..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

لعبة الأمم بين البوسنة وسوريا

أبو طلحة الحولي

١٧ مارس ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3757

لعبة الأمم بين البوسنة وسوريا
8998799899.jpeg

شـــــارك المادة

أعتذر عن طول هذا المقال، وما ذلك إلا لأهميته، فقد رمى العالم الثورة السورية عن قوس واحد، فالثورة تنتظر منا كل نقطة حبر، وكل حرف يرفرف فوق الأوراق ليجتمع مع أخيه الحرف فيعضده في إنشاء الكلمة، والكلمة تقف مع أختها تشد من أزرها لتكون الجملة، والجملة تصطف إلى منكب الجملة لتكون صفاً كالبنيان المرصوص، فمعذرة على الإطالة، ولكن الحدث جليل، والمصاب عظيم، وسوريا في قلوبنا، وفي جوانحنا، وهي تنتظر منا الكثير، ومهما فعلنا فنحن مقصرون مقصرون مقصرون، فمعذرة على طول المقال.


أناشد الرئيس أوباما أقوى رئيس في العالم.. أدعو مجلس الأمن إلى التدخل في سوريا... صيحات هنا وهناك من بعض أعضاء المجلس الوطني ومن المساندين للثورة السورية والداعمين لها ولكن أتساءل: هل قامت الثورة لكي تناشد أوباما وتستعطفه؟ هل قامت الثورة لكي تحزن على مواقف روسيا والصين منها؟ هل قامت الثورة لتطلب الغوث من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا؟ إن الثورة السورية لم تقم حين قامت من أجل هذا أو ذاك بل قامت لله، والثوار نادوا "يا الله" مع تحرك أول قدم إلى ساحة الحرية والكرامة والعزة.
لقد قلت مراراً في أكثر من مقال: أن أمريكا وأوروبا وروسيا والصين مثل النظام الوحشي لا تختلف عنه. وأن الولايات المتحدة الأمريكية لا يهمها من المنطقة العربية سوى مصالحها مهما ادعت من أنها دولة حقوق الإنسان والحريات، وهذا ما تسعى إليه والتي أعلنوها جهاراً!! فليس هناك أهمية لنوع النظام الذي يحكم الدول سواءً كان ديمقراطياً أو ديكتاتورياً طالما يحقق المصالح الأمريكية. فأمريكا لا تعرف سوى مصالحها، ولا تعبد سوى الدولار. قال الشهيد سيد قطب - رحمه الله - بتاريخ: 3-11-1952م: "في أمريكا يتحدثون عن الرجل الأبيض، كما لو كانوا يتحدثون عن نصف إله، ويتحدثون عن الملونين من أمثالنا المصريين والعرب عامة كما لو كانوا يتحدثون عن نصف إنسان.. فالذين يعتقدون أن الأمريكان يمكن أن يكونوا معنا ضد الاستعمار الأوروبي هم قوم إما مغفلون أو مخادعون، يشتغلون طابوراً خامساً للاستعمار الأمريكي المنتظر لبلاد الشرق الأوسط". "إن مصالح الاستعمار الأمريكي قد تختلف أحيانا مع مصالح الاستعمار الأوروبي، ولكن هذا ليس معناه أن يكونوا في صف استقلالنا وحريتنا، إنما معناه أن يحاولوا زحزحة أقدام الأوروبيين ليضعوا هم أقدامهم فوق رقابنا، وفي الغالب هم يجدون حلاً لخلافاتهم مع الاستعمار الأوروبي على حسابنا" (مقال بعنوان عدونا الأول: الرجل الأبيض، سيد قطب، مجلة الرسالة السنة العشرون المجلد الثاني عدد 1009).
ويوضح الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية ريتشارد نيكسون حقيقة المصالح وأنواعها في كتابه الفرصة السانحة فيقول: "وأول واجب علينا أن نفعله هو أن نفرق بين مصالحنا الحيوية، ومصالحنا الحساسة، ومصالحنا الهامشية، ولا توجد دولة في العالم تستطيع أن تدافع عن جميع هذه المصالح طوال الوقت.... وتكون المصلحة حيوية إذا كان فقدانها يهدد أمن الولايات المتحدة، فاستمرار استقلال أوروبا الغربية واليابان وكندا والمكسيك ودول الخليج مسألة حيوية لأمن بلادنا. وكذلك لدينا مصلحة حيوية في أن لا تحصل الدول المتخلفة على السلاح الذري، وليس للولايات المتحدة الخيار إلا القوة المسلحة لتمنع تهديد مصالحها. والمصلحة الحساسة هي التي تشكل تهديدًا مباشرا لإحدى النقاط الحيوية... ولذلك تعتبر أمريكا الوسطى وكوريا من المصالح الحساسة للولايات المتحدة، ومن الممكن أن تلجأ الولايات المتحدة أحياناً في معالجة المصالح الحساسة، وكأنها مصالح حيوية وكنوع من الإستراتيجية الدفاعية. أما المصالح الهامشية فهي الأمور التي لو سيطرت عليها قوى معادية فإنها تشكل تهديداً غير قريب لمصلحة حيوية أو مصلحة حساسة.
وعلى سبيل المثال: فإننا لا نحب أن تحتل إحدى الدول المعادية دولة مالي، ولكننا لا نعتقد أن احتلال مالي سوف يكون له تأثير على مصالح الولايات المتحدة المهمة، ومن هذا فلا نفكر في استعمال القوة العسكرية لرد هذا الاعتداء. إن إستراتيجيتنا الأمنية يجب أن تقيِّم كل ما يمكن عمله، طبقاً لمستوى الأهمية لمصالحنا وإمكاناتنا وما نواجه من أخطار.
فعلى سبيل المثال لا نرسل الوحدة: 82 المحمولة جوا للدفاع عن إحدى مصالحنا الهامشية في موريتانيا، ولكننا نفعل ذلك بدون تردد للدفاع عن مصلحتنا في الخليج" انتهى كلامه.
على الثورة السورية أن تعرف أعداءها، وعليها أن تعرف أن أمريكا والدول الأوروبية وروسيا والصين لم تفعل خيراً في تاريخها القديم أو الحديث للبلاد العربية والإسلامية، بل دمرت منجزاتها الحضارية والعلمية والتقنية، ومنعتها من التطور التكنولوجي، والتقني، وغزت عقولها فكرياً وثقافياً، ومارست عليها الإرهاب الفكري والعسكري وألحقت بها الدمار والخراب، هذا مع الدعم اللا محدود للدولة المحتلة لفلسطين، وتدمير العراق وتفكيك السودان. قال الشهيد حسن البنا: "أيها المسلمون: عبثاً أن تحاولون أن يكون الخصم هو الحكم، وأن تجدوا النصفة من أعدائكم.. عبثاً تنتظرون الرحمة من قلوب هؤلاء، فقد جمدت حتى صارت كالحجارة أو أشد قسوة، وأظلمت وأصبحت أحلك من سواد الليل، وانطمست حتى لا ترى بصيصاً من نور الحق.. عبثاً تريدون أن تسمعوا كلمة عطف من فريق منهم، فقد اجتمع الجميع عليكم، واتفقت كلمتهم في وسائل إرهابكم، وإن تفرقوا في مطامعهم، واختلفوا في منازعهم، فهناك سبيل واحد اتفقوا عليه وأقسموا ليُنفذُونه، هو القضاء على الإسلام والمسلمين، وهي إحن صليبية، وسياسة رجعية، تدفعهم إلى أعمال هي إلى الوحشية والجنون أقرب. لا تخدعوا أنفسكم أيها المسلمون، وحسبكم غفلة وحسن ظن بالأيام، فقد وصف الله لكم القوم في كتابه فقال - تعالى -: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا} (البقرة: 217)، وقال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - ما هو أصرح من ذلك، وهم لا يرضيهم منكم إلا الردة وإلا الاستعباد، وبعد كل هذا لهم معكم حقد قديم ينتقمون منكم به؛ {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني بريء منك..} (الحشر: 16). هذه حقيقة ما هو واقع، وقد صرحوا به بالقول مرات، وأكدوا بالفعل، وتواترت عليكم به الأنباء" (مقال بعنوان: واجب العالم الإسلامي، حسن البنا، أمام ما نزل به مجلة الفتح 2 صفر 1650 ـ 18 يونيو 1931).
إن الثورة السورية في خطر إذا سارت في هذا الطريق معتمدة على الغير، فالتاريخ يعيد نفسه، وسيناريو التخاذل والتجاهل لجرائم الصرب في البوسنة والهرسك يعيد نفسه. ولنتأمل ما حدث: بعد استفتاء 4/ مارس/ 1992م، الذي أعلن فيه "علي عزت بيجوفيتش" استقلال جمهورية البوسنة والهرسك رسمياً عن صربيا شن الصرب معاركاً دامية في جمهورية البوسنة والهرسك، ودخل الصرب بالمدرعات والدبابات بلدة "بوسانسكي برود". فبعثت الأمم المتحدة بقوات في (23/ مارس/ 1992م) إلى بلغراد لحفظ السلام، وإيقاف اعتداء الصرب على كلٍ من كرواتيا والبوسنة، وبالفعل توقف الاعتداء على كرواتيا، بينما امتد على المسلمين واتسع حتى عمَّ بحلول (25/ مارس/ 1992م) جميع مدن البوسنة والهرسك، فصار المسلمون يجاهدون وحدهم ضد الجيشين الصربي والكرواتي يدعمهم صرب البوسنة وكروات البوسنة. واستغاث مسلمو البوسنة بمسلمي العالم، فأرسل "علي عزت بيجوفيتش" - رحمه الله - 100 رسالة إلى زعماء العالم وخاصة المسلمين منهم. في 4 / 10 / 1412هـ، الموافق 6 / 4 / 1992م تعرَّضت عدة مدن في البوسنة والهرسك لمذابح رهيبة، وشهدت مدينة بيليينا أكبر المذابح التي نفَّذها الصرب بحق المسلمين منذ الحرب العالمية الثانية. وبلغت محصلة الشهور الأربعة الأولى فقط من الحرب الصربية ضد المسلمين أكثر من أربعين ألف قتيل مسلم، ونحو مليون وخمسمائة ألف مُهجَّر من المسلمين. (وكالة الأنباء الإسلاميَّة: البوسنة والهرسك، قصَّة شعب مسلم، جدة، دار القبلة للثقافة الإسلامية، ط. الأولى، 1413 هـ / 1992 م ص: 34، 50).
لقد أكدت الولايات المتحدة الأمريكية منذ اللحظة الأولى لاندلاع القتال في أراضي يوغسلافيا أهمية تحمل المجموعة الأوروبية لمسؤولياتها السياسية والعسكرية حيال هذا الصراع، والعمل على وقفه، فلا مصلحة حقيقية لها في تدخل عسكري لوقف القتال، لأنه إضافة إلى الخسائر المادية والبشرية التي يمكن أن تترتب عليه سيؤدي إلى توتر علاقاتها بروسيا، كما سيقابل بالاستياء من اليونان ورومانيا وبلغاريا، وفي الوقت نفسه فإن الولايات المتحدة الأمريكية رأت في استمرار القتال في البوسنة ما يؤكد بالدليل العملي عجز المجموعة الأوروبية عن أداء أي دور سياسي فاعل، ناهيك من دور عسكري، ولو محدوداً، فالمجموعة الأوروبية عاجزة عن وقف القتال، في قلب أوروبا، فضلاً عن الانقسامات، التي تسود مواقف أعضائها، تجاه فكرة العمل العسكري لوقف القتال. كما أن تواصل القتال، حتى بعد تدخّل الأمم المتحدة، يقدم دليلاً جديداً إلى المجتمع الدولي على عجزها عن اتخاذ خطوات كافية لوقف القتال، في ظل غياب دور أمريكي فاعلٍ، ومستقل.
إن أسلوب تعامل الولايات المتحدة مع القضية البوسنية اتسم باللامبالاة منذ الإشارة الأولى لاندلاع النزاع، فقد أعطت أمريكا الضوء الأخضر لصربيا للقيام بحملتها العرقية عن طريق الإبادة، بينما تكتفي بالتحرك الدبلوماسي الهزيل، فاكتفت الإدارة الأمريكية برعاية جولات عن المفاوضات العقيمة، ولا زالت تحاول أن تظهر بصورة الحكم العادل حيث تلقي باللوم على جميع الأطراف بما فيهم الضحايا المسلمون، إنها في الحقيقة تضغط على الحكومة البوسنية لكي تجلس على مائدة المفاوضات مع الصرب الذين يجب أن يحاكموا كمجرمي حرب وذلك للقبول بالأمر الواقع المؤلم..
لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية سعيدة بما يجري في أوروبا، حيث ترى مشروع الوحدة الأوروبية، الذي يهدد هيمنتها على الأحادية القطبية في العالم، غارقاً في بحر المتاهات والتقسيمات العرقية، وكان الهدف الذي يجمع الأوربيين، شرقيهم وغربيهم، على السواء، مع الأمريكيين والروس، رغم اختلاف وتناقض المصالح والأهداف بينهم جميعاً؛ هو منع قيام دولة إسلامية ذات مقومات كاملة في وسط أوروبا. (انظر: البوسنة والهرسك (تاريخياً... وعسكرياً... وسياسياً) المبحث الرابع عشر، موقع مقاتل من الصحراء، بتصرف واختصار).
وقد سُئل (جورج بوش) عشية قمة ميونيخ عن سبب إحجامه عن التحرك في ظل الوضع المتردي أجاب قائلاً: "إنه ليس مستعداً لأن يرسل الأولاد الأمريكيين في مهمة كهذه". وتعلق (لاسلي غليب) في النيويورك تايمز قائلة: "إن الغرب ما كان ليتخذ هذا الموقف اللامبالي لو كان ضحايا المجزرة من النصارى، ولو كانوا كذلك إذن لانتفض العالم الغربي وتحرك الضمير النائم وترجمه ذلك إلى تحرك عسكري واقتصادي وسياسي بدلاً من حالة النعاس الثقيل التي يغط فيها المجتمع الدولي". [النيويورك تايمز: نقلاً عن مجلة البيان: عدد 58، ص82]. بينما سأل وزير الدفاع الأمريكي المراسلين بدل أن يسألوه: "من هو العدو؟ كيف سنحدد تدخلنا العسكري، من نحارب؟ البوسنيون؟ الصرب؟ نحن لا ندري!! [واشنطن بوست سبتمبر 1992]. وعندما قام الرئيس الفرنسي بزيارته المسرحية إلى مطار سراييفو أعلن قائلاً: "لن أسمح بقيام دولة أصولية إسلامية في أوروبا"، وقال: "إن الحل العسكري مستبعد لأن المعضلة من سيقدم الجنود المطلوبين". ولقد وقفت اليونان ضد أي محاولة لإدانة الصرب، فكانت تقوم بتسريب السلاح والمؤن إليهم. أما روسيا فقد هددت باستخدام النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، ضد أي مشروع لقرار يقضي باستخدام القوة ضد الصرب. ولم يختلف موقف بريطانيا في ما يتعلق بتسليح البوسنة كثيراً عن كل من فرنسا وألمانيا، فقد أصرت الحكومة البريطانية على منع رفع حظر الإمداد بالسلاح للبوسنة، وعارضت كذلك توجيه ضربات جوية بواسطة حلف شمال الأطلسي ضد المدفعية الصربية، ولقد لخصت الرسالة السرية التي بعثها رئيس وزراء بريطانيا جون ميجر إلى الوزير البريطاني للشؤون الخارجية دوغلاس هوغ حقيقة وخفايا الموقف البريطاني: "الهدف النهائي هو تقسيم البوسنة والهرسك، ومنع قيام الدولة الإسلامية في أوروبا وهو الأمر الذي لا يمكن أن نسمح به أبداً". [عن مجلة الرابطة: ص154، محرم وصفر - ربيع الأول 1414هـ، (وفيها نص للرسالة باللغتين العربية والإنجليزية)].
كما تساءل الآن كلارك وزير الدفاع البريطاني السابق قائلاً: "كيف نستطيع أن نبرر لعوائل الجنود المقتولين أن أبناءهم لم يموتوا في سبيل الملكة أو الوطن، بل لمنع الصرب من قتل المسلمين". [النيوزويك: 7/سبتمبر/1992م].
ومن مظاهر الخداع الأوروبي ذلك المؤتمر الذي عقد عام 1992م، في هلسنكي، عاصمة فنلندا لتدارس أزمة البوسنة، وحضره أكثر من خمسين رئيس دولة في العالم، وكان المطلوب وقف اعتداءات الصرب على البوسنة بأي وسيلة، إذ لم يحترم الصرب أبداً قرارات الأمم المتحدة، كما لم يكفوا عن هجماتهم على المسلمين على الرغم من إجراءات الحظر والتهديد بالعقوبات، وحتى الطرد من الأمم المتحدة. وقد كان مطلوباً، في ذلك المؤتمر، تشكيل قوة دولية تحت علم الأمم المتحدة، تردع عدوان الصرب المتمادي، إلا أن خلافاً وقع بين الزعماء الأوروبيين، حول مبدأ التدخل العسكري في البوسنة. ولم تكن الولايات المتحدة الأمريكية تريد غير هذا الخلاف، لتعلن رفضها المطلق للتورط العسكري في جمهوريات يوغسلافيا السابقة، وبالطبع، كانت هذه الخلافات أفضل نتيجة ينتظرها الصرب، فاستمروا في زحفهم على مناطق المسلمين ليبتلعوها، متبعين أفظع أساليب الإرهاب والتنكيل والتعذيب، للاستيلاء على المزيد من الأراضي، وقتل أكبر عدد من المسلمين، وتشريد من ينجو من الموت. ولم تكن ردود الفعل الأوروبية، سوى الاستنكار والشجب.. [انظر: البوسنة والهرسك (تاريخياً... وعسكرياً... وسياسياً)، المبحث الخامس عشر، موقع مقاتل من الصحراء]. أما المهزلة الدولية المسماة زوراً وبهتاناً بالشرعية الدولية ممثلة بهيئة الأمم ومجلس الأمن، فلا تزال محجمة عن التدخل ضد أطماع الصرب وأحقادهم، رغم خرقهم لكل اتفاقيات وقف إطلاق النار.
إن ما قامت به هيئة الأمم هو حظر السلاح على حكومة البوسنة، وهي تبرر سياسة الصمت لما يجري من حرق وتهجير وقتل المسلمين بأن قوات حفظ السلام لديها أوامر بأن تبقى محايدة مهما يكن من أمر. [الاندبندنت: 7 أغسطس 1992م]. وقد وصف مندوب البوسنة لدى الأمم المتحدة عملية التستر هذه بأنها خيانة، وانتقد هذا الحياد المزعوم الذي يعني غض الطرف عن وحشية المعتدي ومعاناة الضحية. ومنظمة الصليب الأحمر، كانت تزعم الحياد أيضاً، وقد أخفت معلومات عن اعتقالات جماعية وعمليات تعذيب واغتصاب منظمة. [البيان: العدد (55)، ص69، 70].
لماذا ترسل الأمم المتحدة (14) ألف جندي لحفظ السلام عندما حصلت الحرب بين الصرب والكروات، وضغطت دول أوروبا على صربيا لوقف العدوان، وتتحول هذه الهيئة إلى حمل وديع لا يستطيع إيقاف عدوان الصرب على مسلمي البوسنة بعد ذلك؟! وإن قرارات مجلس الأمن لا تنفذ إلا على المسلمين، فهناك أكثر من (63) قراراً دولياً في قضية البوسنة لم ينفذ منها قرار واحد وكأن الصرب يعرفون هذه الحقيقة، فاستمروا في مذابحهم وجرائمهم في ظل الحماية الدولية. [انظر هذه القرارات في: البوسنة والهرسك (تاريخياً... وعسكرياً... وسياسياً)، قسم الملاحق، موقع مقاتل من الصحراء]. ومع تصاعد ثورة الرأي العام العالمي، التي أدانت السلبية الأمريكية، بدأت الإدارة الأمريكية في تبنِّي بعض المواقف، التي تظهر رفضها للعدوان الصربي على البوسنة، تمثل ذلك في تصعيد بعض الضغوط ضد صربيا، مثل اقتراح تجميد عضويتها في مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبيين، والتهديد باستثناء البوسنة من قرار الحظر المفروض، على تصدير السلاح إلى جمهوريات يوغسلافيا السابقة...... وأرفقت ذلك بعدة تصريحات ذرّاً للرماد في العيون، أوضحت فيها أنها لا تمانع في توجيه ضربة عسكرية ضد المعتدين الصرب، وأنها لا توافق على مكافأة المعتدين الصرب، باستمرار حصولهم على أراضي المسلمين، كما أعربت الإدارة الأمريكية عن رغبتها في محاكمة مجرمي الحرب الصربيين والكرواتيين، إلا أن كل هذه التصريحات لم تكن أكثر من كلام لتسجيل المواقف لم توضع أبداً موضع التنفيذ من قبل واشنطن، إذ أرفقت بقيود وشروط حالت دون تنفيذها.. ولقد كشف ديفيد أوين، الوسيط الدولي، عن حقيقة الوهم الذي تروّج له الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، في مسألة توجيه ضربات جوية ضد مواقع الصرب. وذلك في حديث له مجلة "لونوفّل أوبزرفاتور" الفرنسية، قال فيه: "إن المسلمين يُمَنُّون أنفسهم، بأن الأمريكيين سوف يأتون لإنقاذهم، كما يحدث في أفلام رعاة البقر الأمريكية، ولقد أقام المسلمون إستراتيجيتهم على هذا الوهم، مع إني حذرتهم مراراً بألا يناموا على حرير الأوهام". كما كشف السفير الأمريكي بافولوميو عن حقيقة الموقف الأمريكي، المخالف تماماً لكل التصريحات الرسمية التي صدرت عن واشنطن، حين كان يحث رئيس البوسنة علي عزت بيجوفيتش على توقيع خريطة تقسيم البوسنة قالاً: "يجب أن تغلق فمك لأن الأمريكيين غير جادين في شأن إرغام الصرب على التراجع" [انظر: البوسنة والهرسك (تاريخياً... وعسكرياً... وسياسياً)، المبحث الرابع عشر، موقع مقاتل من الصحراء].
ومما يوضح أخيراً تواطؤ العالم ضد البوسنة ما صرح به (كاراجيتش) زعيم عصابات الصرب البوسنية، وهو يتساءل باستغراب: "لماذا يتظاهر الجميع بذرف الدموع على البوسنة؟ إن هؤلاء - المتظاهرين بدموعهم - يتحدثون إلينا في الغرف المغلقة بطريقة مختلفة". ولنكرر مع الرئيس علي عزت بيجوفيتش قوله: "إن الغرب حينما يتعلق الأمر بالإسلام، مستعد لأن يخون مبادئه وقيمه التي ينادي بها". [مجلة البيان: العدد (82) جمادى الآخرة سنة 1415هـ، مقال: هذه حقيقة مجلس الأمن]. ولكن رغم كل هذه المحن والمؤامرات العالمية والغربية عليهم لم يتخل أهل البوسنة عن الدفاع عن أنفسهم واستبسلوا في هذا الأمر، ولم يتخلوا عن دينهم، واستطاعت بفضل الله أن تميل كفة النصر إليها، وهنا حدث الاستعجال في توجيه الضربات للصرب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، لكي توقف هذا النصر، وليس من أجل وقف المذابح التي ترتكب ضد المسلمين في البوسنة على مدى سنوات.
هناك حقائق واضحة في محنة البوسنة والهرسك صاغها الأستاذ الكبير محمد قطب في حقيقتين في كتابه دروس من محنة البوسنة والهرسك:
• مدى الحِقد الصَّليبي الكامِن في نفوس الغرْب تجاهَ الإسلام، وسَعْي العالَم كلِّه إلى محوِ الإسلام مِن الأرض.
• مقدار الزَّيْف في تلك الحضارة، التي زعمَتْ أنها حضارةٌ إنسانية تقوم على احترامِ الآخَر، وإعطائه حقَّه في الوجود، وحقَّه في التعبيرِ عن ذلك الوجود. وهذا ما يحدث الآن في بلاد الشام الحبيبة، فها هو العالم العربي والغربي يشاهد النظام الوحشي وهو يفتك بالشعب السوري الأعزل ومع ذلك لا يتحرك، ويراوغ مكانه.
لقد رمى العالم الكرة في الجامعة العربية، ووقف يشاهد هذه الكرة وهي تتدحرج إلى مجلس الأمن ثم لتخرج خارج الملعب فلا الجامعة العربية أمسكت بها، ولا مجلس الأمن، ولا أوروبا، ولا الولايات المتحدة الأمريكية، ولا روسيا ولا الصين.. خرجت خارج الملعب وطارت في الهواء والكل يدّعي عجزه عن الإمساك بها رغم التشدق بالحديث عنها. فلا مصلحة حقيقية للعالم -في ظل غياب البديل عن النظام الوحشي- في تدخل عسكري أو سياسي قوي لوقف المذابح، وفي الوقت نفسه فإن الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وروسيا والصين كلها ترى عجز الدول العربية عن أداء أي دور سياسي فعال أو عسكري، وأن الدول العربية لا تملك من زمام الأمور شيئاً، وأن الحل ليس بيدها وإنما بيدهم، فإذا قام بأي عمل لم يكن هناك من يمنعه، والغرب لا يهمه سوى مصالحه، وسوى عبادة الدولار!! وقد أعلنها صراحة الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أندرس فو راسموسن في مقابلة مع قناة "NTV" التركية إن "سورية لا تدخل في جدول أعمالنا، والناتو لا ينوي التدخل في الأزمة السورية ولكنه يتابع الوضع هناك باهتمام"، ثم يؤكد مرة أخرى "إن الحلف لا يعتزم التدخل في سوريا حتى في حالة صدور تفويض من الأمم المتحدة لحماية المدنيين". وفي مقابلة مع وكالة رويتز قال: "أنه رفض أيضاً إمكانية تقديم أي إمدادات أو مؤن لدعم ما أسماه (ممرات إنسانية) مقترحة لنقل مواد للبلدات والمدن السورية". وأبدى راسموسن تشككاً عند سؤاله عما إذا كان موقف الحلف سيتغير في حالة صدور تفويض من الأمم المتحدة، وقال: "لا. لا اعتقد هذا لأن سوريا أيضاً مجتمع مختلف.. إنه أكثر تعقيداً من الناحية العرقية والسياسية والدينية. ولذلك السبب أعتقد بالفعل أنه لا بدّ من إيجاد حل إقليمي". وتأتي الضغوطات من دولة العدو الصهيوني إلى أمريكا بتخفيف الضغط عن سوريا فيعترف رئيس أركان الجيوش الأميركية، الجنرال مارتن ديمبسي بأن التدخل في سوريا سيكون "بالغ الصعوبة".
إن هذا التكالب العالمي على هذه الثورة المباركة هي فاتحة خير، وبشارة نصر، ولنا في غزوة الخندق أسوة حسنة، وعبرة وعظة، قال - تعالى -: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} (الأحزاب: 11-12).
"إنها صورة الهول الذي روع المدينة، والكرب الذي شملها، والذي لم ينج منه أحد من أهلها. وقد أطبق عليها المشركون من قريش وغطفان واليهود من بني قريظة من كل جانب. من أعلاها ومن أسفلها. فلم يختلف الشعور بالكرب والهول في قلب عن قلب; وإنما الذي اختلف هو استجابة تلك القلوب، وظنها بالله، وسلوكها في الشدة، وتصوراتها للقيم والأسباب والنتائج. ومن ثم كان الابتلاء كاملاً والامتحان دقيقاً، والتمييز بين المؤمنين والمنافقين حاسماً لا تردد فيه. وننظر اليوم فنرى الموقف بكل سماته، وكل انفعالاته، وكل خلجاته، وكل حركاته، ماثلاً أمامنا كأننا نراه من خلال هذا النص القصير. بينما المؤمنون؛ {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً * مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}(الأحزاب: 22-23)، (هذا ما وعدنا الله ورسوله).. هذا الهول، وهذا الكرب، وهذه الزلزلة، وهذا الضيق. وعدنا عليه النصر.. فلا بدّ أن يجيء النصر: (وصدق الله ورسوله).. صدق الله ورسوله في الإمارة وصدق الله ورسوله في دلالتها.. ومن ثم اطمأنت قلوبهم لنصر الله ووعد الله: (وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً).. [في ظلال القرآن: سيد قطب].
لقد تكالب الكفر على المسلمين، فقريش خرجت بأضخمَ جيش للقضاء على الإسلام والمسلمين، وفي قلب المحنة ينقض يهود بني قريظة، العهد وينضموا إلى قريش، فاجتمع العدو الخارجي مع العدو الداخلي كما وصفهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب)).. هذا بالرغم من اختلاف العقائد والمناهج والملل، فوافق المشركون على التحالف مع اليهود. ونسوا خلافاتهم واجتمعوا لمواجهة الإسلام والمسلمين، وهذا ما حدث في البوسنة وما يحدث الآن في سوريا!! وهذا التكالب وهذا التحالف وهذا التآمر هو قمة البشارة وبداية النصر، فبالرغم من الحصار الجماعي في غزوة الأحزاب من مختلف القبائل العربية واليهود، وبالرغم من قلة الزاد واشتداد الجوع والخوف والبرد والمعاناة لم ييأس المسلمون، ولم يفقدوا ثقتهم بالله. وها هي المظاهرات تزداد كل جمعة، فقد تم -بحمد الله وفضله- رصد 642 مظاهرة في جمعة "سننتفض من أجلك بابا عمرو"، وفي جمعة "الوفاء للانتفاضة الكردية" تم رصد 696 مظاهرة في 534 نقطة تظاهر، على الرغم من الممارسات الوحشية، والظروف العصيبة التي يمر بها الثوار من الجوع والبرد والخوف والتكالب الخارجي ضدهم.
إن أحجار الشطرنج تكسرت على أيدي الرجال والنساء -واغلبهم في سن الشباب- والأطفال المتظاهر في هذه الثورة، وهم من يشكلون وجه سوريا الجديد على أسس مختلفة تماماً عن العقود السابقة، فلم تعد أمريكا ولا روسيا ولا إسرائيل ولا أوروبا اللاعب الذي يحرك أحجار الشطرنج أو اللاعب الأول والمسيطر على الأحجار. وإن هذه المماطلة في حسم هذه الثورة ليس بالأمر المستغرب على بلاد الشام، فدائماً ما تكون بلاد الشام مستهدفة من الأعداء كيفما كانوا شرقاُ أو غرباُ على مدار التاريخ لأهميتها ومكانتها، ولهذا لا يخفى على أحد أن هناك مؤامرات تلو المؤامرات لتعطيل هذه الثورة حتى يتوفر البديل الذي يحافظ على المصالح الأمريكية والأوروبية والروسية. وهناك المؤامرات تلو المؤامرات حتى لا تنتصر الثورة لتنهض الأمة، فانتصار الثورة السورية هو نهضة الأمة من جديد، وعنوان عزتها ومجدها، ويكفي فخراً لهذه الثورة السورية أن كشفت حقيقة النظام الوحشي في ممانعته ومقاومته، ورفعت الغطاء عن حقيقة ديمقراطية الغرب، والتي يروج لها وللأسف الشديد أبناء من جلدتنا، يعيشون بيننا، ويتكلمون بألسنتنا، وقلوبهم لا تفكر إلا بما يفكر لها الغرب، ولا ترى الصورة إلا كما يعرضها الغرب.
"ما موقفهم اليوم بعد ما انكشف الغرب هذا الانكشاف المخزي الذي يمثل وصمة عار في جبين البشرية كلها، التي تحمل في أطوائها مثل هؤلاء الوحوش، ثم تسكت عليهم هذا السكوت؟! هل سيظلون يتكلمون عن عظمة الغرب، وعن تقدمه وتحضره ونبله ورفعته، ويظلون يستنكرون من يتحدث عن مؤامرة الغرب ضد الإسلام؟ ويقولون أن المؤامرة وهم لا وجود له في الحقيقة؟
يحكى أن رجلاً ذهب إلى طبيب العيون ليفحص له قوة إبصاره، فأجلسه الطبيب قبالة العلامات التي يفحص بها قوة الإبصار، وأشار إلى علامة معينة منها، فقال للرجل: ما هذه العلامة؟ فقال الرجل: هذه العلامة، يقول الطبيب: أهي إلى اليمين أم إلى اليسار؟ فقال الرجل ببساطة: أين هي العلامات؟ فقال له الطبيب في دهشة: ألا تراها؟ هذه هي الموجودة على الجدار. فقال الرجل: وهل يوجد جدار أيضاً؟ فما موقف عباد الغرب اليوم؟ هل بدت لهم العلامات؟ أم أن الجدار ذاته لم يتضح لهم بعد! يتحدثون عن الديمقراطية في الغرب، وكيف رفعت قيمة الإنسان وكرمته ومنحته كيانه الإنساني وحقوقه المشروعه، وبدون جدل كثير سنقول لهم نعم! إن الديمقراطية ـ عندهم ـ قد أعطت الشعب حق الوجود، ومنحته حقوقا وضمانات لم يكن يتمتع بها من قبل، وجعلت للفرد كيانا لا يملك أحد أن يعتدي عليه.. فإنها في النهاية ديمقراطية الرجل الأبيض (سليل ذلك الروماني القديم الذي يعتبر نفسه هو وحده) الحر (وبقية الشعوب عبيد، مهمتهم أن يخدموا مصالح السيد، وييسروا له المتاع)!!" [دروس من محتة البوسنة، محمد قطب ص 34-35].,
وهناك المؤامرات تلو المؤامرات لإفشال الثورة السورية حتى يسيطر اليأس والإحباط على النفوس، وبالتالي يرضون بأيسر الحلول. لكن هذه المؤامرات، وهذا السيناريو الشبيه بسيناريو البوسنة والهرسك لن ينجح -بإذن الله تعالى-؛ لأنه ضد بلاد الشام التي تكفل الله بها، وضد حركة التاريخ، وضد سنة الله - تعالى -في تدافع الخلق، قال - تعالى -: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة: 251].
إن المتأمل في هوية الجندي المنشق يجد أنها هوية العقيدة، وليست هوية الطائفية أو الحزبية، وهذا ما نجده في هتافاتهم، وأسماء كتائبهم التي تسمت بأسماء الصحابة، وهذا يعني ربط الجندي المنشق بعقيدته، والحديث عن بدر والخندق وفتح مكة ومؤتة، وحطين وعين جالوت وفتح الأندلس والعاشر من رمضان، وبهذا يصبح الجندي المسلم صاحب تاريخ يدافع عنه، وعقيدة يعيش من أجلها وهدف كريم يسعى إليه، ولهذا على الثوار وعلى الجيش الحر عدم الانخداع بأي شعارات يسوقها الغرب.
إن الثورة السورية -كما قلنا في أكثر من مقال- نعمة ربانية، ويجب على الثوار وعلى الأمة الإسلامية قاطبة الحفاظ على هذه النعمة، فهذه فرصة تاريخية إن أحسن الثوار والأمة الإسلامية التعامل معها على مقدار أهمية بلاد الشام ومكانتها الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للعالم كله، ولهذا نحن بحاجة إلى العلماء القادة والتي أوضحتها في مقال سابق.
إننا بحاجة إلى قادة أمثال علي عزت بيجوفيتش، فلم يكن أميراًٍ ولا ملكاً ولكن كان عالماً وداعية ثم رئيساً لبلده البوسنة والهرسك. ولنتذكر كلامه الذي يكتب بماء الذهب في كتاب الهروب إلى الحرية: "الحرية غير ممكنة ويستحيل تحقيقها إذا جاءت كمنحةٍ من فوق.. فالحرّية لا تُمنح وإنما تؤِخذ، ولأنها تؤخذ ولا تُمنح فلا بدّ أن يكون لها ثمن.. وقد يكون ثمنها التضحية بحياة الإنسان.. إن الاستقلال الذي يعتنق فلسفة أجنبية وأسلوباً أجنبياً للحياة، ويستند إلى المساعدات الأجنبية ورؤوس الأموال الأجنبية. والدعم الأجنبي لا بدّ أن يكون استقلالاً شكلياً.. لا ينطوي على حرية حقيقية، لأن كل حرية في صميمها هي حرية روحية.. وأي استقلال لا يحقق هذا الشرط سرعان ما يُختزل إلى مجرد السلام الوطني وعَلَم جديد، وهما عنصران تافهان بالنسبة للاستقلال الحقيقي".
ولهذا على المجلس الوطني أن يكون على قدر المسؤولية، فالثورة السورية تحتاج لنجاحها إلى العلاقة المزدوجة كما يسميها على عزت بيجوفيتش ويقصد بها: "التوافق الداخلي بين عناصر الفكر والقيادة في المجتمع من ناحية، وبين الجماهير من ناحية أخرى، حيث تمثل النخبة القائدة الفكر والإرادة، بينما تمثل جماهير الشعب القلب والدم، وبتفاعلهما معاً يتحقق الشرط الأول لأي إنجاز عظيم، وبدون هذا التفاعل تظل الأعمال مصطنعة مفتقرة إلى القوة الضاربة.. أو تبقى مجرد حبر على ورق..".
إن الثورة السورية تنتظر من الأمة العربية والإسلامية الكثير الكثير، لأنها ثورة كل العالم العربي والإسلامي، ثورة ضد الاستعباد للغرب مهما كان نوعه. وثورة ضد المد الرافضي مهما كانت صوره وأشكاله، وثورة ضد مخططات الغرب الاستخرابية لتمزيق المنطقة مهما كانت أساليبها، وثورة ضد الطغيان في كل العالم. فليكن شعارها مستمد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الآن نغزوهم ولا يغزونا)). الآن نحن نتحكم بهم ولا يتحكمون بنا.
فيا أيها الثوار: اصبروا وصابروا، وإذا أراد الله نصر عباده فلا ضرر عليهم إذا خذلتهم الدنيا بأسرها، أو تحالف عليهم الكفر وأهله، قال الله - تعالى -: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (آل عمران:160)..
اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم.. آمين يا رب العالمين، يا غياث المستغيثين. والله أكبر، والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع