مهنا الحبيل
تصدير المادة
المشاهدات : 3300
شـــــارك المادة
لا يوجد أي معيار نفسي يستطيع أن يوزع قدرات التحمل لمباشرة الاطلاع على مذابح وذبح للأطفال واغتصاب ممنهج للنساء والأطفال تسجل لأول مرة منذ زمن بعيد في ذمة التاريخ المروع كالذي يجري في سوريا، فهذه الصدمة التي لا تزال قائمة في المذبح السوري تؤثر على المحلل السياسي كما تؤثر على الرأي العام، إلاّ أن قدرات المحلل السياسي ومتابعة نظره للزوايا الأخرى لا تجعله رهيناً لهذا الموقف الرهيب.
وإن كنّا قد تحدثنا قديماً عن أن الثورة السورية لا تزال مقبلة على فصول أكثر وحشية ودموية، وسمينا ذلك بالنص، وقلنا في آخر مقال في الجزيرة نت إن مطلع النصر لن يبدأ يتحقق على الأرض قبل يناير/كانون الثاني القادم 2013م، وإن كان دوران حركة المعركة لن يقف عند هذه الوتيرة والصورة، وهو ما سنفصله. كرم الزيتون والمتواطئون: لكنّ المشهد الإرهابي لأكبر جريمة عاشها الوطن العربي منذ الاستقلال تعطي أيضاً مقياساً مهماً لحجم ما تحمّله هذا الشعب في أسطورته البطولية والفدائية التي لا تزال لم تتزحزح قيد أنملة عن قرار إسقاط النظام الأبشع والأكثر عدائية وطائفية ضد الوجود العربي الإسلامي في التاريخ المعاصر. ففاجعة كرم الزيتون وأحياء حمص الأخرى ثم إدلب وريف دمشق لم تكن المذابح الأولى، لكن تكثيف النحر للضحايا والاغتصاب وحرق الجثث نقل العقل لعالم آخر للتصورات التي يمكن أن يُصنف بها محيط النظام والبعد الإيراني وفرعه الشريك معه. ووصول ما أحصي فقط لدى الأمم المتحدة إلى 8500 جثة مع إضافة محتومة لعدد المفقودين الذين اعتبروا قتلى وهم أكثر من اثنتي عشر ألف ضحية، يعني أنّ ما فقده الشعب السوري من ضحايا على يد النظام في معركته أضحى يقارب ما قدمه شقيقه الشعب الفلسطيني طوال تشرده، فضلاً عن الإجماع على أن آلة الاغتصاب والذبح لم يكن الصهاينة ينفذونها كما تنفذها عصابات الأسد الطائفية وحلفاؤها الإيرانيون، وكما قلنا سابقاً في تحديد الموقف الإسرائيلي المساند بقوة لبقاء النظام فهو يُحقق بيد الأسد ما لم يستطع أن ينفذه مباشرة ويحاول نقل بعض صور القتل إلى غزة كما جرى في نهاية الأسبوع الثاني من مارس/آذار الجاري. وهنا وقفة عقلية مهمة وهي أن ما تعرضت له الثورة السورية من بعض مثقفي العرب والمهجر اليساريين والقوميين من حملات عنيفة كانت جزءًا من حرب الآثام التي تُشن على الثورة، ولو لاحظنا فإن كل ما قدمته الثورة السورية من إطار مدني ووطني تمسكت به تعرض لدى هذه المجموعة من مثقفي المهجر لحرب شرسة تُعيّره بالطائفية رغم الالتزام الوطني والإنساني الأسطوري لعناصر الثورة، وعندما تكشفت الصورة عن حجم المذابح استتر هذا الفريق الآُن وقد كان لا يدخر وسعاً في التشكيك وربط الثورة بمشروع لم يتم أصلاً. بل إن حصار الثورة ومنع تسليحها هو ما يستدعي التدخل، في حين هاجم هذا الفريق كل وسائط الإنقاذ الأولية للدفاع عن كل من يُقتل ويُذبح أطفاله وتغتصب نساؤه، ومن ذلك هجوم رئيس تحرير صحيفة عربية كبيرة في المهجر على قرار حماس الخروج من دمشق، لأنها -كما قال- تخلت عن نظام الممانعة وكان عليها أن تبقى مؤيدة مصطفة مع مجازر النظام. هذا السياق الإعلامي المعادي المشكك في الثورة من رهط من القوميين واليساريين كان ضمن ترسانة حرب إعلامية إيرانية لبنانية طائفية تزامنت مع حِراب وقصف شبيحة الأسد وهي تُعطي صورة واضحة للدور الآثم الذي شارك به نموذج من المثقف العربي من أنصار العلمانية الاستئصالية والطائفية آلة الحرب كسقوط ثقافي وفكري يستدعي مراجعة هذا التراث وعلاقته بالضمير والهوية العربية، وفي المقابل توحد التخاذل الغربي المنظم مع الفيتو الروسي، في حين فشل أردوغان في تحقيق أي برنامج عملي للحفاظ على كلمته المبدئية، ولا يزال الموقف ينتظر من الدول الخليجية ساعة الحسم للدعم العسكري بدل الأحاديث. البنية العسكرية للثورة: ومع كل هذه الخلاصات، يبرز لنا أن الحديث عن التحذير من عسكرة الثورة لم يكن إلاّ مساهمة منهجية في تعزيز القبول بحرب إبادة جماعية ضد الشعب السوري، وأنه في الميزان الإستراتيجي فإن مناقشة هذا التشكيك لا تستحق الطرح أصلاً في هذه المرحلة وقد قدّم المشهد ما يكفي للرد على كل مشكك فضلاً عما قدمناه سابقاً كتحليل شامل عن هذا الملف. هنا ومع تململ الأتراك وترددهم، فقد أضحى السيناريو يعتمد على بنائين إستراتيجيين وإن كان المسار صعباً فإن فرص تطوره كبيرة جداً، وهو يعتمد على تحقيق ميزان العدد والعدة معاً، ففي الأول هناك استعداد كامل من عشرات الألوف من شباب مناطق الثورة من كل مدن سوريا للالتحاق بوحداتهم في الجيش الحر، وبالتالي فإن قضية ميزان العدد في مصلحة الثورة خاصة، وأن التدريب العسكري في سوريا في الأصل كان واسع النطاق وشمل غالبية المدنيين. ومن لم يتدرب سابقاً فتحقيق تدريبه ممكن جداً، وعليه فإن توفر هذا العدد من الرجال يُغطي كثيراً الفرقَ مع كتائب الأسد إضافة إلى إنّ حركة الانشقاق لا تزال تتصاعد وتتوسع، وهو ما يقوي الجانب المعنوي والخبرة ويُضعف معنويات عسكر النظام، ونجاح النظام في صناعة الأرض المحروقة حين ينسحب الجيش الحر أو فيالق المجلس العسكري من أي مدينة مؤقتٌ لا يُحقق أي حسم لقوات النظام خاصة حين تحولت المعركة إلى حرب عصابات ممنهجة، لكن الأنظار كلها تتجه إلى تسليح الجيش الحر والمجلس العسكري، وكان الإعلان عن الاتحاد في برنامج التوجيه بقيادة مشتركة وتلقي الدعم من الدول العربية المساندة ومن التبرعات الشعبية بين الجيش الحر والمجلس العسكري خطوة مهمة في تنظيم برنامج حرب التحرير المركزية. وأضحت الأنظار تتجه إلى دول الخليج العربي بتحقيق وعودها على الأرض من ناحيتين: الأولى، تأمين عبور السلاح من تركيا وهذا ممكن جداً بالتنسيق مع أنقرة عبر الثوار، والثانية الضغط على أنقرة ودعمها لمساحة أكبر من التجاوب مع الاتحاد العسكري للثوار. ومن الواضح حتى في تصريحات المسؤولين الخليجيين قناعتهم بعدم جدوى كل مناورات روسيا ومهمة كوفي أنان التي لم تكن تخرج عن عُهد جديدة يشتد فيها النظام تنكيلاً بالشعب، وحيث إن دول الخليج العربي أضحت في برنامج مواجهة مفتوح مع النظام بعد أن تبين لها حجم الخسارة التي سترتد عليها حين ينتصر الإيرانيون ونظامهم على الشعب السوري، فإن القضية الآن أضحت مرتهنة بسرعة تأمين الدعم إلى الثوار في الاتحاد العسكري. الدعم وتكثيفه والضمان اللوجستي: لقد عُرف النظام بقدراته الاستخبارية في إنشاء مجموعات عنف أو اختراق مجموعات للقاعدة، وحتى لا يُعطى فرصة في أي من المسارين تحتاج منطقة الخليج العربي لحملة خطاب منظم ضد أي تطوع يسعى للتوجه للأرض السورية من دولها أو عبرها من المواطنين العرب. ولقد أعلن السوريون مراراً عدم حاجتهم للرجال وأن الشعب مكتف برجاله، وإنما يحتاج الأمر إلى تدعيم القطاع العسكري للثورة عبر قيادته وتعجيل وصول السلاح في أسرع وقت ممكن، وبالتالي فصعود التسلح لدى الجيش الحر والمجلس العسكري يعني قيامهما بدور حيوي مركزي لتحقيق الانتصار على الأرض والوصول إلى الهدف المركزي الذي تحدثنا عنه سابقاً وأكده قائد عمليات إدلب في الجيش الحر للزميل أحمد زيدان وهو الزحف بحرب العصابات للوصول إلى الحدود التركية وفرض المنطقة العازلة ذاتياً، وهو ما سيُغير بعد رعاية الله لهذا الشعب موازين الحرب بصورة شاملة. الطائفية لدى النظام لا الثورة: الضجيج الذي يُدار حول الثورة، رغم أنها في موقع الضحية والنظام يستخدم المكون الديمغرافي بصورة وحشية عبر أدوات طائفية، يجب أن لا يُلتفت له فهو حركة دعاية أُخرى تُريد أن تستنزف الثورة وتربكها، وما قدمته الثورة من قدرات صمود وانضباط لن يخرجها عن برنامج الثورة الوطني وسيُنفذ القصاص من مجرمي الحرب من أي طائفة عبره، ومن يمارس القتل الجماعي هو النظام والإيرانيون وفروعهما، في حين تُدرك الثورة أن حركة الزج بأحياء محددة من حمص ضد أحياء الثورة واستخدام شبيحة منهم بالذات هدفه ربط الطائفة النصيرية عنوة بالنظام لمصيره النهائي، وقيادة الثورة فطنة جداً للمخطط ولديها قدرة لعزل من لم يتورط من الطائفة وهم الغالبية بكل تأكيد عن من يستحق القصاص القانوني. التشكيك في المجلس وحلقة النصر: كل من يقرأ التاريخ لقضايا حركات التحرر يُدرك أن خلافات عاصفة مرت بها هذه الحركات، ووضعية المجلس الوطني السوري مع عمره الزمني على ما فيه من أخطاء تُعتبر أفضل بكثير من وضعية تلك الحركات، وإنما يُحتج عليه لتبرير رفض واجب الدعم للثورة السورية، وأما هيئة التنسيق فالفريق المرتبط بإيران أضحى عنصر مناهضة للثورة منذ فترة طويلة وها هو ينادي بمنع تسليح الجيش الحر وعدم إسقاط النظام ورفض الدعم الدولي. مع كل هذه المآسي والدماء فإن عزيمة الشعب وثوّاره لم تلن، ولا يُمكن لأي مراقب رصد حراك الثورة وموقفها أن يشك في أن قرار التقدم للنصر أقوى من أي وقت مضى وأن عزيمة الشعب الفدائي ستقتنص النصر وتقيم القصاص، طال الزمن أو قصر. المطلوب على الصعيد الشعبي -كما كررنا مراراً- حراك تنفيذي للعلماء والمثقفين العرب للضغط على تركيا ودول الخليج العربي ليس عبر البيانات بل بتشكيل فريق وبرنامج نفير عام للتواصل مع كل أرضية سياسية وإعلامية تحقق بندي النصر: المنطقة العازلة وتسليح الثوار، ولن يخذل المولى شعباً قدم قرابينه إليه وحريته، وسيعلن التاريخ قريباً أن طاغية الشام وأعوانه وحلفاءه قد هُزموا وأُنزل بهم القصاص على يد الثوار، وقد استرد الشعب كرامته.
المصدر: الجزيرة نت
حسان الحموي
زياد ماجد
عبد الله محمد
فيصل القاسم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة