كريم علي
تصدير المادة
المشاهدات : 6657
شـــــارك المادة
يتجه الوضع السوري نحو المزيد من التصعيد بفعل ديمومة واستفحال القمع المتراكب مع الخطاب العنجهي. وكأن ما جرى خلال الأشهر الماضية من عمر الثورة ليس إلا تمريناً على القتل والاستباحة، وصولاً إلى تدهور الأوضاع على مختلف المستويات، والقادم أفظع وحاسم بعد انقشاع الغيوم المتلبدة التي حجبت سماء الحقيقة!
يتكثف الوضع السوري المأزوم بوصوله إلى مرحلة شديدة التعقيد، حالت دون بروز أي بصيص أمل لحل قريب أو حسم ما، أَزَمهُ أكثر مواقف الأطراف الدولية والإقليمية ودوافعها المتباينة، وتوهان المعارضة السورية في صحراء الجدل حول العديد من القضايا التي تمتد من التدخل الخارجي ولا تنتهي عند مسألة حمل السلاح. يضع المتابع للشأن السوري يده على حقائق هامة ومفصلية أضحت ماثلة أمامنا ومتحركة وترتسم معالمها ومفاعليها، وهي محددات غاية في الأهمية في سياق التحولات الجارية. لذلك كانت الولايات المتحدة أول الأطراف الخارجية التي أدركت أهمية التعويل على هذه الحقائق في خضم الصراع الدائر، آخذة بالحسبان خصوصية المسألة السورية، فرأينا انكماشاً في سياستها حيناً، وعطالة حيناً آخر، ولم تخرج المواقف الدولية عن هذا الاتجاه، لأن مختلف الأطراف تعي الأولوية التي يتمتع بها الموقف الأمريكي، فراحت تنتظر المزيد من التطورات الداخلية حتى تنجلي الصورة. على ماذا يراهن الخارج؟ أعتقد أنه يراهن على اثنتين من الحقائق، وكل منها تحمل أبعاداً مركزية في تاريخ سوريا المعاصر، وبالتالي آثارهما ومضاعفاتهما الجذرية على مستقبل النظام خصوصاً، طبعاً بعد أخذ البعد المركزي الأهم القائم على أرض الواقع، وهو حقيقة وجود انتفاضة شعبية عازمة وبإصرار لا يلين على إسقاط النظام. الحقيقة الأولى اقتصادية: تحمل بُعداً مركزياً، وتعتبر العصب الحيوي الفاعل في مجمل مواقف النظام وعملياته ومناوراته وحتى في آفاق وجوده. لهذا سارعت الولايات المتحدة والدول الأوروبية ولحقتها دول إقليمية وعربية لفرض عقوبات اقتصادية شديدة، شملت مختلف الميادين التي تشكل منابع حياة وقوة للنظام، والكل يعلم أن العقوبات الاقتصادية لا تسقط أنظمة، استناداً إلى التجارب السابقة: العراق، ليبيا، إيران وحتى حماس في غزة. إلا أنها وعلى ما يبدو، قد تعطي نتائج جدية ومغايرة، وقد تكون كارثية على النظام، ومن ثم على البلاد. لم يعد خافياً على أحد ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية، فهناك توقف للنشاط الاقتصادي وصل إلى ما نسبته 40% شمل جميع نواح الحياة الاقتصادية: زراعة وصناعة وتجارة، وترافق هذا الشلل مع حجم كبير من الخسائر المالية، إضافة إلى تدهور قيمة الليرة السورية وانحدارها صوب الانهيار. عداك عن الارتفاع الجنوني لأسعار السلع والمواد الأساسية، والتي لا تتماشى إطلاقاً والقدرات الشرائية لا الفعلية ولا الاسمية للمواطنين لمواجهة مثل هذه الأعباء والتحديات الإضافية. فكيف ستكون الحال عند الحديث عن احتمال وقف ضخ الرواتب والمعاشات الشهرية للموظفين والعاملين في الدولة، وعن الأخبار التي يتم تناقلها عن أن عدد كبير من المسؤولين ورجال الأعمال نقلوا مبالغ ضخمة من أموالهم إلى الدول المجاورة، وعن المستويات النوعية التي وصلت إليها معدلات البطالة، وكذلك عن تآكل قسم هام عن احتياطيات البنك المركزي من القطع الأجنبي يوماً وراء آخر. إن الأزمة الاقتصادية الطاحنة ستُوقظ الجميع، خاصة هؤلاء الذين يدعمون النظام. وبالتالي فإن تأثيرات هذه الحقيقة ستكون حاسمة في المدى المنظور على مستوى آلة الحرب الأمنية والعسكرية في صعوبة بقائها على ما هي عليه، ومن ثم الحد من حركتها ومهامها، وأخيراً وحدتها، والأمر الثاني تململ وانفكاك قطاعات واسعة من الشعب تحت ضغط الأزمة الاقتصادية والأعباء الجديدة الملقاة على عاتق المواطنين في ظل انعدام المخارج. الحقيقة الثانية عسكرية: لقد نجحت الثورات العربية في (تونس ومصر) بفضل موقف المؤسسة العسكرية، إن كان حياداً أم انحيازاً، لكن في سورية، كان ولا يزال للمؤسسة العسكرية موقفاً موالياً للسلطة، أخرت فعلياً من عملية إسقاط النظام. وجعلت مسار الثورة عسيراً ودموياً، لكن مع استمرار الصراع بدأت تظهر مؤشرات جديدة دفعت بالكثير من الدول الفاعلة في الساحة الدولية على التريث لجهة اتخاذ المواقف والإجراءات المتسرعة -الولايات المتحدة وتركيا- بانتظار أن ينجلي المشهد قليلاً داخل المؤسسة العسكرية، وتتضح معالم المخاض الذي تعيشه حيث تنذر بالمزيد من التصدعات والانشقاقات، وتراجع حاد في المعنويات، عداك عن حالة الإنهاك العام التي أصابتها في ظل أجواء تخلو من أي نوع من الأمان والحماية والاهتمام المطلوب في شؤون حياتهم اليومية، كل هذا يأتي على أرضية تقدم طرف لم يكن في الحسبان. ومهما كان اسمه: الجيش السوري الحر، أم مقاتلين مدنيين من الثوار.. أم.... طرف يصعد نجمه، أصبح في صلب المعادلة، تحتضنه جموع هائلة من الشعب في مختلف المناطق والأحياء ويهتفون له، يحمل السلاح ويدافع عن نفسه، وعن المتظاهرين، وعن الأحياء والمدن، ويهاجم المواقع العسكرية والمراكز الأمنية، وفيما بعد قد يفرض شروطاً محددة. إذاً، على ضوء المعطيات الداخلية وما يمكن أن يتمخض عنها، تقف الأطراف الخارجية أمام احتمالين: الاحتمال الأول: تفاقم الصراع أكثر فأكثر، وحصول تطورات في مجرى الصراع، قد تكون انعطافية من مثل انهيار جزئي أو كلي للنظام، بفعل تضعضع قواه وتفكك الجيش، وبفعل التدهور الاقتصادي الحاد. الاحتمال الثاني: مقدرة المعارضة -قوى الثورة- مع الجيش السوري الحر وغيره من المجموعات المسلحة المدنية على تقديم حضور علني فعلي، من خلال سيطرتها على بعض المناطق، بحيث تغدو مناطق محررة فعلاً، (إدلب، جبل الزاوية، أحياء من حمص، الزبداني، دوما.... )، وفي هذه الحالة تصبح مسوغات التدخل واردة وبأشكاله المتعددة. استطاع النظام إبقاء الشعب السوري أسيراً لسياسته ولألاعيبه لأربعة عقود، وهو يحاول مرة أخرى أن يُبقيه رهينة، ولعقود أخرى، نتيجة سياسته الكارثية، على جميع الصعد، التي ستستمر آثارها الكارثية بعد الخلاص منه. هذا ما يجب إدراكه والعمل من أجل الوقوف ضده قولاً وفعلاً. إنها مهمة كل مواطن في هذا البلد، وكل القوى السياسية المعارضة على اختلافها. من أجل سورية حرة ديمقراطية.
المصدر: صباح سوريا
فراس الاتاسي
عوض السليمان
القدس العربي
علي حسين باكير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة