..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

خطة أنان.. تسليم مفاتيح الحل لروسيا

غازي دحمان

١٨ إبريل ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3120

خطة أنان.. تسليم مفاتيح الحل لروسيا
16.jpeg

شـــــارك المادة

تشبه خطة كوفي أنان الخاصة بسوريا، قطعة جبن سويسرية، فهي وإن بدت متماسكة من حيث شكلها وتراتبية ومنطقية تسلسلها، سواء من ناحية قبول القوى المختلفة بها، أو لجهة حركية الانتقال "النظري" لخطواتها، إلا أن تفحص إجراءاتها التطبيقية يكشف الكم الهائل من الفجوات التي تعتري هذه المبادرة في شكلها ومضمونها، لدرجة تكاد معها تلك الفجوات أن تعلن عن نفسها بكل شفافية ووضوح، الأمر الذي يطرح معه التساؤل عن سبب سكوت رعاة المبادرة عنها.


لقد كشف قرار مجلس الأمن رقم 2024 الإشكاليات الكبيرة التي تنطوي عليها مبادرة أنان، كما رسم مقدماً ملامح فشلها وربما مآلات الحالة السورية برمتها، ذلك لأن القرار تضمن مركباً توافقياً بموجبه حصلت الدول الغربية، بمكان ما من القرار، على الإحساس بالنصر المعنوي لتمريرها أخيراً قراراً بشأن الحالة السورية، وحصل النظام على مساحة هائلة لترميم دوره وشرعيته.
فعلى سبيل المثال، يحاول رعاة القرار الغربيون إثبات أنهم قادرون على الضغط على النظام عبر تحميله مسؤولية حماية المراقبين الدوليين وضمان سلامتهم، ولكنهم بنفس الوقت يعطون للسلطات السورية إمكانية كبيرة في التحكم والسيطرة على تحركات أعضاء البعثة وتحديد الأماكن التي يتوجب عليهم زيارتها انطلاقاً من قدرة السلطات السورية على حمايتهم فيها، وإلا فإن النظام يصبح معفياً من مسؤولية حمايتهم!
ومن ذلك أيضاً، يتحدث القرار عن خطوات سيتم اتخاذها فيما لو أخلّت الحكومة السورية بالالتزامات المنصوص عليها في المبادرة، دون أن يحدد طبيعة هذه الخطوات وسقفها، وذلك في ظل عدم تحديد أي آجال للتنفيذ، والواضح هنا نجاح الطرف الروسي في تشذيب بعض الصياغات مثل "الإجراءات" وتحويلها إلى "خطوات"، وكذلك عدم تحديد آجال محددة لتطبيق بنود المبادرة.
في الشكل العام تميزت مبادرة أنان بصياغة عامة هي عبارة عن انعكاس لتوازن دولي في مجلس الأمن حيال القضية السورية، وبميل واضح لمنطق روسيا وتصوراتها عن الوضع في سوريا وخاصة فرضيتها المزعومة والقائلة بأن من شأن تطور الأوضاع أن يؤدي إلى إشعال خطوط الانقسام الديني والسياسي في الشرق الأوسط، وبهذا المعنى يمكن القول إن مبادرة أنان هي مبادرة روسيا في سوريا.
كما أن المبادرة تأتي انعكاساً لهبوط السقف اللغوي لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتراجعها من المطالبة بحظر السلاح والنفط وتسليم شخصيات سياسية إلى المحاكم الدولية، إلى مجرد إرسال بعثة مراقبين، بما يعني بشكل واضح قبول المنطق الروسي الذي يوصّف الحالة على أنها أزمة بين طرفين تستلزم توازن المواقف تجاههما.
أما من حيث المضمون، فقد بنيت المبادرة على أساس احترام السيادة السورية، وإن بدا هذا المبدأ وكأنه لزوم مالا يلزم، إلا أنه يؤسس لحالة إعادة تأهيل النظام وطرحه كطرف دولي بعد أن جرى عزله وإسقاط شرعيته في تمثيل السوريين، وإلا ماذا يعني التأكيد على احترام سلطة النظام ما دام الخلاف بينه وبين شعبه دون ذكر احترام حق الحماية للمحتجين والمتظاهرين، وما دامت المشكلة في أساسها قمع النظام لثورة الشعب ضد الاستبداد والقتل والانتهاك والاعتداء على الحرمات والممتلكات؟
من جهة ثانية، تتضمن المبادرة الكثير من المشاكل الفنية والتقنية، ذلك أن المبادرة قامت على أساس خاطئ وهو فك الاشتباك بين المتظاهرين والجيش، ولذلك نجد أنها تركن في إجراءاتها العملية على بعثة لمراقبة هذا الوضع، وهي في هذه الحالة تضع نفسها في ملعب النظام وهو الأقدر فنياً وتقنياً على إغراق اللجنة بتفاصيل ومعطيات وحيثيات يعمل على صياغتها وصناعتها على مسرح الحدث دون أن يكون للجنة مؤلفة محدودة العدد القدرة على التأكد من حصولها على مسرح يمتد على حوالي ثمانمائة نقطة تظاهر متحركة وغير دائمة.
واستتباعاً لذلك، كيف يمكن للجنة التأكد من عشرات آلاف السجناء والمفقودين، بعضهم في أماكن عسكرية "سيادية"، وكيف يمكن التأكد من وقف عمليات القتل في ظل استمرار الاعتقالات وإنكار الأجهزة الأمنية وجود معتقلين لديها أو حتى قيامها بالاعتقال، وكيف يمكن للجنة أن تتأكد من وجود أنماط من التعذيب الممنهج ضد المعتقلين، كذلك كيف يمكن التأكد من سحب القوات المسلحة والأسلحة الثقيلة من المدن طالما أن معسكرات الجيش موجودة في وسط المدن وممنوع على اللجنة دخولها؟
ولعل الفجوة الكبرى في خطة أنان تتجسد في عدم توضيحها لكيفية الانتقال إلى الأجزاء الأخرى من الخطة، وخاصة عملية الحوار الوطني وصولاً إلى البند المخفي فيها وهو انتقال السلطة في النهاية.
فمن الواضح هنا عدم وجود آلية إجرائية محددة تضمن تطبيق هذا المبدأ، والارتكان بدل ذلك على الديناميكية الشكلية للمبادرة، في حين أن هذا الغموض، أو بشكل أدق: الصيغة التوفيقية، والتي تبدو أقرب إلى مبادئ عامة أو إعلان نوايا، تحتاج كل نقطة فيها إلى اتفاقيات كاملة لتحويلها إلى إجراءات عملية.
وعلى سبيل المثال، ما مرجعية حق التظاهر السلمي، هل الدستور السوري الذي يقره شكلاً ولكن بنفس الوقت تطالب السلطات التنفيذية بضرورة الحصول على تراخيص مسبقة لحصوله مما يجعل العملية مستحيلة، أم ثمة مرجعية في القانون الدولي، وإن وجدت كيف يمكن تخطي مبدأ السيادة الذي تم تثبيته في ديباجة القرار الصادر عن مجلس الأمن.
مما لا شك فيه أن الخطة تثبت السلام السلبي، بما يعنيه من غياب لمستوى العنف بمستوياته الكبيرة، لكنها تنذر بتحويل القضية من ثورة شعب ضد نظام إلى مجرد أزمة سياسية بين طرفين، وهي بهذا المعنى تشكل فرصة للنظام الذي عمل على حرف الخطة عبر التركيز والانشغال فقط بالبند الأول المتمثل في وقف إطلاق النار، ومن الواضح أن النظام الذي قبل بهذه المهمة سيشتغل على هذا البند ويغرق لجنة المراقبين والمبادرة برمتها في تفاصيل هذه القضية، وبالتالي إلغاء أي إمكانية للانتقال إلى تطبيق البنود الأخرى التي تمثل له خسارة من رصيده إن لم تهدد وجوده برمته.
وهنا يبرز السؤال الملح، ما دامت خطة أنان تعطي للنظام نفسه الدور الأساسي في تطبيق بنودها، دون وجود آليات أخرى، باستثناء آلية المراقبة الضعيفة، فهل يتوقع أحد أن يقدم النظام على نحر نفسه "كرمى لعيون" أنان ونجاحه الدبلوماسي؟ أم أن المجتمع الدولي سيقدم على نحر تطلعات الشعب السوري إرضاءً لتوازناته ومصالحه ورغبة في التخلص من أزمة أرهقت ضميره وسببت له الإحراج؟
والدليل على ذلك أن مبادرة أنان اللاتوافقية تتضمن في صياغاتها ونوايا رعاتها قدرة كبيرة على التكيف مع سلوك النظام ومناوراته، كما أنها تحمل مرونة كافية لضمان خط الرجعة والنزول عن شجرة المواقف العالية عبر تطوير نمط اشتباك الدول الغربية مع النظام السوري إلى نمط اشتباك قابل للتعايش، وإن بصياغات واشتراطات جديدة تضمن مصالح تلك الدول أولاً.

المصدر: الجزيرة نت

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع