مجدي داود
تصدير المادة
المشاهدات : 7159
شـــــارك المادة
عندما تشكل المجلس الوطني السوري قبل نحو خمسة أشهر، توجهت إليه الأنظار وظن الكثيرون أن الفرصة قد حانت لتتوحد المعارضة السورية تحت قيادة واحدة، خصوصا أنه ضم نحو 80% من المعارضة السورية، وتوالى التأييد من مدن وقرى سوريا، حتى الحرائر بايعوا ذلك المجلس ممثلا شرعيا وحيدا لهم، إلا أنه لم تكتمل خمسة أشهر على تأسيس ذلك المجلس، حتى أعلن المعارض السوري هيثم المالح، وعدد آخر من أبرز المعارضين الإسلاميين والعلمانيين تشكيل مجموعة العمل الوطني السوري.
في البداية وردت أنباء أن هذه المجموعة قد انشقت عن المجلس الوطني، إلا أن المالح نفى تلك الأنباء بعد ساعات من تناقلها بين معظم وسائل الإعلام، بل إنه نفى أيضا وجود تباين في المواقف داخل المجلس الوطني، إلا أن هذا يتعارض مع ما أكده أعضاء آخرون بالمجلس من وجود خلافات كبيرة بالمجلس، فقد عانى المجلس خلال الفترة الماضية من خلافات كثيرة وعميقة خرج بعضها إلى الإعلام فيما بقي الآخر سرا، فقد جمع هذا المجلس تناقضات كثيرة، لم تتفق في البداية على مشروع موحد لمواجهة النظام السوري مع عدم التخلي عن مبادئ وثوابت الشعب السوري، وظلت هذه التناقضات موجودة في المجلس حتى الآن، ويبدو أنها ستظل موجودة ما دام ذلك المجلس موجودا. فقد تشكل المجلس الوطني في الخارج، وتحديدا في تركيا، ولم يتعرض أعضاءه لما يتعرض له الشعب السوري، ولم يشعروا بالظلم ولم يقابلوا أو يشعروا بالوحشية التي يتعامل بها النظام السوري مع المدنيين في سوريا، وفي الوقت الذي كان الشعب السوري يطالب فيه بالحماية الدولية، في ظل تلك الحملة الهمجية الوحشية التي تقوم بها عصابات وميليشيا بشار الأسد، كان رئيس المجلس وبعض أعضائه، يقولون أنه لا يزال الوقت مبكرا للحديث عن حماية دولية، بل ويطالبون الشعب السوري بالحفاظ على "سلمية الثورة" وعدم عسكرتها وعدم حمل السلاح، وهو ما أدى إلى ظهور تيارين داخل المجلس الوطني، تيار مؤثر يتزعمه برهان غليون رئيس المجلس وبسمة قضماني وهو التيار المنادي بسلمية الثورة، وتيار آخر يدعم حق الشعب السوري في النضال ضد نظام الأسد بكافة السبل المتاحة ومنها العمل المسلح. تشكيل مجموعة العمل الوطني وبعدها بيومين تشكيل مجلس استشاري عسكري للإشراف على العمل العسكري، لا يلقى قبولا لدى القوة العسكرية الأهم داخل الأراضي السورية، والذي يعتبر حاليا الممثل الفعلي للمعارضة السورية، وهو الجيش السوري الحر، الذي أكد قائدة العقيد رياض الأسعد أنه لم يتوصل إلى اتفاق مع المجلس الوطني بخصوص هذا المجلس، ولا علاقة للجيش الحر بهذا المجلس العسكري، كما أشار إلى وجود تباينا كبيرا في المواقف بين الجيش الحر والمجلس الوطني. إن المجلس الوطني السوري بعدما رأى أن الخلافات داخله قد استفحلت وزادت حدتها، بسبب تشبث بعض الأشخاص بمناصبهم داخل المجلس وممارسة الديكتاتورية التي تشكل المجلس في الأساس للتخلص منها، وبسبب التصريحات التي أدلت بها بسمة قضماني والتي أذهلت الجميع وأصابتهم بالصدمة، والخلاف حول تسليح المعارضة السورية ودعم الجيش الحر، وهو ما أدى إلى سحب البساط من تحت قدم المجلس الوطني، وتراجع شعبيته في الشارع السوري لصالح الجيش الحر، كل هذا أدى إلى أن يتجه المجلس الوطني عبر مجموعة العمل الوطني والمجلس الاستشاري العسكري إلى حسم أو تهدئة الخلاف حول الدعم العسكري للمعارضة وفي نفس الوقت أن يكون هو المشرف على تحركات المعارضة المسلحة في الداخل. الجيش السوري الحر يرفض هذه الوصاية السياسية من المجلس الوطني لعدة أسباب، وعلى رأسهم سببين قويين، أحدهما أن الجيش الحر لا يثق في كل أعضاء المجلس الوطني، فبخلاف أن كثير من أعضاء المجلس الوطني يرفضون العمل المسلح الذي يقوم به الجيش الحر ويرفضون تبنيه أيضا، فإن الجيش الحر يرى أن هذا المجلس مخترق من قبل النظام السوري وأن هناك من بينهم من يخبر النظام السوري بكل ما يتم الاتفاق عليه، وبالتالي فهو لن يغامر بأن يكشف تحركاته وخططه لمن لا يثق فيهم، ثم يقع بعد ذلك فريسة سهلة لهذا النظام وتضيع جهوده التي يبذلها، وما لذلك من تأثيرات في تأخر نجاح الثورة وإراقة الكثير من الدماء. السبب الثاني أن المجلس الوطني لديه توجهات سياسية لا يرضى عنها الجيش الحر، ويرى أنه لو قبل بهذه الوصاية فسيخسر شعبيته على الأرض، خاصة أنه في وقت يحتاج فيه إلى الوحدة الداخلية لمواجهة كتائب وميليشيا، ولعل ما صرحت به بسمة قضماني حول القرآن والإسلام وتهجمها وإساءتها لهما، وقولها أن المعارضة السورية بحاجة إلى الكيان الصهيوني وذلك في مؤتمر للاحتفال بذكرى تأسيس الكيان الصهيوني كشف عنها مؤخرا، أحد هذه التوجهات التي يرفضها الجيش الحر، خاصة انه لم يتم اتخاذ أي إجراء ضدها، على الرغم من أن هذا الموقف تحديدا هو موقف مرفوض جملة وتفصيلا من الشعب السوري ولا يحتاج ذلك الرفض إلى دليل، فقيادة الجيش الحر لا تريد أن يتبنى توجها سياسيا ترفضها عناصر الجيش المقاتلة وتحدث تصدعا في بنيانه. كما أن الجيش الحر قد جرب سابقا وعود المجلس الوطني بتقديم الدعم المالي، إلا أنهم لم يقدموا له شيئا على الإطلاق، وهو على علم بالخلافات الموجودة داخل المجلس الوطني وربما لديه معلومات تفصيلية عنها، وبالتالي لن يقبل أن يقوم بدور تجميل وجه المجلس الوطني الذي فقد الكثير من مصداقيته ومكانته في الشارع السوري، بعد أن كان السوريون يعتبرونه في وقت سابق هو الممثل الشرعي والوحيد لهم. بات أمامنا اليوم الجيش الحر وله قيادته المستقلة بقرارها وهو القوة التي يراها السوريون على الأرض تدافع عنهم وتقدم أرواحها فداء لهم، كما أن هناك مجلس استشاري عسكري لتنظيم دخول السلاح إلى المعارضة المسلحة، ولكنه في ذات الوقت لا اتصال بينه وبين الجيش الحر، فعمليا هذا المجلس الاستشاري لا أهمية له ما لم يكن هناك تنسيق مع الجيش الحر. إن بقاء الوضع على ما هو عليه الآن يمثل خطورة كبيرة على الثورة السورية، خاصة أن الخلاف لم يعد مجرد خلاف في الأوساط السياسية، بل إنه بدأ يمتد الجيش الحر، وما لم يتم التنسيق بين الجيش الحر والمجلس الاستشاري العسكري، فسوف يتفاقم الخلاف، مما يصرف جهود قيادة الجيش الحر إلى أمور خلافية وجدال لا ينتهي، بعيدا عن قيادة العمليات على الأرض، وما يترتب على ذلك من تراجع الجيش الحر، أمام ميليشيا وكتائب وعصابات بشار الأسد، وفي هذا من الخطورة ما فيه، كما أن عدم الاتفاق بينهما وظهور قوى مسلحة جديدة في الشارع يأتيها السلاح بإشراف المجلس الاستشاري العسكري، يمثل خطورة كبرى، فلا يجب أن تفتت الجهود العسكرية للمقاومة لأن الوحدة والترابط بين الكتائب المنتمية للمعارضة في كافة المدن يضمن التنسيق بينهم، وقد يستغل النظام السوري هذا الخلاف لخلق الفتنة وإثارة نزاعا مسلحا، بل إنه بالتأكيد سيدفع أجهزته الأمنية والاستخباراتية لفعل ذلك إن وجدت أكثر من قوة مسلحة للمعارضة على الأرض. كما أن استمرار الوضع على ما هو عليه، سيؤدي إلى ضعف الموقف السياسي للمعارضة السورية، وستبدو وكأنها متصارعة على سلطة غير موجودة أصلا بل إن الطريق إليها يكون على دماء الشعب السوري، وهو ما من شأنه أن يصرف الدول عنهم، وأن يتحججوا بأنها معارضة غير موحدة وتتصارع فيما بينها، وبالتالي فإن الدول التي كانت تنوي أو تفكر في تسليح المعارضة السورية ستراجع نفسها مرة أخرى، وفي ذات الوقت يبدو النظام السوري متماسكا قويا يكسب أرضا كان قد خسرها، ويقول للعالم هذه هي المعارضة التي تدعمونها بدأت تتصارع وهي لم تحصل على أي سلطة بعد، وهو ما من شأنه أن يقوي موقفه خاصة لدى حلفائه. إن المعارضة السورية أمام مفترق طرق، فإما أن تتجه إلى التنسيق والتعاون، وأما أن يستفحل الخلاف بينهما، ويتحول إلى صراع –لا قدر الله- ولهذا فإنه يتوجب على المعارضة التنسيق والتعاون، فعلى المجلس الوطني أولا أن يعيد تنظيم صفوفه، ومراجعة أعضائه ومحاسبة المخطئ منهم، ومراجعة سياساته وتحديد أهدافه وسياساته بشكل واضح، واختيار سبل الكفاح والنضال ضد النظام السوري، وأن يشعر المجلس بحجم المأساة على الأرض والالتزام بما التزم به الشعب السوري من مواقف سياسية شعبية واضحة منذ عقود، وبحسم الخلاف داخل المجلس الوطني انحيازا لرغبة الشعب السوري يكون الباقي أيسر وأسهل. أما التعاون بين الجيش الحر وبين المجلس الوطني بعد أن يحسم خلافاته الداخلية، فيجب ألا يكون على شاكلة وصاية طرف على طرف أو تبعية طرف لآخر، بل على قاعدة التساوي والندية، خصوصا في ظل أجواء عدم الثقة والتباين الكبير في الرأي، وبدلا من أن يتشكل المجلس الاستشاري العسكري من أعضاء بالمجلس الوطني، يعاد تشكيله من جديد، على أن يكون أعضاؤه من المجلس الوطني ومن الجيش الحر معا، على ألا يشارك فيه الشخصيات المثيرة للجدل والنزاع، بل من الشخصيات المشهود لها بالالتزام والشعور بالمسئولية، ولا يكون تابع للمجلس الوطني بل يكون عبارة هيئة عليا للتنسيق بينهما
خطار أبو دياب
مهنا الحبيل
غازي دحمان
سعيد الحاج
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة