فيصل القاسم
تصدير المادة
المشاهدات : 3509
شـــــارك المادة
من المعروف أن مصطلح "الإسلاموفوبيا" مركب من كلمتين وهما "الإسلام" و "الفوبيا" أي الرهاب أو الخوف، وبالتالي فإن معنى المصطلح حرفياً هو "الخوف أو رهاب الإسلام".
وقد برز هذا الرهاب أول ما برز بعد إطلاق المفكر الأميركي الراحل صامويل هنتنغتون نظرية "صراع الحضارات" التي حذر فيها الغرب من أنه مقبل على صراع حضاري مع الحضارتين الإسلامية والكونفوشية. ولا شك أن نظرية هنتنغتون جاءت في وقت سقط فيه العدو الرئيس للغرب وقتها ألا وهو الخطر الشيوعي ممثلاً بالاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، مما جعل أميركا تبحث عن أعداء جدد عملاً بالنصيحة الماكيافيلية الشهيرة: إذا لم يكن لك عدو خارجي، فعليك أن تخلقه كي تستخدمه كفزاعة لرص صفوف الداخل وتوحيدها في مواجهة الخارج. وبناء على وصفة ماكيافيلي بدأت أميركا بالبحث عن عدو جديد، فوجدت في الإسلام عدواً مثالياً، فأطلقت عليه "الخطر الأخضر" بدل الخطر الشيوعي الأحمر، مع العلم أن الإسلام لا يشكل أي تهديد حقيقي للغرب مقارنة بالسوفيات الذين كانوا يمتلكون ترسانة نووية قادرة على تدمير العالم ثلاثين مرة، بالإضافة إلى سيطرتهم السياسية والإيديولوجية على أجزاء كبيرة من القارات الخمس.
وجاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتعطي دفعة قوية للإسلاموفوبيا بعد اتهام تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن بالوقوف وراء تلك الأحداث الرهيبة التي هزت العالم. وقد استغلت أميركا الخطر الإسلامي الجديد، فقامت، بحجة ذلك، بغزو أفغانستان ومن ثم العراق، وشنت حملات شعواء على كل التنظيمات الإسلامية في العالم بما فيها الجمعيات الخيرية. ولا ننسى أن مصطلح الإرهاب تم تصميمه خصيصاً على مقاس الإسلام والمسلمين، فأصبح كل عمل إرهابي في العالم، حتى لو كان انفجاراً بسيطاً، عملاً إرهابياً ذا صبغة إسلامية. وقد نجحت الماكينة الإعلامية الغربية نجاحاً باهراً في شيطنة الإسلام والمسلمين على مدى أكثر من عقد من الزمان، وجعلتهم بعبعاً يخشاه القاصي والداني على اعتبار أنهم مصدر كل الشرور. وقد استمر العمل غربياً بمصطلحي "الإسلاموفوبيا" و "الإرهاب" حتى مقتل أسامة بن لادن على أيدي القوات الأميركية في باكستان قبل مدة. ومن الواضح الآن أن المصطلحين بردا في الغرب بعد انتهاء المعركة مع الإسلام والمسلمين. وقد بدأ الإعلام الغربي يقلل كثيراً من استخدام مصطلح الإرهاب، حتى إن بعض الدول كبريطانيا تخلت رسمياً قبل فترة عن استخدام مصطلح الإرهاب واستبدلته بمصطلح آخر. لكن الغريب، لا بل المضحك في الأمر، أنه ما إن انتهى الغرب من استثمار مصطلح "الإسلاموفوبيا" لأغراضه الخاصة، حتى راح العرب يعيدون اجترار المصطلح، لكن هذه المرة ضد بعضهم البعض. كيف لا وأننا نحن العرب لا نمانع حتى في تقليد الغالب الغربي فيما يسيء لنا. قد يتفهم المرء تصنيع الغرب لمصطلح "الإسلاموفوبيا" لتحقيق أغراض سياسية وعسكرية وثقافية معينة، لكن من الصعب أن يتفهم قيام ضحايا المصطلح أنفسهم ألا وهم العرب باستغلال المصطلح للإساءة لبعضهم البعض، وبالتالي للإسلام نفسه. لقد عادت ظاهرة "الإسلاموفوبيا" إلى الحياة من جديد بقوة، خاصة بعد الربيع العربي الذي كان من أبرز نتائجه فوز الإسلاميين الساحق في الانتخابات التي جرت في بعض الدول العربية. فقد فاز حزب النهضة فوزاً مدوياً في تونس. ولحقه الأخوان المسلمون والسلفيون في مصر، ناهيك عن أن الإسلاميين يتصدرون المشهد في ليبيا والمغرب والكويت. وهناك خوف كبير من أنهم سيكونون في مقدمة الفائزين لو جرت انتخابات حرة في سوريا. والحبل على الجرار. بعبارة أخرى، فإن بروز الإسلاميين على المشهد السياسي بقوة انتخابية غير مسبوقة جعل خصومهم، خاصة اليساريين والليبراليين والعلمانيين وأيتام الحكام الساقطين والمتساقطين، يتهافتون على التحذير من الخطر الإسلامي على الديمقراطيات الوليدة في المنطقة العربية في أعقاب الربيع العربي. وقد ظهر ذلك جلياً في تونس ومصر اللتين تشهدان معركة حامية الوطيس بين الإسلاميين الفائزين وخصومهم المهزومين. ولو تابعت الحملات الإعلامية التي يشنها خصوم الإسلاميين عليهم لرأيت العجب العجاب، فهذا يحذر من أسلمة الحياة العامة بكاملها، وذاك يحذر من الاستبداد الإسلامي على الطريقة الإيرانية والسودانية والحمساوية. لا بل إن كثيرين يجادلون بأن بعض الدول العربية لا تريد إسقاط النظام في سوريا خشية وصول الإسلاميين إلى السلطة بعده. لقد حاول العلمانيون وأذناب الأنظمة المتساقطة كل ما بوسعهم لتخويف الشعوب من الصعود الإسلامي الجديد بطريقة تفوق بشاعة الطريقة الغربية التي سادت على مدى العقدين الماضيين، وكأن الإسلاميين الجدد بعبع مرعب. لا أدري لماذا كل هذا التخويف من الإسلاميين وشيطنتهم قبل أن نرى حصيلة حكمهم. أليس من الأفضل أن نقبل بنتائج صناديق الاقتراع التي تعتبر أس الديمقراطية بدل شيطنة الإسلاميين بالطريقة المستهلكة البائدة؟ أليس التخويف من الإسلاميين هو اعتداء فاضح على الديمقراطية وأصوات الشعوب التي حملتهم إلى السلطة؟ ألا تعبر شيطنة الإسلاميين عن عجز مقيم لدى خصومهم؟ أليس حرياً بأعداء الإسلاميين أن يجتذبوا الشارع ببرامجهم الانتخابية والسياسية بدل تشويه سمعة الخصوم؟ لماذا يريد البعض لمصر مثلاً ديمقراطية توافقية على الطريقة اللبنانية السخيفة خوفاً من فوز الإسلاميين على كل شيء في الانتخابات؟ قد يكون من الضروري أن نستخدم التوافق في بلد متعدد الأعراق والطوائف كلبنان، لكن من السخف استخدامه في بلد كمصر. لماذا يحاول بقايا نظام مبارك توزيع السلطة بين الإسلاميين وبقية التيارات على بأن يُعطى البرلمان للإسلاميين والرئاسة مثلاً للعلمانيين؟ لماذا لا يتقرر مصير كل السلطات عبر صناديق الاقتراع حتى لو فاز الإسلاميون بكل شيء؟ أليست هذه هي الديمقراطية التي ناضلت الشعوب العربية طويلاً من أجلها؟ لماذا لا ندع الفائز يربح كل شيء كما في الغرب؟ لماذا الخوف من الحكم الإسلامي إذا كان هناك الآن شعوب قادرة أن تزيح الإسلاميين عبر النضال الديمقراطي من السلطة كما أزاحت أنظمة أعتى بكثير كنظام مبارك وبن علي والقذافي وغيرهم؟ من الواضح أن الذين يخوفون المجتمعات العربية من المد الإسلامي لم يتعلموا من الدرس الغربي، فرغم الحملات الشعواء التي شنها الإعلام الغربي على الإسلاميين على مدى العشرين عاماً الماضية، إلا أن الإسلاميين ظلوا يحققون النصر تلو الآخر في الشارع العربي. ولما أتيحت لهم فرصة ديمقراطية حقيقية في مصر وتونس، حصدوا الأخضر واليابس في الانتخابات. لهذا بدل إعادة تصنيع العجلة، على التيارات السياسية المناهضة للإسلاميين أن تبحث عن طرق جديدة لمنافستهم بدل أن تجتر الأساليب الغربية البائسة التي لم تفشل فقط في تشويه سمعة التيار الإسلامي، بل جعلت منه محبوب الجماهير العربية في صناديق الاقتراع.
المصدر : الشرق القطرية
مرزوق الحلبي
علي جازو
زياد الشامي
ياسر الزعاترة
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة