..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

لا تَهِنوا ولا تحزنوا

مجاهد مأمون ديرانية

١ مارس ٢٠١٢ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3020

لا تَهِنوا ولا تحزنوا
0066045.jpeg

شـــــارك المادة

الثورة السورية:خواطر ومشاعر (47): لا تَهِنوا ولا تحزنوا

إن كنتَ أرقتَ ليلةَ بدأ النظام المجرم بقصف بابا عمرو حتى طلع ضوء الصباح ولا يجد النومُ إلى عينيك سبيلاً، ثم قمتَ بعد نوم قلق وفتحت جهازك متلهفاً لسماع ما يُطَمئن من أخبار، وكذلك مضت الأيام والليالي التالية، ستة وعشرون يوماً وستّ وعشرون ليلة حافلة بالقلق والأرق وبالترقّب والدعاء… إذا كان هذا شأنك فأنت الساعةَ محزونٌ مكروب، ولعلك تقرأ أخبار انسحاب أبطال الجيش الحر من بابا عمرو بقلب منقبض وعينين زائغتين بلّلهما الدمع، ولعل هاتفاً من هواتف اليأس يهتف في قلبك يقول: لا أمل، لقد هُزمنا!


إن كنتَ تؤمن بالله وبوعد الله فاقرأ هذه المقالة، واقرأها إن كنت تثق بحركة التاريخ وبسنّة الله في التاريخ، واقرأها إن كنت تثق بقوة الإنسان وعزيمة الإنسان.
يا أيها المحزون المكروب:

ثق بالقوة التي منحها الله للإنسان يوم خلق الله الإنسان، ولولاها لما بقي إنسان إلا وحَطَمته الهمومُ والأحزان. إنك الساعةَ في غم وهَمّ عظيمين، ولكن الأيام تتقلّب وتدور، وإنك لتتذكر الآن -لو شئت- يوماً أمضيتَه في مرض شديد حتى ظننت أنك لا تبرأ، فتضحك في سرّك من نفسك وأنت تتذكر مبلغ ألمك وتشاؤمك في ذلك اليوم، أما الألم نفسه فلا تكاد تتخيله بعدما ضاع في ثنايا الزمان. وإنك لتتذكر الآن -لو شئت- ضائقة وقعتَ بها حتى ظننت أنها لا مخرج منها ولا فرج، فتضحك من نفسك وأنت تتذكر مبلغ ضيقك ويأسك في تلك الحالة، ولا تكاد تتخيل الضيق نفسه بعدما محت أثرَه الأيام. ولسوف تتذكر هذا اليومَ -بعد أجل- وتنظر حواليك فتقول: أين ما أصابني من هم وغم؟ وأين نمرود سوريا الذي طغى وبغى وأظهر في الأرض الفساد؟ لقد ظن أنه يبقى أبدَ الدهر وكذلك ظن عبيده، فزال النمرود وزال العبيد.
يا أيها المحزون المكروب:
اقرأ التاريخ وخذ منه العبر. أما إنه ما كان ظفَر إلا من بعد هزيمة ولا كان انتصار بلا آلام، وكم من جيش أثخنته الجِراح وتخطى الهزائم وصولاً إلى النصر الكبير! النبي - صلى الله عليه وسلم - ومَن معه مِن المسلمين أصابهم في أُحُد ما أصابهم، فما لبثوا غيرَ قليل حتى انقلبت هزيمتهم نصراً يوم الأحزاب، ثم تكلل جهادهم بالفتح الأكبر ودخلوا مكة ظاهرين. وحين توجه المسلمون تلقاء فارس بعد ذلك هُزموا في "الجسر" هزيمة موجعة ثم انتصروا في القادسية نصراً باهراً، ولو أردت أن أستقصي كل هزيمة أعقبها نصرٌ لاحتجت إلى مجلدات، فخذوا العبرة ودعوا التفاصيل: ما أكثرَ ما وُلد النصر من رحم الهزيمة، وما أكثرَ ما خسر المتحاربون معارك ثم ربحوا الحروب.
يا أيها المحزون المكروب:
ألست تؤمن بالله وبوعد بالله؟ لقد وعد الله عباده المؤمنين بالنصر ولكنه لم يعدهم بالعافية من البلاء، لا بل أنذرهم به وهيّأهم لتحمله، فقال وهو أصدق القائلين: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنةَ ولمّا يأتِكم مَثَلُ الذين خَلَوا من قبلكم، مَسّتْهُم البأساء والضرّاء وزُلزلوا، حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه: متى نصر الله؟}. لقد بلغ من شدة البأساء والضرّاء أن الله -تبارك وتعالى- يشبّهها بالزلزال، وبلغ من شدة البأساء والضرّاء أن المؤمنين اقتربوا من اليأس! المؤمنون فقط؟ لا، بل والرسول أيضاً، فتخيلوا كم يبلغ إيمان الرسول، وتخيلوا حجم البلاء الذي يمكن أن يوصل الرسول إلى اليأس أو قريباً من اليأس!
ولكن ماذا بعد ذلك؟ الرسول والمؤمنون يسألون يائسين أو شبه يائسين: متى نصر الله؟ ما الجواب؟ اسمعوا الجواب يا أيها المحزونون: {ألا إنّ نصر الله قريب}. قريب، ورب العزة والجلال إنه قريب.
اللهمّ إن الناس يكادون يسقطون في هاوية اليأس، فارفعهم اللهم برافعة الإيمان والأمل. اللهم اقذف في قلوبهم الطمأنينة وبرّد قلوبهم باليقين. اللهم إنك وصفت محنة أنبيائك فقلت عنهم: {حتى إذا استيأس الرّسلُ وظنّوا أنهم قد كُذِبوا جاءهم نصرنا}؛ وهؤلاء عبادك في أرض الشام قد استيأسوا إلا من رحمتك، وإنهم علموا أنهم كُذبوا، كَذَبهم العالَم من حولهم، وكَذَب ظنُّهم في الخلق أجمعين، ولم يبقَ لهم ظن وأمل إلا بك يا أيها الرحمن الرحيم، ففرّج اللهم كربَهم، واكشف اللهم همّهم، وأنزل عليهم النصر القريب، اللهم أنزل عليهم نصرك القريب، اللهمّ أنزل عليهم نصرك القريب يا سميع الدعاء.

المصدر: الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع