإطار العام الحاكم للتفاعلات الخارجية الروسية؛ فإن الحالة السورية لها أهمية خاصة بالنسبة لروسيا تتوزع على المستوى الاقتصادي والسياسي والإستراتيجي.
- يصعب تخيل تغيير في موقف روسيا من الأزمة السورية في الوقت القريب، وربما يتوقف ذلك على شيئين: الأول: قدرة الولايات المتحدة أن تؤثر على روسيا وإغرائها بتعويضات سياسية تحفزها لتغيير موقفها. والثاني: يتمثل في تشكل قوى معارضة تمثل الشعب السورية تستطيع أن تقنع روسيا بأنها ستحفظ لها مصالحها في سوريا ما بعد الأسد.

المصدر: موقع التأصيل

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع