محمد فاروق الإمام
تصدير المادة
المشاهدات : 3097
شـــــارك المادة
لا يزال الأسد الابن يحظى بتأييد الولايات المتحدة رغم ما اتخذته من عقوبات بحقه لا ترقى إلى مستوى كسر العظم ولا حتى إلى لي الذراع، فالاتهامات المتبادلة بين دمشق وواشنطن والتي تأخذ طابع التشدد في بعض الأحيان ما هي إلا بالونات هوائية لا تلبث أن تختفي في الأفق عند أول هبة ريح، لأن كل الحقائق على الأرض تثبت أن واشنطن لا تريد أن ترى حاكماً لدمشق إلا متماهياً مع أجندتها وفي مقدمتها المحافظة على أمن إسرائيل وصمت الجبهة السورية الإسرائيلية، كحالها منذ أن توسطت في عقد اتفاقية فك الاشتباك بين سورية وإسرائيل عند الكيلو 54 عام 1974، والتي تضمنت في بعض بنودها السرية محافظة النظام السوري على استقرار الجبهة السورية الإسرائيلية والتخلي عن مرتفعات الجولان، لقاء التزام أمريكا ببقاء النظام في دمشق ممسكاً بالسلطة فيها، وإشراكه في تنفيذ أجندتها في المنطقة بما يتماهى مع مصالحها وأمن إسرائيل، وهذا ما شهدناه على مدى ثلاثين سنة من حكم الأسد الأب الذي دخل لبنان بضوء أخضر من واشنطن وتل أبيب، بعد أن عجز الصهاينة من إخراج منظمة التحرير من لبنان وإبعاد الفصائل الفلسطينية من جنوبه، رغم شنهم حربين مدمرتين على لبنان ولم يفلحا في ذلك، فلم يجدوا بداً من اللجوء إلى الأسد الأب لفعل ذلك، حيث تمكن هذا الأسد من إخراج منظمة التحرير من لبنان وتشتيت الفصائل الفلسطينية وشرذمتها وتفكيك كياناتها وإبعادها عن جنوب لبنان، ومشاركته في العدوان الثلاثيني على العراق عام 1991 حيث دفع بعشرات الآلاف من جنود الجيش السوري ليقاتلوا الإخوة العراقيين فيما عرف بعاصفة الصحراء تحت الراية الأمريكية، وتابع الأسد الصغير بعد موت أبيه الطريق نفسه حيث كان أميناً على ما التزم أبوه به تجاه أمن إسرائيل وخدمة الأجندة الأمريكية في المنطقة، حيث قدم للولايات المتحدة التي غزت العراق عام 2003 الدعم المخابراتي واللوجستي لقواتها الغازية، وجعل من السجون السورية محطة لإجراء التحقيقات مع من تتهمهم الولايات المتحدة بما يسمى الإرهاب، لانتزاع الاعترافات منهم بأساليب المخابرات السورية الوحشية القذرة، ولم تنس الولايات المتحدة هذه الخدمات فقد، قدمت الشكر المصحوب بالامتنان إلى النظام السوري بقولها: "لقد قللت دمشق في دعمها للقوات الأمريكية الغازية للعراق كثيراً من الخسائر البشرية التي كان من الممكن أن تدفعها واشنطن في تلك الحرب، وأن واشنطن لن تنسى ذلك الدعم". واليوم وبعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر على انطلاقة الثورة السورية والقمع الوحشي الذي يمارسه النظام بحق المتظاهرين السلميين والذي أتى على استشهاد أكثر من 2000 مواطن بينهم أكثر من مئة طفل وعشرات النساء ومئات الشيوخ وأضعافهم من الجرحى والمفقودين والمهجرين، ومحاصرة العشرات من المدن والبلدات والقرى في طول البلاد وعرضها، ومنع الماء والغذاء والكهرباء والاتصالات عنها، والذي ترافق بتدمير كثير من المنازل ودور العبادة والمؤسسات، والاعتداء على المال العام ونهب الأسواق وتحطيم السيارات والمحال التجارية. أقول بعد مضي كل هذه الأشهر بكل عذاباتها ومراراتها وأنهار دمائها: فإن الإدارة الأمريكية لم ترق في تصريحاتها إلى مطالبة بشار الأسد بالرحيل كما فعلت مع ابن علي وحسني مبارك والقذافي وعلي عبد الله صالح، وأن أقصى درجات ما تقوله بعد كل هذه الأنهار من الدماء (إن النظام السوري يقترب من فقدان شرعيته)، بل وتذهب أبعد من ذلك بإصرارها على أنه من الممكن والمستحسن أن يكون التحول الديمقراطي في سورية على يد بشار الأسد، وأن على المعارضة السورية أن تمد له يدها وتطمئن لوعوده وأن ترحب بما أصدره من مراسيم إصلاحية. فقد كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أمس الجمعة 1/ تموز عن خارطة طريق من شأنها أن تترك بشار الأسد في السلطة، وأن واشنطن تضغط على المعارضة السورية لإجراء حوار معه. وقالت الصحيفة إن مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية يشجعون سراً مناقشة (مسودة وثيقة) غير منشورة جرى تعميمها بمؤتمر المعارضة الذي انعقد بدمشق الاثنين الماضي، يشرف من خلالها الرئيس بشار الأسد على ما تعتبره الوثيقة (الانتقال الآمن والسلمي إلى الديمقراطية المدنية)، والتي تدعو إلى (تشديد السيطرة على قوات الأمن وتفكيك عصابات الشبيحة المتهمة بارتكاب فظائع بحق المتظاهرين، ومنح الحق بتنظيم المظاهرات السلمية، والحريات الإعلامية، وتعيين جمعية وطنية انتقالية). وتحدثت الوثيقة بحسب ما جاء في الصحيفة عن مطالبة النظام بـ(اعتذار واضح وصريح، ومحاسبة المؤسسات والأفراد الذين فشلوا باستيعاب الاحتجاجات المشروعة، وتعويض أسر الضحايا، وإخضاع حزب البعث الحاكم لقانون جديد للأحزاب السياسية على الرغم من منحه حق ترشيح 30 عضواً من أصل 100 عضو في الجمعية الوطنية الانتقالية المقترحة، على أن يتم تعيين الأعضاء السبعين الآخرين من قبل رئيس الجمهورية بالتشاور مع مرشحي المعارضة)، وكشفت الوثيقة أنه تم التوقيع على خارطة الطريق من قبل المعارضين (لؤي حسين ومعن عبد السلام)، نيابة عن مجموعة تسمي نفسها (لجنة العمل الوطني)، واللذان قابلا نائب الرئيس فاروق الشرع قبل الخطاب الأخير للرئيس الأسد وترأسا اجتماع المعارضة السورية بدمشق الاثنين الماضي. وإذا ما صدقت الجريدة فيما نشرته فإن واشنطن كعهدنا بها، لا تزال متمسكة ببشار الأسد وتعمل على تجميل صورته وتأكيدها على أن الإصلاح في سورية يمكن أن يتم برعايته وتحت إشرافه، وأن كل ما تصدره واشنطن من تصريحات لبعض مسؤوليها، وما تتخذه من عقوبات، ما هي إلا ذراً في الرماد إرضاءً لبعض الأصوات في الكونجرس الأمريكي وضغوط المنظمات الإنسانية والمدنية عليها، المطالبة بالتحرك الجدي لوقف حمامات الدم في سورية، وتناغماً مع مواقف بعض حلفائها في الغرب، الذين أعلنوا صراحة أن بشار الأسد فقد شرعيته وأن عليه الرحيل. ختاماً أقول لواشنطن وكل من يعتقد اعتقادها في الداخل السوري وخارجه: أن عليهم قراءة الأحداث في سورية قراءة جيدة، وأن عليهم أن يتفهموا الدوافع التي حدت بالجماهير السورية لتلبس أكفانها وتضع أرواحها على أكفها، وهي تخرج في تظاهرات سلمية متحدية بصدورها العارية رصاص شبيحة النظام ورجال أمنه بإصرار وعناد لم يسبقهم إليه أحد، وأن عليهم أن يتفهموا أن هدف هذه الجماهير ليس فقط رحيل بشار الأسد بل الهدف رحيل هذا النظام السادي الظلامي الجاهل واستئصاله من جذوره.. هذا النظام الذي غيّب سورية والشعب السوري عن الحياة العصرية والحضارة والمدنية التي يشهدها العالم اليوم لنحو نصف قرن، وأن الجماهير السورية ستظل تندفع في ثورتها حتى النهاية، موطّنة النفس على دفع الثمن مهما ارتفعت فاتورته، فلا شيء أعز من الحرية والكرامة والعدالة، التي صادرها هذا النظام كل هذه السنين السوداوية العجاف، وهي مصرة على انتزاعها والفوز بها، مستلهمة قول الشاعر التونسي العظيم أبا القاسم الشابي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة *** فلا بدّ أن يستجيب القدر (1) ولا بدّ لليل أن ينجلي *** ولا بدّ للقيد أن ينكسر
ـــــــــــــــــــ (1) على هذا البيت ملاحظة عقدية، حيث جعل إرادة الشعب مستلزمة لاستجابة القدر، ومن المعلوم أن القدر لا يكون إلا بإرادة الله تعالى. (نور سورية).
المصدر: السوريون نت
ديانا مقلد
حسان الحموي
نبيل العتوم
حسين شبكشي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة